أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام آدم - العلم من وجهة النظر الدينية















المزيد.....

العلم من وجهة النظر الدينية


هشام آدم

الحوار المتمدن-العدد: 4000 - 2013 / 2 / 11 - 23:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يسعى العلماء حثيثًا لإيجاد إجاباتٍ حقيقيةٍ أو أقرب إلى الحقيقية لكثير من التساؤلات الوجودية التي تهم الإنسان: كيف نشأ الكون؟ كيف بدأت الحياة لأول مرَّة؟ كيف جئنا إلى هذا العالم؟ وهو في سبيل ذلك لا يهتم كثيرًا للسؤال التالي: "هل الله موجود أم لا؟" فهذا ليس من اختصاص العلم ولا من أولولياته؛ بل هذا مناط تمامًا بالفلسفة، والفلاسفة هم الذين يحاولون الإجابة على هذا السؤال وليس العلماء. ولكن في كثير من الأحيان فإنَّ هنالك نظريات علمية لها نتائج فلسفية، فنظرية مثل نظرية التطوّر مثلًا تصادمت مباشرة مع الفكر الديني لأنها طعنت في قضية الخلق المُستقل التي تقول بها بعض الأديان، ولكننا رغم ذلك لا يُمكننا القول بأنَّ داروين في أبحاثه التي استغرقت سنوات طويلة جدًا كان يحاول التحقق من وجود أو عدم وجود إله، فقد كان شاغله الأول هو الإجابة عن سؤال محدد ليس له علاقة مباشرة بمسألة وجود إله: "ما هو سبب التنوّع الكبير بين الأنواع؟" وكذلك ميكانيكا الكم التي ترك نتائج غاية في الأهمية، ومنها على سبيل المثال إلغاء فكرة "العدم المُطلق" وهكذا فإنَّ بعض نتائج هذه العلوم قد يستفيد منها الفلاسفة لتصحيح أو تعديل مقولاتهم الفلسفية حول القضية التي تهمهم دون أن نضطر للقول بأنًّ العلم يُعادي الإيمان أو حتى يهتم لأمره، ولكن، وللأسف الشديد، فإنًّ كثيرًا من المؤمنين لا يضعون هذا الفارق في حسبانهم، وهو ما أدى بكثير منهم إلى رفض العلم، واتخاذ مواقف سالبة منه، والحقيقة أنه أمر في غاية الخطورة.

وعلى جانب آخر، فإنًّ بعض المؤمنين المُتحمسين للدفاع عن إيمانهم وفرضيتهم القائلة بوجود إله خالق للكون، رأوا أنَّ أنسب طريقة لمُحاربة العلم هو العلم نفسه، عوضًا عن الاكتفاء باتخاذ مواقف سالبة منه، فبدأ بعض المؤمنين بالدخول إلى حقل العلم من باب إثبات صحّة فرضيتهم التي هي في المقام الأول ليست فرضية علمية أصلًا، وعلى أيّ حال فإن عددًا مُقدرًا من هؤلاء استغلوا أحد أهم مزايا العلوم المادية التجريبية القائمة على الخطأ والصواب للطعن في العلم نفسه، وفي كثير من الأحيان فإنهم يستغلون الجدالات العلمية في سبيل الانتصار لفكرتهم غير العلمية، فما علاقة وجود أو عدم وجود خالق بالعلم؟ وهل إذا ثبت علميًا بطريقة أو بأخرى أنَّ هنالك خالق للكون سوف يتوقف العلم مثلًا؟ وعلى صعيد آخر كذلك، فهل إثبات وجود خالق قد يعني فعلًا شيئًا كبيرًا لدى المؤمنين المُتدينين؟ في اعتقادي الشخصي فإنَّ المُستفيد الوحيد من إثبات وجود خالق للكون بطريقة علمية هم اللادينيون في المقام الأول، ولكن بالنسبة للمتدينين فإنه حتى وإن توصل العلم إلى إثبات وجود خالق (وهذا ليس موضوع العلم أصلًا) فإنه سوف يتبقى على المتدينين أن يوجدوا العلاقة بين هذا الخالق وبين آلهاتهم التي يعبدونها.

