أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - يوسف ابو شريف - رائحة ابطي بين المشوي والمحشي















المزيد.....

رائحة ابطي بين المشوي والمحشي


يوسف ابو شريف

الحوار المتمدن-العدد: 3968 - 2013 / 1 / 10 - 22:27
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


كنت للتو قد كسرت البيضة حين فاجأتني تلك الرائحة، رائحة البلوغ المنطلقة من تحت إبطي. لم تكن تلك الرائحة لتعجب أحدا من حولي غيري أنا ، لكنها كانت تصنع سحرا في أنفي يعجل بي إلى أرض بعيدة عن مكان البيضة المكسورة في رحلة أملت أن لا عودة فيها .
ذلك كان حالي وحال جميع أقراني في ذلك الزمان.الكل اشتم الرائحة الساحرة ورحل خلفها الى عالم سحري جديد، كالقط خلف رائحة الشواء في أفلام الرسوم، الكل كان يبحث عن اعتراف ما وتسليم العالم بحالته الجديدة ، منا من نفخ عضلاته ،ومنا من أطال شعره، وهناك من تبع فتاة سولت له رائحة إبطه بأنه يعشقها، وأتعسنا هو ذلك الشقي الذي حولته رائحة إبطه إلى مجرم يجلب الشر والتعاسة لنفسه ولمن هم حوله .أما أنا فقد بقيت حائرا في أمر رائحتي الجديدة أين سأذهب بها وأي أنف ذاك الذي سأدسها فيه.
صدفة هي التي جمعتني بالسياسة، رأيتها للوهلة الأولى خير مكان أهرِّب إليه هرموناتي الجديدة التي باتت تحكني لدرجة أن الناس من حولي صاروا يأنفون مجالستي كأني كلب أجرب.
في عالمي الجديد رفاق، كفاح، ثورة ضد الظلم، طبقات أغنياء، فقراء. كم هائل من المصطلحات التي ستميزني عن غيري من أصحاب العضلات ومحترفي رسائل الغرام، والأهم من ذلك كله أن في الأمر رفيقات لهن نهود متحررة. وليس هذا هو أكثر الأشياء إغراءً في الموضوع إنما فتنة تحدي الدولة والأمن والمجتمع، والسرية التي كان يغلّف بها أمرنا، وسخونة الأدرينالين في الدم حين يكون الكلام بين الرفاق في الشارع همسا عن الأمور السرية للغاية فيجعل من البطولة أمرا قريب المنال يزيد من هيجان رائحة الإبط في الأنف، ويزيد سحرها حين تختلط برائحة النهود المتحررة.
إذا فالأمر مسل وجدي في نفس الوقت ، أكثر جدية من محبوبة ستتزوج قبلك بعشرين سنة ، أو عضلات لا دماغ يوجهها ستتحول إلى (كرش) في أقرب فرصة. أو شعر طويل سيؤول حتما إلى الصلع حين تزول كل الروائح المؤقتة من الأنف. وستعجل السياسة بالقاء الماضي المرتبط بخرافات الطفولة إلى سلة المهملات، وهذا بدا لي أهم شيء فيها أثناء عبور تلك الفترة المتأرجحة على حياتي ، فعلى السياسة يعقد الأمل في التخلص من هراء الماضي، ليستطيع الصغير القول بأنه قد كبر، وجاء بفكرة جديدة، ستفجر المكان إن هو القى بها على الوجوه القديمة من حوله.
(محشي) ذلك كان عنوان خلاص الأمة من خزعبلات الماضي وفساد الحاضر !..... أوقف الزعيم الضحك في الاجتماع بنظرة صارمة كانها مدفع رشاش وجهه إلى كل من سوَلت له نفسه بالضحك من الكلمة الغريبة التي بدا للوهلة الأولى وكأن مكانها في الاجتماع جاء للتسلية
ــ ولمن يستطيع تحريك تفكيره خارج حدود بطنه قليلا ويرفعه الى أعلى أكتافه فإن الأسم لا يعني تلك الوجبة القادمة من عالم التفكير المحدود الذي قدمتم منه، بل هي رموز ، لشيء عظيم سيكون عنوان طريقكم وطريق البلاد من حولكم في المستقبل القريب
م:ـ منظمة
ح:ـ الحراك
ش: الشعبي
ي:ـ اليساري
انتهت الفقرة خفيفة الظل بالمزيد من النظرات الصارمة، أغلقها الزعيم صاحب الاسم (أبو الكفاح) ـ الذي لم ير كفاحاً ولا حتى أم كفاح بعد ـ ، تدعمه لحيته التي تشبه لحى من يحاربهم من الرجعيين، تلك كانت العلامة الوحيدة التي تزيد من سنه وهيبته وسط من يحاضر فيهم من أصحاب روائح الآباط وصاحبات النهود المتحررة.
