مداخلة في اجتماع الاحزاب الشيوعية والعمالية - لشبونه
ماري ناصيف
2013 / 11 / 10 - 22:57
اللقاء العالمي الخامس عشر للأحزاب الشيوعية والعمالية
الأزمة العميقة للرأسمالية، ودور الطبقة العاملة ومهمات الشيوعيين في النضال من أجل حقوق العمّال والشعوب.
الهجمة الامبريالية، وإعادة تنظيم القوى على الصعيد العالمي، القضية القومية، التحرر الطبقي والنضال من أجل الاشتراكية.
مداخلة د. ماري ناصيف – الدبس -الحزب الشيوعي اللبناني
الرفيقات والرفاق الأعزاء،
اسمحوا لي، بداية أن أشكر الرفاق في الحزب الشيوعي البرتغالي على استضافتهم للقاء العالمي الخامس عشر للأحزاب الشيوعية والعمالية، وأن أحيي هذا الحزب المناضل الذي قدّم التضحيات الجسام من أجل تحرير وطنه من الديكتاتورية ومن وصمة الاستعمار. وفي هذا المجال، لا بد لي من استعارة كلمات الرفيق القائد ألفارو كونيال، الذي نحتفل بذكراه المئوية، في وصفه للحزب الشيوعي، اذ قال أنه حزب ثوري، طليعة الطبقة العاملة وكل الشغيلة، حزب يناضل دون هوادة من أجل حقوق الشعب، من أجل الحرية والاستقلال الوطني والاشتراكية، وهو حزب وطني وأممي في آن.
في ضوء هذا التحديد سأتناول موضوع لقائنا الخامس عشر الذي هو، برأينا، موضوع واسع لا يمكن إيفاءه حقه من التحليل. بكل الأحوال، نحن هنا قادة رأي ثوري، وبهذه الصفة نحلل الواقع من أجل تغييره، كما يقول ماركس.
الرفيقات والرفاق،
الأزمة الرأسمالية الحالية تخطّت في شدتها وتعقيداتها وشموليتها كل الأزمات السابقة التي شهدها القرن العشرون. وهي، بنظر حزبنا، طويلة الأمد ومركّبة في آن. فإلى جانب كون مؤشّراتها بدأت في أواخر القرن الماضي، أي منذ ما يقارب عقدين من الزمن، نلاحظ أنها متعددة الأوجه، تجمع بين أزمة النظام النقدي وأزمة التضخم والركود والمديونية الخارجية، وأزمة التفتيش عن مصادر طاقة جديدة وأزمة الغذاء وأزمة بيئية بامتياز. لذا، لن تستطيع الرأسمالية إيجاد الحلول لها، وبالتحديد لبعض مظاهرها الأساسية، من البطالة الى العجز المتزايد في الموازنات العامة، رغم كل التصريحات المطمئنة الصادرة عن قادة العالم الرأسمالي ورغم كل الحروب وكل المشاريع العدوانية التوسّعية التي تخوضها أطرافها من أجل إعادة اقتسام العالم. وخير دليل على ما نقول الأزمة غير المفتعلة التي ضربت، منذ فترة قصيرة، الإدارة الأميركية وشلت حركة القطاع العام وكادت تودي بمليوني موظّف الى التهلكة...
