أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد سعيد قاضي - -أكبر منك بيوم أعرف منك بسنة!- وتطور الأنساق الثقافية















المزيد.....

-أكبر منك بيوم أعرف منك بسنة!- وتطور الأنساق الثقافية


أحمد سعيد قاضي

الحوار المتمدن-العدد: 4181 - 2013 / 8 / 11 - 10:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"أكبر منك بيوم أعرف منك بسنة!"...
عند سماع هذه الجملة "المفيدة" في العالم العربي فإنه لمن الطبيعي أن يتقبلها كل شخص بدون أي محاولات للفحص والتمحيص أو النظر فيما تحمله من معانٍ أو دلائل وما لها من تأثير وسطوة ولو على عجلٍ. فهذه مقولة دارجة وطبيعية لأوسع مدى وحقيقية لدرجة كبيرة في نظر العامة.
وهنا تكمن خطورة هذه المقولة التي تحت ظلها يستغل الآباء وباقي عناصر المجتمع الفاشي في سلب الأجيال الجديدة لأرواحها وعقولها. لكن وجب علينا تحديد وتوضيح خطوط الفصل في (الحكمة) التي فعلاً الكبار يملكونها أكثر من الصغار وهي بطبيعتها شكلية، و(الحكمة أو المعرفة) التي هي أساس النهوض والانبعاث الاجتماعي من جديد وهذا الطرح من الأهمية الكبيرة خاصة إذا ما قابلناها بمقولة أن الجيل الشاب هو عماد المجتمعات. فكيف نوفق بين نقيضين؟ إذا كان جيل الشباب هو العقل المفكر والمحرك للمجتمع وولادته من جديد وهذا ما نراه في كل التاريخ، فكيف يكون الكبار الذين نحاول قلب ما اعتاشوا عليه من عادات وتقاليد أحكم من الجيل الذي هو محرك ودينمو التطور والرقي؟
حل هذه المعضلة هو سهل بقدر ما له أهمية عظيمة. من الطبيعي أن يكون الآباء الذين عاشوا في هذا العالم لعشرات السنين قد جربوا وخبروا الكثير التجارب التي تغذي أرواحهم وعقولهم. فهم أكثر معرفة بتفاصيل عادات المجتمع الذين يعيشون فيه وتقاليده وطرق وأنماط التفكير والتربية، مما يعني أن الآباء أكثر حكمة في معرفة قشر الأشياء والأفعال أي الظواهر لا لبها وجوهرها، أب أنهم بعد هذه المدة الطويلة يغفلون عن البواعث المنتجة لهذا النمط أو النسق الثقافي، ومن جهة أخرى تكون هذه الأشكال الثقافية قد عفا عنها الزمن وقد أصبحت رجعية.
فقد كونوا تصورات وتخيلات معينة لصورة المجتمع والفرد وما بينهما من مختلف العلاقات ودور الفرد في الجسد الاجتماعي. لكن المسألة تكمن في مدى ملائمة ومطابقة هذه التصورات والتحيزات للجيل القادم المغاير تماماً لما قبله بفعل القوانين الطبيعية والاجتماعية الديالكتيكية.
غالباً ما يعيش الآباء على عادات أهلهم وعشيرتهم عشرات السنين وبعد هذه السنين يصبحون من أكثر الجماهير رجعية لأن تلك الأشكال الاجتماعية الموجودة تصبح مصدر قوة وسلطة لهم. هنا تنشأ العلاقة المتناقضة بين ما يملك الآباء وما يحتاج الجيل الجديد- ولا أقول ما يحمل لأنه يحتاج فترة طويلة من الزمن لاستيعاب الحاجة للتجديد بسبب إطباق سيطرة قوى المجتمع القديم على كافة وسائل التربية والسلطة في المجتمع والتي تمنع بقوة محاولات التجديد- أو لنقل ما يحمل الجيل الجديد لا شعورياً متناسباً مع العصر الجديد.
ففي العادات والتقاليد يصبح "الأب" سوبرمان في المجتمع الذي يعيش فيه، فهو يملك الأمر والنهي، لأن العادات والتقاليد التي ربي وربى أولاده عليها توجب الوصاية الكاملة للآباء على الأبناء، بما فيها الوصاية العقلية التي هي جوهر الخطر.
عندما يصبح الأب الآمر والناهي لمدة طويلة من السنين وربما حتى الموت، يعطل بشكل تدريجي عقل هذا الشاب اليانع وتضمحل قدراته على التفكير ويصبح من أكثر الرافضين لاستخدام العقل لأن هناك من يفكر عنه، وهناك من يتحمل مسؤولية التفكير بدلاً منه.
وإذا ما حاول احد الأبناء التفكير واستخدام عقله رافضاً للوصاية الاجتماعية عليه سوف يقمع بقوة من جيل "الآباء" لأنه يشكل تهديداً عليهم وعلى سلطتهم الأبوية. وعليه يتربى الجيل الجديد على نفس الأسس التصورية لما عاش عليه الآباء بدون أي نقد أو محاولة أقلمة هذه التصورات مع ما يحمله روح العصر.
ففي كل جيل بعد جيل يزداد التناقض وحدة الاستقطاب بين ما يعيشه المجتمع وما يناسب المجتمع الجديد وأفراده الجدد وهنا يحدث الانسداد التاريخي ويصبح المجتمع في اشد الحاجة للمنقذ أو للمنقذين القادرين على اختراق هذا الانسداد.
لكن هذه الحاجات الجديدة أو التصورات الجديدة للعلاقات الاجتماعية ودور الفرد في هذه المنظومة لها شروط لكي تخرج من حالة الكمون إلى العلن مثل الجرأة والشجاعة على مواجهة القوى الاجتماعية الرجعية، وقدرة عقلية فذة تستطيع التفكير خارج الصندوق المغلق، وقدرة على التماهي بشكل كامل مع الحالة اللاشعورية لكي يصلب عودها وتصبح جاهزة بل قابلة للدفاع عنها والتضحية من اجلها.
