أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عبد الجبار الغراز - أي دور للفلسفة في بناء الإنسان العربي ؟















المزيد.....

أي دور للفلسفة في بناء الإنسان العربي ؟


عبد الجبار الغراز
كاتب وباحث من المغرب

(Abdeljebbar Lourhraz)


الحوار المتمدن-العدد: 4002 - 2013 / 2 / 13 - 01:44
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


أي دور للفلسفة في بناء الإنسان العربي ؟

عبد الجبار الغراز

ينبغي ، في البداية ، التنويه بالبوادر الحميدة ، التي يقوم بها موقع" الحوار المتمدن " و التي تتجلى في استضافة مفكرين و كتاب مرموقين لإجراء مقابلات و حوارات معهم ، و ذلك بقصد معالجة قضايا العصر و الساعة . فالموقع ، من خلال هذا الفعل التنويري الهادف ، يسعى إلى تعزيز التفاعل البناء و الهادف ، بين هؤلاء المثقفين و بين قارئاته و قراءه الكثر، تكريسا لثقافة الاختلاف ، التي حاولت قوى الاستبداد ، لغرض في نفسها ، أن تطمسها ، حتى تنفر منها قاعدة عريضة من هاته الشعوب المستضعفة ، و لا تستفيد من ثمارها الفكرية و تستنير من إشعاعها الحضاري و التاريخي كباقي شعوب المعمور .

و هكذا، فقد وجدناه ، في عدده الحالي (1) ( 3999 بتاريخ 2013 – 02 – 10 ) ، يستضيف المفكر خلدون النبواني ليشارك القارئات و القراء البحث في موضوع مهم يتحدث عن دور الفلسفة في تحريك الشوارع العربية ، التي قامت بثورات لتدفع عنها الظلم و الطغيان و الاستبداد الذي هيمن لعقود طويلة ، فكتم الأنفاس و قتل في الإنسان العربي المقهور ، تلك الروح التواقة إلى الانعتاق و الحرية .

سأعمل ، في عجالة ، على تلخيص أهم الأفكار التي جاءت في هذه المقابلة ، على أن ، أتبعه بتعقيب على تلك الأفكار ، التي أراها أصيلة لأنها شكلت ، في رأيي ، إضافة نوعية للتقليد الفلسفي الذي راكم معرفة لا يستهان بها في مجال فلسفة الثورات .

لقد تساءل المفكر خلدون النبواني ، في بداية هذه المقابلة ، عن جدوى و عن فائدة الفلسفة في عصر بدأ يستعين بمعطيات تكنولوجيا الإعلام ليفرض قيمه " الجديدة " بكل سلبياتها و إيجابياتها : فهل يكفي الفلسفة الاضطلاع بمهمة تفسير العالم ( هيجل ) أم بمهمة تغييره ( ماركس ) أم بمهمة تأصيله ( هيدجر ) أم بمهمة التحديق فيه ما دامت لا حول لها و لا قوة إزاء ه ( فتجنشتاين ) ؟

و قبل الإجابة عن هذا التساؤل المهم ، لخص هذا المفكر المرموق ، الوضعية التفككية التي عاشها اليسار بشكل عام و اليسار العربي بشكل خاص ، بعيد سقوط جدار برلين و اندحار المنظومة الاشتراكية ، و شرح تراجع دوره في الحفاظ على التوازنات الدولية ، تاركا كل المجال للمنظومة الرأسمالية لكي تطبق نموذجها " الحضاري " الرامي إلى الاستفراد بالعالم و مقدراته و الهيمنة عليه بشكل أبدي . ليخلص ، في النهاية إلى اعتبار أن هذه الوضعية قد شكلت ، على الرغم من طابعها التفكيكي ، ظاهرة صحية ، ما دامت ستسمح لهذا اليسار بإعادة هيكلة نفسه وفق نموذج تحليلي ماركسي أصيل ، سيستفيد من متغيرات الواقع ، و من نماذج معرفية و تحليلية أخرى ، لديها ما يكفي من المصداقية الفكرية والمنهجية و النجاعة العلمية لمقاربة الوقائع الجديدة. و هكذا ، و مع بزوغ شمس الربيع العربي ، انتعش اليسار العربي و استعاد روحه و استرد " أطيافه " و" أشباحه " التي كانت تستوطن الفكر الفلسفي ، ليعيش، هذه المرة ، و من الداخل ، مكر التاريخ .

