|
مصر... في زمن الإرهاب
حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)
الحوار المتمدن-العدد: 4163 - 2013 / 7 / 24 - 15:56
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
عن إرهاب العسكر والإخوان والليبراليين... بل والمواطنين أتكلم.
يمكن القول دون خطأ كبير إن مصر تعيش في الفترة الحالية زمن الإرهاب؛ الإرهاب بكل أشكاله مسلحًا كان أم معنويًا أم فكريًا، وهو الإرهاب الذي لا تقتصر ممارسته على فئة واحدة فقط من الفئات الفاعلة على الساحة السياسية في الفترة الحالية، ولكنها تشمل جميع الفئات. وعندما أقول "جميع الفئات" فإنني أعني الجميع بالفعل من أول مؤسسة الرئاسة والعسكر إلى أصغر حزب سياسي حديث الإنشاء في مصرنا العزيزة، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل: ما الذي يجري في مصر؟! ولكن لنترك هذه الأسئلة الوجودية الكبيرة مثل هذه السؤال؛ فقد تنتهي الحياة على كوكب الأرض دون أن نصل إلى إجابات عنها. وبالتالي، سوف يقتصر حديثنا في هذا المقام على إلقاء الضوء على بعض ما يمكن تسميته بـ"المشهد الإرهابي" في مصر، بما يوضح بعضًا من طبيعة هذا المشهد والقوى الأكثر فاعلية فيه، مع لمحات من الاتجاه الذي قد تسير ليه البلاد، إذا ما استمر هذا المشهد العبثي فيها. لذا، يمكن القول إن هذا المقال عبارة عن مجرد "خواطر إرهابية"!!
الإرهاب المعنوي... العسكر نموذجًا فكرت في البداية أن أستهل حديثي عن الإرهاب بأوضح أنواعه، وهو الإرهاب المسلح. لكنني عدلت عن ذلك وقررت أن أبدأ بأخطر أنواعه وهو الإرهاب المعنوي، الذي يشير إلى تلك الممارسات التي يقوم بها فرد أو جهة إزاء فريق آخر بهدف كبح جماح هذا الفريق في جزئية ما ذات أهمية للطرف الذي يمارس الإرهاب المعنوي. وفي هذا النوع من الإرهاب لا يتم استخدام السلاح، ولكن يتم استخدام الضغط المعنوي والترهيب والمضايقات، وهي الوسائل التي لا تترك أثرًا في البدن، ولكنها تترك أثرًا في الروح، وهو الأثر الأشد خطورة في رأيي. يستخدم حكام مصر الجدد من عسكريين مستترين وراء دمى مدنية هذا الأسلوب من الإرهاب المعنوي، وهو الإرهاب الذي يوجه في الفترة الحالية إلى الأصوات التي تختلف في رؤيتها للموقف الحالي عن الحكام الجدد، حتى وإن تطابقت في جزئيات منها. فالعقلية المتحكمة في هذه الفئة ترفض فكرة الاختلاف، وعند الحديث عن "الاختلاف جزئيًا" تسقط من أذهان العسكر كلمة "جزئيًا" لتبقى كلمة "اختلاف" بمفردها مسببةً نوعًا من الإزعاج والضيق يتطلب السعي لإسكات مصدره... السعي لإسكات المختلف! يحضرني في هذا المقام حكاية رأيتها في أحد مسلسلات الرسوم المتحركة منذ حوالي ربع قرن، يحكي فيها أحدد الدببة الأطفال لأصدقائه في القرية الجديدة التي وصل إليها كيف استطاع والده أن يقهر الأسد ملك الغابة التي كانوا يعيشون فيها. وقتها حسب الأطفال أن والد صديقهم هو دب كبير للغاية لدرجة أنه هزم الأسد، لكن الحكاية تنتهي إلى أن الوالد كان كاتبًا، وراح يكتب المقالات منتقدًا الأسد والمظالم التي تُرتكب في فترة حكمه؛ فألّب أهل الغابة على الأسد الذي اضطر إلى تعديل أسلوبه ليصبح حاكمًا عادلًا تحت وطأة هذه المقالات. يبدو أن حكام مصر الجدد تعلموا الدرس، ولا يريدون أن يلقوا مصير الأسد؛ فبدءوا في ممارسة الإرهاب المعنوي ضد الدببة؛ أقصد ضد كل من يتكلم أو يكتب مخالفًا إياهم الرأي. كيف ذلك؟! لا يمكنني القول بأي حال من الأحوال إن قناة مصر 25 لسان حال جماعة الإخوان المسلمين هي قناة نزيهة؛ فقد روجت الكثير من الأكاذيب بشأن مظاهرات القوى الثورية أثناء فترة حكم المجلس العسكري التي أعقبت خلع الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في ثورة 25 يناير 