وبطبيعة الحال يأتي الأفراد بدايةً الحاملون لروح التجديد والمتمردون على الواقع ومن ثم يتبعهم الباقي المترددون تحت ضربات الأفكار الجديدة بعد فترات طويلة من النضال والصراع ضد بقايا قيم المجتمع الفاني التي لم تعد صالحة للاستهلاك الاجتماعي البشري.
ولكن ما تأثير استمرارية العيش بناءً على تصورات الماضي؟
بكل تأكيد أن المجتمع بكل كينونته هو الضحية لهذا النمط القديم في الحياة، لان المجتمع بهذه الطريقة يبقى متقوقعاً في زاوية التخلف والجهل ولا يلحق بركب الحضارة والتقدم إلا بالتجديد لآرائه وتصوراته بعد نقده البناء بشكل كامل لكل ما كان في الماضي.
فعلى سبيل المثال، عندما بدأ عصر التكنولوجيا والاختراعات العلمية كان الجيل القديم في مجتمع معين يرفض هذه المخترعات التي هي بالأساس تسهل حياته، مثل الهواتف والهواتف النقالة، والحواسيب، والسيارات، والأفران، والكهرباء الخ. فعقلية هذا الأب أو ذاك لا تستوعب هذه الانجازات، ولولا تمرد بعض أفراد الشباب وقيامهم بتبني هذه التكنولوجيا بمنظومتها الكلية، ومن ثم تغلغل هذه المخترعات بين كل أفراد المجتمع لما كانت قد وصلت وسهلت حياة ذلك المجتمع، ولنقل لولا تمرد الجيل الجديد حينها من العلماء والمفكرين لما استطاعت الإنسانية أصلاً الوصول إلى مثل هذه المخترعات.
فإذن التمرد هو أساس النهضة، التمرد على الجيل الأبوي الحكيم والحاكم. ولنطرح المزيد من الأمثلة لكي تلج هذه الفكرة كل الرؤوس. فمثلاً، كل الفلاسفة والعلماء الذين كان لهم تأثيرهم المباشر على حياة البشرية كافة، ذلك لأن المعرفة تراكمية وحلقات متسلسلة وبالتالي أي إنجاز لأي عام أو فيلسوف عبر التاريخ يدين لمن بعده من العلماء بما أنجزوه فهو السلم الذي صعد عليه لكي يصل إلى ما هو عليه الآن.
هؤلاء الفلاسفة والعلماء الذي أسهموا في تطور البشرية بكل جوانبها بدايةً بطاليس وأناكساغوراس، إلى سقراط وأفلاطون وأرسطو، ثم ابن رشد وابن سينا والفارابي، وأوغسطين وغاليلو وميكافيلي، وغيرهم مثل أينشتاين وبيكون وكانت، وغيرهم المئات، بل الآلاف من المفكرين والعظماء لو أنهم انصاعوا لأوامر آبائهم وأجدادهم لما كانت الإنسانية وصلت إلى المرحلة المتطورة التي نعيشها اليوم، ولكنا ما زلنا نعيش في العصر الحجري بكل معانيه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ولما كنا وصلنا إلى عصر التكنولوجيا والمعلوماتية.
ومثال آخر وهو الأنبياء والرسل الذين لو أنهم انصاعوا لأوامر الآباء والأجداد لما أبلغوا الرسالة ولما أدوا الأمانة.
فالعالم بطبعه ككل شيء آخر ديالكتيكي، جدلي متغير يوماً بعد يوم. لذلك ما عاشه وتقبله الآباء والأجداد حتى لو كان تقدمياً في حينه، بعد عشرات السنين سوف يكون رجعياً بامتياز وجب على الجيل الجديد استبداله وهو ما يلقى شديد المقاومة من الجيل الأكبر المسيطر الذي تكرس في عقله هذا النمط وهذا الأسلوب وهذا المحتوى من الفكر.
لكن ما الفرق بين معرفة الجيل الأبوي ومعرفة الجيل الناهض الرافع للحضارة؟
لقد وضحنا بأن جيل الآباء يحمل قشر المعرفة للجيل التالي أي الأبناء، فربما قد حمل جيل الآباء لُبّ المعرفة في وقتهم لكن هذه المعرفة أو الحكمة أصبحت قشوراً في عصر الجيل الجديد وأصبحت من عوائق التقدم والتطور، أما ما يحمله الجيل الشاب فهو اللب في وقته وهو ما يحمل روح التجديد والتراب الخصب الذي يصعب على قوى الجيل القديم تفهمها.
فكل جيل يجب أن يحمل قيم وقوانين ما جديدة تغير المجتمع ومن الصعب اكتشاف أو بعث هذه القيم الجديدة كل جيل، فهناك الكثير من العقبات وأهمها الدكتاتورية العقلية أو الحدود العقلية المرسومة لكل طفل جديد يولد في المجتمع، وهذه الحدود بدورها تعطل أي محاولة للخروج عنها خاصة وأنها ترسخ يوماً بعد يوم على أيدي الأهل والمجتمع المكملين لنفس الدور، لذلك فإن الثورة الثقافية على التشكيلة الفكرية أو الوعي الجمعي للمجتمع القديم تقوم بعد طول احتقان وانحباس للطاقات الشبابية العصرية في إطار الحدود الفكرية القديمة. والسبب الآخر لتأخر هذا الانفراج وانطلاقه بعد عدة أجيال هو عدم نضج الأنساق الفكرية الجديدة في فترة مبكرة، ولكن بعد تواتر عدة أجيال تكون الصورة قد وضحت.
في النهاية، يقف الشباب، أو المثقفون من الجيل الشاب أمام التاريخ في حساب صريح لما قاموا به وأنجزوه في سبيل تقدم الإنسانية والذي ينطلق بدايةً من نقد الأنساق الثقافية التي أكل عليها الدهر وشرب، وبناء أنساق ثقافية جديدة تتناسب وروح العصر وطبيعة الحضارة بكافة جوانبها لأن الأنساق الثقافية وطبيعة المجتمع هي الحاملة لكل المفكرين والعلماء الذين من الصعب تهيئة المناخ لانجازاتهم العلمية وغير العلمية قبل أن نغير هذه الثقافة لتمنحهم الحرية الكافية والتربة الخصبة.