لقد أحدث تدخل المؤمنين في حقل العلوم إرباكًا إضافيًا، وكأنَّ العلماء كانوا بحاجة إلى إرباك إضافي أكثر من الإرباك الذي يواجهونه أصلًا، وكان من الطبيعي جدًا أن نجد مجموعة من المغالطات العلمية كتلك التي أدخلها شخص مثل زغلول النجار، أو آخر مثل يحيى هارون سواء بالتدليس المتعمّد أو حتى بعدم الفهم الصحيح إمَّا لمبادئ طرق البحث العلمي الصحيحة، أو حتى لأهداف العلم. وحتى عندما اضطر بعض المتدينون للدخول في حقل العلوم لم يزيدوا عن دورهم الانتقادي السلبي دون أن نرى لهم إسهامات حقيقية؛ فهم فقط ينتظرون أن يخرج أحد العلماء بفرضية علمية أو نظرية علمية بعد سنوات من العمل الدؤوب والجاد ليأتوا وبكل بساطة ينفوا صحّة هذه الفرضية أو النظرية بجرّة قلم إذا كانت تمس معقتدهم، وكثيرًا ما نسمع عن انتقادات تلقى قبولًا واسعًا لدى عدد كبير من المتدينين لا يكون المصدر فيها مصدرًا علميًا معتمدًا أو جهة علمية موثوقة محايدة، بل هي في أغلبها مصادر تفتقر كثيرًا إلى السند العلمي الحقيقي. وقد كنتُ أتعجبُ كثيرًا من أولئك الذين ما إن تتحدث لهم عن نظرية علمية حتى يسارع بوضع رابط لموقع إسلامي يضع عنوانًا في رأس الموضوع: "الرد على شبهة كذا" وحتى عندما تقرأ فإنك لن تنجح في العثور على أيّ مصدر علمي يُمكنك الركون إليه بموضوعية وحيادية. هكذا يُصوّر المؤمنون المسألة حربًا بين الدين والعلم، والغريب أنَّ أحد طرفي الحرب ليس على معرفة بأنَّه طرف فيها، وليس مهتمًا بذلك على الإطلاق(!)

وعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما تحاول التدليل على صحّة قانون الصدفة والتي تعتبر تطبيقًا عمليًا لقوانين الطبيعة العمياء بالاستشهاد بتجربة يوري-ميلر مثلًا، فإنك تسمع سيلًا طويلًا من الانتقادات الساخرة بأنَّك لست على دراية علمية، وأنك لستَ مؤهلًا للخوض في قضايا علمية، ليضعوا بين يدك في النهاية اعترافات العلماء أنفسهم بأنَّ تجربة يوري-ميلر فاشلة، لتصيبك الدهشة والمفاجأة في مقتل حتى لا تعرف كيف ترد على مثل هذا الكلام. هكذا يكون العلم عندما يكون منطلقًا من عقيدة، وهكذا قد يبدو العلم فعلًا عندما يتم التعامل معه كما يتم التعامل مع القضايا الدينية الاعتقادية. فماذا نقصد بالتحديد عن فشل أيّ تجربة علمية؟ في الحقل العلمي التجريبي تعتبر التجربة فاشلة إن لم تنجح في إثبات الفرضية العلمية المطروحة. في تجربة يوري وميلر حاول العالمان توفير أجواء مشابهة لما كان من المفترض أن يكون عليه الغلاف الجوي للكرة الأرضية قبل 4 مليارات سنة تقريبًا (أي لحظة نشوء أول خلية حيّة) وكان الغرض من تلك التجربة أن يعرفوا كيف وُجدت أول خلية حيّة، وافترضوا أنَّ الغلاف الجوي للكرة الأرضية في ذلك الوقت كان يحوي غاز الميثان والأمونيا والهيدروجين وبخار الماء، فالفرضية هنا قائمة على أنه لو توفرت هذه الغازات بالإضافة إلى عوامل مثل درجة الحرارة المطلوبة وشحنات كهربائية تمثل البرق الطبيعي فإنه سوف تنتج مواد عضوية حيّة أو أساسية للحياة، وبالفعل فقد نجح العالمان بتخليق 26 نوعًا أو ربما أكثر من الأحماض الأمينية وهي البنية الأساسية في تركيب البروتين، وأعتبرت تجربتهما تلك قفزة كبيرة جدًا في طريق الوصول إلى تصورات أقرب إلى الحقيقية في فهم كيفية نشوء الحياة لأول مرة على الأرض. ولكن ومع مرور الزمن ومزيد من الاكتشافات الجيولوجية والأحفورية تم اكتشاف أنَّ البيئة التي افترضها العالمان لم تكن مشابهة بأي حال من الأحوال لتلك التي كانت قبل 4 مليار سنة، إذ اكتشف العلماء أن الغلاف الجوي للكرة الأرضية كان يحتوي فقط على نيتروجين وثاني أكسيد الكربون ونسبة قليلة من أحادي أكسيد الكربون وبخار الماء، وعندما أعادوا التجربة باستخدام هذه الغازات فإنهم لم ينجحوا في تكوين أيّ شكل من أشكال الحياة الأساسية، وبذلك فإنهم اعتبروا أن التجربة فشلت في محاكاة البيئة التي نشأت فيها الحياة في ذلك الوقت. ومن الطبيعي أن يُخطئ العلماء في وضع تصورات دقيقة وقاطعة عن طبيعة الأرض في ذلك الوقت لأنّه ليس بالإمكان الرجوع بالزمن إلى الوراء، فمن العسير فعلًا أن نجزم بشكل وهيئة الأرض أو غلافها الجوها في ذلك الوقت إلا عبر استنطاق الأحافير التي تعطينا بعض الدلائل وتساعدنا في وضع تصوراتنا التقريبية هذه. ولكن على جانب آخر فإن فرضية يوري وميلر رغم فشلها في محاكاة البيئة الطبيعية للأرض إلا أنّ فرضهما صحيح، بدليل تكوّن الأحماض الأمينية فعلًا، وتكوّن الأحماض الأمينية بطريقة تلقائية طبيعية لمجرّد توفر بيئة مناسبة يثبت أنَّ قانون الصدفة صحيح، واعتراض العلماء على فرضية يوري وميلر حول مكوّنات الغلاف الجوي للأرض عند بدايات تكوّن أول خلية حيّة لا يتعارض أبدًا مع القول بأنَّه من الممكن فعلًا تكون حياة بطريقة تلقائية إذا توفرت العوامل والبيئة المناسبة لذلك.

