أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - إختفاء رباب ماردين 4















المزيد.....

إختفاء رباب ماردين 4


حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)


الحوار المتمدن-العدد: 4021 - 2013 / 3 / 4 - 22:47
المحور: الادب والفن
    


التقيت بوسام ماردين في موعدنا، عند الساعة الخامسة بعد الظهر، بعد اطمئناني على حال السيدة ماردين. خرجنا عبر بوابة البيت الكبيرة وسلكنا الطريق الضيق المؤدي الى الشاطئ. هبطنا درجات حتى وصلنا الى منحدر ضيق وملتوٍ، وإذ بنا نصل الى الشاطئ الذي كان رمليا، ذهبيا، فائق الجمال. ريح خفيفة هبت لتلاعب أمواج البحر برقة، فتزحف على رمال الشاطئ وتتراجع خجلة.
"هل تحبين البحر؟" سألني وسام.
قلت: " أحب فكرة العيش قرب البحر. لا شك أن منظره رائع."
"حقا. إنه منظر بديع." ثم أشار بيده الى الطرف البعيد من الشاطئ، وقال: "أنظري. أترين تلك المرتفعات الصخرية؟ إن منظر المنطقة من أعلى تلك المرتفعات جميل جدا. بإمكانك رؤية المدينة أيضا من بعيد. إننا نصعد اليها ركوبا على الحصان من الجانب الآخر."
كانت المرتفعات تشكّل خليجا مصغّرا من الصخور، وفوقها حرشة من أشجار الصنوبر.
"ما رأيك أن أعلّمك ركوب الحصاب؟" قال وسام فجأة.
"ماذا؟ لا شك أنني أود ذلك ولكن... لا أريد إزعاجك، فأنت رجل كثير الأشغال." قلت بتردد.
سمعته يضحك بخفة، ثم قال: "ومن قال لك ذلك؟ هذا غير صحيح. فأنا دائما أهتمّ بإيجاد الوقت للراحة والتّرفيه. ألم أقل لك ذلك؟! سأعلمك وآخذك الى جولة لاستطلاع المنطقة من تلك المرتفعات. أنا واثق أنها ستعجبك." قال بإصرار.
"لا شك لدي بذلك. اذن، فليكن." أبديت موافقتي.
أطلق وسام ضحكته المرحة مرة أخرى، وكأنّ ترددي لم يقنعه. "أرجو أنك لا تخافين من ركوب الحصان!"
"لا، ليس هذا." قلت نافية. "ولكنني لم أتوقّع أن يكون بإمكانك التفرّغ لمرافقتي لمثل هذه الجولة."
قال: "أنا رجل عاشق للحياة. أحب التنزّه واكتشاف جمال الطبيعة والحياة. لا أريد هدر لحظة واحدة في الحياة، فنحن لا نعلم ما يخبّئه لنا الغد. ربما ما نجده اليوم بوفرة لا نعود نجده في الغد. لذا، أعيش الحياة بكل لحظاتها الحلوة وأستمتع بها."
"تبدو متفائلا جدا."
"أليس التفاؤل مطلوبا في الحياة؟!"
"ما دمت كذلك... فأنا أستغرب... لِمَ لم تتزوج الى الآن؟"
ضحك وسام طويلا، ولكن ضحكته هذه المرة كانت مختلفة، ضحكة فيها مرارة مبطّنة، تكتسي بقشرة من المرح. أضفت قائلة: "يبدو أنك متفائل في كل شيء... عدا عن الزواج."
