أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - جريس الهامس - على جدار الثورة السورية - النضال حتى إسقاط ديكتاتورية الشييشككلي - تحالف الجيش مع الشعب - رقم 70















المزيد.....


على جدار الثورة السورية - النضال حتى إسقاط ديكتاتورية الشييشككلي - تحالف الجيش مع الشعب - رقم 70


جريس الهامس

الحوار المتمدن-العدد: 4256 - 2013 / 10 / 25 - 12:47
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


على جدار الثورة السورية – مواصلة النضال حتى إسقاط الديكتاتورية – وتحالف الجيش مع الشعب و الديمقراطية رقم – 70
9
خرجنا من السجن منتصرين على الإستبداد والقمع والديكتاتةورية معتزّين بشعبنا ووطننا ورفاقنا ورفيقاتنا في قاعدة الحزب وشعبنا الطيب . رغم غياب قيادة الحزب من كهان الهيكل البكداشي عنا تماماً ولم يتنازل أحدهم لزيارة أهلنا في غيابنا أو بعد خروجنا من السجن ..
وبفضل النضال الجماهيري الحقيقي إزدادت عزلة الديكتاتورية . وكان حزبنا طليعة هذا النضال المنظم والصادق الذي حاز إحترام جميع الوطنيين الصادقين , دون أن نغبن حقوق الاّخرين . ويعود الفضل الأول إلى قاعدة الحزب التي كانت في تلك المرحلة تضم خيرة المناضلين من أبناء الطبقات الشعبية الأوفياء الذين صقلهم نضال تلك المرحلة الوطني والطبقي بعيداً عن خط وسلوك قيادة بكداش البورجوازية الإنتهازية والتابعة التي أضحت خلف نضال الجماهير وخلف قاعدة الحزب الثوريىة الجماهيرية وطموحاتها في تلك المرحلة ..
إلى جانب ذلك كان المجتمع المدني السوري لايزال طبيعياً ملتحماً بروابط إنسانية تراحمية وطنية لم تستطع الديكتاتورية والإستبداد إختراقها أو إضعافها ,,
كما كانت أجهزة القمع والإرهاب معزولة ومنبوذة من الشعب في الحي والعمل والشارع وكل مكان وعاجزة عن تركيع شعبنا . كما كان الديكتاتور وأتباعه يخشوا النظر إلى عيون أي مناضل اّنذاك ....
, وكان رجال الشرطة الذين يعملوا في وزارة الداخلية تحت إسم ( الشعبة السياسية ) ويطلق عليهم إسم " التحرّي " كانوا يخجلوا أثناء مرورهم في الحي كما يخجلوا أن يعرف الناس أنهم يعملون في هذا الجهاز المعادي لحرية الناس وكراماتهم ..
أذكر سكنّا في حي – المسَبك – قرب الدير الكبير في حي باب توما بدمشق , وأذكر أن أحد هؤلاء التحرّي كان يدعى ( خليل أبوعسلي ) كان يسكن في حيّنا عرفناه أثناء إعتقالنا ..كان يرتدي طربوشاً و كان سكان الحي يهزؤون به , ...كان ينتظر حلول الظلام حتى يتسلل إلى منزله في الحي.. ولم تستطع الديكتاتوريات العسكرية الأولى فصم عرى تلاحم المجتمع المدني السوري ووحدته الوطنية , كما لم تستطع بناء جدار الرعب والخوف بينها وبين الشعب , وتسد كل منافذ الحرية أمام الشعب كما فعلت عصابة القتلة واللصوص الأسدية الصهيونية بعد عام 1970 ..
وللحقيقة التاريخيىة ,, لم ترتفع وتيرة الإرهاب والقمع وتوسيع أجهزته إلا مع بداية عام 1959 بعد ـ تحويل الجمهورية البرلمانية المنتخبة ديمقراطياً -
إلى إقليم شمالي – في نظام الوحدة المصرية – السورية - وتسليم سورية الديمقراطية رهينة للسفاح عبد الحميد السراج وشريكه المشير عامر وحكم الفرد الديكتاتور وفرض حالة الطوارئ والأحكام العرفية و إلغاء الرأي الاّخر وإعتقال أنصار الحرية والتقدم الكيفي وتعذيبهم حتى الموت ...
