|
تسفيه العمل السياسي بالمغرب
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4014 - 2013 / 2 / 25 - 15:27
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
تسفيه العمل السياسي بالمغرب ************************ نحن في عصر لم يعد يحتمل عناصر التمويه والترحيل ، وكل عناصر التدليس والنفاق ، فهو عصر الشفافية بامتياز لمجموعة من الاعتبارات . تبقى أهمها الاعتبار التقني الذي فتح الكون أمام الجميع ، الى درجة أن العالم أصبح سجين أيقونة الهاتف الجوال . أمام هذه الحقيقة الساطعة ، لايمكن للمرء الا أن يزيد من توسيع أمداء الواقع وتجسير الهوة بينه وبين طموح المواطن والخيال . ولعل السياسة حين تفتقد الى ماء الخيال ، فان ماسورة السياسة لا ينساب منها الا الصدأ . وهذا بالضبط ما حدث في لقاء السيد رئيس الحكومة المغربية بثلاث محاورين من منابر مختلفة في قناة "تي.في 5" الفرنسية ، حيث أكد أن حركة 20 فبراير قد اختفت ، بمعنى أن وجودها أصبح في حكم العدم ومن الماضي . ولعمري هي فرية كان على الرجل أن يتحفظ بشأنها قبل أن تفحمه تظاهرات عمت مجموع أرجاء الوطن من طنجة الى الخميسات ، وامتلأت بصداها كل قنوات التواصل الاجتماعي ، مع تعتيم شبه عام من قبل مختلف القنوات الدولية . وهنا يطرح سؤال كبير عن دور هذه القنوات ، وتركيزها على دول بعينها ،مما بدأ معه المواطن العربي يفقد تلك النسبة من المصداقية التي كان قد راكمها تجاه هذه الفضائيات . هو مدخل لن يحرفنا عن صلب موضوعنا طبعا ، وهو تسفيه العمل السياسي بالمغرب . فعندما يحاول السياسي تغطية شمس الواقع بغربال التقوى - والمعنى هنا هو استثمار التقوى كأرقى أشكال العبادات ، في أغراض سياسوية عابرة وقد تكون فاسدة - حينها يكون سقوط قناع السياسي المروع . من ابشع ما يمكن أن يصدم المتابع لسلوك السياسي العربي ، هو هذا الكم الفج من استعمال الكذب والنفاق البواح الفاقع . ويعد السيد رئيس حكومة المغرب شاهدا حيا على هذا النموذج السياسي العربي .فالرجل رغم الفترة الزمنية التي قضاها على رأس الحكومة ، والتي كان بالامكان أن يستفيد منها ويصحح كثيرا من أخطائه التي يطبعها مسار تصاعدي خطير ، تعبيرا منه على ذكاء سياسي تصاعدي موازي ، خاصة وهو السياسي الذي لم يكن ينتظر أن يتبوأ مثل هذا المنصب اذا ما اعتمدنا منطوق خطابه في اللقاء الصحفي . لكننا ندرك تمام الادراك أن المنصب جديد عليه وأن اكراهات المنصب ،خاصة في لحظة فارقة من تاريخ المغرب المعاصر ، كان يتطلب منه جهدا مضاعفا على تقنيات وفن ادارة العمل السياسي ، وليس الاعتماد المطلق على القدرات الذاتية الخامة ، فالسياسة فن وعلم ، وليست مزاجا او اشتغالا رعويا بدائيا ينتسب الى عصر الزراعة البائد . ولعل هذا ما جعل الرجل يرتكب خطأ سياسيا واجتماعيا وتواصليا فادحا ، وهو ما كذبه جزء مهم من الشعب المغربي عبر ربوع الوطن ، وفي العاصمة التي يباشر منها عمله . فالرجل يتحدث عن موت حركة 20 فبراير ، وكأنه لا يعيش في المغرب ، ولا يقرأ علم الاجتماع السياسية وطبيعة الظواهر الاجتماعية الاحتجاجية ، ويقر بانحلال هذا المكون الجديد من مكونات العمل السياسي الاجتماعي الذي وجد الأرض الخصبة في الأوطان العربية قاطبة لتوفر مجموعة من الشروط . فاعتمد سياسة الهروب الى الأمام ومحو الواقع واخفائه ، فأن تنكر واقعا اجتماعيا ، هو شكل من اشكال ازدراء الواقع وما يتمخض عنه من شروط موضوعية . وهو ما يعني أمرا من أمرين ، اما أن السيد رئيس الحكومة مقطوع التواصل بواقع من المفروض انه يديره ، أو أن الحراك الاجتماعي كان خارج التغطية . بما يعني ان الرجل يعاند واقعا لا يرتفع ، فكان من الضروري أن يرتفع هو . هذا التنفج الفوقي الاستعلائي هو من أبرز عوارض الأدواء السياسية ، ومن أرذل أنواع الوهم