سلام موسى جعفر
الحوار المتمدن-العدد: 4014 - 2013 / 2 / 25 - 23:21
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
رساله الى شهيد - هل ذهبت دماء الشهداء هدراً ؟
الرفيق والصديق الشهيد عادل ناجي عطيه
" ابو سلام"
صديقي ورفيقي العزيز ابو سلام لا أكون مغاليا ابداً إن قلت أنني لم أنسك يوماً واحدا طوال أكثر من ثلاثه وثلاثون عاما, لكني أعترف أني طوال الفتره المذكوره لم استطع تدبير أسطر نعي معدوده تليق بمكانتك عندي وتعبر عن حجم الغضب الكامن بفعل خسارتك الكبيره.
أختفاء عزيز غالي يترك أثرا عميقا عند أي انسان. إذاً كيف يكون الامر معي وأنت الرفيق الذي كنت قريباً اليّ في الفكر ؟ جمعنا سوياً طموحا ثوريا لانجاز مشروع نضالي مشترك بدأنا فعلاً خطوات تنفيذه لمواجهة هجمة الفاشست ضد الحزب الشيوعي العراقي عام 1978-1979 بعيداً عن اعين بعض الرفاق الذين كانوا لايزالوا يضعوا كل بيضهم في سلة التحالف السيئ الذكر مع البعث, مبررين موقفهم من أن حتمية التطور الوطني و الديمقراطي تتطلب من الشيوعيين التضحيه والتنازل حتى لاينزلق البعث ومجرميه القتله في احضان الامرباليه !
وكيف يكون الامر معي وكنت لي أعز صديق وقفت الى جانبي على الدوام ولم تتركني وحتى في احلك الايام سوادا, ايام المطارده الامنيه المسعوره؟
ربما بفضل صمودك بقيت انا على قيد الحياة. بكل تأكيد كان صمودك في المعتقل اسطوريا, بالنظر لشراسة وهمجية ولاانسانية المحقيقين. وكلانا مر بتجربة الوقوع بمحنة الاعتقال والتحقيق على ايدي ظباط لا ينتمون للانسانيه بشئ, ولا حتى بالشكل.
أيٌّ صديق رائع أنت ياعادل؟ ومن ايِّ طينة كريمه جبلت؟ لقد تحملت كل هذا الكم من التعذيب الوحشي وانكرت معرفتك بمكان اختفائي ومكان اختفاء رفاق اخرين من بينهم الشهيد الخالد ابو رهيب لتصون بذلك اسم الحزب وسمعته الثوريه بعد ان حاولت قيادة الحزب اليمينيه نزع ثوريته خلال سنوات التحالف اللامتكافئ مع البعث.
لقد استشهدت يا ابو سلام من اجل قضية الحزب والوطن, سبقك الى ذالك غيرك من الرفاق الشيوعيين الابطال ولحق بكم عدد كبير آخر من بينهم رفاق رائعين كسبت صداقتهم الشخصيه وتوثقت علاقات تقارب فكري معهم خلال سنوات النضال المسلح الذي انخرطنا فيه بحماس نهاية سنة 1979 واستمر تقريبا حتى اواخر الثمانينات. إن قيادة الحزب التي توصل كلانا عام 1978 الى انها قياده يمينيه ومسؤوله عن كل نكسات الحزب المتلاحقه, قد اضطرت الى العمل المسلح تحت ضغط القاعده الحزبيه.
منذ الصغر تعلمنا إن دماء الشهداء لن تذهب هدراً وان تضحياتهم تعبد الطريق نحو الهدف. وان الحزب يقوى بعد كل هجمه, أي بعد كل كوكبه جديده من الشهداء. وبالفعل نهض الحزب أقوى بعد استشهاد مؤسسه الرفيق الخالد فهد والابطال حازم وصارم. ورغم حملة الابادة الفاشيه ضد الشيوعيين أثر انقلاب شباط الاسود حيث تم بوحشيه قتل قادة الحزب الابطال وعدد كبير من كوادره ومناصريه الا ان الحزب نهض مجددا بعد فتره قياسيه ليعاود النضال في صفوف الجماهير وفي مقدمة الجميع.
