سعد عزيز عبد الصاحب
الحوار المتمدن-العدد: 4192 - 2013 / 8 / 22 - 14:41
المحور:
الادب والفن
توظيف البيئة المعمارية والاثرية المفتوحة والمغلقة في المسرح العراقي
-تقدمة تاريخية وفنية- سـعد عزيز عبد الصاحب
جاء تأثير الخروج خارج نطاق المنصة التقليدية قادما من انعكاس الفعاليات المسرحية في العالم و خصوصا في البلدان التي تمثلت فكرة الحرية والانعتاق من المهيمنات الراديكالية (البرجوازية) للمكان في مساحات وبنايات وفضاءات عرض تنتمي لافق ايديولوجي متأثر بألهزات الاقتصادية والسياسية والثقافية في الواقع الاوربي والامريكي لسنوات الستينيات والسبعينيات, وتمثل ذلك في فعاليات مسرح الشارع والمسرح المفتوح والمسرح الحي ومسرح الشمس والمسرح السري وغيرها.
واسهم المخرج والمصمم المسرحي العراقي في ضوء معالجة القضايا القومية والمحلية (الثورية) بأفق ايديولوجي يساري تقدمي او جمالي خالص ضمن غايات فنية محددة , يعتمد توظيف المعمار الاثري , والفضاء المعماري البيئي المفتوح والمغلق لخدمة العرض المسرحي , وضمن هذه المنطلقات قدمت العديد من العروض منها مسرحية (فيت روك) عام 1970 اخراج (جعفر علي) في قصر الأخيضر, حيث "وظفت المعالم الاثرية في وحدة المكان الديكورية , مفيدا من ادوات منظرية بسيطة لم تتجاوز المصاطب و العصي والقبعات وقد لعبت الاغاني السياسية دورا مهما في الاتصال مع المتلقي"1 مبتعدا –اي المخرج- عن تقليدية المناظر والاضاءة , وتوظيف الفضاءالمفتوح والاثر التاريخي , كتجربة ساعدت على انجاح العرض في موقع مكاني يحمل صفة الموروث التراثي و هذا الشكل المسرحي متأثر دون شك بتجارب المسرح العالمي انفة الذكر , وكذلك عروض المسرح العربي وخصوصا المسرح المغربي الذي كان له قصب السبق في الاشتغال على فضاءات جديدة ومبتكرة خارج العلبة كالساحات والملاعب والطرز المعامرية الاثرية,لاطلاق بانوراما الثورة المغربية الكبرى على الاستعمار القديم,بأبتكارات المخرج والممثل (الطيب الصديقي) في مسرحيات "( معارك الملوك الثلاثة ) و (مولاي اسماعيل) وفي عام 1965 قدم مسرحية (المغرب واحد) بأتجاه الوحدة المغربية , بميدان مصارعة الثيران في الدار البيضاء, وكان عليه ان يقرأ التاريخ قراءة مغايرة, ويوظف الوثائق في بناء عمله, حيث كان عملأ دراميأ تتلاحق في احداثة مشاهد المقاومة المغربية ضد الاحتلال الفرنسي وظروف الاستقلال"2 .
لم تكن تجربة (جعفر علي) في الهواء الطلق والمعمار الاثري خارج العلبة الايطالية هي التجربة الوحيدة في المسرح العراقي انما رفدتها تجارب اخرى رائدة متمثلة بتجربة المخرج والممثل (سعدي يونس) في سبعينيات القرن المنصرم, في اتخاذه للمستوى السيسيو-ثقافي منطلقأ لعرضه المسرحي , ففي بحثه عن الجمهور في اماكن تجمعه الرئيسة انفتح (يونس) في امكنة عروضة على المعمل والمستشفى والمقهى والشارع والمتنزه , باحثأ عن جمهور جديد لم تكن له تجربة في ارتياد بناية المسرح ,لذا اراد ان يطرح تجربته من خلال هذه الامكنة عبر موضوعات تخص المجتمع بما فيهم المرأة وتحرير الارض والجهل وغيرها.
ان فضاء (يونس) اتسم بألأختزال في وسائل العرض التقنية وعلى وفق اشتراطات مسرح المقهى قدم عرض (الاستعراض الكبير) في مقهى السعدون, بداية شارع السعدون كأفضل مكان لتجمع الجمهور ,مفيدأ من تقنية منظريةبسيطة وثابتة مع اضاءة بسيطة ايضا,ومنصة خشبية ارتفعت قليلأ عن سطح الارض , حيث قسمت المقهى الى جزئيين , وبهذا الشكل توالت تجاربه فعرض (الدربونة) في حديقة الامة و حديقة الزوراء 4, وقدم المخرج (سامي عبد الحميد) مسرحية ملحمة جلجامش على المسرح الروماني في مدينة بابل الاثرية عام 1983 في توظيف اخر للمعمار الاثري في عروض المسرح العراقي, ليكون العرض اكثر انسجامأ مع المكان ويحضر في مرجعياته التاريخية ويقترب من طرازية المكان, لكنة كان بحاجة الى عدد اكبر من الجوقة لسعة المساحة الجغرافية والحاجة الى ملئها بميزانسينات حركية متنوعة , واجراء تغييرات في العملية الاخراجية لكي تستوعب المسافة مابين المشاهدين والممثليين فوق (الارينا) خشبة المسرح الاثرية5.