( وعبد الحميد السراج عميل للمخابرات المركزية الأمريكية بشهادة المرحوم خالد العظم رئيس وزراء سورية الوطني الصادق في مذكراته ) . وحل الأحزاب ومصادرة الحريات العامة وإلغاء الصحافة الحرة والرأي الاّخر ....وتسريح خيرة كوادر الجيش السوري الوطنية الديمقراطية التي صنعت الوحدة وفي مقدمتها قيادة الجيش السوري كلها وعلى رأسها الفريق عفيف البزري وأركانه ..اللواء أمين النفوري واللواء أحمد عبد الكريم والعقيد مصطفى حمدون وغيرهم ..الذين وافقوا على الوحدة لتكون قلعة ضد الأحلاف الإستعمارية والغزو الصهيوني وحماية خيارات الشعب الديمقراطية ..فجعلتها الديكتاتورية والقمع ومصادرة الحريات العامة وأبسط حقوق الإنسان , إلى جانب مطامح البعث بأن يقطعهم عبد الناصر سورية ولاية خاصة لهم .. عكس أهدافها و حولتها ضد إرادة الشعب السوري ...وساهم القمع والديكتاتورية في إسقاط نظام الوحدة مع مصر, وإغتيال حلم الوحدة العربية الديمقراطية ...
............................
حققت وحدة الحركة الوطنية الديمقراطية السورية وأحزابها الغير مدجّنة نهوضاً جماهيريا في الخمسيمات والستينات لم يسبق له مثيل كان الشيوعيون طليعته في سورية ولبنان ,, الأمر الذي جعل ديكتاتورية الشيشكلي عاجزة عن المجابهة والصمود ,, كما أصبحت عاجزة عن إستقبال ضيوفها المبعوثين من أسيادها المستعمرين بشكل علني في شوارع دمشق وإليكم المثال التالي :
في العاشر من اّذار 53 أثناء وجودنا في سجن تدمر- قام وزير الخارجية الأمريكي ( جون فوستردالس ) مهندس السياسة الأمريكية الحديثة بزيارة لدمشق ,, ليقدم بعثة ( جونستون) صاحب مشروع تحويل نهر الأردن وإقتسام مياهه مع العدو الصهيوني ,, هذا المشروع الذي رفضته سورية البرلمانية الديمقراطية لأن هدفه الرئيسي إرواء النقب وإسكان 3 ملايين مهاجر صهيوني جديد فيه ووافق عليه الشيشكلي..
هبّت دمشق ضد هذ ه الزيارة وضد المشروع بكامله في مظاهرات عارمة ..كان الجامعيون في طليعتها ..وأرغم الديكتاتور على تهريب جونستون صاحب المشروع عندما زار البرلمان من الباب الخلفي للبرلمان خوفاً من المتظاهرين ..
......................
بعد خروجنا من السجن إلتقينا في نادي الجامعة , وإستقبلنا بالترحاب من الصديقات والأصدقاء وأقام الدكتور ( إسماعيل عزت ) رئيس رابطة الطلاب حفلة شاي على شرفنا في نادي الجامعة . كان هذا الإنسان الطيب متعاطفاً معناضد الديكتاتورية , وكان مثله عميدنا الدكتور أحمد السمّان الذي كان يخاف علينا كأبنائه عندما كانت تهاجمنا شرطة الديكتاتوربالقنابل المسيلة للدموع والرصاص أحياناً .. أمام مبنى الجامعة ونحن نجابه رصاصهم بالحجر والهتاف ................
