|
قراءة نقدية في كتاب -الأمير- لمكيافيللي
انجي وحيد فخري
الحوار المتمدن-العدد: 4090 - 2013 / 5 / 12 - 13:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدمة: اختلف الكثيرون حول نيقولا مكيافيللي بسبب كتابه "الأمير" حيث تضمن الكثير من النصائح غير الأخلاقية مما جعل نيقولا مكيافيللي رمزا للشر ولكن بتتبع أهم الأفكار التي جاءت بكتابه الأمير والسياق الذي كتبت في إطاره تلك الأفكار سنتمكن من إلقاء الضوء اقرب إلى تلك الشخصية المحيرة. فقد ولد مكيافيللي في فلورنسه عام 1469 من أسرة توسكانية عريقة وكان أحد أسلافه قد عارض معارضة فعالة في وصول المتحولين من أبناء أسرة مديشي إلى الحكم في المدينة، فقضي نحبه من جراء معارضته في السجن. وقد أقام المديشيون حكما استبداديا من النوع اللين نسبيا، إذ حافظوا على الأنظمة الجمهورية القديمة، في الوقت الذي أمسكوا فيه بأيدهم زمام الحكم الحقيقي، ولم يكن الميكافلليون موالين لأسرة مديشي، فقد كان والد نيقولا محاميا بارزا وكان كوالده من غلاه الداعين إلي الجمهورية. وشب ميكافللي في عهد الأمير المديشي الذي أطلق عليه الفلورنسيون اسم لورنزو العظيم والذي وصفوا عهده بالعصر الذهبي للنهضة الإيطالية وكان لورنزو أديبا وشاعر فشمل برعايته الفنانين والأدباء وأهل العلم واليه يرجع الفضل في حفظ التوازن في القوى بين الوحدات الرئيسية الخمس للسلطات في إيطاليا التي تم تكن مستقرة وفي حالة اشتباك دائم. ومات لورانزو عام 1492 وتعرضت المدينة لغزو جديد جاءها على أيدي شارل الثامن ملك فرنسا، وانتخب مكيافيللي بعد بضعة أشهر سكرتيراً للمستشارية الثانية لجمهورية فلورنسا التي تشرف على الشئون الخارجية والعسكرية وأضحي من واضعي السياسة ومخططيها حتى أنه اختبر في أربع وعشرين بعثة دبلوماسية، ووقع تطور جديد في المنظر السياسي بعد أن قضى مكيافيللي ثلاثة عشر عاما في الحكم، فجاء الجيش الفرنسي من جديد إلى فلورنسه، واضطر أهلها تحت ضغط الفزع والخوف إلى استدعاء آل مديشي، وخرج ميكافللي بدوره منفيا من مدينته. وجاء كتاب الأمير كإهداء من مكيافيللي إلى أحد أفراد أسرة مديشي آملا بذلك أن يدعوه المديشيون للعودة إلى الخدمة العامة، والجاه والمنصب وكتب فعلا كتابا ضمنه الإهداء إلى لورنزو الجديد. وقد تضمن الكتاب عدد من الأفكار الرئيسية أولها التعرف على أنواع الحكومات وطريقة نشأتها، حيث عرض مكيافيللي للشكل الملكي من الحكومات وهي أما أن تكون وراثية أي ينتقل الحكم فيها إلى أفراد الأسرة الواحدة ويكفي هنا للأمير ألا يضطر إلى الاعتداء على المألوفات الوراثية ليحافظ على ملكه، وفي تلك الحالة يصبح الرعية شديدي التعلق به ويضمون بحياتهم من أجله. وهناك الملكيات المختلطة وهي كثيرة المشاكل وهنا عرض مكيافيللي لمفهوم "الثورة" التي قال أن الناس عندما يقبلون على تغيير حكامهم إنما يكون ذلك بمحض الرغبة والإرادة أملا في تحسين أحوالهم على حكامهم الذين خدعوهم ولم يوفوا بوعودهم، وهكذا يكون الأمير أعداؤه دائما أولئك الذين تضرروا من احتلاله بلادهم، ويؤكد ميكافللي هنا أن القوة غير ذات جدوي ولكن الأهم هو كسب عطف السكان حتى يتمكن احتلال بلادهم. أما عن "الوحدة" عند مكيافيللي فلتحقيقها لابد أن يكون سكان الدولتان متشابهين إلى حد يعيد ويجب على المحتل ( الأمير) أن يجعل نصب عينيه دائما أمرين أولهما القضاء على الأسرة الحاكمة السابقة وإبادة جميع الموالين لها، والأمر الثاني هو عدم أحداث تبديل جذري في قوانين هذه البلاد وضرائبها، وفي تلك الحاكم عليه أن يلاحظ عماله في هذه البلاد وإلا يترك لهم الأمر كما يشاءون بل لابد من أنصاف الرغبة وذلك عن طريق الاتصال المباشر بحاكمهم وهو ما سيجذب حب الرعية له. ولاستتباب الحكم للأمير عليه أن يستخدم الحيلة والقوة