تسونامي آسيا ماتوا لانهم فقراء


اسماء اغبارية زحالقة
2005 / 2 / 8 - 11:15     

التسونامي هو ظاهرة طبيعية لا علاقة لها بالثواب والعقاب، لكننا لا نُخلي الانسان من المسؤولية. الاحصائيات تشير الى ان الاحتمالات ان يتعرّض انسان يعيش في دول فقيرة للموت بكارثة طبيعية، اكبر ب15 مرة من احتمالات انسان يعيش في دولة غربية. والفقر ليس قدرا، بل هو نتيجة مباشرة لسياسة يمارسها الانسان.

اسماء اغبارية

لمرأى اطفال تمزقوا عن امهاتهم، وملايين مشردة، وافواه جائعة.. صامتة أخرسها هدير البحر الذي قتلها، يقف الانسان للوهلة الاولى عاجزا، اعزل، صغيرا كصغر سؤاله: لماذا؟

سؤال كبير وليس ساذجا على الاطلاق. انه ليس "لماذا" الذي يبحث عن الاجابة العلمية لكيفية تكوّن التسونامي، بل هو السؤال الخفي المثقل باللوم والغضب والرفض لهذا القتل الجماعي غير المبرر: لماذا كان يجب ان يموت كل هؤلاء؟ بماذا اجرموا؟

السؤال الذي قد يزعزع لدى البعض عقيدة ايمانية، وقد يؤدي لدى البعض الآخر الى تعزيزها، هو رد فعل طبيعي لتحولات كارثية من الحجم الكبير، فكم بالحري التسونامي الذي ضرب دول المحيط الهندي في 26 كانون اول 2004، واودى بحياة 165 الف انسان وشرد خمسة ملايين.



نظرية العقاب

مقاطعة اتشيه الخاضعة لحكم اندونيسيا، كانت الاقليم الذي دفع الثمن الاكبر من الضحايا بموت 104 آلاف انسان. تعيش في الاقليم اغلبية مسلمة ملتزمة بتعاليم الشريعة، لذا طرح السؤال بكل حدته: لماذا عوقبوا؟ الجماعات الاسلامية التي تتمتع بتأثير كبير في الاقليم هبّت تقدم التفسيرات.

يقين شامل يسود الاقليم بان التسونامي كان عقابا من الله الغاضب على شعب اتشيه لانه لا يلتزم مئة بالمئة بتعاليم القرآن والسنة، ويضاجع شبابه الفتيات قبل الزواج، ويشرب الكحول، ويقتل فيه المسلمون المسلمين (في الصراع المستمر بين الاقليم الساعي للانفصال عن الحكم المركزي في اندونيسيا).

الحزب الاسلامي في اتشيه تواجد بشكل مكثف في الاقليم في حملة التفتيش عن الضحايا ومساعدة المتضررين. ولا تعتبر الجماعات الاسلامية الوحيدة التي تسعى لاستغلال حدث معين، وتصوره كعقاب الهي وليس كنتيجة لتحولات طبيعية، بهدف زيادة نفوذها ونشر تعاليمها. سبقها الى هذا عبدة الآلهة في ايطاليا بعد حريق بومبي الناجم عن انفجار بركان فيزوف عام 79 للميلاد، حيث اعتبر الامر عقابا من الآلهة على الترف الذي عاشه اهل تلك المدن، فيما اعتبره اليهود عقابا من الله للرومان على هدم هيكل سليمان.

النهج نفسه تبنته الكنيسة الكاثوليكية في اوروبا في القرن الثامن عشر، في اعقاب الزلزال الكبير الذي بعث بتسونامي اغرق مدينة لشبونة البرتغالية وقتل 30-90 الفا من اهلها ودمر ثلث بنايات المدينة. بعد الدمار الذي حل بالمؤمنين وكنائسهم سئل السؤال في كل اوروبا: "كيف امكن حدوث ذلك؟".

جاري لوب الذي يأتي بهذه الحادثة في "ويكند اديشن" (1/1) يكتب ان اوروبا لم تعرف في تلك الفترة بوقوع الظاهرة في سنوات سابقة في مواقع مختلفة من العالم، ومنها تسونامي جمايكا عام 1692 الذي قتل 3000، وبيرو عام 1724 حيث قتل 6000، وكامتشاتكا بروسيا عام 1737، وميناء اوا في اليابان عام 1703 والذي قتل 100 الف انسان، وهناك حظي باسمه "تسونامي" الذي يعني "موجة الميناء".

