|
جنيف 2 بين الأمل والتشاؤم
أسامة معذى الطويل
الحوار المتمدن-العدد: 4260 - 2013 / 10 / 30 - 20:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الجميع متحمس، متلهف، تواق للمؤتمر المنتظر ، مهدي الشعب المسحوق الذي لم يعد يقوى حتى على صراع البقاء، الجميع يترقب إعلان التاريخ والتوافق على وفد للمعارضة الميمونة المباركة والتي سيترتب عليها استخراج الوليد كيفما كان حتى ولو خلق دون أعضاء أو دون رأس، المهم الحصول ولو على إظفر أو خنصر يمكن له أن يمهد لشيء ما في بلد احترق أو يكاد.
هناك كثير من المتفائلين والذين يعولون بالفعل على هذه الخطوة، وفي الجانب الآخر هناك من لا يتفق معها جملة وتفصيلا، وهناك المتردد وفصيل الموافق المتشائم الذي أنتمي إليه وأمثله بحسرة للأسف.
باديء ذي بدأ أؤكد على أن جنيف2 ضرورة ملحة لأي طامح بحل سياسي خصوصا بعد تكشف كل الحقائق ودعاة الأوهام أمام الجميع، فالكل أيقن أن كل العالم لا يأبه للألم والموت والعذاب في سورية، والأغلب – على ما نأمل على الأقل - فهم أخيرا ما يعنيه مصطلح السياسة القائم قبل كل شيء على المصالح والصفقات علنا أو خلف الكواليس، فالغرب ليس بعجلة من أمره حتى لو مات كل السوريين، بل ها هو يقوم بإعادة تأهيل للدكتاتور بما أنه أعطاهم مبررا أكثر من مقنع بضرورة بقائه للبدء بتدمير ترسانة سورية الكيميائية التي تقلق اسرائيل، ولهذا أصبحت أية دعوات لاسقاطه ضربا من الغباء بالنسبة لهم، بل ربما عرفوا الآن كيف يبدأون الخطوة التالية بعد الكيماوي من أجل استنزاف قوة الشعب والدولة السورية العسكرية والاقتصادية مقابل كرسي العرش المقدس والذي اعتاد الحكام العرب على وضعه في الميزان مقابل الشعب والوطن.
إذا ها نحن ربما نتمكن من الذهاب إلى جنيف 2 ونحن على يقين تام برجاحة كفة النظام على الصعيد الداخلي والاقليمي والدولي، بالرغم من أننا ما زلنا ننتظر تحديد الموعد النهائي، وما زلنا أمام تصريحات تقول أن الخلافات لا زالت قائمة بخصوص الدول التي يجب أن تشارك، والأنكى والأكثر تعاسة بخصوص وفد المعارضة السورية الكريمة على الرغم من أن نصيبها في التأثير على مجريات الأمور والقرارات النهائية لن تتجاوز ابداء الرأي وربما بطريقة صورية أيضا، فالصفقات يجب أن تتم على الأغلب قبل الذهاب لجنيف، كان أولها الكيميائي السوري، ومن بعده يجب أن تتوصل دول الـ 5+1 مع ايران إلى حل مقبول أظهرت إيران استعدادها المبدئي له بإظهارها شيء من المرونة ليقينها على الأغلب باستحالة مبدأ الحسم العسكري الذي يتبناه النظام في سورية ، إضافة إلى العبء الاقتصادي الذي تحملته للمساهمة في صموده ، مرورا بخطورة الوضع الذي ربما قد ينقلب فجأة في سورية إلى حيث لا تأمل ولا ترغب فتسقط من يدها بيدق الشرق الأوسط بامتياز. الصفقة اذا يجب أن تكون شاملة حتى أنها ربما تتضمن الوضع في البحرين أيضا، بعد هذا ربما أن نسمع بتحديد موعد أكيد لجنيف2.
بالمقابل يلعب الحضور السعودي الدور الثانوي بالنسبة للغرب، فالجميع متأكد أن السعودية لا تستطيع بأي حال من الأحوال أن تخرج عن تعاليم الأميريكيين الأوصياء على عرش مملكة الرمال، حتى ولو أنها الآن تلعب آخر ورقة يائسة لها ملوحة بأنها مستعدة للمخاطرة ببعض توتر مع أولياء النعمة الحلفاء الدائمين، فالتقارب الأوروبي الأمريكي الإيراني بات يقظ مضجع الأمراء وما ملكت أيمانهم أيضا، والخشية من بقاء الأسد واستقرار سورية وما يمكن أن يلي ذلك من بدأ موجة الثأر ضدها ومن عمل معها ترعب الجميع، لكن وبالرغم من هذا كله فالمملكة لا تقوى أن تكون ذات قرار مستقل بعد التفوق الإقليمي والدولي إلى جانب نظام الأسد، فإن حضرت أو لم تحضر فالأمر لن يكون إلا تحصيل حاصل، لن يجرأوا على مخالفة أوامر البيت الأبيض، فالسيادة السعودية معروفة المدى والتأثير.