و كمحاولة للإجابة عن التساؤل المطروح ، اعتبر المفكر خلدون النبواني ، أن دور الفلسفة في تغيير العالم كان خفيا ، لأنه لم يتحقق بشكل ثوري مباشر ، و إنما تحقق بشكل تراكمي : فالفلسفة ، بحمولتها الفكرية ، قد لعبت دور الممهد لهذا التغيير القادم و المرتقب ، و ذلك عبر إمدادها لهذه المرحلة الانتقالية الطويلة ، بالعدة المفهومية اللازمة . فإنسان الشارع الذي قاد ثورات الربيع العربي لا يستطيع أن ينحت في الجسم الثقافي العربي مفاهيم مثل الحرية ، الديمقراطية ، العدالة ، المساواة ... والتي تولدت مع زخم الشارع ، لو لم يتم تأطير ثورته فلسفيا ، من طرف تلك الأطياف و تلك الأشباح القادمة من عمق التاريخ : ابتداء من الفلسفة اليونانية ومرورا من الفلسفة الإسلامية في العصر الوسيط و الفلسفة العقلانية و التنويرية في العصر الحديث و انتهاء بفلسفات الاختلاف و التفكيك في فترتنا المعاصرة .

فتعقيبا على ما جاء من أفكار في هذا الحوار ، يمكن القول مع كانط في كتابه " نقد العقل الخالص " أنه لا يمكن أن نتعلم " أية فلسفة من الفلسفات ... لا يمكن أن نتعلم سوى التفلسف " فالتفلسف بهذا المعنى هو امتلاك تلك القدرة على التركيز على نشاط العقل و ما يصحب ذلك من أدوات فعل التفلسف كالدهشة و الشك المنهجي و التساؤل الفلسفي الإشكالي و ما دام أن كل حضارة إنسانية تقاس درجة رقيها و تطورها ، كما يقول ديكارت ، بشيوع روح التفلسف الصحيح فيها، فإنه يصح القول أن التفلسف، بهذا المعنى ، يعتبر مطلبا مجتمعيا أساسيا و استجابة وجودية و معرفية للحاجات الروحية لدى الإنسان ، كما يعتبر سدا لتلك الثغرات النفسية التي جعلت الكائن يتيه في دروب الحياة، حيث لا مخرج له منها سوى بالتأمل للانفلات من متاهاتها القاتلة . ألم يعتبر ديكارت الفلسفة هي ذلك النمط الفكري الوحيد الذي يميزنا عن الأقوام البدائية و المتوحشة ؟

ففي ظل المفاهيم الثورية الجديدة التي بدأت تتشكل و تتبلور مع ثورات الربيع العربي، أعتقد ، شخصيا ، أنه ينبغي على المثقف العربي أن يربط الواقع الحالي للمجتمع العربي برؤية جديدة تأخذ بعين الاعتبار البعد القيمي من أجل فهم أن الإشكالية الحقيقية التي ينبغي مواجهتها مستقبلا ، هي مرتبطة بالمعايير الأخلاقية و المثل العليا التي نسعى ، عبر الخطاب الفلسفي ، إلى تكرسيها في وجدان الجيل الحالي و في وجدان الأجيال القادمة من الشعوب العربية .

فإذا كانت الفلسفة تدفع بالوعي إلى أن يتمثل ذاته انطلاقا من تمثل الواقع كمحيط يتغير باستمرار لاستيعاب مضامينه المتجددة . فهي ، بهذا المعنى ، تعتبر تلك القوة الداخلية التي تزود الإنسان بطاقة فكرية لازمة عند كل منعطف تاريخي و حضاري يعيشه ، فهي ، إذ تقوم بذلك ، تجعله يبتكر آليات التفلسف المناسبة للمرحلة ، فعبر تلك الآليات ، يتساءل الإنسان عن مصيره فاحصا أدوات تفكيره التي يشتغل عليها و معيدا النظر في قناعاته الفكرية و المبدئية .

لقد اعتبرت الفلسفة منذ فجرها الأول ، منذ سقراط إلى الآن ، أن الإنسان هو قيمة القيم . فالحق و الخير و الجمال و السعادة و الحرية و الديمقراطية ...ستبقى مجرد قيم جوفاء إذا لم تساهم ، هي الأخرى ، بدورها في إغناء التجربة الوجودية للكائن الإنساني ، و ستصبح بدون جدوى أو نفع في عالم بلا معنى ، كإيديولوجيات يوظفها الموظفون حفاظا على مصالحهم الحيوية، أو لاستبقاء امتيازاتهم الفئوية.

