أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 7














المزيد.....

سيرَة حارَة 7


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4274 - 2013 / 11 / 13 - 01:58
المحور: الادب والفن
    


1
من المأثور، في لغتنا، أن يبدأ المرء جملة قوله بكلمة " مه كَو ": أنا قلت. وكان الكبارُ لدينا في الحارة، ( ركن الدين )، يفتتحون كلامهم بهذه الكلمة الكردية حتى لو تابعوا حديثهم أحياناً بالعربي. فامرأة عمّي الكبير، التي كنا
ندعوها " آموجني "، ذكرت ذات مرة قولاً ذهبَ بالفعل مثلاً في حارتنا: " مه كَو، لا فرْحت ولا فرّحت جيراني ".
أما جارتها، " زينو حوطيش "، فإنها كانت تستهل لازمةً طويلة حينما تبدأ جملتها الاستفهامية: " مه كَو، ياديْ، ما هلا، ما قَيْ..الخ ". ذات يوم من أيام الشباب، وكنت قد أرخيت لحيتي على طريقة غيفارا، مررتُ بمجلس هذه الجارة المعتاد، الذي كان يُعقد على عتبة منزلها. إذاك، بادرت هيَ الى سؤال صديقتها ابنة " عبده كَوشي "، بعدما ردّت تحيّتي: " مه كَو يادي ما هلا ما قي، أف نه لاوي جميل؟: أهذا ليسَ ابن جميل؟ ". وحينما وافقتها جارتها، فان " زينو حوطيش " استطردت متسائلة بتعجّب: " تشاوا جه مالا شوعيا شيخَكْ دَرْكت: كيف خرجَ شيخٌ مسلم من بيتٍ شيوعيّ؟؟ ".

2
التنابز بالألقاب، هو أحد عادات قومنا. فمثلاً آل " عزو كركوتلي "، الذين تتراصف منازلهم مقابل زقاق آله رشي، كانوا يُعرفون بلقب " نيسكه "؛ ومعناه العدس. أما جيرانهم اللدودين، " الآله رشية "، فقد حازوا على لقب " فرنكه مري "؛ أي البخيل الميّت على الفرنك....!
" ابن عزو "، كان يملك محلاً هناك ( نوفوتيه جوان )، حيث من الممكن أن يلاحظ المرء واجهته وهي مغطاة تقريباً بنعوات الآله رشية، وذلك كيداً بهم وشماتة. من داخل دكانه، كان صاحبنا يلقي بين فينة وأخرى نظرات إلى الشارع، فما أن يلمح جارَهُ " خالد الأسود " حتى يخرج فوراً ويصيح به: " فرنكه مري! ". فلا يلبث الآخر أن يقف، لكي يرد عليه بصوت أقوى: " ابن نيسكه، ابن نيسكه.. ". "....!
" " قربينه الصغير "، وهو الفتى الخفيف العقل، كان يعرض خدماته على صاحب ذلك النوفوتيه؛ كأن يجلب له صحن الحمص لفطوره. وبما أن المطعم المجاور كان لصهر آل " فرنكه مري "، فإن الفتى كان قد أوصيَ ذات مرة بألا يجلب من عنده صحن الحمّص، بل أن يأتي به من مطعم آخر. غير أن " قربينه الصغير "، وقد لحظ انشغال صاحب النوفوتيه بزبائنه، اتجه فوراً إلى المطعم القريب ذاك. فما أن عاد وهو يحمل صحن الحمّص، حتى أدرك " ابن نيسكه " مصدرَهُ. فخرج إلى عتبة محله، وهوَ يوبّخ الفتى بصوت مرتفع، ثمّ ما عتمَ أن قذف الصحن إلى الأعلى بقوّة. صهر آل " فرنكه مري "، الذي كان جالساً أمام باب مطعمه، رفع عينيه متابعاً ذلك " الصحن الطائر " وهو يتقلّب في الجوّ قبل ان يسقط فيرتطم بالأرض، متناثرةً شظاياه على مبعدة أمتار قليلة من مجلسه.