السياسي ، ليس اليوم فقط ، بل منذ أن كتب أرسطو عن السياسة ، وابن قيم الجوزية ، وميكيافيللي . فهو بعد حواره مباشرة أو أثناءه، وجد نفسه أمام عنقاء الحركة ، وهي تنبعث من رمادها في أبهى حللها وأصفاها ، لكنه في حواره المخملي الدافئ والهادئ ، لم يكن ليعنى بما يموج ويغلي تحت رجليه . وحين نعلم ان الرجل يمثل حزبا ذا ايديولوجية اسلامية ، فان الطامة تتضخم ، ولعل هذا ما حذر منه ابن قيم الجوزية وهو ينهى عن ادخال السياسة في الدين ومزجهما ، لأن النتيجة الحتمية هو فساد كلا الحقلين . فالدين بطبيعته قدسي وطاهر ، والسياسة بحكم اشتغالاتها مدنسة وفاسدة ، وان في أرقى أشكالها وأنصعها . ولعل هذا ما يفترض قدرا من المكر والدهاء والمخاتلة في العمل السياسي . لكن ليس بدرجة الصفر كما عبر عن ذلك ميكيافيللي وهو يؤسس لذكاء سياسي متمكن من واقعه ، فالسياسة حين تقترب من درجة الصفر فما دونها تصبح تشويها محضا لأهم عناصر تكوين الانسان المدني المعاصر. فتشويه العمل السياسي بانكار مجاني لحركة اجتماعية فاعلة ، شروط تكوينها واستمرارها تتضاعف يوما عن يوم ، هو تسفيه للعمل السياسي نفسه وتشويه له . وهنا ينقلب السحر على الساحر فيشطب الواقع من حاول شطبه . لا يتعلق الأمر هنا بيوطوبيا الانتصار لفعل سياسي معين ، أو البحث عن طهرانية سياسية بذاتها ، بقدر ما يتعلق بالبعد السياسي في مستواه المعقول ، تناسبا مع طبيعة العصر ، ومتطلبات الواقع المغربي . كما حدد ذلك ميكيافيللي ، بضرورة قبض العصا من الوسط ، وهو يحاول ان يهمس في أذن الأمير بالحفاظ على قليل من المرونة تجاه الشعب أو الرعية بمصطلح القرون الوسطى ، وتماشيا مع العصرالزراعي ، بتحقيق ذلك الجزء اليسير من الممكن السياسي في توزيع الثروة والانصات الى المطالب المشروعة ، وتحقيق الانجازات المطلوبة . لكن السيد رئيس حكومة المغرب يصنع عكس ما اتفق عليه كبار المشتغلين والمهتمين بالشأن السياسي عبر التاريخ الطويل . ولا نرى له مرجعا غير مرجع وزير الاعلام النازي "جوبلز" وهو يتحدث عن ادمان الكذب والاكثار منه كقاعدة تتمكن من مخيال المجتمع وتستحوذ عليه ، وقد كانت نتيجة هذه القاعدة درسا تاريخيا لن تنساه البشرية ما بقيت فوق الأرض.
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سامر العيساوي والقضية الفلسطينية
-
في مفهوم التواضع-2-
-
جلباب المخزن المخروم ، وعري المجتمع الفاضح
-
أمهليني.....
-
حركة 20 فبراير : المنزلقات الموضوعية
-
عيد ميلاد ديكتاتور
-
أبحث عن امرأة ثائرة
-
محاولة محاصرة وقائع جناية
-
الثورة السورية تكشف حقيقة أوباما
-
استراتيجية البلد العشوائي
-
أمطار الجحيم -23- رواية
-
كان الشعر ولا يزال...
-
منتعلا أملي أمشي
-
الرويبضة...وضرورة الحسم
-
الاغتيال السياسي والرهان الخاسر
-
أمطار الجحيم -22- رواية
-
الغيب ليس من شأننا -قصة قصيرة -
-
المواطنة بالوصاية
-
أمطار الجحيم -21- رواية
-
موت حزب الاتحاد الاشتراكي
المزيد.....
-
العثور على قط منقرض محفوظ بصقيع روسيا منذ 35 ألف عام.. كيف ب
...
-
ماذا دار خلال اجتماع ترامب وأمين عام حلف -الناتو- في فلوريدا
...
-
الإمارات.. وزارة الداخلية تحدد موعد رفع الحظر على عمليات طائ
...
-
صواريخ حزب الله تقلق إسرائيل.. -ألماس- الإيرانية المستنسخة م
...
-
كيف احتلّت إسرائيل جنوب لبنان عام 1978، ولماذا انسحبت بعد نح
...
-
باكستان ـ عشرات القتلى في أحداث عنف قبلي طائفي بين الشيعة وا
...
-
شرطة لندن تفجّر جسما مشبوها عند محطة للقطارات
-
أوستين يؤكد لنظيره الإسرائيلي التزام واشنطن بالتوصل لحل دبلو
...
-
زاخاروفا: -بريطانيا بؤرة للعفن المعادي لروسيا-
-
مصر.. الكشف عن معبد بطلمي جديد جنوبي البلاد
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|