لقد أدخلت السياسات البالية للديكتاتوريات العربية ، الإنسان العربي في متاهات راوبط الضرورة الحيوية ، و أصبح جهده منصبا على تحقيق الحد الأدنى من ضرورياته الحياتية ، الشيء الذي صيره مجرد عبد لشهواته البدنية و كائنا إنسانيا مفتقر إلى أساسيات الحياة الرفيعة و السامية التي لا تتحقق إلا بالارتقاء بفكره والسمو بمثله العليا.
و عليه ، و حتى يخرج الإنسان العربي من هذه الشرنقة ، ينبغي تأصيل التفكير الفلسفي ، و تجذيره في الوعي و اللاوعي الجماهيري ، و ذلك من خلال ربط الفلسفة بالقيم و بالواقع العملي . و في هذا الصدد ، لا ينبغي أن ينسلخ المثقف العربي من واقعه و يتنكر لمبادئه و يخالف ضميره الأخلاقي .فالمجاهدة الفكرية الفردية للوصول إلى الحقيقة ستكون إهدارا للطاقة الروحية و الفكرية ، و ستصبح مجرد عبث فكري مترف ، إذا لم يتحاور هذا المثقف العربي ، مع أبناء جلدته الذين يقتسم معهم الهم في تغيير أوضاعهم الحياتية ، لبناء تصور و نظرة جديدة للحياة .
فالكل يعلم ، أن الغرب الرأسمالي ، عبر قيمه المادية السلبية ، قد أفرغ الإنسان العربي من كل معنى حقيقي قد يضفيه على نفسه ، و ذلك بتحويل مسار ثورات الربيع العربي إلى مجرد انتفاضات أقصى ما تطالب به هو تحسين الظروف المعيشية للشعوب العربية . فالثورات العربية ينبغي أن تتحول إلى ثورات ثقافية تبني في الإنسان ذلك الشخص القادر على أن ينبعث ، كالعنقاء ، من رماده، أكثر قوة و أكثر صلابة ، مدفوعا بذلك الجهد الروحي الذي سيثمر قيما جديدة في مجتمع جديد .

و هنا يحق لنا التساؤل حول مدى استجابة المثقفين العرب المعاصرين للتطلعات المستقبلية التي رسمتها ثورات الربيع العربي : فهل هناك أطار عام يرسم ملامح الجو الفكري ، و أرضية مشتركة تثبت عليها تداعياتهم الفكرية توحد تصورهم للغد و للمستقبل القريب ؟

و في الأخير ، يمكن القول ، أن هذا العالم المحيط بنا لا يتطلب المعجزات حتى نفهمه ، و بالتالي نشارك ، كشعوب عربية مستضعفة ، شعوب الأرض ، في تغييره ، لأنه ليس مسرحا يجسد صراعا بين كائنات ما ورائية ، بل هو عالم يشخص الفعل البشري المستند إلى نقط ارتكاز ثقافية و أخلاقية و قيمية ، و أساسها الحرية كقيمة القيم . فالفلسفة ، كنمط فكري عقلاني ، تعمل على ترسيخ قيم العقل و النقد و الديمقراطية و الحرية و المسؤولية و الاستقلال بالراي، لاتخاد الإنسان مواقف أخلاقية واعية من معيشه للانفتاح على قيم اخلاقية و جمالية و فكرية ، لإغناء التجربة الوجودية للكائن . فهاته الممارسة الوجودية الحياتية تقتضي منهجا جديدا في العمل و التفكير يتميز بنوع من الدقة و وضوح في الرؤية للحاضر وللمستقبل ، لرسم الاهداف . و لن يتاتى ذلك ، حتما ، الا بتدريب العقل على اكتساب مهارات أساسية لتنمية قدراته على التكيف السريع مع مستجدات المحيط و اتخاد مواقف أخلاقية واعية تجاه الذات و اتجاه الآخر الحاضر بالقوة و بالفعل في وجداننا كشعوب مستضعفة ، تريد أن تبحث لها عن موطئ قدم صلبة في هذا العالم المليء بالمفارقات و التي لا يمكن مقاربتها إلا بفعل التفلسف .

( 1 ) للاطلاع على نص المقابلة ، أنظر الرابط التالي : http://www.ahewar.org/debat/s.asp?aid=344992



#عبد_الجبار_الغراز (هاشتاغ)       Abdeljebbar_Lourhraz#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنظومة التربوية المغربية : من المسؤول عن تعنيف نساء و رجال ...
- الأخضر الإبراهيمي كبش فداء ؟
- الرئيس المصري الجديد و أسئلة المرحلة الصعبة التي تجتازها مصر
- الربيع العربي كما يبدو في نسخته المعدلة جينيا
- سنة 2011 أو سنة زمانية العرب . قراءة سريعة في أنطلوجيا الثور ...
- الثورات قدر الشعوب .. فهل من معتبر ؟
- مغرب اليوم بين طريقين ملغومين
- - الإعاقة الفكرية - وآلية إنتاج المجتمع المدبلج


المزيد.....




- الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
- هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال ...
- الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف ...
- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...
- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عبد الجبار الغراز - أي دور للفلسفة في بناء الإنسان العربي ؟