3
في زمن الفرنسيين، فتح الباب على مصراعيه لأبناء الأقليات كي يتطوعوا في جيش الشرق، وكان فيهم شبان من حارتنا، حيث شكلوا فيه " الفوج الكردي ". ذلك جرى، بعدما تم اخماد الثورة السورية الكبرى، وما أعقبها من اعتراف سلطة الانتداب باستقلال البلد وفق اتفاقية عام 1936....
هكذا وجد " شمّو " نفسه ذات يوم في معسكر تجمّع للمتطوعين الجدد. ثمة، تصادف أن كان هو الوحيد من أبناء الحارة في فصيلة فرسان، فيما البقية أخلاط من العلويين والدروز والشركس والاسماعيليين والنصارى. بعدما تم فرزه مؤقتاً لفصيلة الفرسان هذه، عقد " شمّو " صداقة مع شاب شركسيّ. وقد علم كلاهما، لاحقاً، أنه على المتطوع اجراء فحص طبيّ، بما في ذلك الكشف عن المؤخرة وفحصها بوساطة مصباح يعمل بالبطارية ( بيل ). عندما جاء دور الزميلين، رفضا ذلك الكشف المعلوم بشدة. حينما ضُغط على " شمّو " من قبل الضابط الفرنسي، فإنه أجابه: " إذا قبل زميلي الشركسي عرض مؤخرته لكم، فإنني سأفعل ذلك بعده مباشرةً! ". في مساء اليوم التالي، عاد ابن حارتنا العنيد إلى المهجع بعد يوم حافل من التدريبات الشاقة، فوجد زميله الشركسي مضطجعاً في سريره وقد رفع الغطاء حتى قمة رأسه. ناداه برفق، وإذا به يفاجأ بنشيجه الخافت. عندئذٍ، أدرك " شمّو " جلية الأمر؛ وأن عليه في الغد الاستعداد لفحص المؤخرة من كلّ بد.

4
زمان، كانت حواكير الصبّار تغطي الكثير من النواحي في الشام، وخصوصاً في سفح قاسيون من ناحية الصالحية والمهاجرين والمزة. لدينا في الحارة ( ركن الدين )، كان ثمة حاكورة كبيرة يطل عليها قصر محمود باشا بوظو في ساحة شمدين، وأخرى في ناحيتنا عند نزلة زقاق آله رشي....
من الدور العلوي في منزل " أبو نجمي "، المنيف والكبير، كان يمكن الاستمتاع بمنظر كرم الصبار ذاك ( رزي آني )؛ الذي اتخذ اسمَ جدّة آل ديركي، مالكيه القدماء. وكان من الممكن، أيضاً، سماع صوت صاحب المنزل وهو يوصي زوجته بحرص أن تكرم ضيفاً من ضيوفهم النادرين: " زهرووو! أعدي للفطور مكَدوسة واحدة.. واحدة هااا! وأحضري قدحاً واحداً من الشاي.. واحداً هااا ". "....!
أما جاره، " ابن علي بطه "، فإنه كان يجلس ذات مرة مع آخرين قدّام دكان والده. في غمرة انشغاله بلعبة الزهر ( الطاولة )، انتبه إلى مرور احداهن حِذاء مجلسه مشيّعةً بأريج عطرها. رفع رأسه قليلاً، فرأى المرأة من الخلف وكانت مرتدية فستاناً ضيقاً ذا لون احمر مثير، فما كان منه سوى التعليق بصوت مسموع: " رباه! أية مؤخرة هذه؟؟ ". ما أن همّ باكمال اللعب، حتى سرت همهمة وغمزات الحضور من حوله. حينما عاد صاحبنا وصوّب نظره باتجاه تلك المرأة، فإن صفحة وجهها بانت له بوضوح وهي تهم بالولوج عبر مدخل باب بيته بالذات. عند ذلك، صفق " ابن علي بطه " طاولة الزهر بقوة، ثم نهض منتتراً واتجه في الحال إلى تلك الجهة وقد اكتسى وجهه بمسوح الخزي والخجل..



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في عام 9 للميلاد
- سيرَة حارَة 6
- سيرَة حارَة 5
- سيرَة حارَة 4
- في عام 10 للميلاد
- سيرَة حارَة 3
- في عام 11 للميلاد
- سيرَة حارَة 2
- في عام 12 للميلاد
- سيرَة حارَة
- جريمة تحت ظلال النخيل
- جريمة في فراش الزوجية
- جريمة عند مدخل الرياض
- جريمة من أجل كنز
- جريمة حول مائدة السّادة
- جريمة في منزل الضجر
- في عام 13 للميلاد
- جريمة على الطريق العام
- حكاية من - كليلة ودمنة - 8
- حكاية من كليلة ودمنة 7


المزيد.....




- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 7