بعد أن نصّب الديكتاتور نفسه رئيساً للدولة في نهاية اّب 53 حدد مطلع تشرين الثاني موعداً للإنتخابات التشريعية المزعومة ..التي وعد بنزاهتها ..؟؟
قاطعت جميع الأحزاب السورية هذه الإنتخابات المهزلة تحت ظل الديكتاتورية والقمع إلتزاماً بمقررات وإعلان مؤتمر حمص الذي فصلّناه في الحلقات السابقة -- بإستثناء القوميين السوريين الذين رشحوا صلاح الشيشكلي شقيق الديكتاتور عن قضاء دوما الذي كان رئيس شبكة لتهريب المخدرات مع لورنس الشعلان في عذرا ضاحية دمشق الشرقية . أما نحن فكنا ملتزمين بمقررات مؤتمر حمص ,,,, قبل أن تفاجئنا القيادة البكداشية العتيدة بقرارها الإنتهازي المخزي :
... الإشتراك في هذه الإنتخابات المهزلة ...مخالفة لمقررات مؤتمر حمص , ومخالفة للإجماع الشعبي . بل تنكر سافر لنضالنا وتضحياتنا في السجون والمعتقلات لإسقاط الديكتاتورية ,,والتضحية والحرمان الشخصي والعائلي أيضاً . ,وتنكر سافر لمصداقيتنا إتجاه أنفسنا وإتجاه الاّخرين . بعد تسلمنا قيادة منظمة الجامعة التي كانت تقود المظاهرات وحدها مع القوى الوطنية الأخرى حتى إسقاط الديكتاتورية ..
وبقي موضوع إشتراك قيادة بكداش في الإنتخابات لغزاً رغم أنني سألت أحمد مراد وكان قبل فصله من الحزب وإعادته من المقربين ليوسف فيصل و محسوباً على نجاة قصاب حسن قبل فصله من المركزية نتيجة ( فضيحة أخلاقية خاصة بينه وبين سيده بكداش بقيت طي الكتمان حتى فضحناها نحن فيما بعد ولم يسمعها أحد بعد عام 1957 يوم تحررنا من معبد هبل ) فتنكرمراد وتهرب لأنه كان موعوداً ببعثة دراسات عليا في ألمانيا الشرقية ...لكننا اتخذنا قراراً غير معلن بمقاطعة الإنتخابات وأقنعنا به الأصدقا ء الأوفياء دون إعلان أمام قمع القيادة البكداشية والنظام معاً,, رغم ترشيح بكداش غيابياً ومعه نصوح الغفري وجورج عويشق بدمشق ولم يحصدوا سوى الخزي والعار ...
و بعد سقوط الديكتاتور وإشتراكنا في إنتخابات خريف 1954 الديمقراطية ..كلفت من قبل الحزب أن أساعد الصديق ( أحمد أباظة – عضو مجلس السلم العالمي ولجنة دمشق ومن مؤسسي جمعية الصداقة السورية – السوفياتية ) لأنه رشح نفسه عن قضاء دوما وكانت صيدنايا والتل تابعة لدوما .. نظمت له جولة إنتخابية على القرى المجاورة بمساعدة رفاق صيدنايا ورفاق منين الجدد إلى القرى التي لنا فيها معارف وأصدقاء,, وتوطدت صداقتي معه ومع عائلته وكان من أوفى الأصدقاء ..أخبرني : أنه هو الذي عقد الصفقة بين الشيشكلي الذي كان صديقه والقيادة البكداشية , بناء على طلبها وهوالذي عرّف يوسف فيصل , ودانيال نعمة , وموفق الحفار
ومصطفى أمين على الشيشكلي في إحتفال السفارة السوفياتية بدمشق بمناسبة ثورة أوكتوبر 53 . ودعاهم الشيشكلي وهو ثمل يترنح للتعاون معه . والإشتراك في الإنتخابات التشريعية التي سيجريها بعد أيام وسيمنحهم عدة مقاعد في برلمانه فلبوا الدعوة شاكرين , ولم يحصدوا سوى الخزي والعار ..وقال لي المرحوم " أباظة " وماذا يريد بكداش طيلة حياته سوى كرسي ومنبر ومسرح يلقي فوقه خطبه الرنانة ؟؟"
كانت خديعة كبرى وقعت فيها القيادة البكداشية التحريفية والإنتهازية طيلة تاريخها- وصدمة عنيفة لقواعد الحزب المناضلة التي إمتنعت أكثريتهاعن المساهمة في الإنتخابات .وإستغلتها الأحزاب المعارضة للتشهير بموقف قيادة الحزب ..الأمر الذي لايمكن تبريره ...
