|
فقدان الأمل وانتشار الخوف -- اسباب ظهور التطرف الاسلاموي
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 4270 - 2013 / 11 / 9 - 16:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هناك عنصر في غاية الاهمية في تحليل اسباب ظهور التطرف الديني في المنطقة العربية ، وهو العنصر المتعلق بإستراتيجية اشتغال السلطة السياسية . نعم ان عناصر التحليل الاخرى هي بمثابة الارضية الاساسية للتحليل : العنصر السياسي ، العنصر الاقتصادي ، العنصر الثقافي ، العنصر الديمغرافي ، عنصر الجهل والتزمت ، عنصر المحيط ، وأخير وليس آخرا عنصر العدو الفعلي او العدو الشبح ما دام ان تبرير الهزيمة يرجعه العرب الى نظرية " المؤامرة الموجودة فقط في مخيخهم و’عقيلهم ، وما دام العرب مشهورين قبل غيرهم بتحويل جميع الهزائم الى انتصارات بهلوانية ، والفشل الى نجاح ، وما دام العرب دون غيرهم معروف عنهم أنهم دائما لتفادي الصدمة القادمة او الحالية ، يدفنون رئسه في التراب مثل النعامة حتى تمر الازمة . لكن مسألة استراتيجية السلطة السياسية كيف تسوس ببراعة القطيع هي بمثابة نسيج وخيط ناضم يتفاعل ضمنه مختلف العناصر . تحقق المجموعات السياسية تماسكها ، إما بالاعتقاد بإيديولوجية مشتركة او بالاستجابة لمتطلبات سلطة مركزية مشتركة ، او لوجود مصالح مشتركة ، او ( التضامن ) الانتهازي لمواجهة ظرف غير وارد على البال ، او للتصدي لحالة تهديد تزعج فقط قبل ان تحقق الغرض المهدد للمجموعة ... لخ . لكن هذه " المشروعية " تزداد قوة ومتانة ، وتكسب صلابة اكبر إذا ما عرفت السلطة السياسية كيف تسوس ببراعة ، نظام الجماعة " القطيع " في اتجاه ترسيخ سيادتها وسلطتها . يمكن اجمال استراتيجيات السلطة السياسية عامة – اية سلطة – في اثنين : استراتيجية الأمل – سير الضّيم – واستراتجيه الخوف – إما انا او الطوفان ، وكل سلطة ناجحة وقادرة على الاستمرار ، تمزج بمقادير متفاوتة بين هاتين الاستراتيجيتين .اولاهما تقتضي مداعبة خيال المواطن لشده اليها ورهنه بها بتقديم وعود مادية ومعنوية وتصويرها وكأنها وشيكة التحقيق . ان قسم الحلم اليوتوبي هذا هو بمثابة ترياق امام مرارة وقسوة الحياة اليومية ، وبمثابة طعم يشد اليه النفوس ، ويكتم الانفاس في انتظار ذلك اليوم الذي سيتم فيه تحقيق الوعود – انتظار فوكو . ان الأمل – الكذب والتعلق بالوهم الخادع – من حيث هو بعد انتروبولوجي اساسي للإنسان ، هو الدعامة الاولى لكل استراتيجية ناجحة للسلطة السياسية وكل الحركات . والأنظمة الثورية تقوم على دور قشة الأمل في اجتذاب الناس – القطيع – وتحصيل ولائهم وطواعيتهم ، بل إن اي نظام مهما كان " واقعيا " ومحافظا ، مضطر الى حقن خطابه السياسي ، وخطته السياسية بحد ادنى من الأمل لتأخير التحرك او الانتفاضة او الثورة حتى ولو كانت من ثورة الكامون . ان تقنية الأمل هذه قد تتم تكملتها ، او قد يتم استبدالها ، او تذويبها في تقنية اخرى ، هي تقنية الخوف والتهديد . فالكائن البشري في حاجة الى الاحتماء من المجهول ومن العدوان ، ومن الخطر الخارجي ، لذلك