في الفترة الممتده من اواخر حقبة التحالف مع البعث وحتى احتلال العراق سنة 2003 قدم الحزب كوكبه تلو الكوكبه من الشهداء. فعلى عكس ماحدث سابقا فان الحزب خلال فترة ربع قرن التي سبقت الاحتلال الامريكي أخذ يضعف ويبتعد عن جماهيره مع كل مره يسقط لنا فيها شهداء ! ما أردت قوله إن المعادله تغيرت منذ اواخر سبعينات القرن الماضي من " الحزب يقوى مع كل شهيد" الى " الحزب يضعف مع كل شهيد! "
لماذا انخرطنا في صفوف الحزب الشيوعي ياعادل؟ اليس من اجل مبادئ الحزب الثوريه التي اعتنقناها؟ اليس من أجل وطن حر و شعب سعيد, وفي سبيل نشر مبادئ الحزب ومبادئ الشيوعيه المفعمه بروح وقيم العداله والمساواة بين كل البشر من جميع الامم, ومن اجل تحرير الانسان من عبودية راسمال ومن اجل القضاء على الرجعيه وبقايا الاستعمار في العراق وبقية البلدان العربيه. ومن اجل حق الشعب الكردي بتقرير مصيره وفي سبيل تحرر المرأه كشرط لتحرر وتطور المجتمع ؟
الوطن لم يعد حراً, فالسياده ناقصه لان العراق لايزال ينوء تحت الفصل السابع منذ إثنان وعشرون عاماً . ويعني ذالك خضوع العراق للوصايه الدوليه كشكل من اشكال الاستعمار الجديد الاكثر وحشيه والاوقح من سابقه. كما إن الوطن مكبل باتفاقيه امنيه مع الولايات المتحده الامريكيه تتيح للاخيره العودة الى قواعدها العسكريه داخل العراق عند الضروره. أما دول الجوار فصارت لها ادوات واذرع طويله وفي اعلى مستويات القرار السياسي تتيح لها تنفيذ اجندتها المتضاربه مما دفع و يدفع الى لبننة العراق.
قبل الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 نشرت دراسه بريطانيه حاولت ان تبدو اكاديميه ان العراق صنيعه بريطانيه حدثت نتيجة خطيئه الضباط البريطانيين ومن زواج قسري بين ثلاث ولايات عثمانيه متنافره. اما سومر, بابل, اشور والعصر العباسى فليس للشعب العراقي الحالي صله بهم وليس للهجته جذور في لغاتهم.
تنطلق الدراسه من ان التاريخ يصنع كما يكتب. ولهذا فهم في عواصم القرار يسوقون لنا تاريخا جديداً يرتكز على تصحيح الخطأ الذي ارتكبه الضباط البريطانيين في لحظة طيش. هذا التاريخ الجديد يقوم على تقسيم العراق.
هل ستصدقني لو اخبرتك ان الرفاق الشيوعيين الاكراد من كوادر الاقليم وقواعده كان لهم شرف السبق بدق اول مسمار في نعش العراق الموحد حينما بدؤا بالمطالبه بتاسيس حزب شيوعي كردي مستقل عن الحزب الشيوعي العراقي وبدون مبررات فكريه وتنظيميه مقنعه منذ اواخر الثمانينات, في الوقت الذي كان هدف حق تقرير المصير للشعب الكردي آنذاك يتجسد بالحكم الذاتي الحقيقي؟
حزب شيوعي كردي مستقل كان يعكس تحول الصراع في كردستان من صراع مع سلطه شوفينيه الى بداية صراع قومي, عربي كردي كنتيجه طبيعيه لطول فترة الصراع ولقسوة ووحشية نظام صدام ولفضاعة جرائمه بحق الشعب الكردي. كان يفترض بالرفاق الشيوعيين الاكراد العمل لتخفيف الاحتقان القومي لا صب الزيت على النار المشتعله.
اما نظام العراق السياسي الجديد القائم كلياً على مبدء المحاصصه الطائفيه والاثنيه الذي اسسه السيد بريمر على اساس نصائح اصدقاءه الاسرائيلين وبمباركة شركاءه البريطانيبن فقد اعاد عجلة التطور الى الوراء خمسين عاماً, وكانت حروب صدام العبثيه سبق وأن فعلت الشئ ذاته بتطور الوطن. النتيجه تصبح بعد عمليه حسابيه بسيطه أننا تخلفنا قرنا.
