|
لماذا يستهدف الأمن في العراق ؟
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 4241 - 2013 / 10 / 10 - 17:44
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
لا يمر يوماً من أيام العراق الجديد إلاّ وفي كل شارع أو محلة أو بيت نائحة ومصيبة ، إذ لا يخلو يوم العراقيين من تفجير هنا أو تفجير هناك لتتواصل موجة و دوامة العنف العراقي الذي أتت به إلينا طيور الظلام والإرهاب القادم من وراء الحدود .
هذا الطوفان من الموت الدائر الذي يزور بيوت العراقيين بيت بيت ودار دار هو النتيجة الطبيعية لهذا الحقد السياسي والنقمة الطائفية والمذهبية الخبيثة التي يقودها نفر من الأعراب من محرفي الكلم شذاذ الأرض ، ولاشك إن دولاً ما من حولنا تسعى لكي نعيش حالة الموت الدائم وهدفها معروف ومعلوم ، كما ولا أشك إن نفراً من بعض البعض من قليلي الغيرة عديمي الشرف مولعون جداً بالدم العراقي وهاجسهم أن لا يقر لنا قرار ، وبين الفينة والفينة ينبري لنا من تجار الدم من يذكرنا بالأحقيات المزعومة له ولفصيله كما ويدعي القهر الذي لحق به بعد التغيير ، ونحن هذا الشعب العاطفي المسكين نلبي من غير تحقيق ونزعل من غير تروي حتى يجرنا هؤلاء إلى حيثما يريدون وهذا هو الحال في وصفه وصفته .
و إن كان حقاً يستحيل التعايش بين المكونات العراقية في ظل الديمقراطية فلماذا لا نذهب مطمئنين لقبول فكرة الأقاليم بحسب الواقع والوضع ، والتي فيها نعطي لكل فصيل حقه في ان يحكم نفسه بنفسه من غير وصاية أو سيادة من أحد ، كما ومن حق كل فصيل ان ينتفع بخيرات اقليمه فيبني ويعمر وينتج وله بعد ذلك ان يسد بابه عليه ويقول : - يا جار انت في دارك وأنا في داري - ، هذا الكلام قادتني إليه وتقودني تجربة إقليم كردستان العراق التي نجد فيها البناء و الإعمار والنهوض والأمن ، ونجد فيها التنافس الديمقراطي بين احزابها ومنظماتها لخير الاقليم وتقدمه ، وهو تنافس شريف ومحمود لا يعلو فيه احد على احد إلاّ بالقدرة والكفاءة والوضوح و الإستحقاق ، وإذا كانت هذه التجربة ناجحة من وجوه ، فلماذا لا يكون لأهل الوسط والجنوب أقليمهم الخاص بهم ؟ يتنافسون بالخير ويتعاونون عليه وهم على ذلك أقدر وفيهم الخيرات والثمرات والثروات ، ومدنهم وقراهم بحاجة للبناء والاعمار والتنمية بدل إلهاء مواطنيهم بحاجات ليست منهم وليس لهم فيها – إلاّ وجع الرأس - ، و نفس الشيء نقوله لأهل الموصل والمناطق الغربية ان يكون لهم أقليمهم الخاص بهم ، يحكمون أنفسهم ويتنافسون مع بعضهم البعض و هم يريدون ذلك ويطلبوه ، فلماذا لا ندعهم وشأنهم وما يريدون ؟ وأظنهم سيكونون أقدر على البناء والتنمية من غير حساسية أو غيظ أو حقد .
وأعترف إن من حق البصرة والناصرية والعمارة ان تبني حاضرها ومستقبل أبناءها بالطريقة التي تعتقد فيها وتريد ، وهي أولى بمواردها إذ من خلالها تستطيع أن تتقدم وتنهض وتبني وتعمر ما خربته الأيام والدهور ، وأقليم الوسط والجنوب يستطيع ان يكون خير مكان في النماء والعمران ان توفرت النوايا الصالحة والجهود البناءة ، وهو اقدر وأكمل في البناء فيما لو تكاتفت الجهود ، كما وأعترف لكم إنه قد حان الوقت لكي نتخلص من الدائرة القومية التي أكل عليها جناة التاريخ وشربوا حتى كرهناها وماعادت تنفعنا ولا هي الطموح لأجيالنا ولمستقبل أبناءنا ، والتي ما نابنا منها إلاّ كل هذا السيل من الدماء والتخريب والكراهية ، والحكمة تقول ليكن لكل مكون منا شأنه ووضعه الذي يُغنيه والذي يكون فيه بعيداً عن سطوة الأخر وهيمنته ، وبحسب ما أعلم وأشاهد فإن الكل يريد ذلك ويطلبه ، فلماذا التمسك إذن بشيء غير مرغوب ولا مطلوب من الجميع ؟ هذه هي الحقيقة من غير تسويف أو إدعاء باطل وكاذب .
