خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3890 - 2012 / 10 / 24 - 12:21
المحور:
القضية الفلسطينية
الخلاف بين الرؤية العرقية العروبية , وبين الرؤية الاستقلالية الوطنية على قراءة الحراك حول فلسطين متصل على تواز مع تواصل الصراع الاقليمي الصهيوني وفي محوره الصراع الفلسطيني الصهيوني, وقد اضافت زيارة امير قطر الى حركة حماس في قطاع غزة , واقعة اخرى تختلف عليها هاتين القرائتين, فالرؤية العرقية العربية التي فشلت تاريخيا في قراءة الحراك الاستعماري في المنطقة , ولا ترى منه سوى محاولة استعمارية لاستمرار ستساخ اتفاقية سايكس بيكو واستنساخ تجسيدها سياسيا في الواقع الاقليمي, بهدف ( تفتيت ( وحدة ) البناء الجيوسياسي القومي العربي ؟؟؟؟؟) , هذه الرؤية ترى في الزيارة القطرية لحركة حماس في قطاع غزة تكريسا لحالة الانقسام الفلسطينية واعلان اعتراف بدولة اسلامية فيها على حساب الوحدة الفلسطينية, وهم يقدمون لذلك التبرير التقليدي الذي يلغي ( في العالم ) واقعة تفاوت وتباين المصالح القومية , حين يتعلق الامر بالكيان الصهيوني, فتتصدر المصلحة الصهيونية لائحة كل اهداف قومية فتصبح لها الاولوية عليها, فالصهونية في نظر هؤلاء هي القزم الذي يعتلي ويوجه العملاق المعصوب العينين, زهي الولايات المتحدة هنا,
اما القراءة الوطنية الاستقلالية فترى ان هناك تفاوتا وتباينا للمصالح القومية بين دول العالم و مصالح الكيان الصهيوني , وان نسب التوافق والتعارض بينها هو الذي يحدد مستوى الصراع بين هذه المصالح وتجلياتها سياسيا فيصورة صراع مناورات كل منها, اما استمرار القول ان الصهيونية كحركة وكيان ولوبي يحكمون الولايات المتحدة ويسخرون قوتها لخدمة المناورة الصهيونية فقط, ففيه اجحاف بحق واقعة الاستقلال القومي الامريكي واجحاف بحق ما يعنيه سياسيا مكتسبها الديموقراطي
نعم ان هناك توافقا عاليا بين المناورة الصهيونية والمناورة الامريكية على صعيد الصراع العالمي العام, فالكيان والحركة الصهيونية يقدمان خدمات جيوسياسية واقتصادية جليلة تسهم في الحفاظ على تفوق الولايات المتحدة وتصدرها موازين قوى العالم, والولايات المتحدة بهذا العامل وعواملها الذاتية تجنى الحصة الرئيسية في عملية توزيع الثروة العالمية وتعيد توظيفها في انتاج مزيد من التفوق , وقطعا فانها في المقابل ستبدي اشد الحرص على بقاء الكيان الصهيوني وامنه , وتمنحه تفوقا نوعيا على المنطقة, غير ان ذلك لا يعني ان تصدراولوية مصالحه على اولوية مصالحها القومية الخاصة, ولقد قدم تاريخ العلاقات بين الطرفين الواقعة تلو الواقعة التي تؤكد على سلامة هذه القراءة للعلاقة بين الطرفين, احدها اعتراف الولايات المتحدة بمنظمة التحرير الفلسطينية, واخرى اجبار الكيان الصهيوني على الانخراط في التسوية , واخرها طرح الولايات المتحدة لمبدأ ومقولة حل الدولتين اساسا لعملية التسوية, وهو ما لم تنص عليه اتفاقيات السلام الاقليمية ولا اتفاقية اوسلو
لكن سقف التوافق بين المناورة الامريكية والمناورة الصهيونية ينخفض الى درجة كبيرة على الصعيد الاقليمي الخاص, فلمنطقة الشرق الاوسط مقدرات اقتصادية ولوجستية لها الاهمية والاولوية القصوى لامن التفوق الامريكي عالميا واحتياجاته, وهو بالضبط النطاق الجيوسياسي الاقتصادي الذي باتت الصهيونية حركة وكيانا ينافس نفوذها فيه نفوذ الولايات المتحدة, فهل تعودنا من المناورة السياسية الامريكية واداراتها المتعاقبة ( غباء ) يسمح بفقدانها هذا العامل المهم في وضع تفوقها العالمي الذي هي عليه, ام تعودنا الغباء من القراءات العرقية القومية العربية للحراك السياسي العالمي التي تظن ان العالم متفق على تفتيت ( وحدتها ) وتمزيق ( امجادها ) علما ان تخلفها لا يفرق بين البول والنفط, ولا يعلم مصدر كل منها ,
