|
تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 4
حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 4126 - 2013 / 6 / 17 - 23:57
المحور:
الادب والفن
و عندما نحاول إكتشاف الشخصية الشعرية التي ميَّزت العقد الرابع من القرن العشرين ، فإن أول ما نلحظه هو ظهور رد الفعل المعاكس ضد الشعر بوصفه " بياناً إجتماعياً " ؛ و لصالح الشعر باعتباره " كشفاً ذاتياً " ، أو " تطوراً فردياً " ، و ذلك بدءً من العقد الثلاثيني السابق . و ينعكس رد الفعل هذا أوضح ما يكون في قصائد الشاعرين : " ديلن توماس " و " جورج باركر " (1913- 1991) . و إذا كان الشعراء الاجتماعيون للعقد السابق قد أشهروا رغبتهم في الزواج بالفكر الإشتراكي و بعلم النفس الفرويدي ، فإن بإمكاننا القول بأن " ديلن توماس " قد إختار الزواج من " العهد القديم " و الفرويدية من وجهة نظر " لورَنْسِية " (نسبة إلى الروائي و الشاعر الإنـگليزي " ديفيد هربرت لورنس 1885- 1930) . أما " جورج باركر " ، فإنه يثير إهتماماً خاصاً بهذا الصدد ، لكونه – بسبب فقدانه للتوازن الذاتي الذي يتمتع به " ديلن توماس " – قد دأب على الحوم المرتبك و غير اليسير بين ذينك الشكلين من الكتابة الشعرية العائدين للعقد الثالث من القرن العشرين ، و هو الأمر الذي ألحق الضرر بالكثير من أشعاره . في عام 1939 ، أعلنت مجموعة من الكتّاب - أطلقت على نفسها إسم " الرؤيويوون الجدد " - عن ردود فعلها الصريحة تجاه المسألة الآنفة الذكر . كانت أشعار "ديلن توماس" هي مثلها الأعلى ، ولكن أغلب نظرياتها عن الفن كانت مقتبسة من أفكار (الشاعر و الناقد الإنـگليزي) " هربرت ريد " (1893-1968) . رفض هؤلاء ما كانوا يسمونه بقصيدة " الوعي الذاتي " و " السلوك الذهني " التي ميزت أعمال " أودن " و أتباعه ؛ مفضلين عليها الإنتشاء بسحر الكلمات ، و بخَلق الأساطير ، و بالإنغماس في المؤثرات القوطية الفخمة . و لم تضم هذه المجموعة سوى القليل من الشعراء المجيدين ، حيث تنحصر أهمية هذه المدرسة في تأشير التغيرات التي طرأت على المناخ الثقافي ، فحسب . كان الرؤيويوون الجدد يبغضون المكننة ، و يغازلون الفوضوية ، و يشاطرون الشاعر الذاتاني " إي . إي . كمنغز " (1894-1962) أفكاره : " ميتة هي كل قطعة ضخمة من الفهاهة - فتلك هي ما ينبغي أن تطلق على نفسها حالة الصَغار الأدنى – إزاء إمريء يتألم إنهاكاً . و لم تكن التغيرات التي طرأت على المناخ الثقافي – و التي ستتضح على نحو أعظم خلال سني الحرب العالمية الثانية و ما تلاها من الأعوام القليلة – شأنها في ذلك شأن التغيرات التي سبقت ظهور " الشعر الإجتماعي " خلال الثلاثينات من القرن العشرين – موضة أدبية فحسب ، بل كانت إنعكاساً للقوى المؤثرة في العالم المحسوس ، و لمشاعر الرجال و النساء تجاهها . فقد تضافرت أصداء تفشي العسكرتاريا و البيروقراطية الغربية ، و العيون المنصهرة في هيروشيما ، و الإشمئزاز و القرف من الشعارات الكاذبة و الدّجل الدعائي ، مع المئات من القضايا الأخرى الصغيرة و الكبيرة ، لتخلق جواً بدت فيه المثالية و التفاؤل السياسي أشياء صبيانية . وقتها ، لاقت روايات " أل . أم . فورستر " (1879-1970) الإستحسان العريض لتمسكها بالحب في العلاقات الشخصية ، و ليس لأي سبب آخر . كما كان القراء يستمتعون بكتابات " گريهم گرين " (1904-1991) ، الذي كتب يقول عن "سفرة إلى أفريقيا" : "كما وجد هناك فريق آخر ممن آثروا الإنتظار حتى مرحلة أبعد حيث تجهزهم " شركة السياحة الداخلية " بتذاكر سفر رخيصة إلى مستقبل