أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - كنوت هامسون : رواية نساء المضخة / 10















المزيد.....

كنوت هامسون : رواية نساء المضخة / 10


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 3877 - 2012 / 10 / 11 - 12:27
المحور: الادب والفن
    


و لم يكن بيع السمك المصطاد ليشكل أي معاملة متعبة لهما ، فقد أبدت عائلة الطبيب أتم الاستعداد لدفع السعر الذي يقررانه ، و أكثر قليلاً ، لقاء منحها الأولوية على آل جونسون الذين – لا داعي للإنكار – ما كانوا على أتم الوفاق معها . و في بعض الأحيان ، كانا يحصلان ضمن الصفقة على قطعة كبيرة من الخبز والزبد كأحلى عشاء بعد ثماني ساعات من الصوم . و من الممكن أن يُستفهم منهما في مطبخ الطبيب : هل حصلا على إجازة للصيد في أيام الآحاد عندما يكون الناس في الكنيسة ؟ و لكن بدا أنهما غير مطلعين على الحياة الدينية للمدينة .
أيامٌ سعيدة ، و أيامٌ مزدهرة ؛ و ولدان طليقان طائشان ، متعطشان إلى ركوب المخاطر أربعاً و عشرين ساعة في اليوم ، و يمتلئ رأسيهما بالمغامرات في اليقظة و المنام ! و لكن : ألا تظهر على آبيل سيماء الولد الحالم العزيز النفس ؟ و لا ذرة . انه سنجاب صغير ، سريع كالبرق ، و مقحام يستبد الهيجان بأطرافه كلها . و بوسع المرء مشاهدته في أعلى المدينة قرب الكنيسة ، وعلى الشاطئ أسفل المدينة في وقت واحد . و لم يكن يمشي قط عندما تتوفر له أدنى فرصة للركض . فهو عجلة في عجلة بجزمته الضخمة التي تقرع الشوارع . هكذا هو آبيل .
و من جانبه ، لم يكن إدفارت عاجزاً بسبب يفاعته ، بل كان الرفيق الأرشد الذي يأخذ المسؤولية على عاتقه . و لاستطاعته الحصول على الطعام الكافي في البيت طول أيام السنة ، فقد ازداد تكور جسمه . و لم يسبب له الامتلاء أي ضرر ، فقد أظهر ، على سبيل المثال ، خفة رائعة عندما اندفع الصيدلي هائجاً نحو حديقة منزله و هو يصرخ : " بحق الشيطان ، ما الذي تفعله فوق شجرة التفاح تلك ؟"
و عندما بدأ يذهب إلى المدرسة بانضباط أكبر ، فقد خف بعض وزنه – و لكن ليس بتلك الدرجة المؤثرة . و الحق أن التأثير الوحيد لغيابه قد أصاب بنية آبيل التي نحفت أكثر من ذي قبل في هذه المناسبة . كما أصبح يعاني الوحدة ، علاوة على شدة النحول . و بفعل العادة ، فقد بقي يتردد إلى بيت يورگن ، حيث ظهرت على المسرح هناك قبل بضع سنين فتاة صغيرة ثالثة كان يلعب معها أحياناً ؛ و شتان بين رفقتها و رفقة إدفارت و عالم الرجال الكبار . كان اسمها ليديا ، مثل اسم أمها – أو بالأحرى ليديا الصغيرة . و قد بدت مسلية تماماً - عدا عادتها المزعجة المتمثلة بالصراخ من أجل لا شيء .