ان اصرار الفكر العرقي القومي العربي على اللجوء لسلاح الغباء في مواجهة التفوق, هو التخلف بعينه, لانه لا يرى العيب الا في غيره لا في ذاته, ولا يداني غباء القوميين العرب بهذا الصدد الا غباء الاممين الاسلاميين اللذين يهلعون خوفا على دين يدين به عالميا اكثر من مليار نسمة وهومن الناحية الادبية موثق في سجلات لا يمكن لاي محاولة تجاوزها وتجاوز مخرجاتها الفكرية, والذين لا يزالون يعتقدون بعقيدة السيف دفاعا عن الاسلام ونشرا له, هادرين من الاسلام اهم ما فيه ( الحق ) والذي يعني العلم وهوثاني ما منح الله للانسان بعد الروح, وعقيدة التوحيد وعقيدة العلم هو ما لازمت بينهما اول اية قرانية نزلت على النبي فقيل له ( اقرأ, باسم ربك الذي خلق ) فتقبل الانجاز الحضاري هو روح الديانة الاسلامية وهو بالضبط ما يعاكس الاسلاميين دينهم فيه, وهم لا يقرأون من التجربة السلفية سوى تجسيدها السياسي للدين في صورة امبراطورية استعمارية, حاولت ولا يزالوا يحاولون الغاء ما وهب الله للانسان من توزيع قومي اشار له مباشرة في قوله ( يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى......) الاية, وجعل توزيع المياه سر تجسيده في الطبيعة حيث توزيع المياه وتوزيع المطر سر توزيع الشعوب والقوميات على جغرافيا الارض, فكيف ينكرون هم ايضا تباين وتفاوت المصالح القومية؟ ومن ثم يصبحون نسخة رديئة لقوى المقولة العرقية,
من الصحيح ان زيارة امير قطر لحركة حماس في قطاع غزة لها اوجهها المتعددة والتي تسمح بتوظيفات متعددة لها, واحدها يصب في تكريس الانقسام والانشقاق, وربما يمكن لنا الاخذ بذلك لو اننا لا نزال نعيش وضع حرب بين امارات, او اقطاعيات, لا تملك بها الشعوب ارادة المواجهة, وكانت نخبها شعراء يتغنون الامير والاقطاعي تزلفا لخلعة او اعطية او ما شابهها, وهو ما يكذبه الواقع الذي بات يرفض تقسيم ما هو غير قابل للقسمة, حيث قسم السودان لان في جوهر موضوعيته الجيوقومية ما جعله قابلا للقسمة وهو تعددية الاعراق والثقافات, وهو ما ستاتي به تطورات اوضاع كل من سوريا والعراق وايران وتركيا, حيث ستنشق عنهم القومية الكردية وتقيم دولتها المستقلة, اي بالضبط اصلاح الضرر الذي جرته على المنطقة اتفاقية سايكس بيكو , وكذلك فلسطين ستحرر وسنقيم الدولة الفلسطينية, فهذه المواقع هي مواقع قومية نشوئها طبيعي تاريخي موضوعي لا بسبب تقسيم سياسي انساني, ولذلك سيكون انهاء الانشقاق الفلسطيني وعودة الوحدة القومية الفلسطينية حتميا, مهما لعبت على تناقضاته المناورات السياسية المختلفة
ان ترضية الولايات المتحدة لحركة حماس عبر الزيارة القطرية لها في قطاع غزة , هي عملية تلويح بمكاسب للاطماع الحمساوية ضيقة الافق, والتي تمحورت حول تبشيرها بفك الحصار السياسي وبدء التقبل العالمي خاصو الامريكي لها كمكون لا المكون الوحيد السياسي الفلسطيني و سعة المساعدة الاقتصادية, من اجل اجبار حركة حماس على مغادرة مقولة المقاومة المسلحة واعادتها الى مسار المقاومة السلمية, فالعنف وهو بالضبط ما يرغب باستمراره الكيان الصهيوني ويعتمده اداة لتجسيد شعاراته في واقع يسوده عدم الاستقرار,
ان تعدد الشرعيات الفلسطينية وتعدد منهجياتها لم تضعف فقط المناورة الفلسطينية ( بغض النظر عن اتفاقنا واختلافنا معها ) بل ااضعفت ايضا الموقف الدولي من الصراع الفلسطيني الصهيوني, فكانت مبررا للكيان الصهيوني في التهرب من التسوية واستحقاقاتها وكانت المظلة التي تحتها توسع في اتخاذه الخطوات المنفردة في الاستيطان وغيره, وكانت السلاح الاقوى له في تهربه من الضغوط الدولية وخاصة من ضغوط الولايات المتحدة عليه’