وأمام النقمة العارمة طاف الببغائيون على منظمات الحزب لذر الرماد في العيون ,,والرش على الموت سكر.. وإستخدام النص التاريخي أو الماركسي في غير محله بل تشويهه
.. وإضطّرت هذه القيادة لإصدار عدد خاص من نضال الشعب المركزية السرية يحمل بيانا بإسم اللجنة المركزية تحت عنوان "" متى يشترك الشيوعيون في الإنتخابات "" أهم ما جاء فيه : إعتبرت القيادة البكداشية , إشتراكها في إنتخابات الشيشكلي مشابه تماماً لإشتراك لينين والحزب البولشفي في إنتخابات الدوما الروسية الثانية بعد فشل ثورة – 1905 – لأن الحركة الثورية الشعبية كانت في مرحلة جزر .. نتيجة خيانة الإشتراكيين الثوريين والكاديت – من الأحزاب الروسية للثورة .
بينما قاطع لينين وحزبه إنتخابات الدوما الأولى قبل الثورة لأن الحركة الجماهيرية كانت في مرحلة مدّ وعلى شفا الإنتصاار ..
وهذا التحليل مناقض تماما للواقع الجماهيري في سورية الذي كان في مرحلة مد ونهوض وطني وطبقي عام ووحدة وطنية ديمقراطية لم تشهد مثلها سورية , في مواجهة الديكتاتورية من قبل ولم يمر يوم دون مظاهرة أو إضراب عمالي وخصوصاً إضرابات عمال النسيج في دمشق وحلب ,, ونضالات الفلاحين ضد الإقطاع و النظام الديكتاتوري في أرياف حماة وحمص وإدلب والغوطة والمرج
بالإضافة إلى تفجير مراكز حزب الشيشكلي ,, والنهوض الوطني الديمقراطي بين صفوف الجيش وصغار ضباطه الوطنيين والتقدميين الذين كانوا يعيشون بيننا وأقرب من العين إلى الحاجب مع شعبهم كما سيأتي ...
كل ذلك إعتبرته القيادة البكداشية جزراً في الحركة الجماهيرية لتبرر خيانتها لنضالنا ونضال شعبنا وإشتراكها في مسرحية الإنتخابات لإعطاء الديكتاتورية الصفة الشرعية ..وأذكر بعد الفشل المخزي نتيجة قصر نظر هذه القيادة وجهلها -- كيف طاف يوسف فيصل ودانيال نعمة وخليل الحريري وإبراهيم بكري وغيرهم من حملة المباخر. على منظمات الحزب لتبرير إشتراكهم في إنتخابات الشيشكلي ...خشية التمرد والإنقسام ..

شكل هذا الموقف الإنتهازي الصدمة الأولى لي ولجميع المناضلين الشرفاء ..ووضع أول إشارة إستفهام أمامنا حول طبيعة هذه القيادة البكداشية الغير منتخبة ,,والتي لم تعقد مؤتمراً للحزب منذ عشرات السنين – ونحن أول من طالبها بعقد مؤتمر عام للحزب عام 1957 كما سيأتي .. والتي لم نكن نعرفها عن قرب..كنا نعرفها من خلال مطبوعات الحزب ومدائح ( حملة المباخر ) والمريدين في معبد الصنم الأكبر الذي يعيش في الخارج معظم أيامه والذي لم يعتقل مرة في حياته كلها ... لم نرَ وجهه إلا بعد معركة الإنتخابات البرلمانية في خريف ال54 التي كانت أنزه إنتخابات في تاريخ البرلمانية الديمقراطية السورية .
لكن ردنا على الإشتراك في مهزلة إنتخابات الشيشكلي لم يتأخر فالتاسع والعشرون من شهر تشرين الثاني ذكرى وعد بلفور وتقسيم فلسطين وذكرى سلخ لواء اسكندرون قادمة ...
