|
تسعة واربعين سنة مرت على حرب اكتوبر . ماذا بعد ؟
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 3872 - 2012 / 10 / 6 - 20:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الكل يتذكر ذاك اليوم الرمضاني من شهر اكتوبر 1973 قصاصات وكالات الاخبار العالمية وهي تردد خبر اندلاع حرب عسكرية بين الجيش المصري والجيش السوري المدعومان بالجيش الملكي المغربي وبين الجيش الاسرائيلي . والكل يتذكر كيف ان كلي الطرفان حمّل الطرف الاخر المسؤولية عن بدا الهجوم الذي كان في الحقيقة هجوما عربيا لاستعادة ماء الوجه الذي لطخته حرب الستة ايام في يونيو 1967 . واذا كان من شيء لافت للانتباه هو ان الجيش العربي ، خاصة بالجهة المصرية ، استطاع بمساعدة الخبراء الروس تحقيق المعجزة الكونية بتخطي خط برليف وبوصوله الى جزيرة سيناء المحتلة . اما على الجبهة السورية فكانت المفاجئة بنقل المعركة الى مدينة القنيطرة التي استعادها الجيش المغربي الباسل قبل ان يتعرض للغدر من الظهر من قبل ضباط سوريين كانوا متعاونين مع جيش العدو . لكن ما ميّز اول حرب عربية اسرائيلية وبخلاف جميع الحروب التي خاضها العرب مع الدولة العبرية ، هو ان مخلفات حرب اكتوبر كانت وبالا ولعنة مس التضامن العربي ، وكان سببا مباشرا في تراجع خطير في الحركة والوعي القوميين العربيين نحو النزوع الى القطرية الشوفينية ، التي قسمت العمل العربي على مجموع عواصم عربية ما يفرقها اكثر مما يجمعها . ان من المخلفات السيئة لحرب اكتوبر انها لم تكن حرب تحرير للأراضي العربية المحتلة ، بل كانت حرب تحريك لأوراق المفاوضات الراكدة بين النظام المصري الذي كان يبحث عن مخرج لإعادة ترتيب الاوراق وقواعد اللعبة ، خاصة بعد ان وضع السادات بيضه كله في السلة الامريكية ، وبين اسرائيل التي كانت تبحث عن وسيلة لإخراج مصر الرسمية وليس الشعبية من دائرة الصراع العربي الاسرائيلي ، ما يسهل عليها الاستفراد بفرض الحلول التعجيزية بالمنطقة العربية . وهذا ما شجع الدولة العبرية على ضم الجولان ومياهه ، ودفع بها الى الاستفراد بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي دخلت عصر التسويات المختلفة والمتكاثرة التي انتهت باتفاق اسلو الذي يجب اعلان وفاته بعد ان عجز عن الاستجابة لشروط الدولة الفلسطينية حتى ولو كانت محدودة الحدود الآمنة للدولة الاسرائيلية . هكذا سيباشر السادات بتنظيم انقلابه المدوي ضد المشروع العربي التحرري بدءا بطرد المستشارين السوفيت ، وبالارتماء الكلي في المشروع الامريكي الذي باعه الوهم عندما اكتشف ، ان وضعه كل بيضه في السلة الامريكية ، كان انتحارا فرض عليه الاذعان والخضوع للامتلاءات والحلول الامريكية التي كانت تصب في الحلول الاسرائيلية ، وكانت زيارة اسرائيل رغم التعرض العربي ، اكبر زلة عجلت بذهاب السادات وفرشت لخلفه الذي كان مستعدا للذهاب بعيدا في تعاونه مع المشاريع الامريكية الصهيونية التي حيّدت مصر عن لعب دورها التاريخي والقومي ، ومكنت فلول الانبطاح والاستسلام والمهرولين ان يبرزوا على الساحة كمفاوضين عقلانيين جدد ، الامر الذي سهل بتفتق الحلول الاستسلامية المتناقضة مع الحلول الجذرية اللغة الوحيدة التي يفهمها العدو في صراعه ضد خيار المقاومة . لقد ادى هذا الوضع الذي تم التخطيط له بإمعان الى انهيار ما كان