|
السلاح والعسكرة في الثورة السوريّة
المنبر الديمقراطي السوري
الحوار المتمدن-العدد: 3824 - 2012 / 8 / 19 - 10:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يكن خيار السلاح والعسكرة خياراً مبدئياً للثورة السورية، بل أتى خياراً اضطراريّاً دفاعيّاً، جنح له شعبنا نتيجة إمعان النظام في مواجهة الانتفاضة السلميّة بالعنف والقتل وتدمير البلد وقهره لأهلها؛ وبعد صبرٍ طويل على هذه الممارسات. ولا شك أنّنا جميعاً كنّا نطمح أن يقوم الجيش السوري موحّداً باتخاذ موقفٍ مماثل للموقف الذي اتخذه الجيشان المصري أو التونسي في عدم الامتثال لأوامر السلطة في إطلاق النار على الشعب؛ لكن ذلك لم يحدث مع أنّنا مقتنعين أنّ الأغلبيّة فيه تتوق للحظة التي تقف فيها مع الشعب. كان من الطبيعي إذاً أن يذهب بعض أفراد وضباط هذا الجيش من موقفٍ وطنيّ إلى الانشقاق والانضمام إلى صفوف شعبهم المنتفض. هكذا التقت هذه الانشقاقات مع المدنيين الذين اضطرّوا لحمل السلاح دفاعاً عن أهلهم وأبنائهم وشكّلوا جيشاً حرّاً كي لا تنكسر إرادة الشعب.
الجيش الحر هو إذاً حقيقة واقعة لا يمكن تجاهلها، والشعب يدعمه طالما أنه نشأ في إطار الدفاع عن النفس، ويعلن أن هدف عملياته هو حماية هذا الشعب المتطلّع بكلّ أطيافه إلى الحريّة والكرامة من بطش الآلة الأمنية، وحماية القرى والبلدات والمدن من الاقتحامات والاعتداءات التي تتعرّض لها. ونحن نعتقد اليوم أنّ هناك ضرورة أن يقوم الجيش الحر بتنظيم نفسه، ووضع المعايير الضرورية لعمله كي يخدم أهداف الثورة في الحرية والكرامة وبناء دولة المساواة في المواطنة والعدالة.
وفي هذا السياق يجب التنويه أنّ الهيئات الدوليّة بدأت بتوجيه النقد العلنيّ والواضح ليس فقط ضدّ الجيش النظامي وميليشياته "الشبيّحة"، بل أيضاً ضدّ التصرّفات التي يقوم بها بعض أفراد ومجموعات الجيش الحرّ. لعلّ آخرها هو ما تضمّنه تقرير لجنة التحقيق الدوليّة حول حالة حقوق الإنسان في سوريا، الذي تتحدّث للمرّة الأولى عن تجاوزات ترتكبها "مجموعات المعارضة المسلّحة"، بحسب التعبير المستخدم من قبل الأمم المتحدة، تصل لمستوى جرائم الحرب. حتّى أنّ بعض هذه الجرائم يمكن أن يتمّ تكييفها قانونياً لتصبح جرائم ضدّ الإنسانيّة، فيما إذا ثبت ارتكابها على نطاق واسع: مثل القتل المتعمّد، والتعذيب، والتهجير. مع العلم أنّ هذه الجرائم لا يشملها أيّ نوع من العفو أو المصالحة، ولا تسقط بالتقادم، وبالتالي ستبقى مسلّطة على رؤوس قادة وعناصر الجيش الحرّ، كما الجيش النظامي، وكلّ من يرتبط بهم. كما ستفتح الباب أمام استغلالها دوليّاً من قبل أيّ طرف يستهدف سوريا في المستقبل وسيادتها واستقلالها.
من هنا تأتي أهميّة التنظيم وأن يتمّ الإعلان بشكلٍ واضح عن هيكليّة القيادة في الجيش الحرّ، وتحديد الفصائل والمجموعات المقاتلة المرتبطة حقّاً به، والتراتبيّة العسكريّة وسلسلة الأوامر، كي لا يتمّ زجّ كافّة القيادات في مسؤوليّة أفعال المقاتلين. إذ أنّه لا يمكن، وفقاً للقانون الجنائيّ الدوليّ، أن تتهرّب القيادات العسكريّة من المسؤوليّة من خلال إثبات أنّها لم تكن على علمٍ بالتجاوزات أو أنّها لم تكن قادرة على ضبط العناصر.
إنّ مسؤوليّة القيادة عن تصرّفات عناصرها وفقاً للقانون الجنائيّ الدوليّ هو الذي سيسمح بمحاكمة الأسد وجميع القادة العسكريين المعنيين بتهم ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية؛ حيث يكفي أن يتمّ إثبات ارتكاب أيّ جنديّ من جيش لمثل هذه الجرائم، وألاّ تتمّ معاقبته، حتّى تعتبر القيادة العسكريّة مهما علت، مسؤولة عن تصرّفات هذا الجنديّ.
كذلك فإنّ تجنيد الأطفال (أي شخص دون الـ18 عاماً) يعتبر جريمة حرب، ولا يمكن التحجّج بأيّ سبب من الأسباب للتهرّب من هذه المسؤوليّة في هذا السياق، حيث أنّ مسؤوليّة أيّ مجموعة مسلحّة تسيطر على رقعة جغرافية، مهما كانت صغيرة، تقوم على منع تجنيد الأطفال في هذه الرقعة، بل وأيضاً على منع وقوع السلاح بيدهم؛ كما تتسع المسؤوليّة لجهة عدم استخدام الأطفال في أيّ شكلٍ من أشكال العمالة المرتبطة بالعمليّات العسكريّة.