ـ الهدف الأول هو التحرير
ــ لا تتحرر الأرض إن لم يتحرر الإنسان
ـ ولتحرير الإنسان يجب تحرير النهود لأنها هي التي ترضع ، يجب أن ترى النهود الشمس، حتى تزيد فيتامينات الحرية عند متلقي الحليب من النشء.
كنت فخورا بالحصول على ثقة الزعيم ومحبته خلال فترة قصيرة من الزمان، فتبناني ، وأهداني اسما حركيا مجانياً ظل وقعه موسيقيا في أذني طوال الفترة التي كانت فيها رائحة إبطي تعجبني(أبوشريف).
زوجت اسمي الحركي من رائحة ابطي، فأنجبا طفلا وأرضعه زعيمي من مكتبته أطنانا من الكتب والمناشير ،وعلمه الأناشيد الأممية، ثم صنع له قصة حب مع رفيقة كان قد تبناها الزعيم هي الأخرى حتى يربطه بالعقيدة الجديدة برباط رومانسي يعوضه عن روحانية عقيدته الآخذة بالاهتراء، والتي بدأ يخلعها أمام إغراء المحشي قطعة قطعة كراقصات (الستربتيز).
في منتصف الطريق قرر الزعيم أن يلقي علينا قولا ثقيلا، اليوم بالنسبة لنا يوم الغربلة ، سنقرر فيه من يبقى ومن يرحل ، من يستحق ثقة الزعيم ومن عليه البقاء في قاع السلسلة النضالية.
مدفع عملاق كان يجهز لضرب آخر معاقل العالم القديم ، عالم ما قبل رائحة الأبط، إنها المعركة الأخيرة التي لا تحتمل أنصاف الحلول سيهرع أبطالها بعد ذلك الى جمع غنائم وعدوا بها ويهرب جبناؤها للبحث عن مكان جديد يؤون روائحهم فيه.
في معاركنا الأولى عرينا السلطة حتى من ورقة التوت الأخيرة، وفي الثانية مزقنا التقاليد البالية، ثم حولناها الى ممسحة لنمسح فيها اقدامنا قبل الدخول إلى غرفة اجتماعاتنا ، وحلقنا في إحدى المعارك لأصحاب اللحى من الطرف الآخر لحاهم ،
ولم يبق من المعارك إلاّ تلك التي سيوجه فيها المدفع إلى السماء لقتل ساكنها، كانت تلك رصاصة رحمة ستطلق على إيماننا المهترئ وكنا في حماس تلك المعركة المصيرية وغمرة انشغالنا بالغنائم الموعودة وتخدير رائحة الإبط في أدمغتنا قد نسينا بأن ذلك الإيمان قد ركب في صدور الكثيرين منا كشخصيات الرسوم المتحركة ، تفجر فيها أطنان من القنابل ثم تعود في المشهد التالي صحيحة معافاة وكأن شيئا لم يحصل لها .
كان نصيبي من غنائم حربي الفاصلة رحلة إلى جنة أرضية معجلة ستعوضني عن جنتي السماوية المؤجلة، وتقوي عظامي اليسرى التي ما زالت طرية، وتدرسني كتابي المقدس الجديد بلونه الأحمر الناري ، وحور عين بشريات شعرهن كأنه الذهب، وعيونهن كأنها البحر، وعددهن ليس بالسبعين، انما يعتمد على قدراتك ،ومنواراتك ،واجتهادك بعد دخول الجنة وليس قبل ذلك.
ولكن أهم غنيمة من غنائمي في تلك الحرب كانت انتقالي من مرحلة المحشي الى مرحلة المشوي، واشدد للذين سوّلت لهم أنفسهم بالضحك هذه المرة بأنهم أخطأوا وهم يفكرون في بطونهم كما أخطأنا نحن أول مرة يوم علمنا بالمحشي، فالمشوي هي المرحلة المتقدمة من المحشي وهي تعني :ـ
م: منظمة
ش: الشعب
و: الوحدوي
ي :اليساري
كنت أدندن أنشودة أممية في انتظار قدوم زعيمي المشوي لاصطحابي من المطار، كانت أنشودتتي تشجعني على إزالة التوتر الذي خلفه اقتراب اللحظة التاريخية التي أطلت الاستعداد لها. جهزت أجوبة فورية على أسئلة ثورية توقعت أن يمطرني بها أهل الجنة الجديدة ليسمح لي بدخولها
ــ كيف تركت رفاق الكفاح في المحشي؟
ــ في خير وجاهزية عالية للمعركة ضد الرجعية
ــ وكيف هو وضع البروليتاريات، وهل بدأ المشوي عندكم بالنضوج؟
ــ يحتاج الى المزيد من التثقيف والاستعداد للمعارك المصيرية
لكن زعيمي الجديد فاجأني لدرجة الصدمة ودمر لي كل ما بناه أبو الكفاح في أعوام في رأسي حين انهال علي بوابل من الأسئلة والنصائح التي لا تمت للمحشي ولا للمشوي بشيء
ــ حذار أن تبدل الأوراق التقدية الخضراء في بنك الدولة، ستحقق لك في السوق السوداء أرباحا مضاعفة