بالمناسبه عادل, الحزب الشيوعي العراقي ساهم في صناعة نظام سياسي طائفي عندما وافق على المشاركه في مجلس الحكم "مجلس بريمر"! ربما تتسائل رفيقي العزيز كيف حدث ذلك؟
مجلس الحكم هذا كان يتألف من 25 عضواً. 13 من الشيعه و 12 من بقية المكونات التي يتشكل منهاالشعب العراقي. سكرتير الحزب الذي تحمس في العمل من داخل هذا المجلس, احتسب على الاعضاء الشيعه على اساس انتماءه المذهبي. طبعاً الرفيق شخصيا لم ينطلق من نفس منطلق بريمر, لكن نتائج المواقف السياسيه وتبعاتها هي التي تخضع لحكم التأريخ وليست النوايا. الغباء السياسي يارفيقي الغالي ليس بلاده فكريه كما كنا نظن, وانما منتهى الابداع!
خذ مثلا ان نفس الرفيق المبدع هذا غضب مني أشد الغضب عندما تسائلت ذات مرة وكان ذالك في بداية عام 1990 عن جدوى المفاوضات مع نظام صدام القوي آنذاك وخصوصا اننا خرجنا للتو من ضربه عسكريه جديده مؤلمه اضعفت الحزب بقوه وفي ضرف دولي غير مناسب حيث انهار المعسكر الاشتراكي وظهرت بوادر كثيره دللت وقتهاعلى احتمال سقوط الشيوعيه في معقلها الرئيسي. وكان الرفيق احد القاده الميالين لقبول مبدأ المفاوضات مع البعث مرة أخرى.
أذا ما انطلقنا من الحكمه النابعه من تجارب عديده والقائله "لا يلدغ المرء من الجحر مرتيين" نجد أن تعريف انشتاين للغباء " فعل نفس الشيء مرتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات مع انتظار نتائج مختلفة !" ينطبق هنا تماماً. ولكني اصر هنا على أن هذا النوع من الغباء السياسي هو ابداع مطلق لأن بعض الرفاق من قادة الحزب يحلوا لهم أن يروا المسائل السياسيه المألوفه , البسيطه والواضحه وضوح الشمس بطريقه غريبه عجيبه غير مألوفه , وهذا هو الأساس الذي يشترطه كل ابداع !
فمن أين أذا ستأتي لهم المهاره والحنكه الضروريتان لمعالجة مسائل سياسيه معقده تستوجب بعد نظر وقراءة مابين السطور كمسألة المشاركه في مجلس حكم يؤسس لطائفيه سياسيه؟
انني حقاً استغرب ان يبقى الحزب يتغنى بامجاد الماضي بعد أن تخلى عن ثوريته. امجاد وتراث المناضلين الشيوعيين هي ملك الشعب العراقي وملك لكل الثوريين ويفترض بمن تخلى عن ثوريته أن يكون ابتعاده عن الماضي إحدى الوسائل المبرره لمواقفه الجديده, وإلا سيتهم بالنفاق و بالانتهازيه !
اكتسب عدد كبير من الرفاق الانصار الذين انخرطوا طوعاً في تجربة النضال المسلح الخبره الكافيه لمراجعة وتحليل التجربه الانصاريه. لقد ساهم في النضال المسلح عدد كبير من الرفاق وكذلك عدد من الرفيقات. الغالبيه العظمى منهم متعلمون, شابات وشباب رائعون قطع البعض دراساته في الجامعه لاجل نيل شرف المساهمه في الكفاح ,اكاديميون و مثقفون. هذه التجربه اظهرت معادن الانصار المشرفه, من خلال معارك وقصص وأحداث ومواقف وقعت, كانت مليئه ببطولات جماعيه وفرديه ومواقف انسانيه تعبر عن حقيقة الشيوعيين كما عرفها شعبنا. أفرزت تلك التجربه اخطاء بلا ادنى شك كان اكثرها ايلاما وضررا هي خسارة الحزب لعدد كبير جداً من الرفاق في ظل عدم وجود امكانيه لتعويضهم بدماء جديده. مما اضعف الحزب, لكنه بنفس الوقت فتح الباب امام نقاش فكري بين الانصار عن جدوى ارسال الكوادر الحزبيه لتموت بين الصخور سواء في معارك عسكريه غير متكافئه مع الجيش العراقي والجحوش او في معارك عبثيه مع منافسي الجحوش وقتها من المعارضه الكرديه.
