|
عدنان العوادي
سعيد عدنان
كاتب
(Saeed Adnan)
الحوار المتمدن-العدد: 4181 - 2013 / 8 / 11 - 13:05
المحور:
الادب والفن
عدنان العوادي
سعيد من كانت سنين عمره مضيئة حافلة بما يزيد معنى الحياة جمالا وبهجة وسموا ، وسعيد من إذا التفت إلى ما وراءه رآه نقيا طاهرا لا ينكر منه أمرا ، ولا يود أن له به غيره ، وإذ ترجع معه بالسنين إلى مطلعها تجد أن الذي أنت عنده كالذي كان من قبل كما يشبه الماءُ الماءَ صفاء وعذوبة ! وقل من انسجمت أيامه وائتلفت على تقلب الأحوال ، وغُيَر الزمان في بلد ما أكثر ما يصبح الناس فيه على غير ما أمسوا عليه . لكنه كان يصبح ويمسي على نهج واضح متلئب ظاهره كباطنه ثقة بنفسه التي لاتني تسلك به سبل الرشاد . إنه عدنان العوادي الذي أحب العربية ناشئا حتى اكتملت لديه حرفا أنيقا ، وبيانا مشرقا لا يخطئ اللفظ فيه موضعه ، ومن وراء ذلك فكر نافذ قد تكاملت عناصره وتنزلت فيه الأشياء منازلها من دون زيادة أو نقصان . أحب العربية في قديمها الأصيل ، وأحبها في جديدها المبتكر ، ولم يقف به قديم دون جديد أو جديد دون قديم ، وكم كان يسيرا عليه أن يهتدي إلى اللباب فيهما ، وأن ينفي ما سواه . أحب العربية في شعرها ، ورواه ، وقد ينشد بعضه لأمر ما فيزيد في معناه معنى نافضا عنه غبار الزمن متسعا في دلالته ، وقد تقرأ الشعر في مظانه ، وقد تحفظه ، ولكنك إذا سمعته ينشده بدا لك من خفي معناه وبعيد مغزاه ما لم يبد من قبل ! وله من حلاوة الصوت وفصاحة النطق ما يرتقي بالشعر ويمد من آفاقه . ولا يكتب ، إذا كتب ، إلا في ميدان جديد لم تستنزفه الأقلام ؛ كان ذلك يوم كتب (( الشعر الصوفي حتى أفول مدرسة بغداد وظهور الغزالي )) ولم يكن الشعر الصوفي يومئذ قد تناوله الدارسون بالنظر والبحث . وكان ذلك أيضا حين كتب (( لغة الشعر الحديث في العراق )) إذ لم تكن الأقلام قد وجدت طريقها إلى (( لغة الشعر )) . وكان ما عالج به الشعر الصوفي شيئا جديدا ؛ إذ وضعه في سياقه من المجتمع وسياسته وأحكم الصلة بين الفكر والواقع الذي أدّى إليه ، فليست التجربة الصوفية والشعر القائم عليها بمنفصلين عما يحيط بهما في أبعاده كلها ذلك أن التصوف في جانب منه رغبة اجتماعية في إكمال النقص وإصلاح الفساد وتجاوز الواقع . ونفذ ، مع ذلك كله ، إلى أسرار النهج الصوفي جامعا بين مهارة الدرس وتذوق التجربة . وكذلك كان لما نظر في (( لغة الشعر )) إذ هي عنده ليست ألفاظا مجردة بل هي صورة فكر موصول بأوثق صلة بواقع مجتمع ، والجزء لا يدرك الإدراك الصحيح مالم يوضع في إطاره المتكامل . وهكذا وضع التجربة الصوفية في إطارها من حركة المجتمع ، وجعل لغة الشعر حيث ينبغي لها من سياقة الفكر في مساره الاجتماعي . حب الحقيقة وتطلبها سجية أصيلة فيه تجري مع الدم في مجاريه ، وقد أتى بها من بيت أبيه ، وأعلن ذلك إذ كتب في صدر الصفحة الأولى من (( لغة الشعر ...)) يهدي الكتاب قائلا : (( إلى أبوي اللذين ألهماني حب الحقيقة .)) يحب الحقيقة ويعلنها – إذا اتضحت لديه في شأن ما – على أتمها من دون خشية أو مداراة ، ولم أره – على طول الصحبة – يقول بخلاف ما يعتقد رغبا أو رهبا ، أو يوارب بما يجعل الكلام ملتبسا ، بل يقول الحق جاهرا به في المقام الذي يعز فيه الهمس ! ألهمه بيته حب الحقيقة فصار طبعا فيه يأتيه طواعية من دون أية مجاهدة ، وينبثق منه وينسجم معه حب الخير يصنعه ولا يرجو جوازيه ، ويلقى به القريب والبعيد ، ويحب الناس غير زاهد بمن رغب فيه ، ويألم شديد الألم إذ يصيب إنسانا أذى ، ويألم إذ يتردى امرؤ في مهوى دجل أونفاق !! ويزدري المصانع المداهن الذي يتخذ العوج مسلكا . لم يستخفه مغنم ، ولم يدن به مطمع من زخرف ، وبقي التقي النقي ... سيرة عطرة يتفاوح المسك من أطرافها ، فضلها يتجلى في كل عمل ، ويتضح في كل شأن . مارس الإدارة في التعليم الثانوي ، في مطلع حياته ، وجرى فيها على الصدق والإخلاص ، وإنزال الأمور منازلها في ما يحقق الهدف التربوي ، وفي الطليعة من ذلك رعاية الإنسان - بما هو إنسان – والارتقاء به ، وبقي حتى إذا طرأ على المسار التربوي ما انحرف به عن غايته نأى بنفسه منصرفا إلى التدريس وبسط المعرفة وإشاعة حب الحقيقة . ومارسها – حين خرج البلد مما ران عليه – في التعليم العالي ، في مفصل راق منها ، فكان على نهحه صدقا وإخلاصا ، وقل أن تكاملت الإدارة المثقفة الراقية عند أحد كما تكاملت لديه . ملتقى فضائل بعضها يؤازر بعضا يلتقي فيها الفكر الواضح بالإدارة الراقية التي مغزاها الإنسان في صون كرامته والارتقاء به . وله في معاناة الفكر منحى لا يتخلف ، وسبيل لا يزل عنها ، أنه لا يصرفه ظاهر عن باطن ، ولا يكتفي بأول بادرة ، ولا ينسيه عنصر العناصر الأخرى ، ولعل الغائب لديه أشد حضورا ، حتى تكتمل وجوه الأمر وتتضح أركانه كلها ، وتجتمع أقطار الفكر عنده على نحو أصيل وكأنه كان ماثلا للشاعر القديم وهو يقول : الألمعي الذي يظن لك الظن كأن قد رأى وقد سمعا وتشهد له ببعض ذلك جلسات مناقشة رسائل الماجستير وأطاريح الدكتوراه ! وهو على ذلك كله قليل الكلام ، كثير الصمت ، غير أنه يبلغ بالصمت ما لايبلغه آخرون بالكلام ! وكل مافيه منسجم مؤتلف يجري على لحن لا نشوز فيه ، إنه المروءة وقد تمثلت في رجل ! تحية له وهو يبلغ السبعين من عمره المجيد...
#سعيد_عدنان (هاشتاغ)
Saeed_Adnan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حياة شرارة
-
لويس عوض .. أيضا
-
علي جواد الطاهر
-
إبراهيم الوائلي
-
الجرجاني .. الشاعر أو ولو أن أهل العلم صانوه صانهم
-
لويس عوض الناقد
-
أحمد أمين
-
محمد حسين الأعرجي
-
عبد العزيز المقالح
-
عبد الرزاق محيي الدين
-
زكي نجيب محمود... الناقد
-
في معنى ألأسطورة
-
التقاليد الجامعية
-
الشيخ محمود محمد شاكر واللغة الانكليزية
-
الثقافتان
-
جميل سعيد 1916-1990
-
عبد الباقي الشواي
-
عبد الحميد الراضي
-
مرتضى فرج الله
-
عبد الإله أحمد
المزيد.....
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|