التراث الماركسي وتطوير الماركسية
سعاد خيري
2005 / 6 / 1 - 13:25
انطلاقا من ان الماركسية النهج الفكري والعملي الاكثر ثورية في تاريخ البشرية واداتها لتغيير الواقع المحتدم بالآلام والكوارث ، فان نجاح البشرية في تحقيق حلمها بالتحرر من جميع اشكال الاستغلال والاضطهاد وبناء المجتمع الانساني الحقيقي هو: الالتزام بها وبتطويرها وفقا لنهجها المادي الديالكتيكي . ولايمكن تطويرها وفقا لنهجها دون الاستناد الى تراثها ، الى ما توصلت اليه الماركسية من نظريات في الاقتصاد والفلسفة والسياسة وعلم الجمال والمنطق و..الخ في المراحل السابقة، لتحديد ما تخلف منها والعمل على تطويره وفقا لتطور الظروف . وبدون ذلك يتيه المرء وفي احسن الاحوال يعيد ما توصلت اليه الماركسية سابقا ليبني عليه الجديد او يستند الى نهج ونظريات اخرى ويتوصل الى نظريات واستنتاجات لاتنسجم وطموحات البشرية وتخدم اعداءها.
لقد آن الاوان للعمل الجاد من اجل تطوير الماركسية ، بعد مرور كل هذه الفترة الطويلة لانهيار المنظومة الاشتراكية وخروج الحركة الشيوعية من الازمة الحادة التي مرت بها، ولاسيما بعد احتدام النقاش عن الاسباب الرئيسية لانهيار المنظومة الاشتراكية . فقد تبلور معسكران الاول معسكر الشعوب بقيادة شغيلة العالم الذي وجد بان السبب الرئيس للانهيار هو التخلي عن الماركسية نهجا وممارسة. والمعسكر الثاني معسكر الراسمال العالمي وطليعته الامبريالية الامريكية الذي يرى بان سبب انهيار المنظومة الاشتراكية هو فشل الماركسية وخطأ استنتاجاتها ولاسيما حتمية وحتى امكانية القضاء على علاقات الانتاج الراسمالية. وابدع مؤدلجوها النظريات : مثل نظرية نهاية التاريخ. وظهرت تيارات مختلفة بين المعسكريين ولكنها في الحقيقة تخدم معسكر اعداء الشعوب . فمنهم من يؤل السبب في الانهيار بفشل النظرية وعدم الالتزام بالمنهج الماركسي ، أي يطالبون بالتخلي عن النظرية الماركسية (عن تراثها) . وآخرين يصرون على النظرية ويلتزمون بالجمود العقائدي .
وانطلاقا من الضرورة الموضوعية لتطوير الماركسية وفقا لنهجها وبالاستناد الى تراثها النظري وجدت بين يدي "الموسوعة الفلسفية"وضع لجنة من العلماء والاكادميين السوفييت ، باشراف م. روزنتال و ب. يودين ترجمة سمير كرم . وفي ص 22-23 وجدت مادة : "الازمة العامة للراسمالية"
فيقول في البداية : "الازمة الشاملة للنظام الراسمالي العالمي التي تكتنف النظام الاقتصادي ونظام الدولة والسياسة والايديولوجيا، وكذلك جميع مجالات الحياة الاخرى في المجتمع البرجوازي المعاصر...وادت الى نمو النزعة العسكرية وعدم الاستقرار الداخلي المتزايد والتدهور المتزايد للاقتصاد الراسمالي الذي يدل عليه عجز الراسمالية المتزايد عن الاستخدام الكامل للقوى الانتاجية0المعدلات المنخفضة للنمو الانتاجي والازمات الدورية والتشغيل دون طاقة دولاب الانتاج والبطالة المزمنة) والصراع المتزايد بين العمل وراس المال والاشتداد الحاد في التناقضات داخل الاقتصاد الراسمالي العالمي والنمو الذي لم يسبق له مثيل للرجعية السياسية في كافة المجالات ورفض الحريات واقامة حكومات فاشية واستبدادية في عدد من البلدان وازمة عميقة في الايديولوجيا"
وهذا صحيح منذ بلوغ الراسمالية مرحلة الاحتكار والامبريالية واستكمال اقتسام العالم واعادة اقتسامه عن طريق الحروب، حتى يومنا هذا. اما ما اعتبره السمة الحاسمة للازمة العامة للراسمالية هي: "تقسيم العالم الى معسكرين ...وانشقاق المزيد والمزيد من البلاد الراسمالية .. وضعف المراكز الاستعمارية في المنافسة مع الاشتراكية وانهيار النظام الاستعماري الكولنيالي.." فهذا غير صحيح ، بل كان كل ذلك من نتائج الازمة العامة للراسمالية التي تؤدي الى احتدام الصراع الطبقي واقترن آن ذاك بوجود قيادة ماركسية . فقد طور لينين الماركسية وصاغ استراتيج وتاكتيك المرحلة وربط بين نضال الطبقة العاملة من اجل التحرر من الاستغلال بنضال شعوب المستعمرات من اجل التحرر من مستعبديهم.الامر الذي ادى الى انتصار ثورة اكتوبر والعمل على بناء الاشتراكية ومن ثم النصر على الفاشية وتكوين المعسكر الاشتراكي. والدليل على خطأ ما جاء في الموسوعة هو استمرار وتفاقم الازمة العامة للراسمالية رغم انهيار المنظومة الاشتراكية وعودة النظام الكولونيالي كما يحدث في افغانستان والعراق.. واذ ربطت الموسوعة المرحلة الاولى من الازمة العامة بالحرب العالمية الاولى والمرحلة الثانية بالحرب العالمية الثانية وميزت المرحلة الثالثة بانها لم تأت نتيجة حرب عالمية ، فاجد انها تتميز بلجوء الراسمالية الى العولمة، وهيمنة القطب الاوحد التي تتناقض مع اسس الراسمالية القائمة على المنافسة والتفاوت في التطور، الامر الذي فرض على القطب الامريكي التفوق في التسلح وامتلاك اسلحة الدمار الشامل وتبني سياسة موغلة في الرجعية وايديولوجية فاشية، تهدد الشعوب التي لا ترضخ لهيمنتها بحروب مدمرة .
واستمرت الازمة العامة للراسمالية تتفاقم. فاسباب الازمة العامة للراسمالية تكمن في اساس بناء الراسمالية، في التناقض الاساس بين الملكية الخاصة لوسائل الانتاج والطابع الاجتماعي للعمل وما ينجم عنه من تناقض بين العمل وراس المال الذي اخذ يشتد ويتطور مع التطور الهائل في الانتاجية الذي يحتم نهاية علاقات الانتاج الراسمالية. فضلا عما تمثله من خطر داهم على البشرية والبيئة. الامر الذي ادى الى تفاقم الصراع بين عموم البشرية والراسمالية. فنمت وتطورت حركة عالمية جبارة تضم ملايين البشر لمواجهة العولمة الراسمالية وراس رمحها الامبريالية الامريكية. وعلى افق هذا الصراع يتوقف مصير البشرية . ولذلك ومن اجل ان يؤدي هذا الصراع الى التحرر من علاقات الانتاج الراسمالية مرة والى الابد، وبناء المجتمع الانساني الحقيقي لابد ان تحظى هذه الحركة العالمية المناهضة للراسمالية بقيادة مسلحة بالماركسية المتطورة نهجا وممارسة.
سعاد خيري في 30/4/2005