هذه النقاشات جرت في ظل اجواء حزبيه اتسمت بصراع داخل القياده افضى الى مركزيه مبالغ بها في اتخاذ القرارات وظهور نزعات فرديه راكمت من الاخطاء. فلاول مره في تاريخ المؤتمرات الحزبيه احتفظ سكرتير الحزب لنفسه بحق اختيار عشره من الاعضاء الجدد للجنه المركزيه دون انتخابهم المباشرمن قبل المؤتمرين او علمهم. وبالمناسبه فان العدد الاكبر من المندوبين للمؤتمر الرابع ليسوا على علم بانهم ذاهبون للمؤتمر, ومن بينهم اعضاء لجنه مركزيه.
ومثلما دار النقاش حول الجدوى من خسارة الكادر الحزبي, تسائل البعض عن اخلاقية قتل جنود الجيش البسطاء وامتد ليشمل صحة محاربتنا الجيش العراقي كمؤسسه وطنيه, خصوصا في ظل الحرب مع ايران التي اظهرت قيادتها مطامع توسعيه في ارض العراق والتي اثبتت مثلها مثل السلطه العراقيه عدم الرغبه او القدره على وقف الحرب العبثيه.
خارج منطقة الاقليم حيث تعذر ممارسة نشاط عسكري برزت بطولات الشيوعيين بشكل اوضح وخصوصا انهم واجهوا اجهزة السلطه الامنيه وارهابها المخيف وهم عزل. ان مجرد القيام بنشاط حزبي يعرض القائم به للموت البطئ تحت التعذيب الوحشي ، ومع ذلك أقدم العديد من الشيوعيين على مواصلة العمل الحزبي وهم يعرفون النتيجه سلفاً. فمن أين جاء هذا الرفيق او تلك الرفيقه بكل هذه القوه والاراده ليقدم على الموت دون ان يعرف بمصيرهم وتضحيتهم حتى أقرب ذويهم ؟!
لقد ناضل عدد كبير منهم ابطالا مجهولين، واستشهدوا جنوداً مجهولين وتعرضت عوائلهم للعواقب المعروفه خلال حكم الطاغيه. وكان يفترض بالحزب بعد سقوط النظام الالتفات الى هذه العوائل التي تركها الشهداء قناعه منهم ان الحزب لن يترك عوائلهم فريسه للعوز والفاقه. الغريب في الامر ان الحزب سعى لاجل رواتب تقاعديه للانصار الاحياء حيث تدخلت قيادة الحزب لدى القيادات الكرديه لكي يشمل قانون تقاعد البيشمركه الاكراد كذلك الانصارالشيوعيين العرب. لقد استغلت قيادة الحزب هذه الفرصه وقدمت اسماء المقربين اولاً لغرض شراء الولائات الحزبيه
ان قيادة الحزب المنتفعه من الرواتب الضخمه التي وفرتها مشاركتهم في باكورة العمليه السياسيه والدعم المالي من سلطة الاقليم حاولت ان تضمن من خلال شمول الانصار بقانون التقاعد اعادة الصله باعداد كبيره منهم انفصلت فكريا وتنظيما عن قيادة الحزب وسياساتها التي قادت الحزب من فشل الى آخر . للاسف الشديد رفيقي العزيز صار لشكل محدد من أشكال نضال الشيوعيين تعويض مالي على شكل راتب تقاعدي. بينما حرم الرفاق الذين تعرضوا للملاحقات والسجون والفصل من هذه الفرصه. وحرمت كذالك عوائل الشهداء الشيوعيين واصدقاءهم. ثم ان المناضل لاينتظر تعويضا مالياً, بينما الشهيد ينتظر من رفاقه التكفل بعائلته.
ان موافقة القيادات الكرديه على شمول الانصار العرب الشيوعيبن يندرج في إطار جهودها للتأثيرعلى مواقف الشيوعيين المستقبليه, ولربما قد حققوا بعض النجاحات, فهذا مثلاً أحد الانصار يؤيد ضم كركوك الى اقليم كردستان لأن ذلك ربما سيؤدي الى زيادة الراتب التقاعدي للانصار!! لا تستغرب رفيقي من مواقف انتهازيه لافراد قلائل فالحزب نفسه تحول بفعل سياسة الافساد التي تتبعها سلطة الاقليم الى اداة مسخره لخدمة اجندة الحزبين الكرديين الرئسيين, الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.