معا، ويمكن أن يستخدم الفقراء في الدولة الجديدة بأن ستميلهم له. وعلى الحاكم أن يختار موظفيه على أن يكونوا عمال له ولخدمته بحيث إن تمت رشوتهم يكونوا أعجز من أن يؤثروا على الشعب ويجعلوه يوافقهم على ثوراتهم ومكيافيللي بذلك مع الحكومة المركزية القوية. ويجب عليه لاستتباب حكمة أيضا أن يحافظ عليه من الاضطرابات الداخلية حتى لا يستطيع أخذ من الحكام الآخرين احتلال ممتلكاته. كما يوجه مكيافيللي نصيحته التالية إلى أنه في حالة احتلال الدول التي ألفت على الحرية وتعودت عليها، فهناك ثلاثة سبل للاحتفاظ بهذه الدول، أما حرمانها من كل شئ، أو أن يقيم بها الأمير المحتل حتى يكون قادرا على مواجهة المشاكل والاضطرابات أو السبيل الثالث ألا يُغير قوانينها ويسمح لأهلها بالعيش في ظل تلك القوانين ويكتفي بأخذ الجزية منهم. فالحرية هنا ضد الوحدة التوصية التي يبتغيها ميكافللي لأنها تساعد على التمرد والعصيان ولذلك فالجمهوريات يصعب ضمها لأنها تتميز بالحيوية الشديدة وكراهية المحتل من ثنايا الحديث عن الممالك المحتلة حديثا بقوة السلاح الخاص وبالقدرة والكفاءة نجد أن مكيافيللي دائما عندما يتحدث عن إنشاء أو تثبت أركان الدولة يفكر في الأعداد والأصدقاء لحماية البلد من الاضطرابات أو من استغلال هؤلاء لوقوع البلد في أيدي محتل آخر. ونجد أن القوة عند مكيافيللي تعني القهر والتسلط والسلاح وكل ذلك في سبيل تحقيق الوحدة بين الدول، وينصح الأمير أن يمتلك القوة والقوة و الكفاءة في مواجهة الرعية، لأنه بذلك يستطيع أن يحافظ على أركان الدولة من الفوضى والقلاقل. ويوجه مكيافيللي نصيحة للأمير حتى يزداد حب الرعية له في مواجهة القوة التي نصحه بامتلاكها، بأن يترك وزرائه يخطئون ثم يتدخل هو لرفع هذا الخطأ عن الرعية لينال رضا الشعب، وعلى المستوي الدولي لابد له من الحصول على الصداقات الدولية ولكن بحذر والدخول في التحالفات الدولية. وفي ذكر المجد، أكد مكيافيللي أن المردود من استخدام الوسائل غير الأخلاقية والنذالة للوصول إلى السلطان لن يصل إلى المجد. ويعطي مكيافيللي نصيحة للحاكم المحتل لبلدا أخرى ويقول من الواجب ارتكاب الإساءات مرة واحدة وبصورة جماعية، لأن ذلك يفقدها ميزة انتشار التأثير، الأمر الذي لا يجعلها تترك أثرا سيئا كبيرا، أما بالنسبة للمنافع فيجب أن تعطى على فترات، أي قطرة قطرة، حتى يشعر الرعايا بمذاقها ويتلذذون بها. وتطرق مكيافيللي لفكرة مشابهة لما ذكره أرسطو عن الحكم الجماهيري أو الشعبي الذي يفضي إلى حكم المستند، بقوله أن الجماهير حين يعجزون عن مقاومة النبلاء نجدهم يحاولون أن يخلقوا أميراً من بينهم وأن يمجدوه حتى يشعروا بالحماية في ظل سلطانه وعند مفهوم المعارضة فقد ذكره مكيافيللي فيما يتعلق بالنبلاء والمواطنين قال "أن الأمير لا يستطيع حماية نفسه من شعب ناقم وثائر عليه وذلك بالنظر إلى كثرة عدد أفراد الشعب، ولكنه يتمكن من حماية نفسه من أعداء النبلاء والعظماء وذلك نظر لكونهم قلة، ومعارضه الجماهيري تقل أيضا إذا وصل الحاكم إلى سدة الحكم بمساعدة الجماهير". وارتبط بالقوة عند مكيافيللي مفهوم "المصلحة" فالأمير لابد وأن يكسب صداقة شعبه لأنه إذا لم يفعل لن يجد أي ملجأ أو معين في أوقات الشدة والأزمات. أما الدين فيتم توظيفه عند مكيافيللي في الإمارات الكنسية لأنه يساعد على المحافظة على دعائم الحكم، فالدين من القوة بحيث تبقي على سلطان أمرائها. فالفكرة الرئيسية عند مكيافيللي هي أن الأمير يجب أن يقوم بإرساء قواعد إمارته بصورة طيبة والإ فإن أمره ومصيره إلى الدمار والخراب، ويتم ذلك عبر قوانين جيدة وأسلحة قوية، والقوانين توجد حيث تتوافر الأسلحة القوية. وقد أعلى مكيافيللي من وظيفة "الحرب" ورأي أنها "فن" وقال أنها الفن الوحيد الذي يجب أن يتقنه كل من