أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خديجة يكن - الصحراء الأمازيغية المغربية














المزيد.....

الصحراء الأمازيغية المغربية


خديجة يكن

الحوار المتمدن-العدد: 4273 - 2013 / 11 / 12 - 01:52
المحور: الادب والفن
    


تتألق أولى أشعة الغسق الممتد إلى تخوم السماء،ء هناك القمم تعانق السحب الخفيفة التي تطفو في بحر الغسق الجميل، تسير سيارتنا وحيدة في صيف يجثو على عتبات مساء مفعم بلطائف النسيم، فبعد نهار قائظ استبدلنا فيها بسرعة عجيبة لوننا الأبيض لتشوبنا ملامح برونزية لفحتها الشمس الحارة، غالبا ما نكون الوحيدين في الطريق نجوب أرض سوس الواسعة، المؤثثة بخليط جغرافي خلاب، من هضاب وسهول ووديان تخترق جبالا، ألصقت وجهي الطفولي على زجاج النافذة، وأنا أنظر إلى الأرض تجري مسرعة إلى الوراء، والسهوب من حولنا شاسعة تتخللها أكوام دائرية من الشوك تدحرجها خيول الرياح في مملكتها المنبسطة، تجري الأكوام بلا توقف كما لو عاقبتها آلهة ما، في خضم ذاك السكون وتلك الهيبة العميقة، امتدت يد والدي لتشعل الراديو، كانت تلك لعبتنا السرية التي تجعلنا نبتسم دون أن يدر أحد كنه ابتساماتنا، يعلو صوت هادئ وتابث من الراديو معلنا " هنا إذاعة الجمهورية العربية الصحراوية" نستمع عبر الأثير لهذا الصوت ، لم يكن ذلك يثير حزنا ما، ولا حيرة ولا حتى تساؤل، ولا شئ من هذا القبيل، كنت كمن يستمع إلى أسطورة ما تحكيها ذبذبات أضاعت طريقها من كوكب آخر، وفي دفئ ذاك المساء حيث تحتضننا السيارة وسط طريق طويلة من الأراضي المفعمة بالصمت والحكمة، جاء صوت والدي:" ها قد بدأت إذاعة اللصوص"، ثم تمتد مرة أخرى يد والدي للبحث عن موجة أخرى.
مرت سنوات صرت أذهب لوحدي في تلك الطريق، وفي قبيلة آقا ءيغرن التي تحضنني أياما قبل أن تلفظني حرارتها الكارثية، كنت أجد نفسي في مساأت قهرها القيظ الفتاك حتى استسلمت وتكيفت شجرا وحجرا وبشرا،عجزت كل النسائم الإصطناعية أن تقض مضجعه الحامي الوطيس، كنت جالسة على بعد كاف من بيوت القرية برفقة سيدة عجوز، منحنية الظهر لكنها تتمتع بعقلية شابة وهندام نظيف أبيض متألق، نعلها مزركش بألوان زاهية، لا تغيب الحناء عن يديها المخضبتين دوما ولا الكحل عن عينيها، إنها للا زاين، كانت تجلس على صخرة وأنا واقفة بجانبها، ننظر إلى الغروب الزاهي والشمس الكبيرة كبذرة حمراء تكاد تأخذنا إليها ونكاد نغرق في توهجها البنفسجي، ثمة ضباب خفيف في الأفق المشتعل ثم تهمس للا زاين: " هناك..أخذ اللصوص ابني"، قلت لها وأنا أعرف قصت لحبيب ابنها الوحيد الأسير لدى اللصوص:" ألم تعرفوا مصيره؟"، أجابتني:" قيل لنا أنه توفي هناك لكني لا أصدق، أعرف أنه لا زال سجينا"، ابن للا زاين كان يرعى قرب منطقة تسينت،قبل أن تصادفه عصابة البوليساريو وتختطفه ومن ذاك الوقت لم يعرف له أثرا، كان ذلك في بداية الثمانينيات، حينما تعرضت بعض قبائل طاطا إلى هجوم من اللصوص واختبأت النساء بعيدا،ويحكي لي زوج للا زاين كيف أن العصابة الآتية من تندوف تطلق رصاصها على النخيل لتسقط ثماره وكيف يأخذون أي شئ يجدونه أمامهم ويقتلون من يرفض منحهم غنمه، كانوا مسلحين جيدا وعيونهم تقدح شررا وحقدا،واليوم مر زمن طويل جدا، وها أنذا أمام هذا الغسق تخترق عيناي ذاك الضباب البنفسجي، أعرف أن وراءه ليس ببعيد وكر اللصوص، في طفولتي كانوا يبدون كأصحاب مركبة فضائية لم يعنيني بشئ رسائلهم النشاز عن أرضي، عن صحرائي، عن أمازيغيتي، كنت إبنة منطقة طاطا الأمازيغية الصحراوية، وكنت أرى الوهم ينبثق من العدم، وعصابة اللصوص صار لهم إسم، وصحراؤنا الأمازيغية المغربية صارت صحراء غربية، في كذب لا يخجل من التاريخ ولا الجغرافيا.
تركت طاطا وركبت الحافلة إلى الدارالبيضاء، مسافة طويلة جدا،نظرت إلى الوراء وأنا أنظر إلى مزيج من السحرالعميق والحب القاسي المفعم بدفئ الوطن وبقسوة الألم في قلوب أمهات المخطوفين وإلى حكاية وهم بقدرة عالم من المصالح واللوبيات يستغل هذا الإنحطاط لتحقيق أسطورته الكبيرة.



#خديجة_يكن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دعيني أرتاح


المزيد.....




- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خديجة يكن - الصحراء الأمازيغية المغربية