لقد وقع بعض الانصار في الفخ وصدقوا المبالغات في التجارب الناجحه وصدقوا ما نسجه خيال الاعلام الحزبي عن مآثرخارقه للتجربه الانصاريه, فأخذ البعض ينظر الى نفسه بكبرياء على اعتبار ان حمل البندقيه هو ارقى اشكال النضال وحاملها اشجع الناس بينما انساهم الوهم وتصديق الكذبه ان الشجاعه الحقيقيه تكمن في موقف الرفيق الاعزل أمام جلاديه. اتمنى على هذا البعض اعادة قراءة كتاب يوليوس فوتشيك " تحت أعواد المشانق".
اذا ما أستثنينا شعار الحزب "المطرقه والمنجل" عند استعراض منطلقات الحزب الفكريه والمواقف السياسيه للشخصيات الشيوعيه المعروفه سنجد أن لاعلاقة للحزب ولا لمنظريه الحاليين بالماركسيه كنظريه ثوريه لتغير الواقع.
أن بعض شخصيات الحزب من انصاف المثقفين التي ملأت عنان السماء ضجيجا بثوريتها وعداءها السافر للرجعيه, الصهيونه والامبرياليه قد غيرت بوصلتها تماما. فصارت مثلاً بسبب وبدون سبب تهاجم بحقد اعمى من تبقى يقاوم العدوان الاسرائيلي بحجة ان المقاومه تعود بالضرر على الشعب والبلد المقاوم! ان الجبان أذا سقط يحاول أن يساعد عدوه للقضاء على من تبقى من مقاومين شجعان, كي يبرر جبنه وتخاذله. لقد تحول هؤلاء المهرجون الى ادوات في خدمة المخطط الامبريالي الصهيوني المرسوم للمنطقه ، كأن أبو اياد, صلاح خلف , كان يعلم الغيب عندما ابدى خشيته من ان ان تصبح الخيانة وجهة نظر! فقد علت اصوات نكره من بعض مهرجي اليسار المتطرف من رفاق الامس للدفاع عن اسرائيل الصهيونيه تحت حجة الواقعيه السياسيه. فقد وصل الامر ببعضهم الى ابداء الاعجاب الشديد بممارسات اسرائيل التي تنم عن عنجهيه! في الوقت الذي ابدى فيه بعض المثقفين اليهود والاوربيين امتعاضهم الشديد من عنجهية اسرائيل!
يعيش الشعب العراقي واقعاً مأساوياً ومزرياً لايمكنك ان تتخيله. فالحياة السياسيه صارت تدار من قبل سياسيون من افسد البشر لاهم لهم الا جيوبهم . النخب انسحبت من ميدان الصراع الفكري اما منكفئه, مهزومه امام التخلف, واما استبدلت ثيابها نحواليمين لترفع عقيرتها مدافعه عن شعاراتها الجديده بنفس حجم وشدة صراخها اليساري ايام زمان. ثقافة القريه والباديه حلت محل ثقافة المدينه, لتجلب معها نخب عجيبه من اشباه البشر, لا هم لهم سوى تخليف المجتمع من خلال الفتاوى الدينيه التي تعيق اي نوع من انواع التقدم الاجتماعي, الثقافي, الصحي, التعليمي. هيمن التخلف على كل مفاصل الحياة. التعليم يعيش احلك فتراته سواداً وساد الانحطاط الفكري وصارت الغريزه هي المحرك والباعث للسلوك عند الافراد او المجاميع. ويجري تغييب المرأه وابعادها عن اي نشاط من خلال فتواى دينيه تحاول غسل ادمغة النساء والرجال على حد سواء بدونية المرأه ونقصان عقلها. ان ابعاد المرأه وتخليف التعليم هما شرطان ضروريان لتدمير المجتمع. احزاب الاسلام السياسي التي تسيطر على المشهد وتقود العمليه السياسيه تحولت الى ادوات مساهمه في عملية التخليف التي تدر بالفائده عليهم. هيمنة احزاب الاسلام السياسي وبقاءها تشترط مجتمعاً متخلفاً.
