ملاحظات اضافية حول الوضع في سوريا وموقف اليسار
عواد احمد صالح
2012 / 8 / 17 - 10:03
1- في مقالي المنشور في الحوار المتمدن في 9-8-2012 بعنوان ( الحرب الاهلية والتغيير في سوريا في ظل نتائج الربيع العربي ) قلت ان القضية السورية يتحكم بها اللاعبون الدوليون والدول الاقليمية امريكا ودول الغرب من جهة ودول الخليج وعلى رأسها قطر والسعودية من جهة احرى وان قضية الصراع والحرب الاهلية التي يغرق فيها المجتمع السوري اليوم بلغت مستوى عاليا من الحدة وأحدثت دمارا وقتلا لم يسبق له مثيل ...وان بقاء النظام الحالي او سقوطه لن يجلب الامن والاستقرار للمجتمع السوري ومهما كان شكل النظام السياسي المقبل ...فان مخاض التغيير في سوريا سيكون عسيرا وداميا كما هو الان .. وهنا لسنا بحاجة الى اعادة تحليل القضية من وجهة نظر طبقية فالاطراف المتنازعة يحاول كل منها انتزاع كعكة السلطة والنفوذ والمال والامتيازات الطبقية على حساب الجماهير الكادحة والمهمشة التي تشكل الغالبية العظمى من المجتمع السوري .. ان الحرب في سوريا باختصار شديد هي حرب بين الارهابيين ارهاب النظام وإرهاب خصومه ... ينتج عنها القتل اليومي والخطف والمفخخات والدمار والخراب والتشريد والبؤس والعوز انها حرب وصراع يجري في ظل نظرية الفوضى الشاملة والإضعاف والتفتيت الذي تمارسه القوى الامبريالية بمعاونة الخدام المحليين المعروفين على حساب الجماهير وباسم الدفاع عنها وعن حريتها ..!!
2- لم اتطرق في مقالي الى دور المحور الايراني – العراقي – حزب الله اللبناني في دعم النظام في سوريا لقناعتي ان دور هذا المحور لا يوازي نفس الدور التي يلعبه المحور السعودي القطري التركي الامريكي لمحدودية امكانية هذه الاطراف ايران وحزب الله كل منهما يواجه حصارا دوليا ..اما النظام الحالكم في العراق نظام ( الدولة الفاشلة ) والذي يعصف بشعبة العنف والقتل اليومي والفوضى فهو اضعف من يكون له تأثير سياسي في اي مكان وموقفه المخزي من استقبال اللاجئين السوريين الهاربين من جحيم الحرب الاهلية الدائرة في سوريا يكشف ضعفه وعجزه وخواءه السياسي ....هذا لا يعني ان ايران وهي اقوى اطراف هذا المحور لم تقدم دعما ماديا ومعنويا يأتي بشكل اساسي من منطلق الاستقطاب الطائفي القائم في المنطقة بين السنة والشيعة لاعتبار ان الطبقة الحاكمة في سوريا محسوبة على احدى طوائف الشيعة .. هذا الاستقطاب يساهم في تغذيته المتعصبون الدينيون من جميع الاطراف وكذلك القوى الامبريالية لاسباب متعددة يعرفها الكثيرون .
3- فيما يخص نقدي لدور الاسلام السياسي في المنطقة والذي اثار حفيضة بعض القراء والاصدقاء اقول بصراحة ومن وجهة نظر المنهج الماركسي الذي استخدمه في التحليل انني لا احكم على القوى السياسية والأفراد والجماعات من خلال افكارهم ومن خلال مايدعون بل من خلال فعلهم ودورهم السياسي الواقعي وبالتالي ان نقدي لدور احزاب الاسلام السياسي بمختلف اشكالها ومسمياتها ليس نقدا اخلاقيا بل هو نقد سياسي بالدرجة الاولى .اي تحليل الادوار السياسية التي تلعبها هذه القوى ضمن اطار الصراع الطبقي والاجتماعي .. بمعنى اي طبقات تمثل مصالحها هذه القوى وهل هي قوى تدفع بالتقدم والتطور الاجتماعي الى الامام ام انها قوى نكوصية تحاول العودة الى الوراء بعكس ما يتطلبه الاتجاه العام للتطور ومنطق العصر الذي نعيش فية ثم ان ادوارها السياسية بعد وصولها الى الحكم ورغم انها لم تتضح بصورة نهائية حتى الان الا انها ستصب بالتاكيد باتجاه ابقاء التمايز الطبقي والافقار والتهميش ولن تتمكن من حل المشكلات الاجتماعية العميقة والمزمنة مشكلات الفقر والبطالة وتحسين مستوى المعيشة وتطوير وسائل الانتاج والخدمات وتحقيق الامن والنظام وهي ستعرض المصانع والمعامل الى الاستثمارات مما يعني توسيع مساحة البطالة والفقر والعوز الاجتماعية ، هذا من الناحية الاقتصادية اما من الناحية العقائدية فستقوم