إلى هنا يبقى مصير جنيف 2 معلقا، والتكهنات بمكاسب حقيقية للشعب السوري تعبر من خلاله باتت أشبه بضرب من الخيال أو الوهم والأسباب كثيرة:
1- إذ لا يمكن للغرب أو (إسرائيل) بأي حال من الأحوال إتمام الصفقة الواردة أعلاه دون التسليم ببقاء الأسد على الأقل حتى خلال المرحلة الانتقالية، وهذا يعني أن الأسد باق ليس إلى موعد الانتخابات في العام المقبل، بل ربما نشهد تمديدا له قد يتجاوز السنتين إن لم يكن أكثر، والحجة جاهزة حتى بوجود حكومة انتقالية يتفق عليها في جنيف وهي عدم معقولية إعادة المهجرين والتحضير لجو انتخابات سليم دون عنف في فترة زمنية قصيرة جدا كالتي تفصلنا عن موعد الانتخابات في منتصف العام القادم، ناهيك عن مشكلة الفصائل المسلحة المتطرفة التي لم ولن تقبل لا بجنيف ولا بتمثيل ما يسمى الائتلاف الوطني المتهاوي والساقط أساسا.
2- روسيا أعلنت مرارا وتكرارا أنها لن تقبل أبدا بمبدأ تنحي الأسد ولا حتى انتزاع حقيبتي الدفاع والأمن من صلاحياته، وهذا مطلب النظام وإيران أيضا.
3- غياب أي تصور واقعي لتطبيق مقررات جنيف حتى ولو نجح بحده الأدنى، هناك من يتحدث عن قوة سلام دولية على أنها الورقة والحل للمعضلة، إلا أننا يجب أن نتذكر أن حقيبتي الدفاع والداخلية (الأجهزة الأمنية القمعية) ستبقى حتما بيد النظام، فما هي الضمانات الفعلية سواء للقوة الدولية أو للمعارضة السورية التي ربما ستشارك بحكومة انتقالية للعمل بشكل مستقل وآمن تنقل البلد من خلاله من حالته الراهنة إلى حالة الاستقرار الدائم؟ ألم ينجح النظام خارج بيته وملعبه في لبنان في تحطيم كل ما خرج عن الأسرة الدولية في مناخ مشابه؟ وكيف يمكن لأي شخصيات معارضة العمل بحرية وشبح الاغتيالات والاختطاف قائم لا محالة ببقاء الأجهزة الأمنية وقذاراتها بيد النظام وأزلامه؟
مما سبق نرى حتما أن العبء المترتب على المعارضة السورية التي لا تملك شيئا من الأوراق للتفاوض أمام النظام في جنيف 2 ليس ثقيلا فحسب بل لا يمكن حتى تخيله، خصوصا أنهم سيذهبون على أغلب الأحوال ضمن عدة وفود متناحرة فيما بينها، وعليه فإن ما سوف يصدر عن جنيف 2 وللأسف الشديد لن يكون بأكثر من 20% من مطالب الشعب السوري بأحسن الأحوال، لكن لو قامت المعارضة السورية بقبول أية مقررات مهما كانت ايجابية لصالح الشعب مع بقاء حقيبتي الدفاع والداخلية بيد النظام فذلك بالتأكيد سيقضي على كل أمل بتغيير قادم ، وسيفتح أبواب جهنم على الشعب السوري أكثر مما هي مشرعة عليه الآن، بل سيضفي شرعية جديدة لأحقر نظام عرفته البشرية.
جنيف 2 ربما يكون شرا لا بد منه على الأقل حتى نعي تماما أن الحلول السياسية مع هكذا نظام هي ضرب من المستحيل، وربما يكون خطوة هامة جدا كي يوقن من يقومون بتنفيذ الأوامر على الصعيد العسكري والأمني أنه لا حل إلا عبر تمردهم التام وانقلابهم على الهرم الحاكم، وإلا ستبقى حيواتهم وذويهم في خطر يستمر سنوات وسنوات ،ويبقى الوطن أسيرا لمؤامرة الاستنزاف التي ستطول أيضا طويلا مع مبرر استمرارها باستمرار النظام الذي يدعمونه براحتهم وحياتهم.
أنا ما زلت – ومنذ بدأ الثورة - أنتظر الانقلاب العسكري بنجاح جنيف2 أو بدونه.
بين الأمل والتشاؤم والانقلاب بانتظار جنيف2 .
#أسامة_معذى_الطويل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الطريق الوطني لخلاص الشعب السوري
-
في خدرها
-
انعكاسات ألم
-
جنيف 2 .. الساعة الرملية
المزيد.....
-
الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
-
بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند
...
-
لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
-
قتلى وجرحى في استهداف مسيّرة إسرائيلية مجموعة صيادين في جنوب
...
-
3 أسماء جديدة تنضم لفريق دونالد ترامب
-
إيطاليا.. اتهام صحفي بالتجسس لصالح روسيا بعد كشفه حقيقة وأسب
...
-
مراسلتنا: غارات جديدة على الضاحية الجنوبية
-
كوب 29: تمديد المفاوضات بعد خلافات بشأن المساعدات المالية لل
...
-
تركيا: نتابع عمليات نقل جماعي للأكراد إلى كركوك
-
السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|