وفي توظيف ثالث للطراز المعماري الاثري في العرض المسرحي قدمت الفرقة القومية للتمثيل مسرحية شعرية بعنوان ( اين هو الضوء الاخضر)تأليف عزيز عبد الصاحب و اخراج (حميد الجمالي) في حصن الاخيضر التاريخي عام 1977 حيث ارتفع الممثلون بخشبة مسرحية كبيرة و بمستوى متر ونصف اعلى الجمهور , مثل عليها الممثلون بملابس المقاومة الفلسطينية , وبمقولات شعرية حماسية في الهواء الطلق رددتها الجوقة المسرحية والجمهور معا 6.
ولايمكن اغفال تجربة المخرج الحداثي (حميد محمد جواد ) عندما عمل على اخراج رواية (الاخوة كرامازوف) ل(دوستيوفيسكي) بعد اعدادها للمسرح في نهاية العام 1980 في فضاءات حدائق كلية الفنون الجميلة في بغداد بعد ان انشأ سينوغرافيا عريضة بمستويات ومنحدرات على طول الحديقة مما اثار الرعب لدى ادارة كلية الفنون واوقفت التمارين وفككت الديكورات لكونها حسب زعمهم "ستكون هدفا سهلأ لقصف الطائرات الايرانية وذلك ابان الحرب العراقية الايرانية (1980-1988)"7.
وبعد عودته من رومانيا كثف المخرج (صلاح القصب) من اشتغالاته المسرحية خارج الانساق السياقية والتقليدية بأبتداع بيئات عرض جديدة خارج العلبة الايطالية , فضاءات مفتوحة و مغلقة في وقت واحد تتعدد بؤرها الحركية بأنشاءات بصرية جمالية خالصة فقدم في العام 1990 مسرحية (عزلة في الكرستال) حينها دمج (القصب) وضم فضائين في وقت واحد , فضاء قسم التصميم وفضاء البناية الادارية ( التسجيل ) حيث وظف الممرات المحيطة والداخلة للمبنيين وكساها بالرمل, لتقديم بنية ميتافيزيقية تنفتح على اشكال وثيمات الجنون والموت والعدم.
وفي مقاربة للمسرح الكلاسيكي عمل (القصب) على اخراج مسرحية (مكبث) ل (شكسبير) عام 1999 ضمن فضاء قسم الفنون المسرحية الخارجي المتمثل بالساحة والحديقة , منطلقا على الصعيد الفكري من (غابة برنار) وزحفها بأشباحها نحو مكبث لتقض مضجعه.
وكان للبيت التراثي وتوظيفه دراميا شكل خاص في المسرح العراقي من خلال (البيت البغدادي) (منتدى المسرح) الذي قدمت عليه العديد من التجارب الهامة واللافتة خصوصا مسرحية ( ترنيمة الكرسي الهزاز) عام 1986 للمخرج (عوني كرومي) (1944-2009) عندما وظف المعمار الاثري والطرازي للمكان من خلال حركة المتلقي داخل ارجاءه وجعله ضيفا قادما للبيت وليس بنسقه الكلاسيكي وحضوره التقليدي بوصفه مشاهدا.
المصادر:
1. عقيل مهدي , الواقعية في المسرح العراقي, بغداد ( دار الشؤون الثقافية العامة , 1990,ص78.
2. عبد الرحمن بن زيدان ,ادب الحرب في المسرح المغربي , مجلة فصول,م2 ,العدد 3 ,1982,ص161
3. ينظر: سعدي يونس , تجربتان العراق- فرنسا عن مسرح الشارع, مجلة فنون ,العدد 98 في 21 تموز 1980,ص 55
4. ينظر: يواخيم فيباخ ,تجارب مسرحية في العراق , ترجمة : غانم محمود ,مجلة افاق عربية , بغداد, العدد7, في اذار 1982, ص 153
5. ينظر:عماد هادي الكواز , جماليات المنظر في الفضاءات المفتوحة , رسالة ماجستير غير منشورة ,2004,ص54
6. ينظر: عزيز عبد الصاحب , مذكرات , سيرة ذاتية غير منشورة للفنان الراحل عزيز عبد الصاحب ,ص 49.
7. لقاء مع الاستاذ اسعد عبد الرزاق في قسم الفنون المسرحية بتاريخ 28-4-2007
#سعد_عزيز_عبد_الصاحب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