مقبول . أما سفرتي أنا ، فقد مثلت عدم الثقة المطلقة بأي مستقبل يمكن أن ينبني على ما نحن عليه الآن . " عند ذاك ، تجدد التفهم و التقييم المتزايد لأعمال " تي . أس . إليوت " ؛ و خصوصاً لرباعياته الأربع . في حين وَجَد عدد آخر من الشعراء الشباب ضالتهم في المسيحية ، فآمنوا – مثل " ( الكاردينال ) نيومن " (1801- 1890) – بقرب حصول " كارثة رهيبة " جراء وعيهم لما يدور حولهم من الإحباطات ، و انهزام الخير و انتصار الشر ، و عذابات الأرواح و الأجساد ، و تفشي الرذيلة و تفاقمها ... و كلها شكلت مشهداً يورث الدوار و الخجل . و من هؤلاء الشعراء : " آن رِدْلَر " (1912-2001) ، و " كاثلين رَيْن " (1908-2003) ، و " نورمن نيكلسن " (1914- 1987) ، و " ديـﭭ-;-د گـاسكوْيِن " (1916- 2001) . عندها ، وُلدت المدرسة الرومنطيقية الجديدة في الشعر لتضم أدباء من ذوي الأمزجة و القدرات الفنية المتفاوتة جداً ، من أمثال : " ﭭ-;-يرنون ووتكنز " (1905- 1967) ، و " سِدني كيز " (1922 - 1943) ، و " جون هيث – ستَبْز " (1918- 2006) ، و " لوري لي " (1914 - 1997) . و كان تقييم " جفري گـريـگسن " لـ " الرومنطيقية الجديدة " قاسياً في حينها ؛ عبَّرت عنه مقالته التي نشرها في مجلة " بوليمك " (1945- 1947) : " إن قصص الحب التي نجترها مغرقة بالرومنطيقية دونما أي مبرر ؛ فهي بكليتها إنغماس في الذات و في الميوعة الأنانية . و مثلما أن الفطر الأزرق ينمو أبيض اللون ثابتاً ، ثم سرعان ما يتكرمش كالحبر الملخبط ، كذلك هي حالة رومنطيقيينا الجدد . . " و لعل گـريـگسن كان محقاً في إعتقاده بأن هؤلاء الشعراء لا يمتلكون منهاجاً من الأفكار المسؤولة التي توضح ذاتها بحيث تجعلنا نميز بين ما هو " حقيقي و زائف ، ممكن و مستحيل ، محتمل أو غير محتمل في الأدب " . لقد إفتقد الرومنطيقيون الجدد – على نحو صارخ – مفهوم " الحدود " الذي أبرزته لنا فترة الثلاثينات نتيجة الإهتمام بوسائل الإعلام . فالعديد من هؤلاء الشعراء – بغض النظر عن الأعذار التي يمكن إيجادها لهم إستناداً إلى طبيعة عصرهم – كان ينمّي الهستيريا ، و يشيد لنفسه أبراجاً عاجيّة . أحياناً ، يذكّرنا ذلك بالعقد التسعيني للقرن التاسع عشر ، " عندما كانت – و القول هنا هو لـ " تشَستَرتِن "(1874 - 1936) – مجاري صرف المياه الفابية (نسبة للجمعية الفابية الإشتراكية التي تأسست في لندن عام 1884) تمتلك أريجاً أضوع من مزامير الشعراء كافّة ". تميزت أشعار الرومنطيقيين الجدد – خصوصاً المتطرفين منهم – بالقتامة ، أو بالإسهاب ، أو بالتعقيد غير المبرر – و الأخيرة كانت هي هفوتهم الأكثر شيوعاً . و لعل من المستحسن كتم الأمثلة عليها . و فيما كانت مثل هذه الأشعار تكتب و تمتدح خلال الأربعينات من القرن العشرين ، نجد أن الشاعر " ديلن توماس " يسافر مستقلاً لوحده - بعيداً عن الظلام المحير الذي تميزت به قصائده المبكرة - باتجاه تنظيم أعلى لقابلياته و لطاقاته الفذة ، و كذلك باتجاه السعي المستمر نحو خلق معنى سردي . غير أن مقلديه الضعاف لم يستطيعوا مجاراته في ذلك . و ما دمنا بصدد دراسة المناخ الثقافي للأربعينات من القرن العشرين ، فإن من الممتع تتبع ما حصل لرواد "الشعر الإجتماعي " ، أمثال " أودن " و " سبندر " و " ماكنيس " . حيث سنجد " أودن " و قد إنتقل – و القول هنا هو لـ " آرثر كستلر " (1905- 1983) – من موقع " القومسيارية " ، إلى أقصى أطياف اليوغية ، فيحاول في "الوضع الراهن" (1945) أن يتفهم معنى التقمّص . أما في " عصر القلق " (1948) ، فإنه