ودعوني أستعير لكم في هذا الشأن كلام للمرحوم السيد عبدالعزيز الحكيم طيب الله ثراه كلام يصب في هذا الإتجاه ويدعوا له ، هذا الرجل الواقعي عرف منذ البداية إن التعايش في ظل التزاحم غير ممكن ولذلك دعى من غير خوف أو تردد لفكرة بناء الأقاليم ، وكان هدفه من ذلك واضح حسبما عرفت يظهر ذلك في دعوته ليظل الود قائم بين أبناء العراق : و هو ان يحب العراقي أخيه العراقي ويحترمه ولا يبيح دمه وعرضه وماله ولا ينافسه في عدوان ، ولقائل ان يقول : وما شأن الخيرات والثروات العراقية ، ونقول : هي للعراقيين تقسم بالعدل من غير إبخاس أو تقتير ، وذلك يتطلب حسن النوايا والصدق لكي ينتفع بها الجميع ولا تكون للسراق وحرامية النهار .
إن الدم عراقي غالي جداً ومن لا يسعى لوقف هذا النزيف فهو لا ينتمي لنا ولا لشرفنا ولا لناموسنا ، نعم لقد فات على وقت سقوط النظام الديكتاتوري عشر من السنيين العجاف لم يجف معها الدم العراقي ولم يجمد ولم يذق فيها العراقي أمن و لا راحة بال ولا أطمئنان ، وفي هذه العشر العجاف كل أدعى و يدعي إنه صاحب حق فيه وإنه صاحب المقام الأول ، هذا العراق الغارق في بحر من الدم والدموع لا يستحق منا أن نعدمه بايدينا ولا أن نشارك الأعداء في تدميره وفنائه ، نعم لا يستحق منا ان نساهم في قتل شعبه رغبة في منافسة فاشلة في سلطان زائف ولا يستحق منا ان ندير ظهورنا عنه وكأن الأمر لا يعنينا ، دم العراقيين طاهر شريف يستصرخنا كل لحظة ويندبنا كل يوم لكي نساهم ولو بدرجة ما في وقفه وحمايته ورعايته .
نعم أنا لا أشك في وطنية الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية ولا أشك في حرصهم على سلامة الوطن والمواطن ، ولكني منزعج ومشمئز من أولئك الذين يتلهون بالقيل والقال والتشويش على الأجهزة وعلى الشعب ، هؤلاء هم الأعداء فاحذروهم ، ولا نبالغ إذا ما قلنا إنه في كل نائبة من نوائب العراق نجد فتاوى رجال الدين المزيفين هي من تخرب على العراقيين أمنهم وحياتهم وأطمئنانهم ، ولهذا كنت على الدوام قلق من هؤلاء الشرذمة وكنت أنبه في مرات ومرات منهم ومن تزييفهم ، واليوم يزداد قلقي وخوفي على الحاضر والمستقبل وانا اجد ان كل الدول تتعافى يوماً بعد يوم إلاّ عراقنا المنكوب يتراجع وينقبض ويُدمر ، وهاهي البصرة التي كانت تأمل أن يداوي الخليجيون بعض جراحها تركوها تنزف كدأبهم في كل موقعة من مواقع الحياة لا يهمهم إلاّ أنفسهم ، ومع ذلك يلهث إتحاد الكرة المشؤوم ورائهم يستجدي حطام دنياهم لحسن نوايا منه أم لجهل أم لضعف الله أعلم ، لكنها في كلا الأحوال سيئة لا تغتفر له ، وما زاد الطين بلة إن العراق لازال يعيش على الشعارات والكلام ويبتعد عن العمل والانجاز ، لازالت مدنه وقراه كما تركها المقبور خاوية على عروشها تخلف وفقر وفاقة وألم ، نعم كثر اللصوص والسراق وتجار الفتنة وإزدادت الجريمة وتنامى الجهل وسادت الفوضى وعجز الشرفاء من قول الحق ، إن أملا يراودني ان يتقدم الشرفاء كي يستقيم الميزان ويساهموا في البناء بروح الثقة والايمان وهي روحهم وايمانهم ، وفي ذلك حقن للدماء وإيقاف لعجلة الخراب والدمار ..
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وهل يجوز اقتناء الكلاب في البيوت ؟
-
الرئيس الإيراني والواقعية السياسية
-
لاتضربوا سوريا
-
الإسلام السياسي وهاجس الحكم
-
تلوث العقل السياسي العربي
-
تجربة مصر تُثبت مدى الحاجة لليبرالية الديمقراطية
-
تهنئة
-
القرضاوي وكذبة رجل الدين
-
ماذا تعني السيادة الوطنية ؟
-
موقفنا مما يجري في المناطق الغربية
-
بمناسبة الإنتخابات البلدية في العراق
-
عقلية الطوائف
-
حينما يتكلم الملك
-
المعركة في سوريا
-
العلمانية كما أرآها
-
قول في الوطنية
-
مبادئنا
-
كيف ننقذ الوطن ؟
-
الإصلاح الديني ... لماذا وكيف ؟
-
فوضى التظاهرات
المزيد.....
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|