تلجأ معظم الانظمة السياسية ، من اجل ترسيخ هيمنتها الى توجيه الانظار نحو وجود خطر داخلي ومرة نحو وجود خطر خارجي مفترض لتهريب الازمة وإبعاد الخطر الداخلي وتبرير الفشل الذي يعيد عقرب الساعة الى الوراء ، مما ييسر عليها رص الصفوف الداخلية في مواجهته ، واعتبار ذلك بمثابة مهمة وطنية اولى تتضاءل امامها كل المطالب الاجتماعية والشعبية بما فيها العدالة وأقول العدالة والديمقراطية والمساواة بين المواطنين ، فتسخر من اجل هذا كل الإمكانيات والطاقات حتى تلك المؤدية الى الاستبداد والفساد باسم شوفينية مكذوب في امرها . هكذا يعطل كل شيء و’يعوض بالظروف الطارئة والاستثنائية ، والقضايا الاستراتيجية والملحة وذات الاولوية والأسبقية ، وتكون النتيجة زيادة عنى السلطويين والأمنيين والعساكر ، وبالمقابل زيادة الانتظار والانتظارية القاتلة بين المهمشين والمستلبين والفقراء وذوي الحقوق دستوريا من مواطنين وحملة شواهد معطلين . ويبلغ النظام السياسي اعلى درجات قوته عندما يستطيع الجمع بين هاتين الاستراتيجيتين : استراتيجية الأمل الذي ضحيته دائما الشعب ، وإستراتيجية التهديد الخارجي الوهمي الذي يستفيد منه الأمنيون والعساكر والسلطويون والبيروقراطيون الراكدون ، كما حدث في النظام السوفيتي السابق ( الاشتراكية كأمل والامبريالية كخطر ) ، والمثال العربي البارز لهذه التعبئة المزدوجة مثلها نظام عبد الناصر في مصر ، ونظام البعث في سورية ، ونظام العسكر في الجزائر ، حيث بلغت التعبئة المزدوجة ذروتها لأنها قرنت بين الأمل في تحقيق الحياة السعيدة بتطبيق النظام الاشتراكي ، وبين التهديد الخارجي الذي تمثله اسرائيل والامبريالية بالنسبة للنظامين الاولين ، ويمثله المغرب الامبراطورية بالنسبة لجبهة التحرير الوطني في الجزائر . ولا شك ان هناك اقترانا قويا ، وإن لم يحلل بما فيه الكفاية ، بين الصلح الذي ادى الى زوال الخطر الخارجي ، وبين انطلاق حركة التطرف الديني . لقد كان المواطن المصري مثلا مستعدا لتقبل البؤس والكدح الناتجين عن تعبئة موارد الوطن لمواجهة العدو الخارجي ، لكن مع خسوف المثال الاشتراكي والعودة الى الليبرالية الممسوخة والمعطوبة ، وسياسة الانفتاح ، ومع حدوث المصالحة ، اي خفوت الأمل وزوال الخطر الخارجي ، انطلقت الرغبات والمطالب من ’عقالها ، وأخذت حرب الداخل تحل محل حرب الخارج بالتدريج . لقد خسرت السلطة السياسية اداتين اساسيتين في استراتيجية السيطرة هما : الأمل والخوف في وقت واحد تقريبا . فما عاد بالإمكان تأجيل المطالب والحاجات والرغبات كما كان الامر في السابق ، وما عاد بالإمكان اسكات الناس باسم الواجب الوطني او القومي ، او باسم انتظار تحقق المثال . ان غياب اهداف كبرى وطنية او قومية او اممية ، بإمكانها ان تعبئ الناس وتستقطب انظارهم واهتمامهم ، وان تجعلهم يستسيغون البؤس والفقر والحرمان ، سواء كانت هذه الاهداف مسوغة ضمن استراتيجية الأمل او ضمن استراتيجية الخوف والتخويف والتهديد الخارجي ، معناه افتتاح الباب امام إمكانية الاقتتال الاجتماعي الداخلي ، وأمام امكانية