نظمنا مظاهرة وطنية مع البعثيين والقوى الأخرى إنطلاقاً من الجامعة إنضمت إلينا المدارس الثانوية ودار المعلمات والمعلمين وإمتدت المعارك مع الشرطة إلى محطة الحجازومنها إلى سوق الحميدية بعد إنضمام مجموعات من العمال المضربين إليها ومن الضفة الثانية إلى ثانوية جودت الهاشمي ( التجهيز الأولى )وكان الجميع يهتفون بصوت واحد : الموت للديكتاتورية والإ ستعمار- فلسطين عربية تسقط الصهيونية .. كما إنضمت لنا مجموعة الضباط المسرحين الذين تعرفنا عليهم في السجن وإنتسب أكثرهم للجامعة وأذكر إشتركوا معنا في المعارك مع الشرطة وفي مقدمتهم كان سعيد صبّاغ , وعبد الغني قنوت , وشهير الدريعي , وبرهان قصاب حسن ,, وبشير صادق .... إستمرت المظاهرات من الصباح حتى الغسق غادرنا ساحة المعركة من الحلبوني إلى باب مصلّى إلى حي القصاع ... وأذكر يومها كشفنا أحد الجواسيس بين الطلبة كان يحمل كتاباً ويضرب حجارة معنا ..فتشناه وجدنا معه مسدساُ وجهاز إرسال قبضنا عليه ..بدأ يستغيث ويعتذر .. لقناه الدرس الذي يستحق . ثم أطلقنا سراحه وبقي المسدس وجهاز الإرسال معنا ..ثم قذفنا بها نحو ضباط الشرطة في الجهة المقابلة ..كما أذكر يومها إنقلبت إحدى سيارات الشرطة وهي مسرعة أمام مدرّج الجابعة بعد أن أمطرناها وابلاً من الحجارة .
وفي اليوم التالي تواصلت المظاهرات مطالبين بإطلاق سراح زملائنا المعتقلين , وتمكنا في هذا اليوم من دحر فلول الشرطة إلى باب مدرسة الشرطة بعد محطة الحجاز ,,وأغلق التجار محلاتهم , علماً أن تجار دمشق خصوصاً مع أي سلطان قائم تبعاً لقاعدتهم ( الذي يأخذ أمنا نسميه عمنا) إلا إذا تعرضت مصالحهم للخطر ...
بقي الحرم الجامعي ملاذاً شبه اّمن حتى اليوم..لكن في اليوم الثالث من المظاهرات التي هزت أركان النظام قرر قائد الشرطة والأمن ( إبراهيم الحسيني ) إنتهاك قانون حصانة وإستقلال الجامعة ..وأعطى أمراً للمقدم فؤاد الأسود قائد شرطة دمشق بإقتحام الحرم الجامعي ..
لذلك بدأوا بإطلاق النار في الهواء وأمطرونا بقنابل الغاز المسيّل للدموع /
كنا نقبض على القنبلة وهي حارة ونعيد إلقاءها على الشرطة .. ثم إقتحموا الحرم الجامعي , وإعتقلوا كل ما إستطاعوا إعتقاله ونقلوهم بالشاحنات إلى أحد معسكرات الجيش في قطنا , وكان بينهم الرفيق نايف بللوز , والرفيق سميح الجمالي , على ما أذكر ,
حوصرنا وتراجعنا للداخل علنا نجد مخبأً , لن نسلّم بهذه السهولة , لكن رفيقنا العزيز جمال مدلجي طالب الطب وإبن دير الزور وجد لنا الحل ..في مختبر الكلية في الطابق الثاني ..إستقبلنا رئيس المختبر ومساعده بالترحاب وفتحوا لنا باباً سرياً صغيراً صعدنا منه إلى سقف الجامعة القرميدي المملوء باللأخشاب والغبار والعنكبوت ..ودون إنتباه منا بقي طالب ثانوي من مدرسة الاّسية إختبأ معنا في المختبر لم يصعد معنا للسقف خشينا أن يعتقل ويعترف علينا لكنه إختبأ في إحدى خزائن المختبر ..
لكن الأمور مرت بسلام. جاء الشرطة ومعهم الشرطة العسكرية هذه المرة , فاستقبلهم رئيس المختبر قائلاً نحن موظفين لاعلاقة لنا بالسياسة .. تركوه وإنسحبوا ..
كنا يومها خمسة رفاق : أنا وجمال مدلجي ولطفي الحاج حسين من دير الزور وتوفيق أستور من اللاذقية وتوفيق أتاسي من حمص ..توفيق أتاسي لم يصعد معنا إلى السقف لكنه إختبأ في مشرحة كلية الطب بين الجثث حتى إنصرفوا وبقيوا في مدخل الجامعة ..أعلمنا موظف المختبر أنه سيغادر ويترك لنا باب الجامعة من جهة الملعب البلدي مفتوحاً...
