أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمد الحمّار - النمذجة كوسيلة ابستمولوجية لإدارة الأزمة في تونس















المزيد.....

النمذجة كوسيلة ابستمولوجية لإدارة الأزمة في تونس


محمد الحمّار

الحوار المتمدن-العدد: 4313 - 2013 / 12 / 22 - 21:36
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


لا أحد ينكر ضرورة مواكبة الفكر للسياسة بل وربما ضرورة أن يتوفر الزاد الفكري الذي يخدم السياسة باتجاه تطوير الفكر السياسي وضمان جودة العمل السياسي والجدوى منه.

لكن من أول وهلة، وبحُكم العلل الظاهرة والباطنة التي تنخر الجسم السياسي في تونس (وفي الوطن العربي)، قد يبدو اقتراح مادة فكرية ومعرفية لغاية حلحلة أزمة سياسة أمرا غير متسق مع الأعراف والآداب السياسية.

مع هذا سنسعى إلى كسر هذا الحاجز ونقترح مقاربة - عامة ومتعددة الأبعاد والوظائف -وذلك ابتغاء الإسهام في إدارة المشكلة السياسية في تونس الآن. أما حرصنا على مخالفة الأعراف والآداب السياسية فمردّه انطلاقنا من مبدأ لطالما آمنا به وأثبتنا صحته ألا وهو استنفاذ تقريبا كل الذخائر والموارد الفكرية التي من شأن المجتمع السياسي في تونس النهل منها والتعويل عليها للخروج من الأزمات ولتجاوز الأزمة الراهنة من باب أولى.

لقد بلغ مجتمعنا حدّا من الجمود جعله يدور في حلقة مفرغة. فلا الندوات الفكرية ستسفر عن نتائج عملية ولا حلقات التكوين في التربية والتعليم وفي الصناعة وفي التجارة وفي أيّ مجال آخر ستثمر إجراءات عملية لتطوير الحياة ولا الشعب من شغالين وموظفين ومدرسين ومهندسين وأعوان الصحة العمومية وغيرهم سيقدّرون واجباتهم حث قدرها ويضطلعون بها على وجهٍ مرضٍ من دون تحريك عزائم هؤلاء وكل القوى الحية بواسطة أداة ابستمولوجية تكون بمثابة الحفّاز أو المسرّع لكل واحدة من العمليات الهادفة إلى تطوير المجتمع، وبالتالي تكون بمثابة الأداة المُسرّحة للاحتقان العام والسياسي.

النمذجة كحَفّازٍ ومُسرِّعٍ ومُسرّحٍ

في هذا السياق نعرض على النخب وعلى الطبقة السياسية بالخصوص مقاربة لئن كان اسمها متداولا في المعاجم الفلسفية والعلمية – ألا وهي"النمذجة" - فإنّنا نعتزم عرض نسخة تونسية منها، تكون مُبيئة ثقافيا ومجتمعيا حسب متطلبات المجتمع العربي الإسلامي إجمالا والمجتمع التونسي على وجه الاستعجال.
لكن قبل ذلك لا ضير في أن نعرّف النمذجة. هي تقنية تستعمل في مجالات عِدّة كالصناعة والمعلوماتية لكنها تستعمل أيضا في السياسة العليا أي لإدارة الصراعات العالمية الكبرى. لقد استخدمت النمذجة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية – وبطبيعة الحال من طرف بعض البلدان المتقدمة الأخرى- لخوض الصراعات الإيديولوجية والتحضير للحروب بل ولكسب هذه الحروب.
وقد يكون أدل مثال على ذلك مثال أمريكا التي توصلت في بداية التسعينات من القرن المنقضي إلى تبليغ فكرة عوضا عن فكرة إلى العالم بأسره. لقد غرست في عقول مئات الملايين في العالم فكرة مفادها أنّ العراق يمثل الإرهاب وأنه يجسد تنظيم القاعدة تحديدا وأنه يمثل الإسلام. كما رسخت في عقول سكان العالم، بمفعول تراكم "النماذج" المختلقة للغرض، فكرة أنّ الإسلام هو الإرهاب، معاذ الله.
كان هذا توصيفا مقتضبا لمثال عن النمذجة كما هي مستعملة لغايات شريرة والتي وفقت فيها الولايات المتحدة إلى حد كبير حيث إنها أقنعت العالم بأن العراق ينبغي أن يُضرب ويعاقب ويُستعمر بدعوى أنه يجسد الشر. و هو مثال يتسم باستبدال فكرة خاطئة مكان الأفكار الصحيحة. لكن ماذا لو استعملنا النمذجة لغايات خيرية، في تونس أولا ثم ربما في كل مكان من العالم؟

لمّا تكون النمذجة مستعملة في الصناعة أو في مجالات أخرى مفيدة، مادية أو رمزية، وبصفة إيجابية، فهي تتمثل في خلق "نماذج" من "أصل" وتكون هذه النماذج أقرب ما يمكن من الأصل لكنها ليست الأصل. والفرق بين الأسلوب النافع والأسلوب الضار هو أنّ الأول يزوّد الفرد والمجتمع بنماذج من السلوكيات والأفعال والمشاريع تقترب قدر المستطاع (حسب الوعي والمستوى العلمي للنخب) من الحقيقة والحق، بينما يتميز الأسلوب الضار بتزوير الحقيقة وهضم الحق.

