أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نوال السعداوي - الشرخ العميق فى الشخصية














المزيد.....

الشرخ العميق فى الشخصية


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4126 - 2013 / 6 / 17 - 09:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


فى كلية الطب فى الخمسينيات من القرن الماضى، كان الطلاب يبتعدون عن الأحزاب السياسية، خاصة السرية خوفاً من السجن، أو رغبة فى التخرج السريع واكتساب اللقب السحرى «دكتور» وتحقيق الحلم المركب من خمسة عين (عيادة، عربية، عروسة، عمارة، عزبة). لا علاقة للحلم بعلم الطب، بل بفتح «العيادة» ومص دم المرضى، لامتلاك العربية والعروسة والعمارة والعزبة، كما فعل أساتذتهم الكبار.

أما الطالب الذى يحلم بالمجد السياسى، كأن يكون زعيماً مثل سعد زغلول، فإنه ينضم إلى حزب الوفد، نشاطه علنى لا خطورة منه، يتدرب فيه على الصعود السياسى والمرونة والذكاء الاجتماعى (النفاق) حتى يصبح وزيراً أو عضواً بالبرلمان، أو يكون زعيماً إسلامياً (مثل حسن البنا) فينضم إلى الإخوان المسلمين، نشاطهم سرى وفيه خطورة، لكن الله سوف يكافئه بقصر على النيل ومتع الدنيا (تشمل النساء)، وقصر فى الجنة ومتع الآخرة (تشمل الحور الحسان)، أو يكون زعيماً لتحرير الفقراء، فينضم إلى الحزب الشيوعى، ونشاطه سرى وفيه خطورة، لكن حلمه سوف يتحقق ويصبح زعيماً خالداً فى التاريخ مثل لينين. كنت محاطة بهؤلاء الزملاء من كل الأنواع، أرى فى عيونهم النهم لطموح يتعلق بحب الذات، تصل رسائل الحب إلى الطالبات معطرة بفورمالين الجثث فى المشرحة، المدربات الواعيات يسخرن من الطلبة المفلسين، تضع الواحدة منهن عينها على الأستاذ الدكتور، لا يهمها أن تكون الزوجة الثانية أو الثالثة، وأنه أكبر من جدها، فالحب روحانى، وسوف يموت هو عاجلاً ويفقد روحه والروحانية، وترث هى العزبة والسيارة والعمارة.

أما الطالبات اللائى تأثرن بأفلام السينما وروايات المنفلوطى وحوارات أفلاطون فتقع الواحدة منهن فى حب طالب معدم، يفضل الموت فداء الوطن، أكثر من رائحة المرضى وتشريح الجثث.

كنت فى التاسعة عشرة من عمرى أحلم بفتى الأحلام، يصيبنى الغثيان لو تخيلت نفسى ليلة الزفاف مع أستاذ من عمر جدى، أهرب منه قبل أن أفقد روحى تاركة له العزبة والعمارة والعربية، أبحث عن الفتى الشاب المعدم قبل أن يموت فى جبهة القتال، الذكريات الطفولية السعيدة رغم الألم، تجارب الحياة أثمن من الياقوت والماس، تعلمت فى مدرسة الحياة أكثر مما تعلمت فى كلية الطب والدراسات العليا.

الشرخ فى الشخصية أراه مرسوماً على عضلات وجهه وفى نظرة عينه، تشابه كبير بين من تربى فى العمل السرى والسجن، بصرف النظر عن الاختلاف الأيديولوجى أو العقائدى أو الدينى، هناك الشرخ فى الشخصية، التخفى والكذب والسرية تتحول من عادة إلى جينات شبه طبيعية، لا يندمل الشرخ وإن اختفى أثره فوق الجلد.

حياة السجن تملأ نفسه بالحزن والندم، والرغبة فى تعويض ما فات، الانتهازية تتحول من صفة شخصية إلى جينات بروتينية حمضية، يصعد فوق الآخرين للحصول على عمل ومنصب، أو للحصول على زوجة لها عمل ومنصب، يعيش من كدها وعرقها حتى يصيبها التعب أو يجف دمها، فيقفز إلى غيرها تحت اسم الحب الروحانى أو استعادة الروح قبل الموت. لكن هناك شخصيات مصرية مثل الياقوت والماس، لا تتخلى عن مبادئها رغم العمل السرى والسجن، تعيش العمر كله بقوة وصدق ونبل، وتموت فى الميدان بقوة وصدق ونبل. إنهم شباب الثورة المصرية، رأيناهم يتمردون لإسقاط النظام الفاسد السابق، واللاحق المدنى والدينى، نهتف معهم: الحرية العدل الصدق الكرامة. إنهم أبناؤنا وبناتنا وأحفادنا وحفيداتنا، إنهم المستقبل.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإبداع والتمرد والأسئلة البديهية
- النخب المصرية وإجهاض الثورة
- الثورة والإبداع وحرية العقيدة
- ورقة وقلم أخطر من الطبنجة
- الإبداع والتمرد
- أصبح زوجها مؤدباً؟
- أجيال جديدة متمردة فى الأفق
- إباحة التبنى وانتصار العدل على الشرع
- عبقرية المصريين
- رحلة الصعود فوق الجبل
- العدالة تنتصر!
- الكلمة من أعماقك شعاع شمس
- الثورة ضد العادات والأعراف والتقاليد
- النساء والقهر الاجتماعى
- تهذيب الذكورة في مصر وأمريكا
- إنه الدم
- لنساء والشعب. بين المطلق والنسبي
- الشريعة والشرعية. وظاهرة العنف
- النسبى والمطلق وجدتى الريفية
- الثورة وحزب الإبداع


المزيد.....




- جيم كاري في جزء ثالث من -سونيك القنفذ-.. هل عاد من أجل المال ...
- الجولاني: نعمل على تأمين مواقع الأسلحة الكيميائية.. وأمريكا ...
- فلسطينيون اختفوا قسريا بعد أن اقتحمت القوات الإسرائيلية مناز ...
- سوريا: البشير يتعهد احترام حقوق الجميع وحزب البعث يعلق نشاطه ...
- مصادر عبرية: إصابة 4 إسرائيليين جراء إطلاق نار على حافلة بال ...
- جيش بلا ردع.. إسرائيل تدمر ترسانة سوريا
- قوات كييف تقصف جمهورية دونيتسك بـ 57 مقذوفا خلال 24 ساعة
- البنتاغون: نرحب بتصريحات زعيم المعارضة السورية بشأن الأسلحة ...
- مارين لوبان تتصدر استطلاعا للرأي كأبرز مرشحة لرئاسة فرنسا
- -الجولاني- يؤكد أنه سيحل قوات الأمن التابعة لنظام بشار الأسد ...


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نوال السعداوي - الشرخ العميق فى الشخصية