اندلاع الحرب الاجتماعية ، إما من اجل انتزاع بعض المكاسب المادية او الرمزية ، او من اجل الاستيلاء على السلطة . وما لم يراع هذا المبدأ الاستراتيجي التعبوي البسيط المتمثل في وجود طعم الأمل في الداخل وفزّاعة الخطر الخارجي ، فإن خطر نقل الحرب من الحدود الخارجية الى التخوم الداخلية يظل واردا . فسكوت الجبهة الخارجية ، وانطفاء شمعة الأمل الداخلية يوفران افضل الشروط لاشتعال الجبهة الداخلية على الامد المتوسط ، خاصة إذا ما تعلق الامر ببلد يعني من تزايد السكان بشكل فوضوي وغير منظم ويسير بأعلى الوثائر ، ويعاني من فقر ومحدودية الموارد ، ومن مظاهر حادة للتفاوت الاجتماعي ، ومن انتشار الظلم والمحسوبية والزبونية والتمييز بين ابناء الوطن درجات ومستويات ، وكل هذا ضمن نظام سياسي لا يستظل باية مظلة ايديولوجية طوباوية او محافظة ، ولا يحتمي باي اشعاع كاريزمي ، بل يكتفي بكونه نظاما عصريا للتسيير . المبدأ اليوتوبي ( مبدأ الأمل ) هو بمثابة ترياق او بلسم يجعل المواطن يستمرئ كل الشقاوات والعذابات في انتظار اليوم الموعود ( انتظار فوكو ) . ومبدأ التهديد ( الخطر الخارجي ) لا يقل عن المبدأ الاول في تطويع العقول والنفوس والأجساد ، وجعلها مهيأة لابتلاع الشقاوة والكدح والتفاوت بطواعية ، بل قبول الفقر بعزة ونخوة . وعندما يسقط المبدآن تنفتح على مصراعيها امكانيات الحرب الداخلية الطويلة الامد . وحدها المجتمعات الديمقراطية الحقيقية ، تستطيع بحكم رسوخ التوازنات الداخلية فيها بين المجتمع المدني الحقيقي وليس المصنوع على المقاص والمستعمل للتمييع والخلط وتغييب الصورة الساطعة والجلية والتي لا تحتاج الى تفسير او شرح ، وبحكم توافر آليات امتصاص النقمة والسخط ،، وحدها هذه المجتمعات تستطيع ان تعيش نسبيا خارج استراتيجيتي الأمل والخوف ، اي على مجرد الاداء البيروقراطي – الديمقراطي المرتكز على المشروعية البنيوية للسلطة السياسية .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تردي الوضع العربي - نزاع الصحراء مسمار في نعش المغرب العربي
-
الاساطير وما ادراك من الاساطير
-
المحور الثالث : حوار مع نوبير الاموي بعد احداث 14 دجنبر 1990
-
حوار مع نوبير الاموي مباشرة بعد احداث 14 دجنب 1990 ( المحور
...
-
حوار مع نوبير الاموي مباشرة بعد احداث 14 دجنبر 1991
-
الكنفدرالية الديمقراطية للشغل
-
الوعي لا يحدد وضعية الانسان - قوة الاشياء وقوة الافكار -
-
تمريغ حقوق الانسان في وحل الصراعات السياسية الداخلية والخارج
...
-
التقنية والسياسة
-
المدرسة والمسألة المعرفية
-
نحو المحافظة على الهوية الثقافية والاصالة الحضارية
-
تنزيل الماركسية
-
تذليل المفهوم القروسطوي للدين
-
فشل اردوغان والاخوان في محاولة بعث الفاشية العثمانية
-
المثقف الماركسي والوعي الطبقي
-
دفاعا عن سورية وليس عن الأسد
-
الإتجار بالديمقراطية البرلمانية
-
الديمقراطية وترويض القدرة السياسية في المجتمع
-
الاخوان الفاشيون
-
الإستعارة في اللغة السياسية
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|