تسللنا تحت جنح الظلام للطابق السفلي وقفزنا إلى الملعب البلدي ومنه إجتزنا بردى إلى شارع بيروت وإتجهنا إلى منزل أحد رفاقنا في حي المهاجرين ...
..وأذكر في تلك الفترة إعتمدت الديكتاتورية الأمريكية - الهمجية البطش ومحاولة التشهير والإذلال وفق عقليتها المكارثية العنصرية .. فزادت المناضلين منعة وعطفاً جماهيرياً ..
وأذكر يوم تجنيدها جيشاً من الشرطة والشرطة العسكرية والأمن لتنقل مجموعة كبيرة من المناضلين المعتقلين المعروفين بدمشق مربوطين بالحبال ومقيدين مشياً على الأقدام من نظارة الداخلية إلى سجن القلعة مروراً بساحة المرجة والسنجقدار مع التشهير بهم ..أذكر منهم المناضلين السادة :
الأستاذ جورج عويشق – الصناعي موفق الحفار – مدرس الرياضيات عبد الكريم محلمي – الفنان الشهير ميلاد الشايب – المدرس يوسف نمر – النقابي جبران حلال – الحقوقي ممتاز رحمون – المدرس نايف بللوز – النقابي حنين أبوجمرة – والطبيب فؤاد أيوب -– والنقابي عمر يونس وغيرهم ......
وأذكر في نفس المرحلة أن المحامي مصطفى أمين إعتقل لمدة ثلاثة أيام فقط . وأعلن إنسحابه من الحزب في الصحافة وشتم الحزب علناً.. ثم بعد سقوط الديكتاتورية , رأينا أن السيد بكداش إصطفاه عضواً في اللجنة المركزية ..وأصبح مكتبه بعد إنضمام المحامي موريس صليبي إليه معتمد السفارة السوفياتية بدمشق بينما أهمل المناضل الحقيقي المحامي "" نصوح الغفري "" المدافع الدائم عن الفقراء وعن معتقلي الحزب بصورة شبه مجانية .. الذي خلع معطفه في الشتاء القارص أمامنا عندما زارنا في سجن القلعة وٍستر به جسم أحد رفاقنا من الجزيرة إلتقينا به في سجن القلعة وهو ممزق الثياب لاتزال جراح التعذيب على جسده .. وعاد إلى مكتبه دون معطف .. وأمثال الرفيق نصوح كثير من ضحايا القيادة الشمولية التي لاتمت للماركسية بصلة ..التي باعت كل نضال الشيوعيين السوريين واللبنانيين على أعتاب مصلحتها البورجوازية الوضيعة في خدمة نظام القتلة واللصوص الأسدي وجبهة شهود الزور التابعة له ..
...........
تجددت المظاهرات بعد خروج رفاقنا من معسكرات قطنا التي كان لضباطها الصغار الوطنيين الديمقراطيين الدور الأول في حسم الموقف بدمشق ..رغم أن القيادة البكداشية كانت ترفض دوماً تنظيم العسكريين التقدميين كما شرحت في دراسات سابقة ..لأن حسم الموقف العسكري في حلب لم يكن كافيا وحده لإسقاط الديكتاتورية ..وكان الدينمو المحرك في دمشق وقطنا مجموعة من رفاقنا ضباط الإحتياط وفي مقدمتهم ( الطبيب المجند أديب قرّة ) مع الضابطين الوطنيين ( سليم إبراهيم و محمد زلفو ) الذين لم تطالهم يد التسريح والذين يجب أن يأخذوا حقهم مع رفاقهم في حلب الذين سجلتهم الذاكرة ..