يعرف بالتضامن العربي ، بدءا بالشلل الذي اصاب الجامعة العربية بعد طرد مصر منها ، الى تعطيل بل تجميد ميثاق الدفاع العربي المشترك ، وهو ما ظهر عند غزو اسرائيل للبنان في سنة 1978 و 1982 وفي ضربه في 2006 وغزة في 2009 ، ناهيك عن تحويل " التضامن " العربي الى تضامن اقليمي او فرعي مبني على اسس شوفينية او مصلحية وليس قومية ( دول الخليج ) ( سورية ولبنان ) وهو ما افرز انقساما سياسيا حادا بين الدول العربية ، سرعان ما عبر عن نفسه في شكل نزاعات وحروب اقليمية وصراعات سياسية عنيفة ( بعث سورية وبعث العراق ) ( دول الخليج والعراق ) ( المغرب والجزائر ) ( المغرب وليبيا معمر القدافي ) ( قطر والسعودية مع سورية ) . وقد بلغ هذا الصراع اوجهه عندما غزا صدام حسين الكويت ولجوء دول الخليج ومصر مبارك الى الإستقواء بالخارج ( امريكا وأوربة ) لحسم هذه الصراعات والنزاعات بين الانظمة السياسية العربية وليس بين شعوبها ، وهو ما جعل فاتورة الصراعات ثقيلة حين مكن الجميع ( المتصارعون ) ان تنفرد امريكا والغرب بالتقرير في مصير المنطقة العربية . وهنا نفهم لماذا دمروا ليبيا عن آخرها ، ولماذا يخططون لتدمير سورية التي تدمر اليوم بأيدي ابناءها بعد ان دمروا العراق سابقا . لقد ادت الحلول الانفرادية والاستسلامية التي مثلتها اتفاقية كامب دايفد ومن بعد اسلو الى تراجع خطير لدا حركة التحرر الوطني العربية ، وسط الجماهير الشعبية التي لم تعد مبالية بخطاباتها العقيمة والتبريرية ، بل بقدر ما مسّ هذا التراجع الخطير الحالة النضالية العامة داخل هذه الاحزاب التي ولجت طور شلل سياسي ، بقدر ما مسّ فكر هذه الحركة وخططها السياسية والبرنامجية ، وأحدث ما يشبه الانقلاب في تاريخها المعاصر حيث تحولت في بعض الاقطار من حركة معارضة الى حركة مهادنة بعد ان هجرتها الجماهير ، ولتنتقل الى حركة مشاركة بالمجان وليس بالبرنامج ، وهو ما افقدها زخمها واستقلاليتها السياسية في التعامل مع القضايا القومية . وحين تفقد حركة التحرر الوطني العربية انتماءها القومي الاصيل ، وتتحول الى مجموعة احزاب ارقام في لعبة الشطرنج ، وبعضها يصبح طائفيا شوفينيا ومناطقيا ، وحين تنحدر سياساتها الى المساومة الرخيصة وموالاة من اجل الموالاة وبدون شروط ، لا يصبح غريبا ان تشهد حالة فرز جماهيري ينتهي الى البقرطة ، وانفراط القاعدة الشعبية ، والشلل التنظيمي والسياسي . اذن هنا يمكن ان نفهم الانقسامات في صفوف الحركة الى حد التقزيم ( قزم ) ويمكن ان نفهم لماذا غابت الحركة عن الساحة ، ولماذا عوضتها الحركات الاسلاموية من اخوانية وسلفية نصية وجهادية . كما هنا يمكن ان نفهم لماذا تصوت الجماهير لأحزاب يمينية ليبرالية حديثة العهد والنشأة ، ولماذا لا تصوت لهذه الاحزاب التي عمرت لأكثر من ثلاثة وأربعين سنة خلت . ويبقى ان نطرح السؤال :من انتصر في حرب اكتوبر . هل الجيش الاسرائيلي ام الجيوش العربية ؟ . اعتقد ان الجواب لا يحتاج الى جهد . لقد كان الجيش الثالث المصري محاصرا ويوشك على الاستسلام ، والجيش الاسرائيلي تمكن من عبور سيناء مرة اخرى واحتلاله لها في جزء كبير منها . كما ان الجيش الاسرائيلي كان في طريقه الى دمشق التي تبعده بخمسة عشر كيلومتر .