ويمكن الجزم أن انقسام العالم الى قطبين لن يساعد على حل الأزمة؛ بل انه سيزيد من حدتها ومن تداعياتها المأساوية على شعوب العالم وبالتحديد الفقراء والمستغلين. فالصراع يدور داخل الرأسمالية بين قطب امبريالي يحاول إبقاء قبضته الحديدية مهيمنة على العالم الذي أخضعه لمصالحه وبين قطب رأسمالي ناشئ يسعى لتحديد حدوده ضمن هذا العالم الرأسمالي الذي أصبح، أكثر من أي وقت مضى، تحت سيطرة رأس المال المالي دون سواه. لذا نلحظ تراجع مصالح رأس المال الصناعي في دول المركز القديمة، وبالتحديد الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وعودة سباق التسلح، وتوسّع تجارة السلاح الى الدول النامية، والتوافق الذي يتم على كيفية تقاسم بعض المناطق، وسياسات التحالفات والاصطفاف... الخ. أضف الى ذلك أن وجود بعض الدول "الاشتراكية"، كالصين، أو ذات التوجه المعادي للامبريالية، كالبرازيل، في القطب الناشئ، أو "دول البريكس"، لن يغيّر كثيراً في المعادلة العامة، ذلك أن الانقسام بين القطبين مختلف كثيراً عما كانت عليه الحال بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى قبلها من خلال وجود الاتحاد السوفياتي والدور الذي لعبه في المواجهة السياسية والعسكرية والاقتصادية والإيديولوجية مع الامبريالية. يضاف الى ما تقدّم أن الصراع الحاد على اقتسام الأسواق والطاقة، ومناطق استخراجها وطرق نقلها، قد أطاح بما تبقى من دور للأمم المتحدة وللمؤسسات التابعة لها، بما يحتم طرح السؤال حول كيفية إعادة صياغة نظام دولي جديد يستند فعلياً الى شرعة حقوق الإنسان وليس الى توجهات الامبريالية والرأسمالية العالية عموماً.
كيف تنعكس هذه الأزمة وذلك الانقسام على منطقتنا ولبنان بالتحديد؟ وما هي مستجدّاتهما منذ اللقاء الرابع عشر في بيروت؟
تتسارع التطورات السياسية والعسكرية.
فمن جهة، أدت المرحلة الثانية من الثورة المصرية، أي ثورة 30 يوليو، الى الانتهاء من حكم الإخوان المسلمين والى تحريك الشارع التونسي والعديد من القوى السياسية والشعبية العربية في الاتجاه نفسه، في وقت لا يزال دور القوى المسلحة (العسكر) غير واضح المعالم، خاصة إذا ما أخذنا بالاعتبار المشروع الامبريالي الأميركي السابق الذي أشرنا إليه مراراً، ألا وهو محاولة تطبيق النموذج التركي أو الباكستاني الجامع بين الجيش وما يسمى في القاموس الأميركي بالإسلام المعتدل. بكل الأحوال، نحن معنيون – وهنا أقصد اللقاء العالمي للأحزاب الشيوعية والعمالي – بدعم هذه الثورة ومثلها تونس بل وكل القوى الديمقراطية التحررية التي نزلت الى الشوارع، من المغرب الى المشرق العربيين مروراً بالسودان، من أجل الحق في العمل والعلم والصحة، من أجل الكرامة الإنسانية والتقدم الاجتماعي، في مواجهة ديكتاتوريات برجوازية تابعة مباشرة أم بشكل غير مباشر للامبريالية ولسياساتها النيوليبرالية المتوحشة.
ومن جهة ثانية، لا بد من الإشارة الى ما خلقه استمرار الأزمة السورية من معادلات جديدة. فإلى جانب التحالف الروسي – الإيراني – السوري (النظام)، الذي تطوّر مع تطوّر تلك الأزمة وتحولها تدريجياً الى أزمة ذات أبعاد خارجية، بدأت الامبريالية الأميركية بانتهاج سياسة جديدة تجاه إيران، إن من خلال فتح خط التواصل مع النظام الإيراني أم من خلال لجم الدعوات الإسرائيلية للعدوان على إيران بهدف منعها من استكمال عملية تخصيب الأورانيوم. يترافق مع هذا النهج الجديد مع تغيير في السياسة ا|لأميركية تجاه النظام السوري، إن من خلال تراجع الإدارة الأميركية عن نهج العدوان المباشر على سوريا بعد أن كانت التهديدات هي سيدة الموقف، أم عبر استعجال واشنطن الموافقة على المخرج الذي وضع لحل مسألة السلاح الكيميائي. والهدف من كل ذلك ليس مساعدة الشعب السوري وشعوب المنطقة، بل إعادة الإمساك بزمام الأمور.