يعبر عن إحساسه بالكارثة و بعالم مهجور . و نجد " سپندر " في " الحياة و الشاعر" (1942) و هو يكتم ما كان قد قاله في "إلى الأمام من اللبرالية " (1937) ؛ و يحاول في " إستكشافات روحية " (1943) الولوج إلى صميم الموقف الإنساني . و نجد " ماكنيس " و هو يؤكد في أعماله الجديدة قيمة الإنسان على نحو يذكِّرنا بأفكار " إي . أم . فورستر " . و بوسع القارئ الحصول على صورة واضحة عن مَدَيات هذا التحول الفكري الحاد بمقارنة أي خطاب سياسي مختار من " الكلب تحت البشرة " (مسرحية لأودن و إشروود ، 1935) مع خطاب " هيرود " في قصيدة " في الوقت الراهن " ( مونولوجات شعرية لأودن قوامها 1500 بيت تتحدث عن معنى عيد ميلاد المسيح / 1942) أو مع المونولوج الختامي لـ " مالين " في " عصر القلق " (عمل شعري طويل لأودن في ستة أجزاء / 1947) . كما تبنى بعض شعراء الثلاثينات موقفاً لاهوتياً في رفض قدرة و كفاءة الترجمة الإجتماعية للواقع . أما البقية ، فلم يتجاوزوا " ستيفن سپندر " ، الذي كتب في " الحياة و الشاعر " (1942) يقول : " إن الهدف الأخير للسياسة ليس هو السياسة بحد ذاتها ، و إنما هو النشاطات التي يمكن ممارستها داخل الإطار السياسي للدولة ... فالمجتمع الذي لا يمتلك قيماً خارج نطاق السياسة ليس إلا مجرد ماكنة تنقل حمولتها البشرية دون أدنى غرض في مؤسساتها يعكس آلامهم ، و إهتمامهم ، و تطلعاتهم الخالدة ، و وحدانيتهم ، و حاجتهم للحب . " هذه الدقة المحددة لطبيعة مسؤولية الشاعر الإجتماعية إنحرفت على يد الرؤويين و الرومنطيقيين الجدد الذين آمنوا بأن الطريقة الأصولية الوحيدة للإحتجاج على التحكم و لتأكيد الذات هي نظم الشعر الخاص ( كخصوصية كينونة الخلية ) و المبهم و المنفعل و العاطفي . و لكن ما أن حلت نهاية الأربعينات ، حتى ظهرت الحاجة الماسة لمجرفة جديدة لكنس بقايا الزوايا الوامضة للإنحلال الذهني .
يتبع ، لطفاً .
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كابوس الدوّامة الإنفلاشية
-
تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 3
-
تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 2
-
تطور الشعر الإنگليزي 1920-1950 / 1
-
الديك و عضو البرلمان
-
الحب الخريفي في ترجمة لقصيدتين عربيتين
-
الماركسية و الأخلاق / 2
-
ثلاثيات عتيقة
-
معالي الوزير السيادي الخطير
-
أحلام زنزانة الإعدام
-
العبقريون الثلاثة
-
الماركسية و الأخلاق
-
قصة حبيبين
-
الغربان و الحمير
-
قطاع الخدمات في النظام الرأسمالي من وجهة نظر ماركس
-
القرد و الجنّية و الغول
-
رد على د. مجدي عز الدين حسن : الإعتباطية و القصدية في اللغة
...
-
أبا الصّفا / مرثاة للشهيد الشيوعي الدكتور صفاء هاشم شبر ، أس
...
-
الإمتحان
-
الفيل و الضبع و البغل
المزيد.....
-
مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات
...
-
الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و
...
-
-أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة
...
-
الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
-
“من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج
...
-
المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ
...
-
بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف
...
-
عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
-
إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع
...
-
تكريم الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|