أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين عبدالله الناصر - عاهات المثقفين العَرَب















المزيد.....

عاهات المثقفين العَرَب


حسين عبدالله الناصر

الحوار المتمدن-العدد: 4096 - 2013 / 5 / 18 - 16:22
المحور: الادب والفن
    


لحديث عن المثقفين العَرَب هو حديثٌ ذو شجون ، فقد اكتسبوا ـ على قلتهم ـ بعض الصفات التي تجعلهم مُختلفين عن نظرائهم في العالم كله بل ومختلفين عن ما كان عليه وسطهم الثقافي منذ خمسين عاماً مثلاً ، بعد طفرة الإليكترونيات أصبح العرب أكثر اتصالاً ببعضهم مما جعل عيوبهم أكثر وضوحاً وجعلها أيضاً أكثر إمكانية للمعالجة .

مدونة كوجيتو | http://dromarabolnasr.blogspot.com/

بدءاً ؛ يختلف الوسط الثقافي العربي كثيراً عن نظيره الأوروبي مثلاً أو الأمريكي في أن الأول نُخبوي جداً ، وما جعله كذالك ليس اختياراً من المثقفين العرب أنفسهم بقدر ما هو نوع من افتراض النخبوية وجدوه عند العامة ، حيث يهاب المواطن العادي المثقفين بدرجة مُبالغ فيها ويجعل بينه وبينهم حداً افتراضياً ، وربما يرجع ذالك لقلة عدد المثقفين أصلاً ؛ حتى أن الشخص الذي يقرأ كتاباً كل أسبوع مثلاً ـ وهو ما قد يكون عادياً في غير بلاد العرب ـ يُعتبر شخصاً استثنائياً عندنا ، فالقُراء أقلية ، والمثقفون نخبة . ويمكنك بالمثل أن تلاحظ نظرة المجتمع لحاملي شهادة الدكتوراه ، فهم يلقون قداسة ـ فعلاً ـ عند المواطن البسيط الذي يعتقد أن كل من يسبق اسمه لقب دكتور فهو قطعاً فقيه عالم ببواطن الأمور مُدرك لظواهرها ، ويستحيل إقناعه أنه شخص عادي متخصص فقط في الموضوع الدقيق لرسالة الدكتوراه خاصته ، وانسحب الشعور على حاملي الدكتوراه أنفسهم فأُصيب كثير منهم بلوثة اللقب مندمجين في الرداء الذي خلعه العوام عليهم .

وبسبب النظرة المثيرة تلك التي يوليها العامة للمثقفين أصبحت لفظة "مثقف" موئلاً لكثيرين من غريبي الأطوار والراغبين في لفت الانتباه ومعدومي المواهب ، مما زاد حدة الانفصال بين الطبقة العريضة من الشعب العربي والطبقة الرقيقة من مثقفيه بفعل تشوه تلك الثانية وعدم ظهور ملامحها ، فالشكل التقليدي للمثقف هو شخصية عيسوي في فيلم "يا رب ولد" ، فهو غير مندمج في المجتمع ومنهمك علي أشياء لا يُتقنها ولا تهم أحداً ، وربما تكونت لديه بعض العادات الشخصية التي يرفضها المجتمع ، بينما لا يوجد ما يُسمى الشكل التقليدي للمثقف الأوروبي مثلاً أو الأمريكي لأن انتشار فكرة الثقافة وتجاوزها حدود النخبوية جعلت وصف "مثقف" نفسه ليس شائعاً في الاستخدام ، فكما تسمع عن الحرية كثيراً في السجون ، تسمع عن الثقافة كثيراً عند من يفتقدونها فعلاً .

