|
حاضر و مستقبل اللامساواة الاجتماعية
ثائر وشحة
الحوار المتمدن-العدد: 3921 - 2012 / 11 / 24 - 11:41
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
يتبادر لذهن القارىء عند الحديث عن اللامساواة الاجتماعية افكار من نوع الطبقة و الاستغلال و التبادل اللامتكافىء و غيرها الكثير من المفاهيم التي تميز عالمنا المعاصر ، و لكن ان قررنا ان نتسم بشيء من الموضوعية علينا ان ندرك ان الكثير من هذه المصطلحات هي نتاج الفكر الماركسي وبالاخص ماركس و ذلك في اوروبا قبل ما يزيد عن 140 عام ، فيتبادر السؤال المنطقي التالي : هل فقدت هذه المصطلحات قيمتها الموضوعية بالتقادم ام لا زالت تعبر عن واقع موضوعي نعيشه اليوم و يمكن الاستناد عليها مع بعض التعديلات هنا او هناك ؟
عندما حلل ماركس المجتمع الرأسمالي ، استطاع استنادا الى نظرية العمل كمصدر للقيمة ان يخرج بالتناقضات التالية : أ- (تناقض ما بين علاقات الانتاج و القوى المنتجة) ، و ينتج عن هذا التناقض ان علاقات الانتاج تقف معيقا امام التطور المستمر للقوى المنتجة ، و بهذا يصبح من الضروري اما تتغيير علاقات الانتاج لنسمح بتطور القوى المنتجة ، و اما تدمير جزء من القوى المنتجة لنحافظ على علاقات الانتاج كما هي ، و يجدر التذكير بأن الفكر الماركسي يقسم القوى المنتجة الى صنفين 1- قوى منتجة مادية مثل الآلات .. الخ 2- قوى منتجة بشرية اي اليد العاملة و يتم التدمير في الجزئين او في القسمين من القوى المنتجة ، و هذا مصدر الفكرة الماركسية في ضرورة الحرب بالنسبة للرأسمالية . ( تناقض ما بين العمل و رأس المال ) ، و هذا التناقض يتجلى بأن الكلفة الاساسية لعملية الانتاج تأتي من رواتب و اجور العمال ، و لكن فان القيمة الزائدة تأتي ايضا من جهد هؤلاء العمال و بهذا يدخل الرأسمال في تناقض كونه يريد خفض الاجرة و في نفس الوقت زيادة الربح ، و هذا التناقض هو سبب تحول العديد من الصناعات من الدول الرأسمالية الى دول العالم الثالث و ذلك لخفض التكاليف و الحصول على اكبر فائض ممكن . ب- ( التناقض ما بين كون العمال اكبر مستهلك في الاقتصاد و حاجة الرأسمالي في نفس الوقت لخفض اجورهم لكي يخفض التكاليف ) ، و هذا يؤدي الى خفض الاستهلاك في المجتمع مما يؤدي بدوره الى اغلاق المصانع لأن بضاعتها لا تصرف و يؤدي في الوقت نفسه الى زيادة الفقر و البطالة و دخول المجتمع لحالة ازمة اقتصادية و قد تنبه ماركس و من بعده الاقتصادي الرأسمالي كينز لهذا التناقض و ضرورة تحريك العجلة الاقتصادية عن طريق دفع الرواتب للفئات الكادحة لكي يحركوا عجلة الاقتصاد بدورهم . ت- ( التركيب العضوي لرأس المال ) ، يتكون رأس المال حسب ماركس من شقين 1- رأس مال متغير و يتمثل بالأجور التي تدفع للعمال 2- رأس المال الثابت و هو يتمثل بكلفة الاستثمار بالآلات و المواد الخام و غيرها .
و نتيجة لميل الرأسمالية الى زيادة معدل الرأس مال الثابت بالنسبة لراس المال المتغير فاْن معدل الربح في انخفاض مستمر لان الربح او القيمة الزائدة ياتي من قوة العمل وبهذا تتجة الاستثمارات الراسمالية دائما من القطاعات الانتاجية الى القطاعات المالية والمضاربة بالبورصة لان معدلات الربح فيها اعلى ممايتجلى بتفشي البطالة الاجتماعية وظهور الازمات الاقتصادية مثل الازمة الاقتصادية الاخيرة .
عند وضع هذة التناقضات نصب اعيننا ندرك انها تمثل جوهر عمل النظام الراسمالي السائد حاليا في عالمنا , ومن هنا نستطيع ان نستنتج ان الامساواة الاجتماعية في سبيلها نحو التفاقم والازدياد ومن هنا ندرك وفي ضوء الازمة الراسمالية الاخيرة ووصول معدلات البطالة الى مستويات غير مسبوقة امريكيا وميل النظام الامريكي المستمر الى تصدير ازمتة بالعالم . نصل الى استنتاج ان زيادة معدلات الفقر في طريقها نحو التراكم .