من له مصلحه في تدمير المجتمع العراقي؟ هل تقف اصابع خفيه وراء بروز وهيمنة شيوخ الفتاوى؟ ولماذا يجري تدمير سوريا ومصروغيرهما على ايدي نفس الشاكله من الشيوخ؟
تتصدى قطاعات المثقفين لعملية تدمير المجتمع الجاريه الآن. عملية التصدي لا تجري بشكل منسق ولا من فهم متقارب. فبعض المثقفين وخصوصا بقيه من بقايا نخب اليسار تتوهم ان في التحالف مع الولايات المتحده الامريكيه وحتى مع اسرائيل مصدر قوه وعون في التصدي لزحف التخلف وايقاف عملية تدمير الانسان و الوطن . وهم بذلك لم يدركوا بعد ان قوة التيار الرجعي السائد بكل صنوفه ومسمياته المعتدله والمتطرفه انما تتم بدعم مستور احياناً ومكشوف في احيان كثيره من قبل الولايات المتحده الامريكيه وحليفتها الاستراتيجيه اسرائيل. لقد اتضح بلا ما لا يقبل الجدل ان مصلحة الولايات المتحده الامريكيه ان تسيطر احزاب الاسلام السياسي على الحكم في البلدان العربيه الاساسيه التي يمكن ان تشكل خطرا على اسرائيل وفي البلدان العربيه المنتجه للنفط لاجل ايقاف عجلة التطور بكل مجالات الحياة الفكريه والتقنيه. تخلف هذه المجتمعات سيضمن السيطره على نفط المنطقه, ابقائها سوق مستهلكه واضعافها لمنعها من اي تفكير محتمل لمواجهة استهتار اسرائيل. بن غوريون قال يوماً ان عظمة اسرائيل لا تكمن في حيازتها للقنبله النوويه, وأنما, والكلام له, تكمن فقط بقدرتها على تدمير مصر, سوريا والعراق.
ان هؤلاء المثقفين لايمكنهم النجاح في مواجهتهم لتخاريف شيوخ التخلف والاحزاب الدينيه ما لم يدركوا صلة الرحم القائمه بين هؤلاء الشيوخ وبين صانعيهم في غرف المخابرات في واشنطن و تل ابيب. ان مواجهة قوى الرجعيه تتطلب رؤيا علميه وبعد نظر لدى القوى العلمانيه وان لا تكون اداة عون في انتشار المد الديني الرجعي كما يفعل ليبراليو آخر صيحه من يساريي الامس القريب.الذين تحولوا الى اداة لتشكيل وعي جديد ينشر الياس والوهن وروح الاستسلام عند المواطن البسيط عن طريق الترويج لقوة اسرائيل الخارقه واستحالة مواجهتها او مواجهة حليفها الذي لايقهر واننا امم وشعوب لا أمل يرجى منها. اعادة تشكيل وعي الناس بهذا الصوره المثبطه للعزائم يسمح للقوى الرجعيه من استغلال حالة اليأس لصالحها وتقوية مواقعها في صفوف اليائسين. المعادله تصبح ان ليبراليوا اليوم من يساريي الامس يساهمون مع شيوخ الفتاوي بتخليف جيل كامل.
لا زال اعداء الوطن والشعب هم ذاتهم الامبرياليه, الصهيونيه والرجعيه ولكن في واقع جديد يتسم بميل شديد لميزان القوى لصالح العدو حيث تكاد تتوفر للامبرياليه الامريكيه امكانية التدخل العسكري دون رادع بعد انهيارالاتحاد السوفياتي وحيث تتصرف اسرائيل باستهتار بعد اضعاف الحيوش العربيه واضعاف مقاومة شعوبها لها وحيث يسود الفكر الرجعي في المجتمع وتسليم السلطه للاحزاب الدينيه الرجعيه .
ان قوى التقدم لازالت موجوده رغم تخلي الحزب الشيوعي العراقي عن ثوريته وتخليه عن النضال ضد اعداء الوطن والشعب وتحوله الى اداة لقتل الروح الثوريه. رغم جراحنا العميقه وتشتت القوى اليساريه والعلمانيه ورغم ان الوطن ليس حرا والشعب ليس سعيدا فاننا بعد هزيمة نهج وفكر اليمين في صفوف اليسار ينفتح امامنا افق للتفكير في مستقبل الوطن والشعب باصرارنا على عدم السماح بهدر تضحياتكم كما فعلت وتفعل القياده اليمينيه للحزب الشيوعي العراقي.
سلام موسى جعفر
#سلام_موسى_جعفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