وبسبب انحسار الكثير من المعلومات العلمية، رأى الكثيرون في الحادث عقابا الهيا على افعال البرتغاليين. وتبادل اليسوعيون الكاثوليك وطائفة البروتستانت الاتهامات بتحمل المسؤولية عن العقاب. الكنيسة اليسوعية التي اسست "محاكم التفتيش" (inquisition) في القرن السادس عشر بحجة معاقبة كل من يشذ عن الطريق القويم الذي تحدده الكنيسة، وملاحقة المعارضين السياسيين، استغلت في عام 1759 كارثة الزلزال لتهميش دور النظام ودفع برنامجها الديني والسياسي، من خلال الترويج الى ان الحادث كان عبارة عن عقاب.

مع هذا، كان من الصعب على رجال الدين ان يفسروا كيف انهارت الكنائس في حين بقي بيت الدعارة في المدينة ورواده احياء.

لا شك ان اصوليين من المسيحيين او المسلمين سيستغلون تسونامي آسيا للاشارة الى انه دليل على علامات الآخرة. وقد تساعد في ذلك ظواهر طبيعية تحدث هذه الايام في كاليفورنيا وحتى في قارة انتركتيكا، والتي ستفسر كغضب الهي على البشر الذين تمادوا في غيّهم. هذا مع العلم ان ظواهر كهذه وقعت في الماضي الغابر، حتى قبل مجيء الاديان السماوية، كتلك التي وقعت في الساحل السوري عام 2000 قبل الميلاد، والتي ستواصل الحدوث لاسباب جيولوجية بحتة.



سياسة الكوارث الطبيعية

واذا كنا نجزم ان تسونامي هو ظاهرة طبيعية لا علاقة لها بمعاصي البشر، ولا بالثواب والعقاب، فاننا لا نُخلي الانسان من المسؤولية. فالكوارث الطبيعية امر يمكن تفاديه، وليس حقا ان الطبيعة لا تفرق بين الاديان والقوميات، فالاحصائيات تشير الى ان الاحتمالات ان يتعرّض انسان يعيش في دول فقيرة للموت بكارثة طبيعية، اكبر ب15 مرة من احتمالات انسان يعيش في دولة غربية. والفقر ليس قدرا، بل هو نتيجة مباشرة لسياسة يمارسها الانسان.

لقد كان بالامكان تفادي عواقب التسونامي، فقد وصل الى شواطئ اندونيسيا والجزر الهندية بعد ساعة من الزلزال، والى تايلاند وسري لانكا بعد ساعتين، وبعد ست ساعات وصل الى افريقيا. كان هناك وقت للناس لتفر من الموت المحدق. فاين كان الخلل؟

لقد مات 165 الفا منهم لانهم كانوا فقراء. فبلدانهم لا تمتلك المال لتثبيت اجهزة الانذار، كما هو حال دول المحيط الهادي - الولايات المتحدة، اليابان وكندا. ولكن الاخطر ان الاجهزة الغربية التطقت الاشارات بحدوث الزلزال، ولكن الخبراء لم يكلفوا انفسهم عناء الاتصال بالدول المهددة لانذارها، وهو امر اعترف به جيولوجيون في الادارة الامريكية. مدير الادارة القومية الامريكية للمحيطات والاثير (اتموسفير)، تشارلز ماكريري، قال ان "دفاتر الهواتف لدينا لا تحتوي ارقام اي من الناس في هذا القسم من العالم" (هآرتس عن نيويورك تايمز، 31/12). حقا انه لعذر اقبح من ذنب!

أليس من سخرية القدر ان نرى جنود الولايات المتحدة ينقلون المساعدات للدول المنكوبة، بعد ان ساهموا بقصد او بغيره في نكبتها؟ وليس النقد ما دفع الرئيس الامريكي ان يهب للمعونة بمبلغ هزيل 350 مليون دولار، يعادل نفقات يوم ونصف من نفقات الحرب على العراق، كما يكتب فهمي هويدي في "الشرق الاوسط" (12/1)، بل اكتشافه الطاقة الكامنة في الكارثة. فليست الاحزاب الدينية وحدها التي تسعى لاستثمار الحادث، امريكا ايضا تسعى لاعادة نفوذها السياسي في المنطقة، كما انها تحتاج لعملية تجميل بعد انكشاف قبحها في دهاليز سجن ابو غريب بالعراق.

