|
الثقافة البشرية – رد على مالوم أبو رغيف
وليد مهدي
الحوار المتمدن-العدد: 3770 - 2012 / 6 / 26 - 13:22
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ربما يكون هناك سوء فهم من الأستاذ أبو رغيف لجملة توجهاتي ، و أخمن بان جنابه الموقر لم يقرأ لي إلا كتابات محدودة .. وعموماً ، كان موضوع نقاشنا يتعلق بالجزء الخامس من ( مع الله في ملكوته ) ..
هذه المواضيع ، كانت توضح تجربتي الشخصية مع ظواهر سيكولوجية ( روحية كما تسمى في الوعي الشعبي ) وهي لا تعبر عن واقع تفكيري العلمي المحض في الوقت الراهن ...
جلها يرجع بالزمن إلى عشر سنوات مضت مبينة كيفية تفكيري في تلك الفترة وتعاطي مع جملة هذه المواضيع ..
لا اعرف لماذا وكيف بنى السيد بو رغيف الاستنتاجات باني أدافع عن الإسلام وعن نبيه محمد في جملته تعقيباته على المقال الوارد أعلاه ؟؟ بصراحة ، اعتبرت هذا خطئاً جسيماً ، فانا ربما أكثر ميلاً للمسيحية و تعالميها كونها تعبر عن روحانية خالصة مقارنة بتعاليم الإسلام ( العملية – التطبيقية ) .. مع ذلك ، لنبي الإسلام محمد أفضال لا تحصى على التاريخ شهد بها من دونوه ، الإسلام وبمقياس تطوري تاريخي كان موائماً لروح عصره .. والعودة لاستلال تعاليم الإسلام في تلك الحقبة لتطبيقها في وقتنا الراهن عبرت عنها بأكثر من محل في كتاباتي بأنها ردة مظلمة وسوء فهم للتاريخ من قبل المسلمين ..!!
لكن ، هذا لا يعني ، ومن ناحية انثروبولوجية علمية صرفة أن لا توجد هناك مسببات " تاريخية " وراء هذه الردة ..!! وتوعية وتثقيف الجماهير الإسلامية وحدها لا تكفي ما لم تعالج القضايا الأهم ، مصادر التلوث الحقيقية التي تقف وراء هذه الردة في العقل الجمعي الإسلامي .. كان تفسيري وتوضيحي لمنابع " التلوث " الفكري في الثقافة الإسلامية المعاصرة يعود إلى الهجوم الامبريالي الذي تتعرض له الأمة الإسلامية وثقافتها والذي استدعى وعلى نحو غريب زرع دولة إسرائيل ..
فلم تواجه اليابان هجوم الغرب بمثل هذه الطريقة على سبيل المثال ، ولا حتى الصين ، لان الغرب لم يزرع في داخلها كيانات " ماضوية " مشابهة ..!! و لو لم تكن هناك إسرائيل الدولة الدينية المستترة بالعلمانية .. المنغرزة - المنغرسة مثل خنجر في قلب العالم الإسلامي ، لكانت بلاد الإسلام والمسلمين علمانية بامتياز ، ويمكن الرجوع لبوادر نهضة فكرية في عموم العالم الإسلامي بواكير القرن الماضي قبيل تأسيس دولة إسرائيل ..!!
أما أن يقوم السيد أبو رغيف وجملة من يشتمون ويسبون الثقافة الإسلامية " الإرهابية " في الحوار المتمدن بتحميل محمد ودينه كافة التبعات ، فهذا ليس من المعرفة العلمية الأكاديمية في شيء ، لان الإسلام لم يهاجم أمماً أخرى ولم يغتصب أراضيها .. ما يقوم به المسلمون هو ردود أفعال " هستيرية " و " مجنونة " تجاه ما يتعرضون له من ضغوط تاريخية خانقة .. وقد وضحت هذا بإسهاب في العام الماضي في تعقيباتي على مقالات الزملاء كامل النجار ووفاء سلطان .. الإرهاب الاسلاموي الانتحاري وان كان غير مبرر أبداً ، لكن الغرب هو المسبب في تفشيه ، بل يعلم السيد بو رغيف بان الغرب راعيه ومموله أساساً في حربه ضد الشيوعية في القرن الماضي ..