2011، وهي الفترة التي شهدت دفئًا في العلاقة بين المجلس العسكري والإخوان. ساهمت القناة في تشويه القوى الثورية بشكل فج، وبالتالي لا يمكنني أن أصفها بالنزيهة. سكت العسكر السابقون إذن على أكاذيب القناة، ولم يغلقوها، لأنها كانت قناة حليفة. ولكنها اليوم تعاديهم. ولذلك، وجب إغلاقها!! وسبحان من يغير ولا يتغير!! لست مع غلق القنوات الفضائية إلا وفق إجراءات مشددة للغاية يتوافق عليها أهل الاختصاص وأولهم الإعلاميون. وانطلاقًا من هذا الموقف، أجد نفسي أمام نقطتين: الأولى هي ألم يكن من الأولى إغلاق القناة في الفترة الأولى من حكم العسكر (أرى الحكم الآن عسكريًا، وأعتبره الموجة الثانية من حكم العسكر بدون أي تحامل) لنشرها الأكاذيب؟! أم أن الأمر يتعلق بموقف القناة؟! إذا كانت الأكاذيب في صالحي، فلا مانع من ترك القناة. ولكن إذا صارت ضدي، فليطبق القانون!! والشيء بالشيء يُذكر، أتساءل عن السبب في عدم إغلاق قناة مثل سي بيس ي، التي دأبت على ترويج أكاذيب بحق شباب الثورة طيلة فترة حكم المجلس العسكري؟! الجواب هو أنها في صف الموالاة لا المعارضة!! النقطة الثانية هي تساؤل مشروع عن السبب في عدم إغلاق قناة الحوار التي تمثل الذراع الإعلامي لإخوان أوروبا، وهي القناة التي تتخذ موقفًا مماثلًا تمامًا لموقف قناة مصر 25 من تسمية إجراءات الجيش السياسية الحالية انقلابًا. لماذا لم يتم إغلاق القناة للآن؟! الإجابة الوحيدة التي توصلت إليها هي أن قناة الحوار بريطانية، وسوف يؤدي إغلاقها إلى أزمة بين مصر وبريطانيا، وهي الأزمة التي ليس العسكر في حاجة إليها إطلاقًا الآن. غلق المنافذ الإعلامية من المحرمات في سائر دول العالم المتحضر إلا في مصر. لكنه التلاعب وإرهاب الخصوم... الإرهاب المعنوي الذي يرتدي البزة العسكرية، وهي منه براء...
الإرهاب الفكري... التيار الإسلامي ممثلًا يمارس التيار الإسلامي هذا الإرهاب الفكري، ربما كما يمارس منسوبوه طقوس العبادة. لا مبالغة في التعبير، وإذا كان هناك من اعتراض على هذا التوصيف، فما التوصيف الملائم عندما يقول أحد مشايخ السلفية وهو الشيخ أبو إسحاق الحويني إن الطريق إلى رابعة العدوية — مقر اعتصام الرئيس المعزول الدكتور محمد مرسي — إنه الطريق إلى الله؟! ما التعبيرات التي يمكنها أن تصف ما قاله الدكتور صفوت حجازي عضو حزب البناء والتنمية السلفي والمقرب من الإخوان عندما أكد أن انتخاب مرسي في انتخابات الرئاسة هو تقرب إلى الله؟! هذا إرهاب فكري بامتياز لكونه يدفع إلى الاعتقاد بأن مخالفة مرسي أو معتصمي رابعة هو معصية لله تعالى، وهو الأمر الذي يخوف الكثير من البسطاء، وكذلك أصحاب الضمائر النقية ولكن المفتقدين إلى العلم الشرعي القوي لوضع تلك التصريحات في حجمها الحقيقي. عندما يخرج المهندس عاصم عبد الماجد وطارق الزمر القياديان في الجماعة الإسلامية ليقولا في حشد قبل 30 يونيو إن من ينوون النزول في ذلك اليوم هم "شرذمة" وسوف "يُسْحَقون"، وعندما يقول المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع إن الإعلاميين هم سحرة فرعون، عندما تنطلق مثل هذه التصريحات، ألا تدل على الفوقية واستخدام تعبيرات دينية في غير محلها بغرض الاستعلاء والاستقواء بالدين على الآخر مع تقليص المنافس وتصويره أمام المتابعين باعتباره معيق لتطبيق الشريعة؟! إنه استغلال رخيص للدين واستعلاء باسمه الدين منه براء. والتيار الليبرالي ليس بمنأى عن هذا النوع من الإرهاب إذ يستخدم تعبيرات "الجهالة" و"الظلامية" في مواجهة الطرف الآخر، ولكن الطرف الليبرالي جريمته أكبر من ذلك إذ أنه يستتر وراء الإرهاب المعنوي الذي يمارسه العسكر، الذين أعود وأؤكد أنهم لا علاقة لهم بجيش مصر الحقيقي.