وفقا للتعصب الديني الذي تروج له دائما .. بتوسيع هوة انقسام المجتمع الى طوائف واثنيات واعراق متمايزة ومتصارعة انطلاقا من مبدأ الاكثرية والاقلية ووفقا لفكرة ( انا على حق وغيري على باطل ) (وانا صح وغيري خطأ )... الخ بموجب نظرة احادية يجب ان يخضع لها الجميع .. وهذ العملية ستزيد من اجواء التوتر الاجتماعي وعدم الاستقرار السياسي بين مختلف المكونات الاجتماعية. وان هذه القوى ايضا ومن خلال مسار التجربة في العراق افصحت عن اعمق درجات الفساد الاداري والمالي والنهب المنظم لموارد المجتمع والمال العام وهي تعطل مجرى التنمية والتطور في اي مجتمع تحكمه . من هذا المنطلق لم اكن اقصد نقد الايمان الديني لعامة الناس فمن حق اي فرد ان يكون مؤمنا ويمارس طقوسه بكل حرية كما يريد .وعندما ننتقد ممارسات الاسلام السياسي يعني اننا نوجه نقدا سياسيا للذين بستخدمون الدين كأيديولوجيا سياسية بهدف تحقيق مصالح طبقية وخداع الجماهير والهائها في صراعات وعقائد جانبية وطقوس معينة وبهدف صرف انظارها عن قضاياها الاساسية وهي تطوير حياتها وتحسين مستواها المعيشي وتحقيق الامن والرفاه والسلام الاجتماعي لعموم المجتمع .
4- اما بخصوص موقف اليسار الثوري مما يجري في سوريا فأقول ان اليسار دائما كان ضد الحروب والدمار ويقف مع الناس البسطاء الكادحين والمحرومين عموما ، هذه الحرب الدامية التي تجري على ارض الشام الجميلة وتمعن في تخريبها وقتل ناسها ليس فيها طرف عادل واخر غير عادل انها تعبير عن صراع مصالح ونفوذ بين القوى البرجوازية المنتمية الى طوائف مختلفة انها شكل من اشكال الحروب الرجعية الشرشة في عصر العولمة المتوحشة التي تغذيها القوى الرجعية في المنطقة والامبريالية الغربية ، الجماهير في سوريا هي التي تدفع الثمن حياتها وامنها وكرامتها،
ان نظام بشار الاسد الذي امعن في قتل شعبه وتدمير مدن باكملها هو نظام فاشي لا مستقبل له ..شأنة شأن كل الانظمة الدكتاتورية الاجرامية ... ومن الجانب الاخر تمثل القوى المسلحة ما يسمى بالجيش الحر وبقية الجماعات المسلحة التي تقاتل ضد السلطة الحاكمة – مثلما حصل في ليبيا – خليطا غير متجانس من مختلف القئات والطوائف ذات التوجهات الرجعية والفاشية والتي لا تتورع عن ارتكاب الفضائع والمجازر بهدف التنكيل والانتقام من كل من هو محسوب على النظام صدقا او كذبا ..وقد عزز الدعم الخارجي التركي الخليجي الامريكي امكانياتها وقوتها واصبحت اداة منفذة لتحقيق مارب ورغبات واهداف الدول والاطراف التي تدعمها .
لقد قوضت الحرب الاهلية الشرسة في سوريا الاهداف الاصلية لاحتجاجات الجماهير الهادفة للحرية والتخلص من القمع والديكتاتورية وأصبحت سوريا - وكما ورد في بيان الحزب الشيوعي العمالي العراقي- ميدانا لــ ((الجماعات الرجعية البرجوازية الإسلامية والقومية للعب دورها المخرب وفرض آفاقها على حركة الجماهير وتوجيهها. حيث استطاعت تلك الجماعات فتح الباب واسعاً أمام التدخل الخارجي وتبريره ومنحه الغطاء اللازم وتنفيذها لمخططات الأطراف الإقليمية والدولية والمتاجرة بالأهداف الحقيقية لحركة الجماهير.)) ولذلك نحن امام افق مغلق اذ لايمكن لاحد ان يتوقع حصول تغيير حقيقي يخدم الغالبية الساحقة من الجماهير في سوريا وكما قلت في مقالي السابق : فان مشروع التغيير الحقيقي مشروع الجماهير العريضة الكادحة والمهمشة الطامحة الى الحرية والامان والخبز اي تحسين حياتها الاجتماعية وتوفير فرص العمل وتحقيق نوع من الرفاه الاجتماعي ومزيد من الحريات السياسية والاجتماعية والفردية وتوسيع اسس مدنية المجتمع وبناء دولة جديدة علمانية تقوم على اساس هوية المواطنة المشتركة دستوريا وفصل الدين عن الدولة .... هذا المشروع الانساني والثوري قد تم اجهاضه في سوريا بتدخل القوى الخارجية الاقليمية والدولية وتوسيع نفوذ وتاثير الجماعات الرجعية البرجوازية الطائفية ومختلف الفئات الاخرى المساندة لها .