الماركسية . أسئلة النقد ووجاهة المعرفة
سعد محمد حسن
2014 / 1 / 11 - 15:48
الماركسية ... أسئلة النقد ووجاهة المعرفة
النقد الحقيقي لا يحلل الأجوبة , بل الأسئلة
كارل ماركس 1844
تمهيــــد :
النظر الفلسفي في سياق هذه الدراسة, ليس نقدا في دلالته التاريخية ألا بقدر ما يثبت راهنية مفاهيم الماركسية ومقولاتها على الأرض , أي في الواقع المادي والاجتماعي في شروطه الإنسانية والتاريخية والطبيعية .
مما لاشك فيه أن النقد بما هو ممارسة فكرية , لم يفارق الخطاب الفلسفي , سواء كان ذلك بشكل صريح ومباشر أو بشكل ضمني وغير مباشر , ولعل عملية فصل الفلسفة عن النقد تكاد تكون عملية فصل منهجي , أكثر مما هي فصل حقيقية , لآن الفلاسفة عبر تاريخ الفلسفة أنما تناولوا أراء غيرهم بالنقد العلني أو المستتر , لذلك بات من الواضح جدا وفي سياق الممارسة النقدية أن تحتل الأسئلة في الفلسفة كما في الفكر مكانتها الأكثر حضورا وتميزا وأهمية , كونا أس المعرفة ومنطقها العلمي في تمكنها من الكشف عن معاناة الإنسان وعذاباته في بحثه المتواصل عن الماهية والوجود والمصير الفردي والجمعي,
ولآن منطق المعرفة يقوم أساسا على الشك , الشك بكل شيء , كمـــــا يصرح ماركس بذلك , وفي كونه أساس الممارسة النقدية , فليس مــن المستبعد أن يذهب العديـــد مـــــن الماركسيين بعد سقوط وانهيار التجربة السوفيتية أواخر ثمانينات القرن الماضي , للقول بضرورة تعريض تلك التجربة بكل تمثلاتهــــا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية للنقد والتقويم . وبضرورة تعريض الماركسية نفسها بمفاهيمها ومقولاتها المركزية للنظـــر الفلسفي بغيـة التعرف على مدى قدرتها على التعامل والوجود الاجتماعي كما هو تحديدا .
(1)
يكتب لينين في العام 1910 وتحت عنوان " بعض خصائص تطور الماركسية التاريخي " بأن أنجلس كان يقول في معرض حديثة عن نفسه وعن صديقه الشهير , أن مذهبهما , ليس مذهبا جامدا , أنما هو مرشد للعمل , أن هذه الصيغة الكلاسيكية تبين بقوة رائعة وبصورة أخاذة هذا المظهر من الماركسية الذي يغيب عن البال في كثير الأحيان , ولا يغيب هذا المظهر عن بالنا , تجعل من الماركسية شيئا وحيد الطرف , عديم الشكل ,شيئا جامدا , لا حياة فيه وتفرغ الماركسية من روحها الحية ..
(2)
ولآن المشروع الحضاري الذي ولد من رحم أفكار ماركس ما زال ماثلا أمام أعيننا برغم انهيار نموذجه السوفيتي.
ولآن الماركسية بصفتها كفكر مفتوح يتوفر على قابلية التجدد مع ما يقع من متغيرات على الصعيدين العملي والنظري (1) .
ولآن قابلية التجدد هذه تمثل معرفة تاريخية قادرة على بلورة أفكار جديدة في أكثر من مجال معرفي وخاصة في حقل العلوم الاجتماعية (2).
ولآن انهيار النموذج السوفيتي قد وضع الشيوعيين في مواجهة حزمة من الأسئلة في بعدها النظري والعملي, كما وضعهم في مواجهة أسئلة واقع مجتمعاتهم في حركتها الموضوعية .
*********
ومن أجل وضع الماركسية في نصابها التاريخي الواقعي والعقلاني
ومن أجل وضع التجربة السوفيتية أمام أسئلة النقد والتقويم ؟
يواجه الماركسيون الأسئلة الآتية :.