يصل إلى مرتبة القياد، فالقوة هي التي ترفع شأن الأمير وتبقيه في منصبة قادرا على إدماج العديد من الدول الأخرى. وقد عدد مكيافيللي صفات الحاكم حيث طالبوا بالعمل والدراسة وأن يكون قائد كفء ويمتلك العقل ومعرفة الخبرات السابقة والتعلم منها. وعن الفضيلة يري مكيافيللي أنها قد تؤدي إلى الشرور ويقول " أن بعض الأشياء التي تبدو من الفضائل أنما تؤدي إذا اتبعت إلى دمار الإنسان وعلى النقيض من ذلك قد نجد أشياء أخرى تبدو كرذائل لكنها تؤدي إلى زيادة شعور المرء بالطمأنينة والسعادة". ويوجه مكيافيللي الأمير بقوله إذا أراد أن يصل إلى منزلة التقدير والاحترام والإجلال وأن يكون مهابا في عيون شعبه، فلا شيء يحقق له ذلك إلا إقدامه على إقامة المشاريع العظيمة وأن يقوم بالأعمال التي من شأنها أن تكون دليلا على قوته وشجاعته ووزراء الأمير هم عمال لديه فالوزير النافع عند مكيافيللي هو الذي يعهد إليه الأمير بمهام دولة الآخرين للقيام بها دون أن يفكر في نفسه قط وبالأمير وإلا يكترث بأي شئ إلا فيما يتعلق بالأمير وعن مفهوم الشورى فقد تحدث جزئيا عن هذا الأمر حيث قال " أن الأمير العاقل هو من يختار لمجلسه أكثر الرجال حكمة وروية ورجاحة للعقل، وأن يكون لهؤلاء فقط دون غيرهم حرية الحديث إليه وجابهته بكل الحقائق مع الوضع في الاعتبار أن تقتصر هذه الحرية على المواضيع التي يسألهم عنها ولا تتعداها، ولكن يجب عليه أن يسألهم ويستفسر منهم عن كل شي ويستمع بإنصات كامل إلى آرائهم في كل شيء. لا يقتصر حديث مكيافيللي على طريقة الحكم بل أيضا على طريقة تشكيل صورته أمام شعبه وحاشيته. وفى هذا الصدد يناقش مكيافيللي الصفات الحميدة والبغيضة التي وجب على الأمير التحلي بها محاولا شرح كيفية إنشاء توازن بين كل هذه الصفات وخاصة المتناقضة منها. ولختام الكتاب يسخر مكيافيللي آخر ثلاثة أبواب –وهى غاية في صغر الحجم- لتوجيه الأمراء إلى كيفية تحصين ايطاليا بعدما أضاع أمراؤها ولا يتهم. رغم ما يعيب هذه النسخة من الكتاب من أخطاء لغوية كثيرة. ورغم ما ورد في هذا الكتاب من نصائح تعد غير أخلاقية, أجد فيه شرحا رائعا وواقعيا لنفسية البشر والتحولات التي تأخذ مجراها بداخلهم حين يعميهم حب السلطة. كما أجد فيه خير شرح وتأريخ لمرحلة العصور الوسطى في ايطاليا خاصة وأوروبا عامة, ليس فقط على مستوى الأحداث التاريخية بل أيضا أسلوب التفكير والنظرة النقدية في ظل مرحلة تبلور الأساليب العلمية الحديثة التي أدت للنهضة فيما بعد.
#انجي_وحيد_فخري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العلاقة بين جماعة الاخوان المسلمين والولايات المتحدة الامريك
...
-
احتمالات توجيه ضربة عسكرية اسرائيلية لايران
-
تحليل مقولة -الاسلام دين ودولة-
-
قراءة نقدية في كتاب -عن الحرية- للمفكر جون ستيوارت ميل
-
العلاقة بين الدين والدولة في فكر جماعة الاخوان المسلمين
-
السياسة الخارجية في الخطاب السياسي لرئيس الجمهورية محمد مرسي
المزيد.....
-
صور سريالية لأغرب -فنادق الحب- في اليابان
-
-حزب الله-: اشتبك مقاتلونا صباحا مع قوة إسرائيلية من مسافة ق
...
-
-كتائب القسام- تعلن استهداف قوة مشاة إسرائيلية وناقلة جند جن
...
-
الجزائر والجماعات المتشددة.. هاجس أمني في الداخل وتهديد إقلي
...
-
كييف تكشف عن تعرضها لهجمات بصواريخ باليستية روسية ثلثها أسلح
...
-
جمال كريمي بنشقرون : ظاهرة غياب البرلمانيين مسيئة لصورة المؤ
...
-
-تدمير ميركافا واشتباك وإيقاع قتلى وجرحى-..-حزب الله- ينفذ 1
...
-
مصدر: مقتل 3 مقاتلين في القوات الرديفة للجيش السوري بضربات أ
...
-
مصر تكشف تطورات أعمال الربط الكهربائي مع السعودية
-
أطعمة ومشروبات خطيرة على تلاميذ المدارس
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|