تجددت المظاهرات في العاشر من كانون الأول وإنضمت الثانويات إليها وإستطعنا دحر الشرطة التي قطعت الطريق علينا حتى محطة الحجاز وتفرقنا لئلا نحاصر داخل الجامعة مرة أخرى .. ثم إستمرت المظاهرات في الأيام التالية . في اليوم الثالث حاصرونا في المستشفى الوطني ومدرج الجامعة ودار التمريض ,,,سقط عدد من الجرحى من الشرطة وثلاثة أو أربعة بين صفوفنا كانت جروحهم طفيفة ,,
وأخيراً حاصرونا في دار التمريض .. وانضمت طالبات التمريض وعمال المستشفى إلينا وأذكر كيف قامت الممرضات ببطولات خارقة ضد الشرطة فألقين عليهم الحجارة والماء وقطع الحطب المتوفرة للمدافئ ...
أخيراً إعتقلونا وقادونا إلى نظارة الداخلية ومنها إلى سجن القلعة ,, وقد ضمت ثلة الفرسان المعتقلين ضد الديكتاتورية الرفاق كالعادة ....مع حفظ الألقاب --- سليمان شكّور . خطيب المظاهرات – سميح الجمالي –توفيق أستور – خالد الكردي – بشار موصلي –سعيد ميرخان – عطالله قوبا – نايف بللوز – علاء الرفاعي -- وأنا , كما ضمت من البعثيين الضابطين المسرحين – عبد الغني قنوت – وسعيد صباغ – وعلاء الدين الخاني – والشهيد نور الدين الأتاسي – ناصر الأطرش - نايف جربوع – نبيل شويري – محمد عيد عشاوي— وسيف الدين الخالد ----
............ كان سجن القلعة بالنسبة لنا منتجعاً أمام سجني المزة و تدمر.. وكانت زيارات الأهل والرفاق والرفيقات مرتين في الأسبوع ..,ولا أنسى رفيقاتنا وأمهاتنا وهن يقفن أمام باب السجن يوم الزيارة يحملن الهدايا ويطمئنوا علينا ويشجعوننا ..وأذكر منهن على سبيل المثال لا الحصر :
فضة حلال أم سليمان – ومنيرة عازار – وأم جورج صبحية - وجميلة حلال – وندّة رزق – وأم عمر الكردي – وأم شحاذة وديعة نجمه – وأم عوض – ووالدتي كوكب لطفي الهامس – التي لم تفوتها أية زيارة .. وكانت المطبوعات والرسائل تصلنا بأمان ...كما كانت مكتبة السجن تضم كثيرًا من الكتب العلمية والأدبية لكبار الكتاب والأدباء مثل كتب كامل عياد وجميل صليبا وسلامة موسى وطه حسين والعقاد وجبران وميخائيل نعيمة ومحمد كرد علي والرصافي وغيرهم ...
كنا نمضي أوقاتنا بالمطالعة أو الإتصال بالسجناء العاديين الذين كان معظمهم ضحايا النظام وتمكنا بناء منظمة صغيرة داخلهم ساعدت كثيراً الرفاق الذين أعتقلوا بعدنا ..
في هذه الأثناء كان بعض قياديي بكداش الذين لم نرَ وجوههم اُثناء الإعتقال كما لم يزوروا أهلنا طيلة وجودنا في السجن كما كنا نفعل نحن الفقراء . كانوا يقضوا السهرات الممتعة في منازل العائلات البورجوازية التي تتزلف لهم للحصول على مكاسب ورحلات مجانية وبعثات دراسية ومنافع لاحصر لها في المعسكر الإشتراكي حولت الحزب بعد إسقاطنا ديكتاتورية الشيشكلي إلى شركة تجارية رابحة .. رغم قبضهم ملايين الدولارات من موسكو دون أن نعلم كيف ينفقونها ؟....
أذكر عندما كان الرفيق يوسف نمر في سجن تدمر... بمبادرة شخصية مني جمعنا تبرعات من رفاقنا في الجامعة وشكلنا وفداً من الرفيقات والرفاق لتقديمها لأهله وقمنا بزيارتهم في منزلهم وأذكر كم كانوا رفاقنا الطلاب الأردنيون والعراقيون الذين دعوناهم للمشاركة متحمسين لهذه الزيارة في ساحة الدوامنة بدمشق القديمة مع باقة ورد ومحبة ,, وهذا واجب مبدئي وإنساني لم تعرفه القيادة البكداشية التحريفية الإنتهازية والتابعة ...التي كانت ترفع المظلات في دمشق كلما غيّمت في موسكو ...