الإرهاب المسلح في اسم هذا النوع ما يكفي للدلالة على مضمونه؛ فهو يعني محاولة فرض رؤية معينة باستخدام السلاح. وهذا النوع من الإرهاب تمارسه بعض العناصر المنتمية إلى التيار المسمى السلفية الجهادية، التي تحاول تطبيق رؤية ضيقة للشريعة الإسلامية باستخدام السلاح. ويأتي كنموذج بليغ عن هذا النوع من الإرهاب ما يحدث من هجمات إرهابية تتعرض لها القوات المسلحة والشرطة في أسوأ موجة إرهابية تضرب بقعة مصرية منذ تسعينات القرن الماضي. لا أملك أدلة مباشرة على علاقة الإخوان المسلمين بهذه الهجمات، ولكن إشارة القيادي الإخواني الدكتور محمد البلتاجي إلى أن هذه العمليات رد فعل على عزل مرسي — وإن أدانها — هي إشارة تنم عن "شماتة" و"تبنٍ" ضمني لهذه الممارسات الإرهابية. كذلك يمارس العسكر الإرهاب المسلح مثلما يحدث في الاعتداءات المتكررة على مظاهرات التيار الإسلامي من جانب من يطلق عليهم "البلطجية". فهل هؤلاء البلطجية باتوا فجأة يعادون التيار الإسلامي بعدما كانوا يعادون شباب الثورة؟! ألم تكن كل مظاهرات التيار الإسلامي تمر في السابق دون اعتداءات من جانب البلطجية؟! لماذا الآن؟! الإجابة واضحة وهي أن الأمر يتعلق بموقف التيارات بين الموالاة والمعارضة. فمن كان في صفوف الموالاة لن يقترب منه البلطجية أيًّا كان توجهه. أما من يتخذ صفوف المعارضة، فلا يلومنّ إلا نفسه... لا البلطجية.
إرهاب التقسيم إذن، يمارس العسكر الإرهاب، وكذلك يمارسه أنصار التيارين الإسلامي والمدني، وتمارسه أيضا عناصر السلفية الجهادية، والضحية هو المواطن البسيط، الذي أشبعه الجميع تقسيمًا؛ فالعسكر قسموا الشعب بين وطني وخائن، والليبراليون قسموه بين جاهل ومتحضر، والإسلاميون — مسلحين وغير مسلحين — قسموه بين مؤمن وكافر. فهل ننتظر أن يصبح الإرهاب ممارسة اجتماعية تقليدية مثل إعداد صحن العاشوراء في العاشر من المحرم؟! هل ننتظر أن ينتقل التشظي والتقسيم إلى طبقات أكثر عمقًا في البنية الاجتماعية؟! لست أحب أن أقول إن الإجابة بنعم عن هذه الأسئلة أمرًا متوقعًا، ولكنه على الأقل محتمل ما لم يتدخل العقلاء — إن كان لا يزال هناك عقلاء في هذا البلد — لوقف حرب الاستنزاف الإرهابية بين المكونات السياسية في مصر، حتى لا نُفاجأ بأن الوطن الذي يدعي الكل محاولة حمايته من "الأعداء" قد تلاشى، وقد ضاع كل شيء، بما في ذلك أنفسنا... واحترامنا لها. ******
#حسين_محمود_التلاوي (هاشتاغ)
Hussein_Mahmoud_Talawy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصر... بين ديكتاتورية اللحية وعسكرة الفساد
-
الإنسان إذ يواجه ذاته... وقد ينتصر!
-
من الهيمنة إلى الفناء... الثقافة كعامل فناء وإفناء
-
الأخلاقية في الفعل السياسي... الحالة المصرية والتشيّؤ!
-
تأملات... في حاكم سقراط!!
-
سفر الخروج... تأملات لا دينية!!
-
لماذا يخاف الإخوان من (تمرد)؟!
-
التعديل الوزاري المصري.... عندما يتجسد الفشل!!
-
بين عمرو دياب وأم كلثوم... عن التأثير المصري نتحدث!
-
حلوة بلادي...!! إفطار في الجمالية...!!
-
بعد 9 أشهر... ألم يولد مشروع النهضة بعد؟!
-
هل الإنسان -الحر- أسطورة؟؟!! الذات الإنسانية قيدا وقائدا
-
القومية العربية... ألا تزال حية؟!
-
الثقافة العربية الإسلامية... هل نحن أمام خطأ تعبيري؟!
-
الخطايا... كيف تخسر الطبقة الوسطى صراع بقائها بالنيران الصدي
...
-
الطبقة الوسطى... العميل السري لأنظمة القمع العربية!
-
3 أرغفة لكل مواطن... 3 عمارات لكل مالك!!
-
ملاحظات خاطفة على الفكر الهيجلي
-
إحسان عبد القدوس... لماذا الآن؟!
-
هند والدكتور نعمان... والحالة المصرية عربيًا!
المزيد.....
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|