ذلك أننا إذا ما ربطنا هذه التحولات مع بداية تنظيم استخراج النفط والغاز المكتشفين حديثاً في الحوض الشرقي للمتوسط وما يشاع عن اتفاق أميركي – روسي لتقاسمهما، لوصلنا الى استنتاج مفاده أن "الشرق الأوسط الجديد" (أو ما يطلق عليه البعض اسم سايكس – بيكو الثانية) قد أعيد تنظيمه على أساس محاصصة جديدة - وإن تكن غير نهائية بعد - استفيد من أجل انجازها من إعادة ترسيم حدود مناطق نفوذ الطرفين الأميركي والروسي وكذلك من الصفقة حول "السلاح الكيميائي". واليوم، تجري محاولات دولية حثيثة لرمي إتلاف هذا السلاح على عاتق لبنان، الحلقة الأضعف في المعادلة، حيث يتفاعل الصراع العربي – العربي بل والإقليمي عموماً (وبالتحديد الصراع السعودي-السوري ) من خلال السيارات المفخخة والتفجيرات العسكرية المتنقلة من صيدا في الجنوب الى طرابلس في الشمال الى منطقة البقاع القريبة من منطقة القصير السورية ذات الأهمية الإستراتيجية.
كما تجري كذلك محاولات لتصفية القضية الفلسطينية عبر السماح للكيان الإسرائيلي بإمرار مشاريع التهويد وزيادة وتيرة بناء المستوطنات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وتهجير قسم من فلسطينيي أراضي العام 1948، في وقت يستمر فيه الكيان الإسرائيلي بإعلان رفضه وقف الاستيطان، أو إزالة المستوطنات المعششة داخل المناطق الفلسطينية المحتلة، أو خاصة تطبيق حق العودة للاجئين وكذلك عزمه على منع قيام الدولة الفلسطينية الوطنية وعاصمتها القدس. ويستفيد الكيان الإسرائيلي في سياسته تلك من الانقسامات الداخلية الفلسطينية وكذلك من دور الجامعة العربية التي وفقت بلسان رئيس دورتها السابق، أمير قطر، على مبدأ "تبادل الأرض" أي على نقل السكان الفلسطينيين من قسم مهم من الأرض الفلسطينية وتسليمها الى الحكومة الإسرائيلية...
الرفيقات والرفاق،
منذ مائة عام، مرّت البشرية بظروف مماثلة، وإن تكن أقل خطورة من تلك التي نمر بها اليوم نظراً للفارق الكبير في أسلحة الدمار الشامل. كانت الحرب العالمية الأولى بكل ما ولّدت وما نتج عنها من مآسي.
واليوم نواجه الحالة نفسها داخل المعسكر الرأسمالي الذي يستعد لاستخدام كل أسلحته في سبيل إعادة تنظيم سيطرته وتأبيدها. من سلاح الدين الى سلاح الانقسامات الاثنية الى الاقتصاد والحروب المدمّرة.
ماذا أعطينا نحن اللقاء العالمي للأحزاب الشيوعية والعمالية بالمقابل لتأمين شروط المواجهة والتغيير؟
لقد قامت أحزابنا بالكثير على الصعد الوطنية. وقدمت الكثير من التضحيات في قيادتها للطبقة العاملة والجماهير الشعبية المتضررة من الأزمة البنيوية للرأسمالية. وواجهت سلاح الانتهازية ، بالإضافة الى كل أسلحة الرأسمالية، ومنها سلاحي الفاشية الجديدة والعداء للشيوعية. إلا أننا لم نستطع أن نجمع – كما قال ألفارو كونيال – بين الوطنية والأممية بشكل كامل. فلقاؤنا لا يزال يعاني من كونه تشاوريا. نجتمع ونتناقش ونصدر بياناً ختامياً يتضمّن تحليلنا "التوافقي" للعالم. ومع البيان الختامي نوقّع على قرارات تضامنية. إلا أننا لا زلنا بعيدين عن التأثير الفعلي في مجرى الأمور.
لذا، أعيد ما كنا قد أشرنا إليه في ورقتنا أمامكم في بيروت. آن الأوان لقراءة موحّدة لما يجري. قراءة تنطلق من ضرورة وضع خطة متكاملة، منها المرحلي ومنها الاستراتيجي، للمواجهة مع المشروع الامبريالي وتحالفاته. وفي التحليل النهائي دعونا نتذكر كلمات ماركس: مهمتنا تغيير العالم وليس فقط فهمه.