النظام العالمي الجديد (العولمة )
قد يناقش المرء ان العولمة قد قضت على الكثير من مسببات الازمة و ذلك نتيجة لانفتاح الاسواق و حرية حركة رأس المال ، الا ان ما يمكننا ملاحظته هو" زيادة اللامساواة بين دول المركز و دول الاطراف " ، بل و حتى نشوء مجتمعات على الهامش داخل البلدان الرأسمالية تتكون من العمال المهاجرين الذين يعانون من اكثر حالة من الاغتراب مثل " ... تغريب الانتاج، ... ، حيث يصادر انتاج العامل و يحال بينه و بين انتاجه ، ... ، تغريب المسكن ، حيث يعيش هؤلاء العمال في اماكن العمل غير اماكن سكناهم ، مما يخلق حالة من الانفصام ين العمال ، ...، التغريب القومي ، ...، علاقة هؤلاء المهاجرين بالدول التي يحملون جنسياتها هي علاقة الاهمال و القمع معا " ، و من هنا يمكن ادراك ان الجاليات المهاجرة من دول الاطراف الى دول المركز تعاني من اغتراب و لا مساواة اجتماعية ، و تهيأ هذه الظروف له على المستوى النفسي من موقع تعاملها من مواطنين تلك الدول .
الحاجة و الفردية في المجتمع الاستهلاكي الحديث (...ساد اليبرالية خطاب حول الحاجات needs وحول الوسائل التي يسعى المرء لاشباع هذة الحاجات عن طريقها، واعتمد هذا الخطاب على تصور عن الطبقة الانسانية وعن الانسان باعتباره انسانا اقتصاديا ...، ...، و لكن الحاجات في حقيقتها ليست حاجات افراد بل هي حاجات نظام، هي حاجلت نمو.) قامت الرأسمالية الاستهلاكية ببث ايدلوجيتها داخل المجتمع حول الفرد و حاجته و انماط سلوكياته و حياته و انطلقت من تمييز الافراد لتعاملهم كمتميزين في اطار الاستهلاك ، اي قدرتهم على شراء البضائع ، و من هنا ما كان لفردية الرأسمالية الا أن تؤدي الى انسان ذو بعد واحد يستطيع ان يختار فقط كيف يستهلك ، و نبني على ذلك ان من لا يملك قدرة على الاستهلاك فهو ليس انسان و يصبح خارج المجتمع لا حق له على بني جنسه ، فتعمق ظواهر المنبوذين و المشردين داخل المجتمع الرأسمالي الحديث ليصبحوا مسقطين حتى من الجدل الاجتماعي فالبطالة الرأسمالية لا تعترف بمن احبط عن ايجاد عمل كجزء منها ، فيتعاظم يوما بعد يوم الساقطين في فخ الفقر المدقع و التهميش الاجتماعي فاقدين اي امل في الحصول على المساواة الاجتماعية ، فالمجتمع الرأسمالي يبني ثقافة الفرد على الانانية و الحصول على ما امكن بغض النظر عمن حوله .
الخاتمة يتضح من المقالة ان اللامساواة الاجتماعية و خصوصا ما نتج منها عن الاساس الطبقي هي في طريقها نحو التعزز و الازدياد ، و ذلك لأن الاساس الطبقي الذي نعتمد عليه هو في تدهور مستمر ، فالمكانيزمات التي تحكم المجتمع الرأسمالي تعزز اللامساواة و التفارق الطبقي ، و لم تأتي العولمة الا كمعزز و مسرع لهذه اللامساواة ، فان كان ماركس قد تنبأ بحصول تعميم للحداثة مع حركة العولمة او العالمية كما سماها ، الا ان الواقع قد اثبت ان تحرير عنصري البضاعة و رأس المال في حركتهم دون تحرير العنصر الثالث ال و هو اليد العاملة قد ادى بالمجتمعات العالمية الى مزيد من التمايز و التفارق بل و حتى لم يسعف هذا المجتمع الواحد ليحقق تماسكا او تناغما اجتماعيا ، فالفروق الطبقية واضحة بين المجتمعات الغنية و المجتمعات الفقيرة سواء بمستوى دخل الفرد او بمستوى التعليم و المعيشة و طبيعة الخدمات الصحية و متوسط الحياة ، و هي واضحة ايضا داخل المجتمع الواحد في نوعية التعليم و توزيع الدخل بل و حتى متوسط الحياة ، لهذا ما يمكن جزمه من هذه المقالة هو استمرار هذه اللامساواة الاجتماعية و تفاقمها حتى تؤدي الى الثورة او الى تغيير طبيعة المجتمع نفسه لتكسر ميكانيزمات عدم المساواة لتتحول الى ميكانيزمات اكثر عدلا . بقلم : ثائر وشحة
#ثائر_وشحة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دراسة سسيولوجية لكاركاتير ناجي العلي
-
بداية الانتصارات وليس اخرها
المزيد.....
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|