|
أوهام جماعات -الإسلام هو الحل-!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4063 - 2013 / 4 / 15 - 22:31
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
جواد البشيتي حتى الآن جرت (وتجري) رياح التغيير (التاريخي) والتي اصطُلِح على تسميتها "الربيع العربي" بما تشتهي سفينة "الإسلام هو الحل"، أيْ جماعة "الإخوان المسلمين"، و"الأحزاب السياسية" المُشْتَقَّة منها على عَجَل؛ وهذا ما رَأَيْناه، ونراه، في وضوح وجلاء، في مصر على وجه الخصوص؛ وثمَّة مَنْ يَعْتَد هذا الأمر "نافِعَة"، وثمَّة مَنْ يَعْتَده "ضارة"؛ لكنَّ ثمَّة، أيضاً، مَنْ يَنْظُر إليه على أنَّه "الضَّارة التي يمكن (ويجب) أنْ تكون نافِعة (أيْ تتحوَّل، مع مرور الوقت، التاريخي، لا السياسي، إلى نافِعَة)". "الدِّين" بَيِّنٌ و"الدولة" بَيِّنة، وبينهما أُمور متشابهات لا يَعْلَمها كثير من الناس؛ وينبغي لنا جميعاً الحَذَر من الوقوع في الشُّبهات؛ ولقد وَقَع بعضنا في الشُّبُهات إذْ قال (جاعِلاً كثيرين من العامَّة من المسلمين يقولون معه) بوجود، وبوجوب وجود، "نظام سياسي إسلامي (خالص)"، عابر للتاريخ، وللأزمنة والأمكنة جميعاً؛ وكأنَّ التاريخ لم يكن شاهِداً على أنَّ كل النُّظُم السياسية (وغير السياسية) هي نُظُمٌ عابرة، يتخطَّاها التاريخ، الذي لم يَعْرِف، ولن يَعْرِف، نظاماً سياسياً يتخطَّاه (أيْ يَتَنَقَّل بين حقبه وعصوره كافَّة، مُحْتَفِظاً بماهيته وخواصه نفسها). إنَّ أوَّل ما ينبغي لنا حَسْم أمره، في أذهاننا السياسية؛ لأنَّه محسوم في العالم الواقعي للسياسة، هو أنْ لا وجود الآن لـ "حُكْمٍ إسلاميٍّ"، يقوم على "مبادئ سياسية إسلامية خالصة"، وإنْ وُجِدَ بَعْدَه (أو ظلَّ ممكناً الوجود) حُكْمٌ (أو نظام حُكْم، أو نظام سياسي) يَنْسِبَهُ أصحابه إلى "الإسلام"، ويُلْبِسونه (من طريق الاجتهاد والتأويل) لبوس "الإسلام"؛ فَلْنُمَيِّز "الحُكْم الإسلامي (الخالص، والذي أصبح أثراً بعد عين)" من "حُكْم الإسلاميين"؛ فالأوَّل ما عاد ممكناً الوجود؛ أمَّا الثاني، فيُوْجَد الآن؛ وقد يُوْجَد مستقبلاً. الأمر يلتبس علينا، ويختلط؛ لأنَّ طُلاَّب الحُكْم (أو السُّلْطَة) في عالمنا العربي والإسلامي يجتهدون دائماً في انتزاع مبادئ وطرائق ومفاهيم للحُكْم من أمكنة وأزمنة مختلفة؛ لكنَّها تَصْلُح، على وجه العموم، ولأسباب واقعية، لابتناء نظامٍ سياسيٍّ (عندنا) منها، فيتوفَّرون، من ثمَّ، وبمعونة "مُفَكِّرين إسلاميين"، على كَسْو هذه "العِظام" الأجنبية، أو العالمية، "لَحْماً (أو شيئاً من اللَّحْم)"، هو كناية عن "مفردات" و"عبارات" و"تسميات".. إسلامية، وإنْ تَسَبَّب عملهم هذا بكثير من التنافُر بين "محتوى (جُلُّه له مثيل عند غيرنا)" وبين "تشكيلهم له تشكيلاً إسلامياً"، أيْ وَضْعِهم له في شكلٍ، أو قالَبٍ، إسلامي؛ وليس أدل على ذلك من تصالحهم الفكري (عن اضطِّرار) مع نَزْرٍ من "الطريقة الديمقراطية في الحُكْم"؛ فَهُم، وبشيء من "التأويل"، الذي يجيدون لعبته، جعلوا الفَرْق بين "الشورى" و"الديمقراطية" من الضآلة بما كاد أنْ يجعلهما شيئاً واحداً؛ وإنْ اعتبر بعضهم "الشورى" أوسع وأشمل وأعمَّ من "الديمقراطية (حتى في درجتها العليا)". هُمْ، وعن اضطِّرار، وفي رُبْع السَّاعة الأخير من القرن العشرين، اكتشفوا "الشَّعْب (أو الأمَّة)"، بمفهومه المتواضَع عليه عالمياً؛ واكتشفوا أنَّ هذا "الشعب" يَصْلُح لاتِّخاذه (بإرادته) مَصْدَراً (مع مصادِر أُخرى) للسُّلطة، ولـ "الشرعية السياسية في الحُكْم"؛ واكتشفوا أنَّ "اتِّخاذ صندوق الاقتراع طريقاً إلى الحُكْم" ليس من الكفر في شيء؛ لكنَّهم لم يكتشفوا بَعْد أنَّ كل هذا الذي اكتشفوه ليس بذي أهميةٍ ديمقراطية جوهرية إذا لم يكتشفوا أهمية وضرورة "القِيَم والمبادئ الديمقراطية كافَّة"، والتي لا انفصال بينها (وبصفة كونها "الجوهر") وبين "الإجرائي" من "الديمقراطية"، أو "الديمقراطية