طلال قاسم
الحوار المتمدن-العدد: 4216 - 2013 / 9 / 15 - 19:18
المحور:
الادب والفن
في إحدى الليالي التي بدت ساكنة من كل شيء إلا من دوران الأفكار الصاخبة والدرويشية في رأسي، نظرت إلى النجوم المعلقة في السماء، والتي بدت حينها وكأنها لوحة مرسومة بأصابع ومخيلة طفل في العاشرة أو ربما في التاسعة، عشت ذلك الإحساس بقوة إلى حد التصديق والتيقن من ذلك ، إلى درجة شعرت بأنه بإمكاني أن أمسح تلك اللوحة البريئة بممحاة قلم رصاص، لكني عدلت عن مثل هذه الفكرة، وقررت أن اكتفي بالسماح لأصابعي بأن تلمس تلك النجوم، وتداعبها حتى يزيد وهجها أو يحدث أي شيء آخر لا أعرفه.
فكرت بالأمر وسمحت ليقين الأطفال أن يسكنني في تلك اللحظات، ومددت يدي نحو السماء متقناً بأني سألمس فعلاً تلك النجوم، بكل تلك الرغبة الجادة والتي لا أثر فيها لأي نوع من المزاح أو الشك، وفعلاً وجدت يدي وأصابعي تمتد وتمتد بطريقة عجيبة لكنها في نفس الوقت لم تذهلني كثيراً مع كل ذلك اليقين الذي أصبح يتدفق من حواسي، ومن أصابعي تحديداً، وحين أصبحت قريبة من ملامسة إحدى النجوم، وتحقيق هذا الأمر الذي بدا لي طوال حياتي مستحيلاً، آه ليتكم تعرفون حجم السعادة التي كنت قد وصلت إليها في تلك اللحظة ، حين لم يتبقى إلا بعض السنتيمترات الضوئية لامسها، حينها سمعت صوت خشن جلف غليظ يقول لي : هي أنت، انتبه ستحرقك النجوم، وستحولك إلى رماد، إنها ليست إلا أجسام نارية متوحشة تلتهم كل ما يقترب منها، ستحرقك، هذا اذا استطعت الوصول إليها أصلاً.
صدر ذلك الصوت، ثم قهقه ضاحاً، وبطريقة ساخرة ضاقت بها نفسي.
ترددت أصابعي عن الامتداد أكثر نحو تلك النجمة، وبدأت الحظ أنها تعود إلى الانكماش أكثر فأكثر..
صرخت بكل ما املك من حنق وعتاب وبغض في وجه ذلك الصوت الغامض والمحبط، قائلاً : من أنت؟!
رد علي بهدوء وبرود كالثلج: أنا صوت المنطق بداخلك.
حينها ذبلت أصابعي وأحلامي البريئة، وابتعدت النجوم لتصبح في مرمى المستحيل مرة أخرى، وشعرت بخشونة المكان الذي كنت أجلس عليه، وعادت الأصوات المزعجة والصاخبة بالواقعية للتعالي والتبجح من حولي، كان منها صوت كلب متشرد، وشخصين تترافع أصواتهم بالشتائم.
حين أفكر اليوم بتلك الليلة، أتساءل في نفسي لو أنني لم أتردد، ورفضت الاستماع لذلك الصوت الجهوري , هل كان سيكون لدي الآن نجمة معلقة على سقف غرفتي؟!.
#طلال_قاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