"لا، ليس هذا." قال دون أن يواجهني. ثم أضاف بعد تفكير بسيط: "ربما لم أجد الإنسانة التي تقنعني بأن أتنازل عن حرية نفسي، لأدعها تقاسمني كل أشيائي: أفكاري، عواطفي، أسراري، مالي، جسدي، سريري... وحياتي كلها."
قلت ساخرة: "هذه أنانية!"
"بل هو الحذر،"رد بلهجة جادة. "أليس الحذر مطلوبا في مسألة مصيرية كهذه؟"
"صحيح. ولكنني متأكدة بأنه ليس سببا حقيقيا لعدم الزواج. يقولون إن الرجل حين يحب ينسى كل هذه الاعتبارات ويقدم على الزواج."
"ربما. ولكن كلما تقدم في العمر كلما دقق أكثر في التفكير في كل ما يمكن للزواج أن يلحق به."
"فهمت."
توقّف عن السير، وأخذ يتأملّني. ثم سأل: "وأنت؟ ألم تفكّري في الزواج؟"
"أنا مثل كل امرأة في هذا العالم، أحلم بالزواج والأمومة والاستقرار."
"وهل، يا ترى، وجدت تلك العلاقة التي يمكن أن تحقّق لك هذا الحلم؟"
"لكل منا علاقاته." أجبته ببساطة.
"وأسراره!" أضاف غامزا.
توجّهت اليه. راودني إحساس أن هذا الرجل الذي يجذب الأنثى التي بداخلي بوسامته، رجولته ورقته، يعرف كيف ينال إعجاب المرأة ويستوطن قلبها دون اقتحام. إنه يدعها لخصوصياتها، ولكن بطريقة ذكية، يلمّح لها بأنه يدرك خفايا نفسها ويغويها لتكشفها أمامه بنفسها. لا بد أن الكثيرات مررن عليه عبر سنواته الثلاثين. وبالرغم من ذلك، لم يجد تلك التي "تقنعه".
عدنا نسير على الشاطئ، نستنشق هواء البحر العليل مستمتعين بجمال المنظر المحيط بنا.
بعد مسيرة صامتة غير قصيرة تشجّعت لأسأله ما كان يراود ذهني منذ وقت طويل: "قل لي بصراحة، ألم تشعر يوما بشيء من الغيرة تجاه أخيك حين تزوّج وهو الذي يصغرك في السن؟"
هبط عليه صمت ثقيل... وانسرح يفكر.
ألقيت عليه نظرة. فوجئت بابتسامة غريبة تعبر شفتيه، لم أستطع تحديد مغزاها. أهي المرارة؟ أم الشماتة؟
قال: "صدقيني، لا أحد كان يتمنى لنفسه مثل هذا الزواج."
"ماذا تعني؟" سألته مندهشة.
"الكل هنا لا يستطيع أن يصف ذلك الزواج الا بأنه... فاشل، فكيف لي أن أشعر بالغيرة ؟"
"أتعني أنهما لم يتّفقا؟" تعجبت.
"هذا أقل ما يمكن أن يقال. كانت رباب إنسانة رقيقة وطيبة، وتنعم بكل الصفات التي يتمناها أي رجل في زوجته. ولكن... ماذا أقول؟ مسكينة."
تملّكتني رغبة شديدة في استيضاحه. ولكنني لم أرغب في كشف فضولي الشديد، ولم يضِف هو شيئا على أقواله. أحسست أنه يقتضب أجوبته على أمل الإغلاق على الموضوع.
بعد أن افترقنا، كانت أسئلة كثيرة تحيّر تفكيري.
لماذا فشل زواجهما؟!
أعرف أن رباب كانت تحب زوجها منذ زمن بعيد، ووسام لم يقل عنها الا كل خير. ولكن، ماذا عن حسام ماردين؟ ألم يكن يحبها؟ ماذا حدث بينهما؟ وأين اختفت رباب؟ وهل هناك علاقة بين فشل زواجها واختفائها؟

