نبيل هلال هلال
الحوار المتمدن-العدد: 3912 - 2012 / 11 / 15 - 00:37
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في القرن الرابع الهجري حصل التفكك السياسي للدولة الإسلامية، فتفتتت إلي كيانات فسيفسائية، واحتدم الصراع بين السنة والشيعة , وتعددت الصراعات الدينية، (تماما مثلما يجري الآن من صراع بين فرق السلفية والجهادية والتكفيرية والوهابية وأهل السنة والجماعة ), وكثيراً ما ثارت خلافات مذهبية تافهة في الوقت الذي كانت فيه البلاد مهددة بالهجمات الصليبية، خلافات من نوع هل يجوز الجهر بالبسملة، والترجيع في الآذان، والقنوت في الفجر، حتي وصل الأمر إلي استعانة الحنابلة بالعميان الذين كانوا يأوون ببعض المساجد لضرب كل شافعي يمر بهم. تماما مثلما يدور الخلاف الآن ويحتدم الجدل حول تحطيم الأصنام (التماثيل) , وإعفاء اللحية , ولبس السروال الباكستاني , وختان البنات وزواج القصّر.
وعاني المفكرون, شأنهم في ذلك شأن عامة الناس، من سوء الأحوال الاقتصادية في القرن الرابع الهجري، حتي إن العالِم الواسع العلم يعجز عن دفع أجرة مسكنه ولا يجد ما يأكل، وكان ذلك نتيجة طبيعية لما تردت إليه البلاد من سوء الأحوال الاقتصادية، حيث تجمعت الثروات والسلطات في أيدي جماعة من الحكام الفاسدين الذين فقدوا كل إحساس بالعدل والاستقامة وتفننوا في إذلال الفقراء، وغالوا في الترف والبذخ .
والكارثة هي أن غلق باب الاجتهاد معناه النفور من كل جديد، والنظر بشك وريبة إلي كل مُبتدع واعتباره بدعة تفضي بصاحبها إلي قعر جهنم. وكان رد الفعل الأول تجاه أي جديد مستحدث هو إبداء الكراهة والنفور دون التروي والنظر في غايات هذا الجديد ودراسة مرامية وأهدافه، إذ عانى العقل المسلم من الاسترهاب والبطش الذي دفعه إلي طلب الأمان وإيثار السلامة، وردد الناس في أمثالهم : " من فات قديمه تاه " وقد فوّت هذا الموقف المتشكك في الجديد، فوت الفرصة علي المسلمين من الانتفاع بكثير مما أبدعه الآخرون كما حدث عندما غفلوا عن الانتفاع بالمطبعة، والتي كان اختراعها حدثاً محورياً هاماً في تاريخ العلم والثقافة والكتاب، وأضاع عليهم غير ذلك من الإبداعات التي أمدت الآخرين بالقوة. ففي الوقت الذي ظهرت فيه المطبعة في منتصف القرن الخامس عشر، كان إجمالي عدد الكتب في أوروبا كلها حوالي ثلاثين ألف كتاب معظمها أناجيل وتفاسيرها. وخلال الخمسين سنة التالية زاد هذا العدد إلي تسعين مليون كتاب معظمها في العلوم العقلية وكان المسلمون مشغولين في هذا الوقت بمطالعة كتب الصوفية والمواظبة علي ترديد كفرياتهم في حلقات الذكر التي كانوا يقيمونها في التكايا والخوانق والمساجد. وفي الوقت الذي لم يكفّروا فيه ما جاء في كتب الصوفية من شرك بالله وازدراء التوحيد، وقبلوها مع الحفاوة والتقديس، نظروا إلي المطبعة علي أنها آلة صنعها الكفرة ولا يجوز طباعة القرآن عليها ! الأمر الذي ألحق أضراراً فادحة بأمتنا الإسلامية علي صعيد العلم والاستنارة.
#نبيل_هلال_هلال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