أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مصطفى القرة داغي - كِذبة الرَبيع العربي وتلاشي الدَولة المَدنية العَلمانية














المزيد.....

كِذبة الرَبيع العربي وتلاشي الدَولة المَدنية العَلمانية


مصطفى القرة داغي

الحوار المتمدن-العدد: 3978 - 2013 / 1 / 20 - 23:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في بداية القرن العِشرين، وتَحديداً بَعد إنتهاء الحَرب العالمية الأولى، وبداية تشَكل خارطة جَديدة لدول المَنطقة العَربية، بدَأت الأنظِمة المَلكية التي كانَت تحكم هذه الدول، بعَمَلية تأسيس مُجتمَعات مَدَنية عَلمانية فيها. لكن هذِه العَمَلية أصابَها توَقف قسري، نتيجة مَوجَة تسونامي إنقِلابات سُمِّيَت ثورات ظرَبَت هذِه الدول مُنتصَف ذلك القرن، قامَت بها شِلل مِن ضُباط جيوشها التي تحَوّلت فَجأة ودون سابق خِبرة مِن ثكنات الجَيش الى سَدّة الحُكم، ومِن قِيادة الأفواج الى قِيادة الدول، مِمّا أدّى تدريجيّاً الى القضاء على مَدنية مُجتمَعاتِها وعَسكرَتِها، حتى باتَت العَسكرية ثقافة عامّة وفَخراً يَتسابَق له الصَغار قبل الكبار، فإنتشَرَت المَلابس العَسكرية لكل الأعمار، وأصبَحَت لُعَب السِلاح هي الأكثر رَواجَاً بَين الأطفال، وتشَكّلت في العراق مَثلاً تنظيمات هَجينة لعَسكرة المُجتمَع، كالمُقاومة الشَعبية في زمن قاسم والحَرَس القومي في زمن عارف والطلائع والفتوة والجَيش الشَعبي ومِلشيات الفدائيين في زمن صَدام، وباتَ الإلتِحاق بالجَيش الطَريقة الأسرَع لبناء المُستقبل لِما يُوفِّره مِن إمتيازات مادية ومَكانة إجتماعية في مُجتمَع باتَ يَأكل ويَشرَب ويَتنفّس العَسكرة.
طَبعاً رَغم كل مَظاهِر تشويه المَدنيّة التي مارَسَتها أنظِمة العَسكر على هذِه الدول ومُجتمَعاتِها إلا أنّها حافَظَت على عَلمانيّتِها، فلم تمزج الدين بالسياسة وأبقَت على مَسافة ثابتة بَينَها في أغلب الاحيان، وباستِثناء حالات نادرة كما فعَل الرَئيس العراقي السابق عِند غَزوه للكويت، بَعد أن تلفّحَ رياءً بالإسلام وتسَمّى بعَبد الله المُؤمِن، لم تتدَخل هذه الأنظِمة طَوال عُقود في دين الناس ودُنياهُم، وترَكتهُم يُمارسون حَياتَهم الطَبيعية دون تدَخل مِنها. فقد كان المُواطِن العربي حُر بمَأكله ومَلبَسِه وتسريحَة شَعره، وفي دُخول المَلهى أو المَسرَح أو الجامِع، بشَرط عَدَم تدَخّلِه بالسِياسة وإبتعادِه عَن ما تراه هذِه الأنظمة تهديداً لوجودِها. وهو ما تَغيّر وباتَ ظَرباً مِن خَيال وحُلماً صَعب المَنال في هذه الأيام، بَعد أن باتَت السُلطة المُطلقة في أغلب دول المَنطَقة العَربية لقوى الإسلام السياسي.
ففي بداية القرن الواحِد والعِشرين، وتحديداً بَعد أحداث11سبتمبر التي قام بها تنظيم القاعِدة الإرهابي، بَدَأت تتشَكل مَلامِح خارطة جَديدة في المَنطقة العَربية تَحت مُسَمّى بناء شَرق أوسَط جَديد، أنطَلقت بَواكيرها الأولى في العِراق بإفتِعال أمريكا لفوضى أسقطَت نِظام صَدام، تاركة بَدلاً عَنه لا نِظام تتَحَكم به أحزاب قومية وطائِفية تتقاسَم السُلطة كما يَتقاسَم المُحتفِلون قالب حَلوى، تلاها بسَنَوات مَوجَة تسونامي تَظاهُرات مُفبرَكة مِن قِبَل قوى الإسلام السياسي قامَت بها عَوام هائِجة سُمّيَت بالرَبيع العَربي، عَمّت المُدُن العَرَبية بحِجّة الرَغبة بإصلاح وتغيير الأنظِمة الفاسِدة، أسقطَت أنظِمة العَسكر التي كان هُناك أمل ضَعيف في إصلاحِها، وجائَت بَدلاً مِنها بأنظِمة إسلام سياسي أكثر مِنها فساداً ودكتاتورية لا أمَل بتاتاً في إصلاحِها.
أضاع الخَيط والعُصفور، ولا طال عِنَب الشام ولا بَلح اليَمَن. هذا هو اليَوم حال الشُعوب العَربية، بَعد أن تسَيّدت عليها قوى الإسلام السِياسي والأطراف الداعمة لها بكِذبة الرَبيع العَربي، مُستغِلة جَهلها وسَذاجَتَها وإندِفاعَها وَراء الخُزعبَلات، ونَجَحَت بسَحب بساط العَلمانية المُهتريء الذي كانَت تقِف عَليه هذه الشُعوب مُحتفِظة بما بَقي لها مِن إنسانيّة وتَحَضّر، سَبَق وأن فقدَت جُزئاً كبيراً مِنهُما بفِعل بنادِق العَسكر، وهاهي تفقِد اليوم ما تبَقى مِنهُما بفعل لِحى وعَمائِم أدعياء الإسلام مِن دُعوَجيّة العراق وأخوَنجيّة مصر وتونس وسَلفجيّة سوريا. بالتالي هاهي الدولة العَلمانية تتلاشى شَيئاً فشَيئاً في العالم العربي كما تلاشَت الدولة المَدَنية مِن قبلِها، وباعتقادي لن يَمضيَ وقت طَويل حَتى نشهَد ولادة دول ثيوقراطية تَحكُم على طول مَساحة العالم العَربي مِن المُحيط الى الخليج.
هناك الكثير مِن الإثباتات والدَلائِل على إنهيار وتلاشي الدَولة المَدنية العَلمانية في العالم العربي ومُجتمَعاتِه حالياً، خصوصاً بَعد كذبة الرَبيع العَربي التي رَوّج لها الإعلام المَسموم المَأجور للإسلام السياسي والقوى الداعِمة له، وصَدّق شِعاراتِها الفارغة وهلل لها الشارع الساذج بمُستقليه ويَسارييه ولبرالييه. فنظرة بَسيطة لشَكل وهَيئة وهِندام نُخَب السياسة التي حَكمَت الدول العَربية وخلفِياّتِها الإجتِماعِية والثقافية في مَصر مَثلاً بَدئاً بفاروق وصولاً لمُرسي مُروراً بناصِر والسادات ومُبارك، أو في العِراق مثلاً بدئاً بفيصل وصولاً للمالكي مُرورا بقاسِم والعارفين والبَكر وصَدام، سَترينا المُستوى المُتدَني الذي وَصَلت اليه النُخَب السياسية الحاكِمة بالدول العَربية، وآخِرها نُخَب الإسلام السياسي التي نضَحَت مِن إناء مُجتمَعات رَبيع البؤس والتخلف والجَهل العَربي. إنه لأمر مُؤسِف ومُحزن أن نرى شُعوباً ومُجتمَعات كانَت حَتى مُنتصَف القرن الماضي تواكِب رَكب التقدّم والتطَور وتَعيش الرَبيع بشَكلِه الإنساني وأجوائِه المُشرقة تعود القهقري الى الخَلف بهذا الشَكل المُريع، وتنزَع عَنها ثوبَ التمَدّن والتحَضّر لترتدي ثوبَ الجَهل والتَخلف وتشَوّه الرَبيع لتجعَل مِنه رَمزاً للبُؤس والظلام .

