|
قصه قصيرة الياقوته بنت الؤلؤة
غانم عمران المعموري
الحوار المتمدن-العدد: 4189 - 2013 / 8 / 19 - 14:55
المحور:
الادب والفن
الياقوتة بنت اللؤلؤة أن حاسة البصر لن تخذله أبداً لكن في تلك اللحظة المذهلة وهو يفترس الأشياء ويبتلع الغيوم المارقة فوقه ,من بوابة العرش العظيم خرج كبيرهم يتوسط الجموع أدعج العينيّن عريض الابتسامة بيضوي الوجه كالكتاب المفتوح لمن يجيد فك الرموز والطلاسم قدمه الحاجب الذي كان يسير معه شاهد ساقيّه ترتجفين وتعرقت جبهته انحنى لكبير القوم المعظم تبعه بارتباك وخوف لهيبته ,جلس على كرسي العرش المرصع باللؤلؤ والمرجان ولباسه الحريري الناعم وخاتمه من الحجر اليماني , دنا الجمع إلى الأرض وهو معهم أشار إليه بـ كلتا يديّه أنت تدعى (كشكول العراّف ) . نعم سيدي تعلمت ذلك من الفلاسفة اليونان كأرسطو طاليس وكل شيء في الإنسان عبارة عن رموز تعطي انطباعاً عن تصرفاته , وتعلمت ذلك من العلماء العرب كـ ابن رشد وعلي بن سينا وجهك البيضوي يدل على انك ذو حظاً وافر في الحياة وأخلاقك ونفسك كريمة , طاهر محبوب طيب القلب ، التمعت شفتيّه بابتسامة فأبتهج وجهه بالضياء حتى بانت أسنانه كالثلج المرصوص ، أما أنت يا كشكول صاحب الأنف المرتفع من الأمام فيك خفة الروح والسرور وتحب الضحك محبوب لكنك تتدخل في شؤون غيرك تتميز بالنشاط وتعاني من الوحدة والكآبة ،كانت الياقوتة بنت اللؤلؤة مستلقيّة فوق محفتها المصنوعة من الخشب المقدس وفراشها من ريش الطيور كأنها قطعة من الذهب المتوهج وعينيّها النرجسيتين تغطيها أهداب طويلة أبى كبير القوم المعظم أن يزوجها حتى يأتي القادم من بعيد رجل معظم يفك الرموز ويبني سور مملكته لليوم المنشود ، همست لها الوصيفة نجمة السماء عن رجل وطأ أرض المملكة ،نظر الكشكول في يديّ المعظم بتمعن في الخطوط الموجودة في راحته وأطرق رأسه ملياً ، نظر ثانيةً ،حياتك قصيرة يا سيدي لكن حظك وافر تسعد من حولك ما دمت حياً واني أراك وقومك صرعا ملطخين بالدماء وسور مملكتك يبقى شامخ ، كان ذلك عن خيانة في أفراد قومك تجري كجريان الدم في العروق ، وأنت يا كشكول حياتك أقصر من حياتي وتلقى حتفك عن قريب ، وأراك ملطخاً بدمائك ، تفجرت في نفس الياقوتة نبوءة الماضي وغيبت الحاضر وفتحت لها باباً لعرش أبيها المعظم ، تأبّش القوم حول المعظم الذين كانوا يرون فيه مبعوثاً إليهم من عوالم بعيدة وآخرون أمعنوا في تخيلهم من أنه مقدس لا تدنوا مآربه الزكية إلى الشهوات والنزوات السفلية الدانية ، لحظتها يدير الكشكول عينيّه باستغراب إلى الوجوه الصفراء الشاحبة يراهم متشابهين كأنهم من أب واحد ، سحب الكبير نايّه وبدأ يشع أصوات تشبه تراتيل القديسين الحزينة خيّم الصمت وكأن الطير فوق رؤوسهم حتى تحولت قاعة العرش إلى بكاء ، حركة تلك الأنغام في قلوبهم آلام الجوع والفقر والحاجة والظلم والجور ، تسرب إلى قلبه صوت النغمة الحزينة وأصبحت عينيّه كقطع من الزجاج المتحجر تبرق وتغفو حتى نزلت دمعة ساخنة على وجهه ، أفهمهم الكبير إن نهاية الظلم في العالم سيكون عندما يطأ رجل غريب أرض المملكة ، هذا ما تنبأ به الجد المعظم قبل وفاته ، تفرق القوم على أثر ذلك ، ألقى الكشكول بجسده المنهك والأفكار تجتره ويجترها ، أصوات ،صور ،عبارات لم يألفها من قبل حتى علمه الذي لم ينفك عنه منذ صغره بدأ يتبدد كالماء في أرض قاحلة وكأن عقله آلة لا تتحرك إلا بأوامر وقوانين ، تلمس بيده الفراش الصوفي ونظر إلى أركان الجدران يتصفحها كالمهووس ، تسللت إلى غرفته الوصيفة نجمة السماء تتخفى بلباسها الحريري الزاهي المرصع باللؤلؤ والزمرد ، أندهش كشكول من جمالها وكأنها الحور العيّن قد