الادارة الامريكية الحالية هي ادارة اصولية متدينة ستسعى بلا شك لاستخدام الدين، كما فعل اليسوعيون في البرتغال في القرن ال18، لتواصل إطباق الخناق على الشعوب المقهورة. تلك الشعوب التي تساهم مؤسسات المال الامريكية والعالمية في اخضاعها لوطأة الديون التي تبقيها عميقا في الفقر الذي عرّضتها اخيرا للانجراف مع البحر الغاضب، ولا تضمن لها ابدا الخروج من دائرة الموت.

ستسعى هذه الادارة لتصوير نفسها على انها الحاكمة الرحيمة للعالم، في حين يواصل جنودها تقتيل الاطفال العراقيين في جو من التعتيم الاعلامي الامريكي؛ وتواصل سياستها التي تضع الربح فوق الانسان، تكريس الفجوة الشاسعة بين الاغنياء والفقراء، وتواصل تهديد الكرة الارضية الآخذة حرارتها بالارتفاع، بسبب التلوث البيئي الناجم عن المصانع الكبرى، ويتوقع ان تكون الدول الفقيرة اول من سيدفع الثمن.

اليوم تحظى امريكا بمديح الامم المتحدة باعتبارها من اكبر الداعمين لحملة الاغاثة، ولكن بعد ايام ستنزل القضية عن العناوين، ويتوقف الدعم المادي كما حدث في ايران والهوندوراس وبلاد منكوبة اخرى، ليعود النسيان لبلدان تحولت الى مقابر جماعية لمئات الآلاف من اهلها. حتى يحين موعد التسونامي القادم، اي بعد 300 عام بالمعدل.

عندها ستبكي الناس مئات آلاف آخرين، وستسأل: لماذا؟ ولن يكون ذلك عقابا من الطبيعة، بل اجراما من طبقة من البشر تفردت بالسلطة والثروة، بحق الغالبية العظمى من الانسانية المعدمة وحتى بحق الكون الذي فشلت فشلا ذريعا في حمايته فضلا عن منحه الازدهار والامان. لن تكون هذه علامات الآخرة، ولكنها قد تكون آخرة الانسانية، فهل هذا اقل ترويعا؟



الحقيقة العلمية

الكثير بات يعرف عن الظاهرة، والكثير لا يزال غامضا، مما يفسح المجال للنظريات الغيبية. وتشير الحقائق العلمية الى ان التسونامي هو عبارة عن امواج عملاقة تنتج عن الزلازل البحرية العنيفة. فعندما تتشوه فجأة ارضية المحيط بشكل عمودي، تدفع الماء الى اعلى، وتخرج عن توازنها. وبفعل قوة الجاذبية تسعى المياه للعودة الى وضع التوازن، فتأخذ بالانتشار السريع.

تختلف امواج تسونامي عن الامواج العادية في السرعة والحجم والخسائر التي تنتج عنها، فسرعتها تتراوح بين 500-700 كلم في الساعة وتصل احيانا الى 850 كلم في الساعة. (سرعة التسونامي الاخير وصلت الى 900 كيلومترا للساعة)، وقد يصل ارتفاعها الى 40 مترا.

وبينما لا يتجاوز عرض الامواج التقليدية امتارا معدودة، يبلغ عرض موجة تسونامي عدة كيلومترات، ويزن الكوب المكعب طنا دون اضافة ما يجرفه من اثقال في طريقه. لذا كمية الماء التي تحملها هذه الامواج وحجم الخسارة الناتجة عنها تكون فادحة.

تحدث الزلازل في احزمة رئيسية اقواها المعروف ب"حلقة النار" الممتد على طول الساحل الشرقي للمحيط الهادي، وهناك الحزام الممتد على طول الساحل الغربي للمحيط الهادي، والحزام الثالث هو المعروف بحزام جبال الالب الممتد عبر افريقيا واوروبا وآسيا.



المصادر:

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/0D1248FB-03E4-40CF-885A-9DAC6A2E1CA4.htm
http://www.geophys.washington.edu/tsunami/general/physics/earthquake