[email protected]



#مصطفى_القرة_داغي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق.. مِن دكتاتورية صَدام البائِدة الى دكتاتورية المالكي ...
- طيور ظلام الإسلام السياسي على أشكالها تقع
- المَركز والاقليم.. ومُقايَضة المالكي للدَم العراقي بكُرسي ال ...
- نوري سَعيد أفندي البغدادي.. سيرة عَطِرة
- هل إن الحل هو في تغيير الأنظمة العربية أم في إصلاح الشعوب ال ...
- جيل فريد ولكن.. بلا مَلامِح
- التيار الديمقراطي العراقي والإحتفال بإنقلاب 14 تموز .. ألمان ...
- ما هي قصة عِبارة (الشعب يُريد إسقاط النظام) ؟
- أزمة الأحزاب العراقية بين إرث تحالفاتها السابقة و واقع بناء ...
- المُتّهَم الأول محمد حسني السَيّد مبارك... أفندم أنا موجود
- القائمة العراقية رمز للمَشروع الوطني الليبرالي المَدني في ال ...
- السيناريو المُتوَقّع لإنتخابات العراق عام 2014
- ثورات الربيع العربي أم غزوات الظلام العربي ؟
- الشعوب العربية بين الخروج مِن حُفرة حُكامها والسقوط في هاوية ...
- عُقدة البعث وفزّاعة عودته للسُلطة
- ساسة العراق الجديد، سَبع صَنايع والبَخَت مَضايع
- أنها الثورات الرَعناء لا فخر وما غير هذا مِنها يُنتظر.. ليبي ...
- ثقافة الرقيب ودورها في تسطيح ثقافة و وَعي الشارع العراقي
- ساحة التحرير بين التظاهرات الشعبية والمَسيرات الحكومية
- 14 تموز، نراه إنقلاباً وجريمة ويرونه إنجازاً وثورة، وبيننا و ...


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار ...
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج ...
- استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
- “فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
- “التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مصطفى القرة داغي - كِذبة الرَبيع العربي وتلاشي الدَولة المَدنية العَلمانية