كيف هيئنا براديغم النمذجة، ولماذا وفيمَ يمكن استعماله؟

لقد هيئنا براديغم النمذجة حسب الرسم التالي:
*بين الإسلام والسياسة.
*بواسطة نموذج أصلي مستخرج من النظام اللغوي.
*من أجل تسهيل التواصل بين الدين والسياسة والحسم في مسألة منع الخلط والمزج بينهما والذي طالما أدى إلى الاستقطاب الإيديولوجي والسياسي وإلى الانقسام المجتمعي وبالتالي تسبب في الاحتقان السياسي وتعثر أو توقف كل حوار فضلا عن تعطل العمل المنتج للثروة وللسعادة.

ما هي الأساسات العلمية للنمذجة الدينية السياسية؟

يشتمل مشروعنا للنمذجة على عديد المبادئ سنتولى تقديم الاثنين الأهم منها: الأس الأول (وهو ذو وجهين اثنين) هو أن الله هو الحق وكلام الله حق. و لا أحد بإمكانه إدراك الحق والحقيقة بالتمام والكمال. هذا من جهة. و من جهة ثانية فاللغة تعبّر عن الحق وعن الحقيقة لكن الكلام الذي يقوله زيد والكلام الذي يقوله عمرو ليس مقدسا مثلما هو الأمر بشأن كلام الله عز وعلا.

أما الأس الثاني الذي ترتكز عليه فكرة النمذجة بين الإسلام والسياسة بواسطة اللغة فيتلخص في ما يلي: من الأفضل أن نتعامل مع بعضنا بعضا على قاعدة غير مقدسة، اقتداءً باللغة وفلسفتها ووظيفتها، عوضا عن تناول المسائل الدنيوية من زاوية المقدس (النص الديني والنقل عموما). تلك هي فلسفة النمذجة على طريقتنا.

كيف نخلق النماذج وما هي النماذج وفي أي مجال نطبق النماذج؟

لقد جربنا صياغة نماذجَ في السياسة، هي من أصل الدين لكنها غير مقدسة من جهة وغير مباشرة من جهة أخرى. أي أنّ هذه النماذج - وهي عبارة على مخططات وتصاميم ورسوم واستراتيجيات سياسية – أردناها أن تكون معبرة عن التديّن بصفة ضمنية وذلك لغاية حفاظها على منسوبٍ من العقلانية يكون مشتركا بين المتدين وغير المتدين، بل بين المؤمن وغير المؤمن.

وكَون هذه التعبيرات السياسية (النماذج) منبثقة عن أصل الدين لكنها غير مقدسة فذلك يعني أمرين اثنين. يعني ذلك من جهة أنها تستبطن نماذج من التفكير الديني ومن السلوك الديني ومن الخطاب الديني، أي أنها عبارة على مرايا تعكس قرارات تصلح لأن تتبناها الأفراد والجماعات والمجموعة الوطنية بوصف هذه القرارات نتاجا لطرائق وأساليب في فهم الدين وفي التعبير عن التدين متسقة مع واقع وتطلعات المجتمع. كما يعني ذلك من جهة ثانية أنّ النماذج السياسية غير ملزِمة بالإيمان وبالتدين.

ويجدر التشديد على أنّ تلكم الطرائق والأساليب التي تسند السياسات المستجدّة (النماذج) لا تحيد عن المنهاج الرباني والنبوي الأصلي لكنه فقط مُحيَّنة حسب حاجيات المسلم المعاصر وحسب العصر وظروف الحياة فيه وحسب المناخ الفكري التعددي الذي يشترطه العصر.

مع هذا ففي المقابل يجدر التشديد على أنّ السياسات المبنية على تلكم الطرائق والأساليب، بالرغم من أنها ليست ملزِمة دينيا كما قدمنا إلا أنها مُلزمة ثقافيا ومجتمعيا وأخلاقيا طالما أن طريقة بناء هذه السياسات قد وفرت مبدئيا الحدّ الأدنى من الوحدة العقدية (المجتمعية العامة) وبالتالي قد وفرت ضمانة الوفاق الواسع أو "العقد الاجتماعي".

ما هي التصحيحات المستعجلة والتي ينبغي تمريرها فورا داخل نسيج الفكر السياسي؟

يتعلق الأمر بنماذج موجودة، حية وفاعلة وتتجلى في شكل مسلمات خاطئة. ونحن نقدّر أن هذه النماذج والمسلمات الناجمة عنها أثبتت أنها مضرة وأنها ساهمت ومازالت تساهم في جمود الفكر والسياسة. وكنتيجة لهذا التقدير نعتقد أنّ الحكومة المزمع تشكيلها برئاسة السيد المهدي جمعة مطالبة بالتحفيز على قلب هذه المسلمات الخاطئة رأسا على عقب بل وبرمي حجر الأساس لإصلاحات تكون متمحورة حول النتائج التي سيسفر عنها القلب والتصحيح.

