خالد قنوت
الحوار المتمدن-العدد: 3973 - 2013 / 1 / 15 - 13:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مازال البحث مستمراً عن أصول جبهة النصرة ذاك الفصيل الجهادي العامل, و ليس الوحيد, في العمل العسكري في سورية و تتزايد التكهنات و التحليلات عن نشوئها و ارتباطاتها و تمويلها و قادتها و رؤئتها لسورية اليوم و غداً. لكن الغالب دائماً, هو تأكيد خبرة و شجاعة و تفاني عناصرها في القتال يصل إلى حد يتجاوز العمل القتالي ليصبح بعرف القوانين الدولية و الانسانية أعمالاً إجرامية يحاكم عليها القضاء الدولي.
سأورد بعضاً من الأخبار الحقيقية عن المجموعات المسلحة الجهادية و ليس عن جبهة النصرة فقط:
- صديقي يعمل في إحدى الدول الأوربية كطبيب جراح هو سوري و علماني, عمل عدة مرات داخل المشافي الميدانية على الحدود و في قرى إدلب بعد دخوله عن طريق الأراضي التركية, حدثني عن إسعافه لعدد من المقاتلين الأجانب المنضوين تحت مجموعات العمل الجهادي. كان من بين هؤلاء من ليبيا و تونس و الشيشان و عدة دول و هم على إيمان بأنهم يقاتلون من أجل أرض الشام المقدسة ضد نظام كافر يقتل أخوتهم و أن الجهاد في هذه الحالة فرض عين و أنهم سيجاهدون في مناطق أخرى في العالم بعد أن ينتصروا في سورية أو يستشهدوا فيها. سألته عن هذه المجموعات فقال أنها مجموعات معزولة لا تختلط بالناس و الناس لا يضيرهم وجودها طالما هم يقاتلون النظام الذي يقتلهم. قال لي أن عدد من الأطباء طلب من كتائب الجيش الحر إرسال مقاتل أو اثنين كي يخضعوا لدورات إسعاف ليساعدوا المصابين في المعارك قبل نقلهم للمشافي الميدانية فوافقت جميع الكتائب إلا المجموعات الجهادية التي تفضل العزلة و عدم الظهور بأي شكل من الأشكال. و أكد لي بسالة مقاتلي تلك المجموعات في المعارك حيث دائماً في المقدمة و قد أصابوا من قلوب عناصر النظام الأمنية و الشبيحة و حتى أفراد و ضباط الجيش النظامي بالفزع و الخوف عند سماع تكبيراتهم
- أحد ضباط الجيش الحر يتصل بإحدى المجموعات الجهادية و تحديداً جبهة النصرة يطلب منهم المآزرة و الدعم لاقتحام أحد الحواجز الحصينة, يأتي أربعة مجاهدين يستكشفون المكان و يرسمون على التراب خطة الاقتحام و التحرير و تبدأ المعركة لتنتهي بسرعة و تتم تصفية كافة عناصر الحاجز من الجنود السوريين من الجيش النظامي. الجميع يشهد بخبرة و حنكة هؤلاء المقاتلين في الأعمال القتالية و خاصة في النيل من القناصيين المتواجدين على أسطح الأبنية العالية اللذين يكون مصيرهم الالقاء من أعلى البناء إلى الأسفل.
- يظهر عدد من الفيديوهات على الفضائيات تظهر حصرياً المعارك في سورية و لا نشاهد سوى المجموعات الجهادية و أكثرها شهرة و هي جبهة النصرة تقاتل و ترفع أعلامها السوداء دون علم الثورة السورية و يصرح أحد القادة الميدانيين أن هدفهم دولة إسلامية في سورية و منهم من يصرح بأنها خلافة إسلامية و في تقليد واضح لأسلوب القاعدة نسمع بيان لقائد جبهة النصرة أبو محمد الجولاني يؤكد هدف جبهته في سورية.
- تضع الولايات المتحدة الأمريكية جبهة النصرة على قائمة الإرهاب في خطوة ملتبسة و تحتاج للتحليل و التفكير ملياً بها في الزمان و المكان. و بتحليل سريع يمكن أن تكون جبهة النصرة هي الشماعة الجديدة الي تبرر بها أمريكا موقفها في تقاعسها في دعم الثورة السورية بعد دحض أعذار عدم وجود قيادة للمعارضة أو للجيش الحر و حالة الحصار التي تفرضها ضد تسليح الجيش الحر بسلاح نوعي لكسر توازن عسكري على الأرض.
