|
أزمة التعليم المغربي و ضلع الوافا غير المشترك
مهدي الحبشي
الحوار المتمدن-العدد: 4121 - 2013 / 6 / 12 - 22:47
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
لم يكن استقباله من طرف تلاميذ إحدى المدن المغربية بعبارة " أعطانا الله مهرجان : الوافا و بنكيران " بالأمر المستغرب أو الصادم... و ربما كان تقديمه في العبارة على "بنكيران" لأغراض أخرى غير القافية. فالرجل يعد من أكثر الشخصيات السياسية إثارة للجدل في المغرب منذ تعيينه على رأس وزارة التعليم إبان تشكيل حكومة العدالة و التنمية. اليوم، و نحن بصدد امتحانات الباكالوريا، أطل علينا " السي الوافا "، تلفزيونيا بابتسامته الماكرة المعتادة، متوعداً التلاميذ باتخاذ إجراءات " جزرية "، أو ربما زجرية.. من يدري ؟، في حق من سيتم ضبطهم في حالة غش أثناء الامتحان. و مشيداً بالتلاميذ الذين اشتغلوا بجد منذ ما أسماه " الضلع " المشترك، في خطوة اعتبرها حاسمة في مسار إصلاح التعليم وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص.
منذ تعيينه على رأس الوزارة الوصية على طلاب الغد، قبل سنة و نصف تقريباً، لم يلحظ الملاحظون انبثاق أي قرار أو مشروع مدروس عن السيد الوزير، يمس صلب أزمة التعليم و يهدف إلى إصلاح المنظومة التربوية ذات الوضع المتردي و التي تعد حيوية بالنسبة لدولة تهدف إلى المضي قدماً في مشروع للتنمية البشرية. لا شيء تغير، لا تزال المدرسة العمومية شبحاً ينفر التلاميذ و أولياءهم منذ الابتدائي حتى الثانوي مروراً بالإعدادي، إذ أصبح تسجيل الأبناء في مدرسة خصوصية يعد حظوة اجتماعية في نظر بعض الآباء و الأولياء، و طوق نجاة من براثن المدرسة العمومية، الرديئة المستوى، حسب رأي البعض الآخر... و لم يعد غير أبناء الأسر الفقيرة من يقبل على المدرسة العمومية. و لحسن الحظ أن المجتمع المغربي مكون في غالبيته من الفقراء و إلا لكانت مدارس " المخزن " قد أضحت منذ زمن بعيد عبارة عن صحار يباب حيث لا طير يطير و لا وحش يسير. و لعل السيد الوزير الذي يهدف بإعلانه حالة الاستنفار هذه إلى حماية مبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ، قد نسي أن المبدأ غير محترم منذ البداية و في كافة مراحل السنة الدراسية ... كيف لا و تلاميذ المدارس الخصوصية يحصلون على عدة امتيازات لا يتمتع بها أبناء المؤسسات التعليمية العمومية ؟ إذ أن الأوائل موعودون نهاية كل دورة بمعدلات و درجات خيالية قد تصل في بعض الأحيان إلى 18/20 و ذلك بأقل مجهود أو بدون إجراء فروض أصلاً ! أو في أسوء الظروف 14/20. نقطة المراقبة المستمرة هذه، هدية تمنحها الإدارة لمرتاد المدرسة كعربون محبة جزاء اختياره ولوج المدرسة الخاصة، بعد أن تكون قد اشترت سكوت مفتشي الوزارة بآلاف مؤلفة من الدراهم. في حين أن معدلاً كهذا أشبه بالمستحيل في مدرسة عمومية، و من يحصل عليه أو نحوه هم أولئك العباقرة الضائعون من أبناء هذا الوطن. فالمعدل في مدرسة عمومية يتراوح عموماً بين 09/20 و 14/20، بحيث تشذ أقلية بسيطة عن هذه القاعدة.. هذا مع العلم أن نقطة المراقبة المستمرة تعادل 25 % من المعدل العام للباكالوريا و بالتالي تشكل عاملاً حاسماً في النجاح أو الرسوب بل و كذلك في التفوق.