وهذا العمل قابلٌ للتحقق بفضل زرع نماذج مستحدثة وأيضا بفضل نسخ النماذج الضارة واستبدالها بنماذج تكون الأقرب من الحقيقة ومُسفرة عن مسلمات مصححة. وفي ما يلي أهم الثنائيات بهذا الشأن:
أ. الخطأ: تونس صغيرة وفقيرة/الصواب: تونس كبيرة وثرية.
ب. الخطأ: أن نعمل لدنيانا كأننا نموت غدا/ الصواب: أن نعيش لدنيانا كأننا نعيش أبدا.
ج. الخطأ: أن ننطلق من صورة الواقع لبناء تصورات للمستقبل/ الصواب: أن ننطلق من تصورات للمستقبل لبناء الواقع الحاضر.
د. الخطأ: اللغة العربية لغة تعاني من أزمة لذا يتوجب التعويل على اللغات الأجنبية للحاق بركب الحضارة/ الصواب: اللغة العربية تعاني من أزمة لذا يتوجب حسن توظيف اللهجة العامية واللغات الأجنبية لتطوير اللغة العربية.

عمليا، كيف يمكن لحكومة إدارة الأزمة استخدام مقاربة تصحيح العقائد الخاطئة لتسوية الملفات الحارقة التي تنتظر حكومة المهدي جمعة؟

بإمكان رئيس الحكومة المقبل مثلا تكليف فريق من الخبراء الذين يتم مسبقا إطلاعهم على برنامج تصحيح المسلمات والعقائد وتشريكهم في إعداد نماذج تشكل في النهاية مقاربة تنفيذية للبدء فيما بعد في إدخال البرنامج التصحيحي حيز التنفيذ وذلك بالتنسيق مع الوزارات والهيئات الفنية، كل حسب الملف الحارق أو الملفات الحارقة المطروحة أمام أنظارها من جهة والمسلمات الخاطئة المزمع التعاطي معها من جهة ثانية.

والخلاصة هي أنّ بفضل تطبيقات التصحيح والإصلاح والزرع التي توفرها لنا النمذجة بين الدين والسياسة عن طريق اللغة بإمكان تونس أن تنكبّ من الآن على تطوير مجالات النشاط الإنساني كافة. أما الغاية من اقتراح تنزيل هذه المقاربة، اليوم قبل الغد، وعلى يد الحكومة الانتقالية المزمع تشكيلها و دون انتظار حكومة ما بعد الانتخابات، فهي مساعدة العقل المجتمعي في تونس، والعقل السياسي على الأخص، على إعادة هيكلة نفسه بفضل البراديغم الجديد وذلك من أجل تنصيب حجر الأساس لسياسة كبرى دائمة تتولى صياغتها وتنفيذها الحكومات الموالية للحكومة الانتقالية.

بالنهاية إنّ الغاية الأولى والأخيرة من ضخ البراديغم المستحدث في المجتمع وفي الدولة تكمن في الحاجة الماسة لتسهيل عملية تغيير الفرد والمجتمع وأيضا تغيير طرق التفكير والتنفيذ لديهما من أجل استتباب الأمن والأمان وبلوغ السِّلم الاجتماعية وإنجاز الارتقاء الحضاري وتحقيق السعادة.



#محمد_الحمّار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حتى يكون مهدي تونس منتظرا
- في انتظار عثور تونس على حكومة
- مخطط لإنقاذ تونس
- 7 توصياتٍ بشأن الحركة الإسلامية
- تونس: المآسي وراء الحوار الوطني الأساسي
- تونس بين تشبيب الشيوخ وشيخوخة الشباب
- تونس: الجري مثل الوحوش وحكومة الريتوش
- تونس: الكُتّاب الفاسدون وعودة الرجعية
- تونس بين الإرهاب والفهم المتجدد للإسلام
- تونس: اغتيال الأمنيين واغتيال العقل
- هل سيخرج التونسيون إلى الشارع؟
- في بلاد ما وراء الشرعية والانقلاب
- تونس: في ضرورة الانقلاب الثالث
- تونس: الإسلام بين اليمين و اليسار والحوار بين النفاق والوفاق
- إدماج الإسلاميين لإنجاح المبادرة الوطنية التونسية !
- تونس على ذيل وزغة !
- تونس وكل العرب: اليوم سهرٌ وغدا أمرٌ
- نحن وأمريكا والربع ساعة الأخير
- تونس أكبر من الأحزاب وأغنى من النواب
- الإسلام السياسي فُضَّ فماذا بقي؟


المزيد.....




- الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
- هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال ...
- الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف ...
- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...
- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمد الحمّار - النمذجة كوسيلة ابستمولوجية لإدارة الأزمة في تونس