كذالك يختلط الوسط الثقافي العربي بكثير من الشوائب القادمة من عاهات المجتمع نفسه ، مثل شائبة الجنس الثقافي أو ما أُسميه "هَيَجان المُثّقفين" ؛ فبسبب الكبت الجنسي الذي تُعانيه الصحاري العربية وساكنيها ، ولأن المثقف حتى لو انفصل عقلياً أو نفسياً فهو مرتبط مادياً وجسدياً بمجتمعه ، أصبح الكُتاب والقراء العرب يعيشون أزمة جنسية حقيقية تجعلهم يتعاملون مع القلم والورقة أحياناً بهيستيريا منقطعة النظير ، لاشك أن الأدب الجنسي لم يعد تابوهاً كما في الماضي ، لكنه قد يُعد عيباً في حق الكاتب لو افتقد أي دلالة فكرية وأصبح مجرد "قذف" لشهوته الشخصية على الأوراق ، انزلق الكثير من الكتاب إلى فخ الإباحية مدفوعين بطاقات من الهرمونات الجنسية لا يجدون لها طريقاً فاختاروا تفريغها ـ حرفياً ـ في عقل القارئ الذي يجد في أحايين كثيرة نفسه منجذباً إلى هذا الجنس الكتابي . كذالك تلعب الجنسانية دوراً في قتل حياد الوسط الثقافي الذي يُفترض به أن يكون في قمة النزاهة ، فالشخص الغير مستقر جنسياً لا يستطيع في الغالب أن يصدر حكماً علي مُنتَج ثقافي من غير أن يتأثر بكاتبه ويُخضع هواه لجنس الكاتب وميوله الشخصية إليه وكذالك موائمة المُنتَج الثقافي للكبت الجنسي لدى هذا المتلقي ، ولهذا أُصيبت معايير التقييم كثيراً بالخلل وخاصة بين الشباب الذين لم ينضجوا كلياً ولا يستطيعوا فرز المنتجات الثقافية بحيادية ، يمكنك مثلاً أن تجد أعمالاً أدبية أو مقالات في قمة السوء والسماجة ومع ذالك يتلقاها وَسَط المثقفين الشباب قبولاً حسناً لمجرد "الحَك" في شخص الكاتبـ/ـة سواءاً بوعي أو بدون وعي ، وكذالك قد يتلقى أعمالاً جيدة بفتور عجيب لمجرد عدم انجذابه لشخص الكاتب من الناحية الجنسية البحتة أو ثقته في أن ممارسة النفاق مع هذا الكاتب لن يُجدي في لعبة جذب الجنس الآخر وهي اللعبة المفضلة لدى العَرَب ، حدث منذ عهد قريب أن تعرضت إحدى الكاتبات لهجمة مكثفة من شباب المثقفين السطحيين بسبب عزوفها عن مجاراتهم في مسرحية الحَك والحَك المُقابل ، فلم تتقبل مجاملاتهم المشبوهة ولم تتحمل نقدهم المُطعم بالحقد والغيرة الشخصييَن .

وعن الشوائب القادمة من عاهات المجتمع نفسه لا يمكن إهمال اقتحام أصوات القوميات لبراءة الوسط الثقافي ، حيث أن المتلقي العربي الذي ترسبت المورثات الجينية للقبائل في خلاياه لا يستطيع أن يتعامل مع منتجاته الثقافية بغير منطق القبيلة ، فأصبح التصويت في بوكر الرواية العربية مثلاً هو مجرد منافسة بين العرب على من يستطيع رفع راية قبيلته ، ما رأيته بنفسي هو أن المصريون قاموا بحشد أصواتهم لرواية إبراهيم عيسي لمجرد أنه كاتب مصري ، وكذالك الأمر كان لدى باقي المُرشحين ، ومثال ذالك أيضاً التصويت في مسابقة أمير الشعراء الرائعة التي كاد يفسدها الجمهور القَبَلي ، لك أن تتخيل صعود شاعر شُعبوي معروف بفقره الأدبي وثراءه التمثيلي لمراحل متقدمة من المسابقة بأصوات الجمهور المصري المتحمس لابن وطنه / قبيلته . ولم ينقذ اتجاه هذا الحدث الثقافي من الانحراف مع القوميات سوى لجنة التحكيم التي ضمت مثقفين ناضجين ارتقوا بأنفسهم عن مستوى الجمهور . وهُنا المفارقة واضحة بين جمهور المثقفين الشباب المُغرقين في الشُعبوية والقومية والقبلية وبين نخبة المثقفين في لجنة التحكيم القادرين على الفرز الحقيقي بدون الخضوع لهوى هذا الجمهور ، لكن على أرض الواقع لا توجد لجنة تحكيم جاهزة دوماً لضبط الاتجاه الثقافي العام ، فأصبح التقييم يخضع لهوى الجمهور في أغلب الأحوال مما رفع أعمالاً غثة وأغرق أُخرى جيدة ولن تعدم في ذالك مثالاً .