أعود لنشوء جبهة النصرة و غيرها و ارتباطاتها بفكر القاعدة, حيث تشير بعض التحليلات إلى أن معظم مقاتلي جبهة النصرة هم سوريون قاتلوا في العراق و لكن الأكيد أن النظام الأسدي سمح بمرور المجاهدين العرب و الأجانب و حتى السوريين إلى العراق إبان الغزو الأمريكي له على شرط عدم عودتهم لسورية أبداً و لكن عودة الكثير منهم و اعتقال الأجهزة الأمنية لهم و مجزرة صيدنايا الشهيرة فيها تخبرنا بأن معظمهم قضوا هناك, فمن أين أتوا هؤلاء؟ دعم النظام للمجموعات الجهادية في لبنان أيضاً كان معروفاً للجميع و خاصة لأجهزة المخابرات الأمريكية و رغم مساعدة الجيش السوري للجيش اللبناني في تدمير مخيم نهر البارد بحجة وجود تنظم العبسي الشهير الذي خرج من مخيم نهر البارد و عاش ضيفاً على أجهزة الأمن السورية, لكن تنظيم العبسي تم القضاء عليه هناك. فمن أين أتوا هؤلاء؟
المنطق و العلم يقول العنف يولد العنف, لكن ماالذي سيولده العنف الزائد سوى عنفاً زائداً. النظام مارس عنفاً زائداً منذ مظاهرات درعا و سحق المعتصمين في المسجد العمري بالحديد و النار و أهان المسجد و القرآن الكريم قبل أن ينكل بالناس العزل و المسالمين ثم أطلق العنان لقطعان شبيحته نحو أخوتهم السوريين يستبحون أعراضهم و أرزاقهم و حرمات بيوتهم في أشكال لم تقدم عليها القوات الأجنبية المحتلة.
ماذا يقول المنطق في شأن ردود أفعال الشعب السوري صاحب الإرث الكبير في الشهامة و المروءة و الإرث الإسلامي أيضاً, رغم عقود من الخنوع فرضه الطاغية حافظ الأسد تلاها قبول السوريون المهانة طويلاً ممهليين الطاغية الصغير أحد عشر سنة كي يصلح ما أفسده والده و لكن هيهات؟. ماذا سيكون رديف العنف سوى العنف بعد ستة أشهر صبر و تحمل لا يحتمله إنسان يملك العزة و الكرامة.
النظام دفع بكل قوته لانتقال الحراك السلمي إلى تسلح و عسكرة, فقد أعد العدة لها خلال 43 سنة من حكم الأسدين, لكن الشعب الثائر عرف مخططات النظام و حافظ كل ذاك الوقت على السلمية, حتى أن المنشقين الأوائل عن الجيش النظامي لم ينخرطوا بالعمل العسكري في البداية. لكن هناك عمل كبير و منظم قامت به عدة جهات إقليمية و دولية و داخلية و من بعض المعارضات تحديداً لكي لا تتوحد المجموعات القتالية تحت مسمى الجيش الحر و خاصة بعد مؤامرة اعتقال المقدم حسين هرموش و مارست لعبة السياسة من خلال الكتائب المتشكلة هنا و هناك و لعبة التمويل الشخصية لتلك الكتائب التي تحتاج المال و السلاح في حالة وجودية لأفرادها.
الحقيقة الناصعة أن الشعب السوري يعاني من جور النظام و جور الأشقاء أيضاً قبل الدول التي تدعي حرصها على حقوق الإنسان, لكنه شعب مبدع أيضاً يعرف كيف يعبر عن استيائه من خيانة الجميع له و لتنكرهم لأفضاله و إغاثته لمن احتاج.
تراه يهتف للعرعور نكاية بالنظام و بمواليه و المتخوفين من البديل رغم عدم اقتناعهم بكل ما يقوله العرعور, يهتفون لجبهة النصرة استهزاءاً بالولايات المتحدة التي يعلمون تاريخها معهم علم اليقين, ثم يسقطون المعارضة الفاشلة و يسقطون الأمم المتحدة و جامعة الدول العربية و العالم الحر لأنهم خذلوا أنفسهم قبل أن يخذلوا الشعب السوري. مظاهرات في قلب المناطق المحررة و التي تسيطر عليها المجموعات الجهادية يهتف السوريون فيها: نحن مسلمون و لا نريد خلافة إسلامية.
في عرف أي ثورة مسلحة, أكبر خطر هو اقتتال رفاق الخندق الواحد و ما حالات التحريض و التشكيك في أهداف المقاتلين سوى مسامير في نعش الجميع و هنا نحذر من اقتتال بعض المجموعات الثائرة فيما بينها في حمص المحاصرة أصلاً و بعض مناطق إدلب و رأس العين و الأشرفية في حلب.
إن تعذر قيام قيادة عسكرية للجميع لا يعني عدم الاتفاق الأخلاقي و الوطني بين الجميع على وحدة البندقية باتجاه الخطر الأكبر و هو النظام القاتل, لذلك ندعوا الجميع للترفع عن الصغائر و النقاشات العقيمة في هذا الوقت و تحديد هدف الجميع في إسقاط نظام يملك من القوة و الخبث الكثير.
إن الدخول في تفسيرات و تخمينات عن أهداف كل من يقاتل هذا النظام يضيع إتجاه البوصلة و يعرض الثورة نفسها لخطر الفشل و ليكن في معلوم الجميع مقاتلين و مجموعات ثائرة جهادية و غير جهادية أن الشعب السوري هو الضمانة لسورية و لمستقبل سورية في دولة حرة و كريمة, دولة ديمقراطية تعددية تحافظ على رسالة شهدائها و عذاب سيسطره التاريخ عنواناً لأعظم ثورات العصر الحديث.
الشعب السوري الذي عرف طريقه و عرف كيف تستمر ثورته إثنان و عشرون شهراً و بقدراته الذاتية سيعرف كيف يرفض أي أجندة غير أجندته السورية الحضارية.
#خالد_قنوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