نزلت من السماء ، لمحته بنظره ارتجفت فرائضه وأصابه الخوف كشفت عن ساقيّها البيضاويتين وعينيّها النصف مغمضتين تشعين بريقاً جذاباً ، رائحتها القرنفلية تسللت إلى منخريّه فشعر برعشة تهبط وتعلو في كافة أنحاء جسده ، رمت طرحتها الحريرية المزركشة بقطع من اللؤلؤ الصغيرة على حافة سريره ، خرجت بسرعة، بحثت الياقوتة بنت اللؤلؤة عن طرحتها المفضلة التي أهداها لها والدها في ميلادها الأخير فلم تجدها ، الكشكول قضى ليلته الماضية تمني وخوف حتى ذبلت عينيّه من قلة النوم ، هرش شعره ودعك أرنبة أنفه وأزاح غطاءه ، بقيت صورتها في روحه وعقله وحدث نفسه : هي الملكة الجميلة التي رأيتها في الليلة الماضية ولكن لو رآها أحد تدخل غرفتي سوف ألقى حتفي وتتحقق كلمات كبير القوم التي أطلقها عندما رآني . الياقوتة التي انتظرت طويلاً قدوم الوصيفة لعلها تأتيها بخبر سار عن الغريب بدأت تصيبها نوبة غضب ضئيلة ، لم تتذكر كلمات أبيها عن الوصيفة والتي وصفها بأنها أم الٌرُبَيس الداهية أخبرتها بأن الغريب يتمنى لقائها في أقرب وقت عندما ينام القوم ويختفي القمر على أن ترتدي ثوب الوصيفة وتضع عطرها المميز ، تزاحمت تلك الأفكار في مخيلتها ، طول الانتظار، كلمات أبيها المعظم عن النفس والشيطان والعفة ، سور المملكة العظيم ، نبوءة جدها الأبدية أثار فيها مخاوف كبيرة ، أخذت تضرب رأسها وتنفش شعرها حتى جُن الليل وسَكن الأنين وتفرق القوم إلا الحرس الأشاوس يقبعون بدون حركة كالرجال الآليين عند بوابة السور العظيم مدججين بالسلاح ،خطوة خطوتين إلى غرفته كان غارقاً في نوم عميق لا يعلم خدع الوصيفة ، فتحت الباب عليه نظرت إلى وجهه السماوي وجبهته الناصعة بياضاً قربت منه تسرب إلى روحه ذلك العطر القرنفلي الملكي ، فتح عينيّه ، كانت تضع الخمار على وجهها أبصر ثديّها المنتصبين وانحناء وركيّها ،اقتربت منه كانت ترتدي ثوب الوصيفة نجمة السماء كشفت عن وجهها ، بينما الوصيفة نجمة السماء رفعت الغطاء عن وجهها , نظرت بدهشة إلى فراش الياقوتة فلم تجدها ألتمعت عينيّها وكشرت أسنانها بابتسامة مزيفة وهزت رأسها وحدثت نفسها : سيصبح كل شيء ليّ عن قريب . غمزت بعينها وذهبت راكضة إلى غرفة كبير القوم المعظم ، إن نعيق الحرس ببوقه يوحي بتسلل الأعداء والتأهب للقتال ، قطع على الياقوتة حرارة اللقاء ، ربما تتحقق نبوءة الجد المعظم ، قفز كشكول من فراشه كالمحموم وهربت إلى غرفتها بفزع كبير استل سيفه ،خرج حافياً أرتطم بالرجال المفزوعيّن وكأنه يوم القيامة أشتبك قرع السيوف اختبأت النساء في قاعة كبير القوم المعظم ،هرب الأطفال كانت هي الخيانة التي أخبر عنها كشكول العراّف ، الدماء تسيل كالأنهار في المملكة ، رفات ، أيدي مقطوعة ، أحشاء ممزقه ، كانت الياقوتة تبحث عن أبيها المعظم بين الجثث ، سمعت صوته النديّ يهتف لقومه وأعداءه (أنا المبعوث إليكم من وراء الحجب من الصحراء والجبال البعيدة مخلّص البلاد من الظلم والطغيان ) أشتد وطيّس الحرب ،دخان ينفث من كل مكان ، قاعة العرش المعظم أصبحت مهشمه ، بدأت الدموع تنسل من مقلتيّها ووجهها الأنثوي الجميل تعلوه صفره مختلطة مع الأتربة والدخان والحرير الشامي ممزق من كل جانب ، مسحت الدم عن وجه أبيها كانت عينيّه مفتوحتيّن نحو السماء وأحشاءه ساقطة على الأرض وبجنبه الكشكول قد حُزت رأسه من قفاه وعلى بُعد أمتار الوصيفة نجمة السماء صريعة ملطخة بالدماء تأن وترتجف يديّها ، همست بصوت خفيض ، أشارت إلى الياقوتة ،هتفت .. أنا باقية في كل زمان أجري في بني آدم مجري الدم في العروق .
غانم عمران المعموري
#غانم_عمران_المعموري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|