الإجرائية"، وفي مقدَّمها "الانتخاب". وشتَّان الآن ما بين "أَسْلَمة" نظام سياسي (أو اقتصادي، أو اجتماعي) ما، و"نظام سياسي (أو اقتصادي، أو اجتماعي) إسلامي خالص"؛ فـ "الأَسْلَمَة" ممكنة، وواقعية؛ وليس بالأمر المستعصي على المرء أنْ يَجِدَ، إذا ما فَكَّر أو اجتهد قليلاً، في "النَّص"، أو "الظاهرة"، مدار اهتمامه، ما يرغب في وجوده. إنَّ "الأَسْلَمَة" ليس إلاَّ هي "حقيقة" جماعات وأحزاب "الإسلام هو الحل"؛ وكأنَّ التعبير عن "المشكلات نفسها"، و"الحلول نفسها"، بـ "لغة إسلامية" يكفي للقول بشعار "الإسلام هو الحل"؛ فأين هي الآن "المشكلة الكبرى" التي أَعْجَزت غيرنا عن حلها، ولَمْ تُحلَّ إلاَّ على أيدي أصحاب هذا الشعار، والقائلين به؟! وفي "العولمة"، وبها، تتَّسِع، في استمرار، دائرة المشكلات المتشابهة المتماثلة بين الدول والشعوب كافَّة، وتتَّسِع معها دائرة الحلول المتشابهة المتماثلة؛ والدِّين، أيُّ دِين، ليس في وسعه إلاَّ أنْ يقف على الحياد من هذه المشكلات وحلولها، لأنَّها تَقَع في الخارج من نصوصه، ومن معانيها الحقيقية؛ فإنَّ لكلِّ عصرٍ ما يُميِّزه من "المشكلات"؛ أمَّا "الحلول" فهي "بَنَات" المشكلات نفسها؛ ولقد أكَّد لنا التاريخ، وأثْبَت، في استمرار، أنَّ "المشكلة" لا تُوْلَد إلاَّ ومعها "حلها"، أو لا تُوْلَد إلاَّ وجنين حلها ينمو في رحمها؛ فالناس لا يُوَاجِهون مشكلات لا يمكنهم أبداً حلها. لقد شرع القائلون بشعار "الإسلام هو الحل" يحلُّون بعض المشكلات في مصر؛ ويكفي أنْ ينحجوا في حلها حتى يقيموا الدليل بأنفسهم على أنَّ "حلولهم الناجحة الناجعة" ليس فيها ما يمتُّ بصلةٍ جوهرية إلى هذا الشعار، وأنَّ كل ما فعلوه لا يتعدَّى التعبير عن هذه الحلول الواقعية (المجرَّبة والمُخْتَبَرة في أماكن أُخْرى) بلغة إسلامية. إنَّ واقع مصر الجديد، أيْ الذي خلقته، وتخلقه، ثورة الخامس والعشرين من يناير العظمى، لا يتَحَدَّاهم على "الأَسْلَمَة اللغوية" للمشكلات وحلولها، وإنَّما يَتَحَدَّاهم على قبول الحياة الديمقراطية بصفة كونها جُمْلَة من المبادئ والقِيَم التي تَتَّحِد اتِّحاداً لا انفصام فيه مع "الإجرائي" و"الشكلي" منها؛ فإنَّ "الدولة المدنية"، أو "دولة المواطَنَة"، التي هي "دولة الآخر"، في معنى من معانيها الجوهرية، هي السؤال الذي لا بدَّ لهم من إجابته اليوم، وقَبْل غدٍ. جماعات "الإخوان المسلمين"، وأحزابها السياسية، مَدْعُوَّة إلى أنْ تَقْفِز هذه القفزة الكبرى، التي تَعْدِل خروج المرء من جلده، وأنْ تتصالح أوَّلاً (أيْ قبل تصالحها مع "الديمقراطية الإجرائية") مع قِيَم ومبادئ الحياة الديمقراطية العالمية؛ فإنْ استطاعت ذلك، يُصْبِح انتسابها إلى كوامِن "الربيع العربي"، من الدوافع والغايات، شرعياً؛ وليس ثمَّة ما يمنع، عندئذٍ، من جَعْل المفردات والعبارات والشعارات.. الإسلامية زينة الحياة الديمقراطية (الجديدة، الحقيقية).
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-جلالة الإعلان- و-صاحبة الجلالة-!
-
كيري الذي يبني -الثقة- ب -التنمية-!
-
تجربة آينشتاين مع -الحقيقة-
-
اللاجئون السوريون.. مأساة -مهاجرين بلا أنصار-!
-
جوابي عن سؤال -مَنْ هو اليهودي؟-
-
-جريدة- لم تَرَ النور بَعْد!
-
ما معنى تلك الاتفاقية التاريخية؟
-
و-الودائع- إذا -تبخَّرت- في -جزيرة الشمس-!
-
تذكير جديد بالمخاطِر النووية
-
الزعماء العرب قرَّروا -عدم تسليح- المعارَضَة السورية!
-
حقيقة -النقود-
-
في الجغرافيا السياسية للصراع السوري
-
لقد -تكلَّم- أوباما.. فهل رأيتموه؟!
-
الأهمية الديمقراطية لتجربة -النَّشْر الإلكتروني-
-
السَّرِقَة
-
أوباما إذْ جاء سائحاً!
-
بشَّار مجاهِداً!
-
نظرية -فائض القيمة- تُجيبكم الآن..!
-
دَحْضَاً لحُجَج مُنْكري فَضْل ماركس!
-
لهذه الأسباب ما زال ماركس حيَّاً وعلى صواب!
المزيد.....
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|