...............................................

في اليوم التالي، تحسنت صحة السيدة ماردين وكان بإمكانها مغادرة غرفتها. فطلبت مني مصاحبتها الى الشرفة المطلة على الحديقة. قضيت معها معظم ساعات الصباح، وانضمّت الينا السيدة نخايلة بعد إنهاء أعمالها. كان اليوم عطلة والكل موجود في البيت يهنأ بالراحة والاسترخاء بعد تعب الأسبوع.
بعد وجبة الغداء وجدت كلوديا تسألني: "ما رأيك أن ترافقيني الى النادي بعد الظهر؟ أنا أرتاده كثيرا وأتعلّم لعبة كرة المضرب."
قلت لها إن ذلك يسرّني. وهكذا ذهبنا معا الى النادي بعد ظهر ذلك اليوم. أخذتني كلوديا الى جولة لتعرّفني على المكان الذي كان من أفخم النوادي في المنطقة. كان موعد درسها قد اقترب فأخذتني الى ملعب كرة المضرب وعرّفتني على الكابتن منصور، لاعب كرة مضرب محترف سابقا ومدرّب اليوم. كان رجلا أسمر في منتصف الثلاثينيات، مديد القامة، مفتول العضلات وبشوش الوجه. قدّمته لي كلوديا بشيء من الفخر، وقالت عنه إنه "من أهم المدربين المحليين بكرة المضرب، ومن أهم الضيوف الدائمين على بطولة الرولاند غاروس الفرنسية. فقد وصل الى الدور نصف النهائي في تلك البطولة قبل عدة سنوات، عندما كان محترفا، ومنذ ذلك الوقت، والفرنسيون يعشقونه."
بدا الكابتن منصور محرجا، وكأنه ليس معتادا على مثل هذه التقدمة، او ربما كان خجولا بطبيعته؟!
رأيته يمدّ يده لي وابتسامته تغطي شفتيه. "تشرفت بمعرفتك يا آنسة مدنية."
قلت وانا أصافحه: "الشرف لي بمعرفة لاعب مهم مثلك."
"لا، لا. لا تصدقي كل ما تقوله الآنسة أخشيد. إنها تبالغ." قال.
"أنا أبالغ؟؟ وأين المبالغة في كلامي؟!" هتفت كلوديا.
"أنت تقدمينني وكأنني حملت كأس الرولاند غاروس. أنا مجرد لاعب وصل الى الدور نصف النهائي بعد انسحاب خصمه في الدور ربع النهائي بسبب الإصابة، وخسر في المباراة نصف النهائية بنتيجة هزيلة، حيث لم أستطع إحراز أكثر من ثلاثة أشواط في كل المباراة. ولست معشوق الفرنسيين بالتأكيد، وأشكّ أن يكون أحدهم يذكر ذلك الإنجاز."
"اذن لماذا يدعونك دائما لحضور البطولة؟" سألته كلوديا بمناورة.
"لمجرد وصولي الى الدور نصف النهائي، ولمجرد صداقتي مع بعض المسؤولين." كان جواب الكابتن منصور.
"وهذا شرف بحد ذاته، يجب أن تفتخر به." قالت له كلوديا، ثم أضافت بلهفة: "إنه مكان رائع. أراه دائما على شاشة التلفزيون، في مدينة جميلة. أحب أن أزور ذلك المكان يوما ما."
"هل زرت باريس في حياتك، يا آنسة مدنية؟" سألني الكابتن منصور.
"لا."
"إنها مدينة جميلة جدا، رائعة."
"الكابتن منصور كان يقيم فيها خلال سنوات احترافه، وهو مغرم بها." قالت لي كلوديا.
"صحيح؟" سألته باستفهام.
أومأ لي برأسه بالإيجاب بحركة خجولة. "فكرت في نقل مكان إقامتي الدائمة الى هناك بعد اعتزالي، ولكن... عدت لقضاء بعض الوقت مع الأهل والأصدقاء... وبقيت هنا." قال.
"وهذا من حسن حظنا!" قالت كلوديا وهي تبعث له بابتسامة عذبة، تلقّاها الكابتن منصور بفرحة مفضوحة، يخترق هالة الوقار التي تحيطه.
في تلك اللحظة، خطر في ذهني أن علاقة أكثر تعقيدا من علاقة المدرب بتلميذته ربما تربط هذين الاثنين. ولكن كلوديا صغيرة السن، وهي مفعمة بالصفاء والبراءة، ولكنها ليست ساذجة. أحيانا أحسّ فيها تيقّظا ووعيا أكثر من سنواتها السبع عشرة.


يتبع...



#حوا_بطواش (هاشتاغ)       Hawa_Batwash#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اختفاء رباب ماردين 3
- شيء من دفء- قصة قصيرة
- إختفاء رباب ماردين 2
- اختفاء رباب ماردين 1
- المستعجلة
- أنا أحس
- حديقة مفتقدة
- دراجة نارية صغيرة
- ليلة خائبة
- جدي
- الحب والعاصفة 23
- كلمات حب في القمامة
- رحلتي الى باريس
- تساؤلات بريئة- الجزء الثاني
- الحب والعاصفة 22
- أنانية أنا
- ابتسامة الصباح
- الحب والعاصفة 21
- قوة التأثير على الناس البسطاء
- الحب والعاصفة 20


المزيد.....




- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - إختفاء رباب ماردين 4