كان الديكتاتورية تزداد عزلة يوماً بعد يوم وشكلنا فرق من الشباب لكتابة الشعارات على جدران المدن والقرى وتعليق اللافتا ت على أسلاك الهاتف في المدن والقرى التي تحمل شعاراتنا : الموت للديكتاتور .. وأسياد ه الأمريكان
وضد الأحلاف الإستعمارية والإحتلال الصهيوني – إلخ
وفي 20 ت2 –53 حاول الإنكليز في صراعهم مع الأمريكان على نفط الخليج أن يستعيدوا نفوذهم بواسطة عناصر رئيسية من حزبي الشعب والوطني ومن العشائر الموالية لهم وتحريضهم على قيام التمرد المسلح في جبل العرب .هذاما أكده المرحوم أكرم الحوراني في مذكراته حرفياً :
(بعد أن أبلغني منصور الأطرش بأن الجبهة ( التي تشكلت في مؤتمر حمص ) موالي معظممها لبريطانيا قررت بدء العصيان المسلح من الجبل.. كان رأيي هذه المحاولة إنحراف خطير عن أهداف الحزب لأن نتائج الثورة إذا نجحت هي تسليم البلاد للإقطاعية والعشائرية, وتمكين الرجعية في سورية والعراق من تنفيذ مخططها المرتبط ببريطانيا ..لذلك لايجوز أن نوافق مهما كانت المبررات , وقد بدا لي أثناء النقاش أن الأستاذين ميشيل وصلاح كانا موافقين على الثورة ,, صممت الإنفراد بمنصور الأطرش لينقل رأيي لوالده .. – مذكرات الحوراني – ج2 ص 1552 )
وبعد فشل العصيان المسلح في جبل اللعرب أمام إقتحام قوات الجيش ومداهمة المنازل وإعتقال المسلحين بقيادة ( شوكت شقير – وفؤاد الأسود ) فّر سلطان الأطرش وبعض أنصاره إلى الأردن ...-
يتبع في العد القادم – السقوط - ... 25 / 10 لاهاي



#جريس_الهامس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على جدار الثورة السورية - إعادتنا إلى سجن تدمر , ولقائنا مع ...
- على جدار الثورة السورية - في سجن المزّة العسكري - رقم 68
- على جدار الثورة السورية - في سجن تدمر العسكري -- رقم 67
- على جدار الثورة السورية - تتمة ديكتاتورية الشيشكلي . من حكم ...
- الأسطورة الإسرائيلية من القبيلة إلى دولة الإغتصاب
- كيف ضاع الجولان ..؟
- مملكة الاستبداد المقنن في سورية
- على جدار الثورة السورية .. من حكم العسكر - رقم 65
- على جدار الثورة السورية رقم -- 64 . يا بشّار الكيماوي . إرحل ...
- بين الظلامية الدينية والحضارة الإنسانية - على جدار الثورة ال ...
- على جدار الثورة السورية - 62 توأم همجية الرأسمالي : العسكر , ...
- على جدار الثورة السورية - رقم 61
- على جدار الثورة السورية - رقم 60 .
- لا للخيانة العظمى في الجزيرة السورية - من يوميات الثورة السو ...
- المحظور من الكلام في تاريخ العرب والشام .؟ -17
- المحظور من الكلام في تاريخ العرب والشام .؟ رقم 16
- من يوميات الثورة السورية الرائدة -- رقم 58 .
- من يوميات الثورة السورية الرائدة - رقم 57
- دولة وهمية , أم ثورة حقيقية ؟؟ يوميات الثورة السورية رقم : 5 ...
- من يوميات الثورة السورية الرائدة - رقم - 55


المزيد.....




- تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
- ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما ...
- الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي ...
- غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال ...
- مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت ...
- بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع ...
- مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا ...
- كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا ...
- مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في ...
- مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال


المزيد.....

- علاقة السيد - التابع مع الغرب / مازن كم الماز
- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - جريس الهامس - على جدار الثورة السورية - النضال حتى إسقاط ديكتاتورية الشييشككلي - تحالف الجيش مع الشعب - رقم 70