نظريـــــــا :
ماذا يعني القول بمسائلة الماركسية؟ هل يعني إخضاع مفاهيمها ومقولاتها المركزية لمنطق السؤال الفلسفي؟ للبحث عن ما يميز منطقها ومنهجيتها دون المناهج المعرفية الأخرى ؟
وأين يكمن تميز الماركسية نفسها ؟
هل يكمن ذلك في فرادتها المعرفية , أي في كون منهجيتها هي الأكثر قدرة علميا ومعرفيا دون المناهج العلمية والمعرفية الأخرى في التعامل وواقع المجتمعات و الكشف عن أفاق تطورها في سياق توظيف مفاهيمها ومقولاتها ؟
التفرد :بمعنى التأكيد على قدرة الماركسية على الإحاطة المعرفية بواقع المجتمعات والكشف عن أنماط أنتاجها وما هو سائد / مهيمن منها وما هو متحول فيها وعن أشكال الاستلاب السياسي و الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والفكري
أي التصدي لكل إشكاليات الواقع الاجتماعي في لحظة تطوره التاريخي .
أم في كونها متلازمة الرأسمالية في كافة إشكالها المتحولة , بمعنى قدرتها على تحليل ونقد الرأسمالية بأشكالها المعلنة , المنافسة الحرة . الاحتكار , العولمة (3)
أم أن الماركسية تشكل بمنظومتها المعرفية , ملتقى فلسفي, لكافة التيارات الفلسفية في علاقة جدلية معها ؟.
أم أنها تمثل حلم البشرية التواقة إلى حياة تسودها قيم الحرية والعدالة والمساواة
أم أن الماركسية هي تمثلات ذلك معرفيا وواقعيا ؟
وعمليـــــا :
ما أسباب ما ألت أليه تجربة ألاتحاد السوفيتي . هل في كون ثورة أكتوبر كانت سابقة تاريخية لأوانها ؟ أي أنها خارج شرطها الموضوعي ؟ مما أوقعها ذلك في أخطائها العملية التطبيقية ؟
أم يكمن ذلك في النظرية نفسها بمقولاتها ومفاهيمها المركزية , أم في كلاهما ؟
لذلك يأتي القول عن ما يمكن للماركسيين من استنتاجه نظريا من موضوعة أعادة قراءة ماركس بعين منطقه النقدي ؟
وماذا يمكن لهم من استنتاجه من واقع التجربة التي حملت أسم ماركس والتي ما لبثت أن انهارت بعد ثلاثة أرباع القرن..
وماذا يمكن لهم من استنتاجه كذلك من واقع تجاربهم النظرية والعملية على طول تاريخهم النضالي .
لذلك تشكل هذه الأسئلة وما تنطوي عليها من مفاهيم و رؤى يعاد صياغتها من جديد , واحدة من أكثر ألمسائل حضورا في ممارسات الماركسيين وأكثرها مدعاة للتعرف على أنماط تفكيرهم ومدى علمية وواقعية نتاجهم النظري والعملي ومدى صواب رؤيتهم للواقع الاجتماعي في تنوع معطياته وتغيراتها .
ولعل الدافع الحقيقي وراء تلك المسائلة هو السعي الجاد والمخلص للتأسيس العقلاني للكيفية التي تتمكن الماركسية منها ومن خلالها من استعادة قوتها التحليلية المتفاعلة ونبض الحياة وأن تعود كخيار نظري وعملي , سياسي واجتماعي في مواجهة كافة أشكال الاستلاب السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
الهوامش
(1) فؤاد خليل . الماركسية والبحث النقدي . دار الفارابي بيروت .ص . 29 . في السياق ذاته يذهب فالح عبد الجبار في تعريفه للماركسية بأنها " نظرية تحليل النظام الرأسمالي ونقده, فمهمة نقد الرأسمالية وتحليل أشكالها المتطورة والمتحولة باستمرار والبحث عن سبل تجاوزها , مهمة راهنة وهي أساس استمرار الماركسية بعد ماركس . أنظر مساهمة الكاتب في كتاب الفكر العربي وتحولات العصر .
((2) فؤاد خليل . مصدر سابق. ص 30 .
(3) يكتب تيري إيغلتون في كتابه . لماذا كان ماركس على حق والصادر عن دار الكتاب العربي . بيروت . أنه ً " طالما الرأسمالية تتقدم بازدياد , ينبغي على الماركسية أن تتقدم هي ايظا , أنها لا تستطيع أن تحيل خصمها على التقاعد . ألا أذا استطاعت أن تحيل أيظا نفسها على التقاعد . وعند أخر مرة تتلقى زيادة تقاعدية, تكون الرأسمالية أشد شراسة من أي وقت سابق .