أيضاً ؛ وفي مَعرَض الحديث عن منطق القبيلة حين يقتحم الأدب والفن ، يمكننا أن نُلقي نظرة على ما يُعانيه مُثقفي مصر ومُبدعيهم من خارج نطاق مركزية القاهرة والإسكندرية ، حيث طالت النظرة العنصرية لدى العامة تجاه سكان الأقاليم ؛ طالت هذه النظرة أيضاً المثقفين المركزيين في تعاملهم مع نُظرائهم في الأقاليم ، الوسط الثقافي ـ في مصر ـ عُنصري جداً بل وقبيح في هذه الناحية وخاصة في التعامل مع وافدي الصعيد ، وعن تجربة يمكنني أن أتحدث عن الإقصاء الذي قد يُلاقيه الصعيدي أثناء احتكاكه بالقاهرة ، حيث يتعامل برجوازيو الثقافة في القاهرة والإسكندرية مع الصعيد على أنه بقعة من مجاهل إفريقيا لا يُفترض أبداً أن تُنتج شيئاً / شخصاً ذا أهمية ، ولو حدث هذا فيجب هدم هذا الشيء / الشخص حتى لا تُهدم القاعدة ، ، وأعتقد أن هذه النظرة المركزية في مصر تتلاقى مع مثيلاتها في دول عربية كثيرة حيث ترتفع رايات العواصم وتختفي رايات الأقاليم .

هذه السلبيات ؛ الكَبت والعنصرية والخضوع لهوى الجمهور ، جميعاً تؤدي إلى نتيجة واحدة ؛ وهي ارتفاع المنتجات الثقافية الضعيفة وهبوط القوية نتيجةً لفساد الذوق العام كخطوة تالية حتماً لفساد الذوق الخاص لنخبة المثقفين وجمهورهم .

مدونة كوجيتو | http://dromarabolnasr.blogspot.com/



#حسين_عبدالله_الناصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجيتو المسيحي
- محمد السبيعي وتضليل الأذهان
- المشهديُّون
- بكم يدين لكم علاء الأسوانى ؟
- ادفنوا نساء القبيلة
- حسن مصطفى مثلاً
- خواطر تدور حول الأستروجين
- ما الذى لا يعجبك فى الشهوة ؟
- شهوة موجّهة
- هرتلات عن التقويم الفلسفى
- مائتى ألف عام من العزلة
- نهضة بمرجعيّة مصريّة
- الأفكار لا تتقاطع
- بين ميكى ماوس و جان جاك روسو
- من هيام إلى الشعب المصرى
- علياء المهدى ~ معركة فى صراع القبيلة
- صندوق ورنيش ميّت .. حدثت بالفعل
- حمدين صباحى وحملة التشويه
- من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر قصة قصيرة
- الفقر فى سبيل الله


المزيد.....




- مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات ...
- الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و ...
- -أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة ...
- الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
- “من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج ...
- المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ ...
- بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف ...
- عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
- إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع ...
- تكريم الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين عبدالله الناصر - عاهات المثقفين العَرَب