والحقيقة أنَّه من المُحيّر جدًا أن يُشارك المؤمنون بصورة عامة والمسلمون على وجه التحديد في البحث العلمي عن أدلة تثبت وجود إله، فمن ناحية فإنَّ هذا البحث يتنافى مع عقيدة الامتحان الإلهي الذي يقول به المسلمون، لأنَّ اختفاء الله واحتجابه عن البشر هو في الأساس امتحان إلهي بالنسبة إليهم، ولو تمكن المسلمون من القبض على أدلة "علمية" مادية لوجود الله فإنَّ هذا يُسقط معنى الامتحان، وسوف يضعون الإله في حرج كبير جدًا، ومن ناحية أخرى فإنَّ هذا سوف يعمل على القدح في عقيدتهم التي تقوم في أساسها على الإيمان الغيبي، فالمطلوب من المسلم هو أن يؤمن بالله غيبًا وإذا تمكن العلم من إثبات وجود إله بأدلة علمية مادية فإن ذلك سوف ينقل الله مباشرةً من عالم الغيب إلى عالم الشهادة لأنه سوف يكون من الممكن إثبات وجوده بطريقة علمية مادية(!) وكنتُ أتوقع أن يصلي المؤمنون من أجل ألا يتمكن العلماء من إيجاد أيّ دليل علمي على وجود إله، حتى لا يتم القدح في عقيدتهم، ولكن العكس تمامًا هو ما يحدث. والحقيقة أنني أرثي كثيرًا لواقع المؤمنين، فإنَّ وجود أدلة علمية على وجود الله سوف يضعهم في حرج، وعدم وجود أدلة علمية على وجوده يضعهم أيضًا في حرج آخر، وكما نقول في لهجتنا السودانية: "كدا ووب وكدا ووبين"



#هشام_آدم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الرد على د. عدنان إبراهيم - 3
- في الرد على د. عدنان إبراهيم - 2
- في الرد على د. عدنان إبراهيم - 1
- بين موت المسيح وقيامته
- تفسيرٌ غير مُقدَّس لنصٍ مُقدَّس
- تأملات في العقيدة المسيحية
- عن المسيحية والبالتوك - 6
- عن المسيحية والبالتوك - 5
- عن المسيحية والبالتوك - 4
- عن المسيحية والبالتوك - 3
- عن المسيحية والبالتوك - 2
- عن المسيحية والبالتوك - 1
- لماذا الله غير موجود؟
- في نقد شعار: الإسلام هو الحل
- المادية التاريخية للجنس – 3
- المادية التاريخية للجنس – 2
- المادية التاريخية للجنس - 1
- عنّ ما حدِّش حوَّش
- نقد العبث اليومي(*)
- تهافت رهان باسكال(*)


المزيد.....




- لوباريزيان: سجن 3 طلاب أرادوا إنشاء دولة إسلامية بفرنسا
- “هالصيصان شو حلوين”.. اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 ...
- “شاور شاور”.. استقبل تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ال ...
- قصة الاختراق الكبير.. 30 جاسوسا معظمهم يهود لخدمة إيران
- بالفيديو: خطاب قائد الثورة الإسلامية وضع النقاط على الحروف
- السفير الديلمي: كل بلدان العالم الاسلامي مستهدفة
- مقتل وزير اللاجئين في حركة طالبان الأفغانية بانفجار في كابول ...
- المرشد الأعلى الإيراني: الولايات المتحدة والنظام الإسرائيلي ...
- المرشد الأعلى في إيران يعلق على ما حدث في سوريا
- بابا الفاتيكان يوجه رسالة للقيادة الجديدة في سوريا


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام آدم - العلم من وجهة النظر الدينية