أخيراً لقد أعلن الصليب الأحمر الدوليّ أنّه يعتبر الحالة في سوريا "نزاعاً مسلّحاً غير دوليّ"، الأمر الذي يعني بأنّ القانون الدوليّ الإنسانيّ (أي اتفاقات جنيف الأربعة، وبروتوكولاتها الملحقة، التي تنظم حالات الحرب) هو القانون الناظم لهذا الصراع، وعليه فإنّ مسؤوليّة احترام قواعد القانون الإنسانيّ الدوليّ تقع على عاتق كلّ من حمل السلاح وشارك في المعارك الدائرة خلال هذا النزاع.
لا بدّ إذاً من التنظيم ووضع معايير للعمل ضمن الجيش الحرّ، وخاصّة احترام ما يلي:
1- التزام الجيش الحر بكافّة فصائله بعقيدة وطنية ترفض التفرقة بين أبناء الوطن الواحد على أيّ أسس، قومية أو دينية أو مذهبية؛ 2- التزام الجيش الحرّ بالتقاليد العسكرية المعروفة في جميع الجيوش من حيث الأوامر والتنفيذ والانضباط العسكريّ ووحدة القيادة، و الالتزام بعدم الدخول في نزاعات مسلّحة اليوم وغداً بين كتائب الجيش الحر لأسباب تتعلق بالخلاف في الرأي. 3- التزام الجيش الحر بما جاء في الشرائع الدينيّة كافّة وفي القوانين والمواثيق والأعراف الدولية والإنسانيّة فيما يتعلّق بالتعامل مع المدنيين والمنشآت المدنية ومؤسّسات الدولة وأسرى الحرب، ما يعني عدم ممارسة أيّ شكل من أشكال التعذيب أو الاغتصاب أو التحقير بحق الأسير، وعدم التمثيل بالجثث ونبذ الاستعراضات المسلحة. 4- إخضاع الأسرى لمحاكمة قانونية تتوفّر فيها الضمانات الكافية للعدالة، ومن قبل أشخاص مختصّين وذوي خبرة قانونية. والتخلّي عن تنفيذ أيّ عقوبة بالإعدام. 5- الابتعاد عن الأعمال الانتقامية والثأرية، ومنع حدوثها في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر، والحفاظ على الأمن والسلم الأهليين، ومنع أعمال السلب والنهب والاعتداء على المواطنين.
إن أيّ عمل عسكري لا يلتزم بالمعايير السابقة لن يخدم الثورة السورية، وسيتحوّل إلى عبءٍ حقيقيّ عليها، وسيجلب مخاطر متزايدة على الدولة والمجتمع السوريين. والشجاعة السياسية والأخلاقية تفترض بنا أن ندين أيّ عمل مسلّح يخرج عن هذه المعايير، فالإخلال بالمعايير أو الاشتراطات السابقة من شأنه أن يجرّ البلد والسوريين إلى كوارث لا تنتهي، كما من شأنه أن يأخذ الثورة السورية بعيداً عن الأهداف التي أعلنتها لنفسها، إذ ستكون الفوضى هي المصير الذي ينتظر السوريين.
ولعلّ المطلوب إلى جانب ذلك من المعارضة والجيش الحرّ على السواء، هو العمل على بقاء الحراك السلميّ والمقاومة المدنية هما الأساس وجوهر الثورة السورية المطالبة بالحرية والكرامة. كما نعتقد أن من واجب المعارضة السورية رفع وتيرة التنسيق بين أطرافها من أجل توفير مظلّة سياسية واحدة للجيش الحر تتيح له العمل في ظلّها، والتزام هذا الجيش بالبقاء تحت سلطة هذه المظلّة السياسية اليوم وخلال الفترة الانتقالية حتى يعاد النظر في إعادة بناء وهيكلة المؤسسة العسكرية.
إن المعركة مع النظام لتشييد الديموقراطيّة طويلة الأمد، وتحتاج إلى التحلّي بالصبر، وإلى تحقيق التفوّق على السلطة القائمة في كافّة المجالات، وخاصة في المجال الأخلاقي والقيمي والتنظيميّ.
المنبر الديموقراطي السوري 18 آب 2012
#المنبر_الديمقراطي_السوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المنبر يهنئ الرفيق فيصل يوسف والحركة الكردية من أجل مستقبل د
...
-
بيان صحفي
-
مهام لاتقبل التأجيل
-
المعارضة السورية أمام لحظة الحقيقة
-
من أجل وفاق وطني لحرية وكرامة الشعب السوري
-
بيان من أجل وقف القصف والدمار الذي يمارسه النظام في سوريا
-
رسالة المنبر الديمقراطي لحمدين صباحي
-
بيان المنبر الديمقراطي بخصوص المختطفين اللبنانين ،، حرورا هؤ
...
-
بيان حول القتل والخطف
المزيد.....
-
زيلينسكي: الحرب مع روسيا قد تنتهي في هذا الموعد وأنتظر مقترح
...
-
الإمارات.. بيان من وزارة الداخلية بعد إعلان مكتب نتنياهو فقد
...
-
طهران: نخصب اليورانيوم بنسبة 60% وزدنا السرعة والقدرة
-
موسكو.. اللبنانيون يحيون ذكرى الاستقلال
-
بيان رباعي يرحب بقرار الوكالة الذرية بشأن إيران
-
تصريحات ماكرون تشعل الغضب في هايتي وتضع باريس في موقف محرج
-
هونغ كونغ تحتفل بـ100 يوم على ولادة أول توأم باندا في تاريخه
...
-
حزب -البديل- فرع بافاريا يتبنى قرارًا بترحيل الأجانب من ألما
...
-
هل تسعى إسرائيل لتدمير لبنان؟
-
زيلينسكي يلوم حلفاءه على النقص في عديد جيشه
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|