|
منزلنا الريفي (( 9 ))
عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .
الحوار المتمدن-العدد: 4192 - 2013 / 8 / 22 - 14:40
المحور:
الادب والفن
من ينشد الحياة فوق هذه الأرض الموحشة ؟ من يغرد تراتيل المواطنة ؟ هل تخرج الأموات من قبورها ؟ هل تتكلم تلك الأحجار المتراصة ؟ و ماذا عن ذلك القزم الذي يبيع أسرار أرضه دون مقابل ؟ يجلس الطفل فوق الصخرة متكئا على كتبه، و هو ينظر إلى القمر الذي هده التعب، وصاح مناشدا إياه :
- أيها القمر المفعم بالأمل، هلا أخبرتني بأسرار قريتي ؟
سكت لحظة، ثم أتمم :
- أريد أن أعرف من هم الجبناء، ومن هم الشجعان الأفذاذ ؟
و على الفور أجاب القمر :
- ماذا تريد أن تعرف بالضبط ؟
- أريد أن أعرف كنه الماضي، وكنه الحاضر .
سكت القمر، وغاب في شجون السماء، أما الطفل، فقد غرق في ذاكرته، و ها هو الآن يهيم في الأجواء، و يحلق مع العقبان .
***************
يجلس التلميذ- الطفل في القسم، يسأله الأستاذ :
- من أين أنت ؟
- أنا من أرض كرزاز .
يقهقه التلاميذ، فينفجرون حد الثمالة، ويغمز أحد الآخر، فيقول له :
- إنه من ثلاث الكرت !
يرد عليه الآخر :
- أين توجد ؟
- لا أعتقد أنها توجد .
بينما يهيم التلميذ الثالث في الضحك :
- لا يهمنا وجودها من عدمه، اللهم أن سكانها أنذال، ومتخلفون، و لا ينتمون إلى الحضارة ( يطلق هذا الحكم دون أن يعاشر أي أحد منهم )، و لا تعاشر أحدا، إنهم متسخون ولصوص .
يبدأ الأستاذ الدرس، فيحث التلاميذ على قراءة نص يتعلق بتاريخ المقاومة، فيبادر التلميذ القروي بالقراءة، و لما وصل إلى قولة مؤثرة رددها بملء فم الغضب : " إن المقاومة المسلحة التي تصدت للاحتلال الفرنسي ؛ قادها مقاومون قرويون أفذاذ، هذا في المرحلة الأولى، بينما في المرحلة الثانية ؛ قادها أحفادهم ممن سكنوا دور الصفيح بعد أن جردوا من أرضهم "، و في الوقت الذي انتهى فيه، رفع يده، ثم أمره الأستاذ بالكلام :
- يا أستاذ ! إن هذا النص مبتور، فالذي باع القرويين هو المخزن ؛ ألم يتحالف مع الاستعمار ؟ ألم يجرد القرية المغربية من التنمية بعد الاستقلال ؟ إننا نحن من صنعنا التاريخ، فكنا ضحية للتاريخ، إن التاريخ يصنعه الشجعان و يستفيد منه الجبناء ؛ انظر إلى وجوههم ! إنهم يتجاهلون التاريخ ؛ انظر إلى بشرتهم، إنها تفيض حمرة من دماء أبطالنا، أما نحن القرويون، فنتكدس في قسم داخلي أقل ما يقال عنه أنه حولنا إلى إطارات فارغة مثل سجناء الكهوف .
سكت لحظة، ثم واصل :
- لا أعتقد أنك أيها الأستاذ تحمل في صدرك هموم المنسيين ؛ إن الذي يحمل أفكارهم، يرى و هو مغمض العينين .
***************
حط فوق صخرة " مومن "، و بينما هي غارقة في صمتها ؛ راح هو يبتهل :
- أيتها الصخرة العظيمة ! أرجوك أخبريني بما يدور في عمق هذه الأرض .
ردت عليه متهكمة :
- من أنت ؟ هل أنت مستقر أم عبير سبيل ؟ هل أنت ذلك القزم الذي يسرب الأخبار أم أنت ذلك المناضل العملاق ؟
و بعد أن انتهت ؛ أطلق تقطيبة مبتسمة :
- أنت تعرفينني من أنا .
خرجت الصخرة من صمتها، و استيقظت من نومها، وفتحت صدرها، فدخل في عمقها، و هنالك و جد ذلك القزم، ووجد أحد المدينيين العنصريين، كما وجد الإنسان الكرزازي الأبي .