ــ هل أحضرت سراويل الجينز الأصلية تلك ستجلب لك ربحا؟
ــ السجائر المستوردة تساوي أضعاف ثمنها هنا فدخن سجائر محلية وبع ما معك لتستفيد من الفرق
دامت الصدمة أشهراً قبل أن أبدأ باستيعاب ما يجري حولي في جنتي الموعودة. فلقد فاتني التفكير قبل أن آتي الى هنا بأن السلطة هنا للمحشي والمشوي. (وأنوه للذين قرأوا كلمة سلطة وعادوا للتفكير في بطونهم من جديد بأن السين هنا مضمومة لا مفتوحة) . المهم أني شعرت بنفسي كمن دخل على قصة معكوسة من النضال والكفاح، وأنني في جنتي الجديدة أقف على الجانب الشرير من القصة وأن السرية التي كانت تهيج فيّ الشعور بطيران بطولتي المشلولة قد صارت إلى علن ممل، وأن النهود المتحررة في هذا المكان قد خنقت شعوري بمتعة التحرر لكثرتها وسهولة الحصول عليها من حولي. وبدأت بعد ذلك أجول في جنتي التي أصبحت كالصريم أغدو على حرثي وأستطلع المآسي التي خلفها تراكم العناد التاريخي ضد طبيعة البشر، كانت تلك أشد سوءاً من أن تسمى أخطاءً في المسيرة، والعودة اليها بأي شكل من الإشكال هو أقرب الى الإصرارعلى الجريمة التاريخية من تصحيح مسار. أوسمة النضال القديم تستبدل بزجاجة فودكا بعد أن أدرك أهلها بأنها لا تسمن ولا تغني . والنهود المتحررة جففتها الوعود التي لاتنجزفراحت تبحث عمن ترضعه لقاء سروال أصلي مستورد........
عدت الى الوطن بعد دهر من مكوثي في جنة المحشي والمشوي زالت فيها أعراض رائحة الإبط ،ورأيت فيها ثورة على الثورة ، وتحررا من التحرر،ولا أعرف الى يومي هذا هل كان الأمر لسوء حظي أم لحسنه.
بحثت عن زعيمي القديم أبو الكفاح فوجدته قد تكيف مع المرحلة الجديدة بأسرع مما توقعت بل وبدل الإتجاه مئة وثمانين درجة حيث المقلي عنده يحل محل المحشي والمشوي بكل سلاسة ويسر ، حاله حال جميع الرفاق القدامى، وسأدخل بالتفصيل بسرعة هذه المرة حتى لا يطول التفكير في البطون فتتحول قصتي الى مطعم شرقي :ـ
م:ـ منظمة
ق:ـ القوى
ل:ـ الليبرالية
ي:ـ اليمينية
لم يحتفظ رفيق كفاحي باسمه الحركي كذكرى وبقي ذلك الاسم في غياهب السرية، ليس لأنه يتخفى عن أنظار السلطة والأمن هذه المرة، بل لأنه أراد التخفي عن حس الضمير السياسي للأمة،
دعاني إلى الطعام في بيته الذي احتفظ فيه بنهود نسيت التحرر حين رهلتها عيال أكثرت الرضاع، وكانت وجبة الغداء يومها محشي بالصلصة الحمراء هذا كل ما تبقى من ذكرى محشينا.
فرحت اليوم بابني البكر (شريف) حين اشتكى من حبة شباب أحتلت مساحة صغيرة على وجنته، هرعت إلى السوق وتسوقت له سراويل جديدة وماكنة حلاقة عصرية، ودواء لحب الشباب، ولم أنس أهم شيء في مشواري ،مزيل عرق باهض الثمن قوي المفعول.



#يوسف_ابو_شريف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيام الرسائل الورقية _ مرزوق وحسان


المزيد.....




- تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
- ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما ...
- الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي ...
- غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال ...
- مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت ...
- بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع ...
- مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا ...
- كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا ...
- مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في ...
- مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - يوسف ابو شريف - رائحة ابطي بين المشوي والمحشي