مبدأ تكافؤ الفرص لا يضرب بعرض الحائط فقط من حيث الهوة التي تفصل التلاميذ " الخصوصيين " عن نظرائهم " العموميين " على مستوى معدلات المراقبة المستمرة، بل كذلك على مستوى جودة الخدمة بين المدرستين. إذ أن المدرسة الخصوصية تخضع لمنطق السوق أي منطق الربح، و بالتالي تسهر على تلميع صورتها قصد استقطاب أعداد متزايدة من التلاميذ سنوياً، و قصد تحقيق ذلك تلتزم بتقديم خدمة تعليمية في أفضل مستوى، و تعيين أمهر الأساتذة بل تفرض على أدائهم داخل الأقسام رقابة مشددة، بالإضافة إلى كونها مجهزة بمرافق نظيفة و مساعدة على التلقي و الدراسة، كما تفرض على الحراس العامين و المسؤولين داخلها أنماط سلوكية جد حسنة في معاملة التلاميذ الذين يتوفرون بالتالي على كل ظروف النجاح العلمية منها و النفسية كذلك... بالمقابل، لا يخضع الأستاذ لأي رقابة داخل المدرسة العمومية على أداءه، اللهم مفتش يعمل بمبدأ " زوروني كل سنة مرة " بحيث يحضر، أو لا يحضر، لمراقبة عمل الأستاذ مرة كل سنة. و مرافقها الداخلية، في غالبية الأحيان، تبعث على النفور و الاشمئزاز، و العاملون بها من مسؤولين قلما يظهرون أمام التلاميذ بوجه باسم أو كلمة لطيفة تبعث في هؤلاء الرغبة و الحماس للدراسة. هذا إلى جانب أن بعض الأساتذة من معدومي الضمير، سامحهم الله، و الذين سمح لهم بقوة القانون المغربي، بالعمل بين مؤسستين : الأولى عمومية و الأخرى خصوصية، يبذلون جهداً مضاعفاً داخل المؤسسات الخصوصية التي يداهمهم فيها شبح الطرد إذا ما قدموا مردوداً سيئاً، مقابل التغيب المتتالي و الأداء الباهت داخل المؤسسة العمومية و لسان حالهم يقول " خلصتي دايزة دايزة، لي بغا يقرا العام طويل ".
فعن أي تكافؤ للفرص يتحدث الوافا و عن أي ضلع مشترك ؟ فعوض فرض قوانين تحد من انتشار هذه الظواهر الخطيرة، و هذا الميز الصارخ بين المدرستين و الذي حول التعليم في المغرب إلى تعليم طبقي بامتياز، أو إطلاق مشروع لإعادة الإشعاع للمدرسة العمومية و النهوض بمستوى التعليم ... لا يزال هذا الأخير يعتقد أن الحل بسيط يكمن فقط في فرض تدابير صارمة حيال الغش في الامتحان، بل الأغرب من ذلك أنه لا يزال مؤمناً بمقولته الشهيرة في كون الرئيس الأمريكي أوباما، لا يملك في بلده مدرسة تضاهي المدرسة المغربية. السيد الوزير الذي كلف، من طرف بنكيران، بالسهر على التربية و التعليم لمدة 5 سنوات قادمة، لا زالت عليه ملاحظات على مستوى " التربية ". فلا تزال عبارة " المدير و صاحبتو " الغير اللائقة بوزير، و قضية الطفلة " راوية " ذات الـ 12 ربيعاً التي خاطبها السيد الوافا في إحدى زياراته لمؤسسات البلاد التعليمية بشكل يحط من كرامة الطفل و الانسان قائلاً " أنت خاصك غير راجل " تثير القلق الشديد. السيد الوافا الذي أعلن حرباً على الغش، وصل الى منصبه كوزير بعد ترشحه باسم حزب الاستقلال المشهور بأكبر حالة غش شهدها المغرب المعاصر، فضيحة انتخابات 1977 و التي لم تعد تخفى على أحد : مؤامرة حزب الاستقلال بمعية وزارة الداخلية آنذاك من أجل تزوير الانتخابات و منح الفوز للحزب ذاته، و ما خفي كان أعظم ... و المصيبة الكبرى أن التلاميذ أعلنوا التمرد على الوزير، دراية منهم بكل ما سبق الإشارة إليه من كوارث في المنظومة التعليمية، و أصبح الغش في الامتحان بالنسبة لهم واجباً و ضرورة في ظل الظلم و الميز الذي يعانون منه و قصد تحدي سياسة الوافا، الأمر الذي ينبغي أن يثير القلق و يطرح أكثر من علامة استفهام، اذ كيف يعقل أن يصبح الغش مسألة محمودة في صفوف التلاميذ ؟ و يفترض تحريك كل الوسائل اللازمة ليس من أجل تجريم الغش بل أولاً محاربة هذه العقلية الخطيرة التي انتشرت في أوساط التلاميذ... فماذا أنت فاعل يا سيادة الوزير ؟ الحاصول : " و الله أوباما باباه ما عندو شي وزير بحالك ".
#مهدي_الحبشي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حكومة بنكيران ... بين مطرقة الفشل و سندان المؤامرة.
-
5 فوارق بين المسلم و - الإسلامي -
-
مصيبة اسمها : الجهل.
-
هل صحيح ان الديموقراطية هي الحل ؟
-
نقد اليسار المغربي من الداخل
المزيد.....
-
الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
-
بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند
...
-
لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
-
قتلى وجرحى في استهداف مسيّرة إسرائيلية مجموعة صيادين في جنوب
...
-
3 أسماء جديدة تنضم لفريق دونالد ترامب
-
إيطاليا.. اتهام صحفي بالتجسس لصالح روسيا بعد كشفه حقيقة وأسب
...
-
مراسلتنا: غارات جديدة على الضاحية الجنوبية
-
كوب 29: تمديد المفاوضات بعد خلافات بشأن المساعدات المالية لل
...
-
تركيا: نتابع عمليات نقل جماعي للأكراد إلى كركوك
-
السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|