**************
تكلم القزم :
- أنا أكثر الناس ذكاءا، فرغم أني أعيش وسط هذه الجروف، فإنني أبيع الناس دون مقابل؛ إن الناس حشرات، إذا لم تبعهم، حتما سيبعونك، إنهم مجرد " عطايا ؛ كيعطيو غير البراني ؛ علاش منعطهمش أنا، أو نفطر بيهم قبل ما يتعشاو بية "، فأستفيد من أنعام " الجامعي"،و " البيضاوة " ؛ إن دوري هو أكون حثالة ماكرة، أو لنقل ذبابة تتطفل على الأزبال، لا تهمني كرامتي، فجسدي حينما يجوع لا يرحمني أحد غير تملقي .
رد عليه المديني :
- و الله إنك على حق، تاريخكم تاريخ نذالة، كنتم تتضرعون إلى القواد، والأسياد، تبيعون كرامتكم دون مقابل، و ها أنتم تستولون على المدينة، فتبيعون فيها البرتقال، و ترعون فيها الأغنام، و يتكدس فيها الكلاب، تبا لتخلفكم أيها القرويون المنحطون !
و بينما سكت المديني، حتى فصح الكرزازي الأبي عن مكنوناته :
- اسكت أيها المديني الجبان، تاريخك تاريخ خوف، و حياتك يعمها الجبن، ومستقبلك يفتقد للحلم ؛ أ تخبريه أيتها الصخرة الشاهدة أم أخبره ؟ أخبريه عن معركة " الفخاخة " ؛ من يتذكر هذه المعركة البطولية ؟ ومن يتذكر أبطالها ؟ إنها معلمة شيدت أركانها أجساد قروية، وكتبت إسمها دماء قروية ؛ إن هؤلاء الأبطال تصدوا لاحتلال غاشم أراد أن يستولي على الأرض و الزرع، لكن هؤلاء أبوا، فما كان منهم إلا أن قتلوا " بولو " قائد جندهم، فخلدوا ملحمة بطولية لن ينساها أحد سوى الجبناء والعملاء والأنذال ... أخبريه أيتها الصخرة العظيمة عن هؤلاء الأبطال القرويين الذين دافعوا عن أرضهم ببسالة ضد الاستعمار و العملاء، و ها كم " الشتوكي " نموذجا ؛ أ لم يرد أن يستولي على الأرض بالقوة ؟ فما كان من الكرزازيين الأحرار إلا أن رشقوه بوسائلهم الخاصة دفاعا عن وجودهم....هذا هو بني كرزاز الحقيقي .
سكت لحظة، ثم أتمم :
- يا بني كرزاز الجاثم تحت الصخرة ؛ استيقظ من غفوتك، و اسكن عقول أهلك، وناضل من أجل التنمية المنشودة ؛ لم المستوصفات في قريتك مفقودة ؛ لم المدارس غائبة و الطرقات غير مرصوفة ؟ لم الأزبال مبثوثة ؟ و لم الأحلام المقصوصة ؛ حان أن يعود المجد إلى أهلك، و حان أن يخرجوا من جبنهم، و ما أحوجنا إلى التنوير، و بث العلم و التفكير .
*************** اختفت أفكار القزم، و اختفى الفكر المديني، وتكلمت الصخور، وعاد الكرزازي إلى مجده مرتلا المواطنة و الإنسانية، أما الطفل فقد سار في درب طويل مستقصيا العمق الكرزازي، و ها هو الآن يرقص فوق منزلهم الريفي، و من حين لآخر يتغور عميقا في باطنه لعله يستنهض الأحرار دفاعا عن التنمية المنشودة .
يتبع
عبد الله عنتار - الإنسان -/ 16 غشت 2013 / بني كرزاز - بنسليمان - المغرب .
#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا مبالاة
-
منزلنا الريفي ( 8 )
-
منزلنا الريفي ( 7 )
-
أدوار النخبة عند الباحث الأنثروبولوجي عبد الله حمودي
-
أدوار النخبة عند عبد الله حمودي
-
في طريقي إلى الكلية
-
طريقي إلى الكلية
-
الطريق المتربة
-
عائد من سوس
-
علمتني الأيام
-
جولة سوسية
-
التضامن الأعظم
-
رحلة إلى إنزكان
-
لحظة أخيرة
-
همس الجنون
-
إرهاصات العزيب
-
1- الكفاءات الموهومة
-
الهسيس
-
الحب الإنساني
-
النزول
المزيد.....
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
-
صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
-
إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م
...
-
مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|