#أحمد_سعيد_قاضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأبعاد الحقيقية للقضية الفلسطينية بناءً على أسس مادية
- لماذا نناصر المرأة في صراعها التاريخي؟! 3: وجهة نظر ماركسية
- لماذا نناصر المرأة في صراعها التاريخي؟! 2: دوافع عامة
- في وطني!
- لماذا نناصر المرأة في صراعها التاريخي؟! 1: جرد تاريخي لمكانة ...
- أودّ-قصيدة نثرية-
- خطوة أولى على مسار النهضة العربية الإسلامية!
- دمشق
- المسلمون يشوهون الإسلام ويتهمون الغرب!!
- أسباب غياب الوعي الطبقي في الأراضي الفلسطينية
- أزمة مصر..عقبة من عقبات المسار الثوري
- في الماركسية-تحليل بنية النظام الرأسمالي 1
- الحواجز الإسرائيلية...خيط خفي في تحطيم الشعب الفلسطيني
- جوهر كتاب الدولة والثورة
- حقيقة الصراع في العالم العربي
- الطائفية
- خيوط الصراع في سوريا!
- الشهيد عرفات جرادات...و ماذا بعد؟!
- التعصب الفئوي و الحزبي في فلسطين..مأساة تتعمق


المزيد.....




- الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
- بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند ...
- لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
- قتلى وجرحى في استهداف مسيّرة إسرائيلية مجموعة صيادين في جنوب ...
- 3 أسماء جديدة تنضم لفريق دونالد ترامب
- إيطاليا.. اتهام صحفي بالتجسس لصالح روسيا بعد كشفه حقيقة وأسب ...
- مراسلتنا: غارات جديدة على الضاحية الجنوبية
- كوب 29: تمديد المفاوضات بعد خلافات بشأن المساعدات المالية لل ...
- تركيا: نتابع عمليات نقل جماعي للأكراد إلى كركوك
- السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد سعيد قاضي - -أكبر منك بيوم أعرف منك بسنة!- وتطور الأنساق الثقافية