نعم ، لقد أصبح آبيل وحيداً ، كما التحق أخوه فرانك بالمدرسة هو الآخر . و على أية حال ، فقد تميز فرانك منذ البداية بسعة إطلاعه و بألمعيته على آبيل . و لم يكن هناك أي جامع بينهما ، لاختلاف مشاربهما تماماً . فالولع بصيد الأسماك عند أحدهما كان يقابله عند الآخر الاهتمام الزائد بمطالعة الكتب والمجلات ، و ما شابه ذلك من الانشغالات المترفعة . بدأ فرانك بالذهاب إلى المدرسة مبكراً ، و كان طالباً عبقرياً . و توقع الجميع أنه سيصبح في المستقبل مشغّلاً لجهاز الإبراق ، أو موظفاً مصرفياً كبيراً . أما أمه ، فكانت تطمح إلى أن يلتحق ولدها في يوم ما بالمدرسة الإعدادية أسوة بأولاد عليّة القوم ليتعلم هناك كل شيء . و لكلٍ منا طموحاته .
و لم تكن ليديا زوجة السماك يورگن هي الاستثناء . نعم ! غير أن الأسوأ من ذلك هو أن حماقتها قد زينت لها إدخال بناتها الصغيرات في فصل خاص لتلقي دروس تعليم الرقص ، فتجاوزت بذلك مركزها الاجتماعي بكثير ، مما عرضها لابتسامات أهل المدينة . و الواقع ، فقد كانت النتيجة أن عمد كل من هنريكسن مالك حوض السفن ، و عائلة ضابط الجمارك ، و السيدة جونسون إلى سحب أطفالهم من فصل تعلم الرقص ؛ ليس بسبب التحاق أطفال السماك بالفصل المذكور ! لا ، بلا ريب ! إنما لأن – حسنٌ – لأن فيا جونسون – على سبيل المثال – أصبحت تعاني فقر الدم ، و نحف جسمها على نحو مخيف ، و استدق عظمها .
و هكذا فقد بات تعلم الرقص مسألة سياسية .
أما معلمة الرقص المسكينة - التي كانت حديثة العهد بالمدينة - فقد شمّرت عن ساعديها ، و عصرت فكرها لإيجاد مخرج مناسب ، إذ كان لديها الكثير مما يمكن أن تخسره . و أخيراً ، وجدت الحل المناسب . كان عدد المشتركين في المنهاج الأول كاملاً - لماذا لم تفكر في هذا سابقاً ؟ - لذا ينبغي الإعلان على الملأ عن افتتاح فصل للمنهاج الثاني ، أي نعم ! و جاء الطلب على الفصل الجديد كبيراً على نحو غير متوقع حتى أصبح بالإمكان افتتاح فصلين إضافيين بدلاً من فصل واحد . و هكذا فقد جرى كل شيء على وفق المرام أخيراً .
و شهدت المدينة رواجاً عظيماً للرقص ، و توقفت النساء عن الضحك من ليديا ؛ و تدفق الأطفال على فصول الرقص . و إذا كان أطفال ليديا قد التحقوا بذلك الفصل أولاً ، فلم لا يحذو حذوهم أطفال صانع البراميل ، و أولاد الحلاق "هولت" أيضاً ؟ و لم تعرف معلمة الرقص طوال حياتها زمناً اضطرت فيه إلى التصفيق بيديها بهذه الشدة مثلما أصبحت تفعل الآن . لقد استوعبت سياسة الرقص ؛ و كانت مفعمة بالاستعداد المرح للتمتع بمباهج الحياة .
و التحق حتى إدفارت نفسه بدروس الرقص ، و مثله فعل فرانك الذي أصبح أبوه يواظب على الصيد الآن ، و يكسب المال اللازم . "هذا صحيح ، يا فرانك ،" قال أوليفر : " يجب أن تتعلم كل شيء يمكن تعلمه ."
غير أن إدفارت ، على أية حال ، لم يحضر سوى مرة واحدة فقط ، ثم توجه إلى آبيل طالباً منه الذهاب إلى دروس الرقص مكانه . حسنٌ ، لقد كان آبيل على أهبة الاستعداد دوماً لإسداء المعروف لصديقه . غير انه مُنع من دخول الدرس بسبب عدم ارتدائه الملابس المناسبة و عدم اغتساله . و هكذا فقد احتفظ كل منهما بحريته .