هذا يعني ان الاوضاع كانت خطيرة ، ولم يقلل من خطورتها سوى تهديد الروس بالتدخل المباشر والتهديد باستعمال اسلحة الدمار الشامل . وهنا الم يكن التهديد الروسي جزءا من خطة ممنهجة للإبقاء على الوضع ضمن اطار لا سلم ولا حرب الذي كان يخدم السوفيت كما يخدم اسرائيل وأمريكا ؟ . واذا حللنا جميع مراحل النزاع او المعركة بدءا بفك الارتباط وبمفاوضات الكيلومتر 101 او 111 ( لا اتذكر ) ووصولا الى زيارة السادات للكنيست وتوقيعه اتفاقية كامبد دايفد المذلة للدولة والسيادة المصرية . واذا لاحظنا مختلف التطورات المتعاقبة بالمنطقة ، ابتداء بارتماء منظمة التحرير في خط التسويات وتطليق خط المقاومة ، وفصل القطاع عن غزة بسيطرة حماس عليها بعد ان طلقت المقاومة والعمليات الإستشهادية بعد وصولها الى السلطة ، وانتهاء باغتيال عرفات بتواطؤ مجموعة عباس ، ومن قبل ضم الجولان ومياهه ، وتحويل سورية الى جدرمي او دركي يحرس الحدود بين سورية وبين الجولان المحتل والأراضي الفلسطينية التي ابتلعتها اسرائيل زمن النكبة وبعدها زمن النكسة ، وإذا تمعنا في الوضع العربي الراهن المهرول نحو اسرائيل ( قطر مصر الاردن ) ... لأمكننا ان نقول الذي ربح في حرب اكتوبر التي لم تكن حرب تحرير ، بل كانت حرب تحريك اوراق المفاوضات التي جرت طبقا لما املته اسرائيل المدعومة من طرف لندن واشنطن ، هو اسرائيل . اما الخاسر في الحرب فهي الجيوش العربية المصرية والسورية التي فرطت في الاراضي العربية في سنة 1967 .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الموقع الطبقي لحركة الضباط الاحرار
-
لبنان وسورية في فوهة البركان الصهيوني
-
عالم آخر ممكن
-
اتجاه العنف في الاستراتيجية الامبريالية الامريكية
-
البنك العالمي للانشاء والتعمير في خدمة الادارة الامريكية
-
( الدولة اليهودية ) ومفهوم الحدود الآمنة
-
حركة التحرر العربية : ازمة عارضة او بنيوية ؟ الربيع ( العربي
...
-
الصهيونية العالمية والنازية وجهان للصهيونية الاخوانية
-
ميكانيزمات التحكم في القرار السياسي بالبلاد العربية
-
في بناء الحزب العمالي الثوري (منظمة الى الامام) ( وجهة نظر )
-
الطائفية الورم الخبيث بالوطن العربي
-
ازمة منظمة ( التحرير ) الفلسطينية -- دراسة تحليلية ونقدية لم
...
-
البومديانية وتجربة التنمية الجزائرية المعاقة
-
المثقفون والصراع ( الطبقي )
-
(الايديولوجية العربية المعاصرة )
-
انقلابيو فتح وراء مقتل ياسر عرفات
-
انصاف الحلول : الارث الاتحادي الراديكالي ( 5/5)
-
انصاف الحلول : الارث الاتحادي الراديكالي ( 4/5 )
-
انصاف الحلول : المؤتمر الاستثنائي ( 3/5 )
-
انصاف الحلول 2/5
المزيد.....
-
محكمة الاستئناف في الجزائر ترفض الإفراج عن الكاتب الفرنسي ال
...
-
تونس - ليبيا: وزير الدفاع التونسي يلتقي مدير الاستخبارات الع
...
-
إنقاذ فتاة تبلغ 11 عاما قبالة لامبيدوزا بعد قضائها 3 أيام في
...
-
المغرب: هل تتجه الرباط نحو إلغاء عقوبة الإعدام؟
-
سوريا: ما هي نوايا إسرائيل؟
-
بعد سقوط الأسد: تحذيرات من عودة -تونسيين متطرفين- من سوريا
-
بشار الأسد يعتذر وابن عمه يعدم؟
-
عاجل | مصادر للجزيرة: الأجهزة الأمنية الفلسطينية وبلباس مدني
...
-
إصابة 4 إسرائيليين بإطلاق نار على حافلة جنوب القدس
-
البشير للجزيرة: الجلالي لم يلتق بالأسد إلا مرة واحدة خلال رئ
...
المزيد.....
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
المزيد.....
|