ان للولايات المتحدة استقلالية مناورتها في الوصول الى اهدافها الخاصة, وهي قطعا لن تكيف هذه المناورة بحسب متطلبات مزاج التخلف العرقي العربي الاسلامي, ولا اعني هنا ان الولايات المتحدة ثائر وطني فلسطيني, بل اعني ان توافق وتعارض المصالح والمناورات هو موضوعي في اساسه, والموضوعية ليست مسئولة عن تخلف قراءة الانسان لها بسبب تشوهات ايديولوجية سياسية تعانيها عقلانيته,
ان واقع العلاقات الصهيونية الامريكية الراهن هي انها في اسوأ حالاتها, ولا اسوا من ذلك سوى خلل قراءة العقلانية العرقية العروبية الاسلامية لتجسدها السياسي في الواقع, وهو ما يقع فيه القائلين بان زيارة قطر هي على مسار تكريس الانقسام ومدخل اقامة دولة اسلامية في القطاع, فهؤلاء لا يرون ان الكيان الصهيوني يرفض ان تتجسد الشرعية الفلسطينية في صورة دولة على اي بقعة من فلسطين, وان جوهر مشروعهم الصهيوني يقوم على انكار الاستقلال القومي للهوية الفلسطينية ومحاولتهم احلالها كخصوصية اقليمية في اطار الهوية العربية, وهو ما يهديه مجانا للصهيونية الفكر القومي العربي, وان الوجود ( العربي الاسلامي ) في فلسطين هو استلاب للحق التاريخي و الروحاني الاسرائيلي اليهودي فيها وان اقامة كيانهم الصهيوني كان انجاز مرحلي على مسار عملية تحرر لا تزال تستكمل باقي مهماتها,
ان شعار اسرائيل الكبرى وانعكاساته السياسية الاستراتيجية الخطرة على المصالح الامريكية في المنطقة, هو ما تقرأه الولايات المتحدة في العقيدة السياسية الصهيونية, وتعمل على محاصرته واجهاضه, دون ان تفقد الخدمات الجيوسياسية التي يقدمها لها الكيان الصهيوني, وسبيلها الى ذلك بناء اصطفاف اقليمي سياسي اقتصادي امني يحاصر الكيان, لكنه لا يقضي عليه, بل يعيد صورة توازن القوى الاقليمية الى اقرب ما يمكن من الصورة التي رسمها للمنطقة وعد بلفور البريطاني, وهي بالضبط الصورة التي تحاول الصهيونية وكيانها التحرر منها. وفي هذا المجال بالضبط تقدم المقولة القومية العربية اجل الخدمات للحركة الصهيونية وكيانها والعقيدة الايديولوجية السياسية الفلسطينة من ضمن جوقة منشديها,
ان معارضتي للزيارة القطرية لحركة حماس في قطاع غزة تكون اشد لو ان هناك مناورة وطنية فلسطينية, مؤسسة على رؤية الاستقلالية الفلسطينية, عوضا عن ان تكون اسيرة انعكاسات مناورات الاطراف الاخرى عليها, ولذلك ايضا يكون تاييدي للتوجه الفلسطيني للجمعية العامة للحصول على اعتراف بدولة فلسطينية غير عضو فيها محدودا, لان منظمة التحرير والسلطة تستهدف ان تجعل منها مدخلا جديدا لمشوار جديد من التفاوض, وكان الخلافات التفاوضية الفلسطينية الصهيونية خلافات ادبية تتعلق بصيغة الاتفاقيات لا بموضوعية الحقوق والمصالح
ان تكون فلسطينيا يعني ان تكون خارج ضيق افق الرؤى الفئوية الفصائلية, والتي وان لم تعدم برامجها ومناوراتها الفصائلية, وجود درجة توافق بينها وبين المصالح الوطنية العامة, الا انها تنتهي للتوظيف الفئوي للانجازات الوطنية وتعجز ان لم نقل تهمل توظيفها في بناء الاستقلالية والتحرر الوطني بل تضعها على الاغلب في خدمة الانظمة الاقليمية في صراعها مع الصهيونية وكيانها, فتفقد فلسطين وتحرم من ثمارها الطيبة, ولعل في تجربة الثورة الفلسطيني التي حمت الانظمة لحظة الانهيار عام 1967 فعادت الانظمة وطعنت ظهر الثورة خير دليل على ذلك
لقد اشرنا في مقال سابق الى ان عملية سيناء الارهابية الشهيرة كانت مدخلا لمسار فرض استعادة الوحدة على الصيغة السياسية الفلسطينية وعلى نفس المسار تاتي الزيارة القطرية لحركة حماس في قطاع غزة, ليس لحرص قطر على ارضاء سواد العيون الفلسطيني, وانما استجابة لحاجات امن تفوق الولايات المتحدة الامريكية في صراع النفوذ مع الكيان الصهيوني على المنطقة,
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