7
و رعدت المدينة بالرقص . أكان وراء ذلك الرواج العظيم اصطياد وجبة ممتازة و غير معهودة من أسماك الرنكة على ساحل المدينة ، أم أن سبب ذلك هو الندرة الفجائية للأخشاب والشحنات البحرية المتأتي من إحدى الحروب البريطانية الجديدة ؟ لا هذا و لا ذاك ، فقد كان السلام يسود خارج المدينة .
لقد كان السبب هو معلمة الرقص التي جاءت و أفسدت عباد الله في المدينة . فواجهتها معارضة مسيحية ، و تليت الصلوات الجماعية الكثيرة في الكنائس ضدها، و لكن بعد فوات الأوان ؛ إذ كان المرض قد تغلغل منتشراً في الأعماق . فهو لم يصب الأطفال فحسب ، بل هدد بإصابة الآباء أيضاً. ما أفظعه من وباء ! لقد أصبحت حفلات رقص"الفالز" تقام الآن في غرف الطعام لدى القنصل و تاجر الحبوب أولسن ، و في بيت هنريكسن من حوض السفن ، في حين أمسى وجهاء المدينة يدندنون بالأغاني الراقصة و هم يسيرون في الشوارع .
و بوسعك أن ترى المستمعين خارج مدرسة الرقص و هم يتمايلون بلا احتشام على أنغام الموسيقى الصادحة منها ، و يحلمون بأنهم في الداخل . و عندما جاء مفتش الشرطة شلدروب كارلسن ، فانه لم يفعل شيئاً ، و لم يلق القبض على أحد . غير أنه عثر على پيترا في قمة السلم المظلم المؤدي إلى قاعة الرقص و هي تجلس هناك : كئيبة بتوق ، بلا احتشام ، تحلم على صرير آلات الموسيقى ، و على وقع الأقدام الراقصة في الداخل . آه ، كانت أحلامها سدى . لقد تزوجت و انتهى أمرها . و لتكريس وضعها ذاك ، فقد ازداد وزنها كثيراً مرة أخرى ، و لم يعد بيدها دفع الأثر الحاصل . و كانت قد تفادت البدانة بنجاح عدة سنوات ، و احتفظت برشاقة جسمها اللطيف الذي لا يقل جمالاً عن جسم أي فتاة شابة أخرى . غير أن ذلك أصبح الآن في عداد الماضي التليد . و كان الأجدر بها أن تلبث في البيت غير منظورة للعالم ، إلا أنها كانت ، بدلا من ذلك ، تجلس على السلم هناك ، و كان شلدروب جونسون هو الذي جاء و وجدها .
"هل هذه أنت التي تجلسين هناك يا پيترا ؟" سألها مبدياً تعاطفه معها.
"نعم . أوه ، اذهب من هنا يا شلدروب !"
و لكن شلدروب أظهر المزيد من التعاطف ؛ و إذ ذاك انتصبت پيترا واقفة ، و وجهت لكمة مدوية إلى أذنه : سيان أكان ابن القنصل جونسون ، أم ابن غيره . كان ذلك هو ما فعلته . و بلمح البصر ، حضر احد الموجودين في موضع أدنى على السلًّم ، و سمع وقع الضربة ، و شاهد التتمة المتمثلة بتواري شلدروب بسرعة في قاعة الرقص ، و قعقعة خطوات پيترا الباكية و هي تنزل درجات السلم ، و تخرج إلى الشارع .



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 9
- كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 8
- كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 7
- كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 6
- كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 5
- كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 4
- كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 3
- كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 2
- كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 1
- السيد و العمامة
- يوم اختطاف دولة رئيس الوزراء
- كلاب أولاد كلب
- بغداد : 6./ 6. /6.
- فائض القيمة و الإكتشافات الجديدة لإبراهامي / الأخيرة
- قصيدة -الرحيل- للشاعر العراقي سامي موريه
- فائض القيمة و الإكتشافات الجديدة لإبراهامي / 10
- فائض القيمة و الإكتشافات الجديدة لإبراهامي / 9
- الزنبقة تموت عشقاً في الحياة .... و تحيا / مرثية الشاعر يحيى ...
- فائض القيمة و الإكتشافات الجديدة لإبراهامي / 8
- فائض القيمة و الإكتشافات الجديدة لإبراهامي / 7


المزيد.....




- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - كنوت هامسون : رواية نساء المضخة / 10