المنهج المعرفي الذي أحاول إرساءه يناقش الوضع الطبيعي الذي كان من المفترض أن يتطور به العقل الإسلامي والثقافة الإسلامية بعيد سقوط دولة الخلافة العثمانية فيما لو سارت الأمور رخاء ولم تكن هناك حالة من نفير جمعي في عقول المسلمين تعيش هاجس المؤامرة وكراهية الغرب كما هي عليه اليوم .. المظاهر الروحية التي أسعى لتفسيرها إنما أكمل بها طريق المعارف الموروثة ثقافياً في العالم الإسلامي والتي ترجع أصولها للثقافات البابلية والمصرية قبل أن تنتحلها الثقافة العبرية الأساس الأبرز في التكوين الثقافي الإسلامي .. كما يذهب بهذا باحثون انثروبولوجيون كثر ومنهم الراحل محمد ارجون .. كنت ابحث في كل حادثة ورمز ثقافي في الوعي الجمعي الإسلامي عن سبب موضوعي وعلمي ، لدرجة إن الكثير من رجال الدين يعتبرون حديثي هذا تجديفاً وربما كفرا ، لان الروح من أمر الله برأيهم ولا يمكن تفسيرها علمياً .. اعتقد بان هذه المسالة هي محور اختلافي مع السيد بو رغيف .. فهو يعتقد بأنه لا توجد روح في الإنسان تلك التي على شاكلة ما تصفها الأديان .. و أقول للسيد بو رغيف : أنا لا ابحث يا سيدي الكريم عن تبرير لفكر الإسلام والمسلمين ، لا ابحث عن تبرير لفكرة الروح في الإسلام ...
ابحث عن تفسير للظواهر الروحية التي حفلت بها الثقافة الإنسانية منذ السومريين ( المشركين ) وحتى السوفييت ( الملحدين ) الذين اسموا العلم الذي يدرسها باسم السايكوترونك Psychotronic ..
وما توقفي في محطات دراسة الظواهر الروحية في الإسلام ومنها ( الوحي ) إلا باعتبار الإسلام وارث لكل هذا التراكم التاريخي وليس لكونه دين أو عقيدة أؤمن بها شخصياً ..!! أنا باحث يا سيدي الكريم ، واعتقد بان الظواهر الروحية لا علاقة لها بالعقائد كونها خلفية مشتركة بين كل أجناس وثقافات الجنس البشري ... ولا ادري لماذا يعتبر بحثي في جملة التكوين الثقافي الإنساني منذ الحروف الأولى في سومر ونهاية بنظريات الفيزياء و النيورولوجيا الحديثة في أوربا والولايات المتحدة واليابان إنما هو دفاعٌ عن نبي الإسلام محمد بنظرك ؟؟
العالم الانثروبولوجي ليفي شتراوس يعد أول من وضع نظرية عن وجود " خلفية " مشتركة للدين بين كل الثقافات .. أي وجود تكوين " أصيل " في ثقافة الجنس البشري يقوم بإنتاج الدين كحالة من تفاعل بين الفرد وبيئته من جهة ، وبين نتاج الأفراد ( المجتمع ) مع موروثهم الجمعي المتراكم من جهة ثانية ... فهل كان شتراوس يدافع عن الشريعة الموسوية بنظرك ؟ أم كان يحاول إرساء أسسٍ لمعتقداته " الماسونية " الروحانية عبر تطويع العلم في سبيل العقيدة ؟؟ هذه برأيي وحين تطرح تجاه أي باحث أو عالم أو مفكر حتى لو كانت له عقيدته الخاصة ستكون تهمة باطلة وغير مبررة وطرح غاية بالتعجل لا تتفق مع روح العلم والمعرفة ..
الفاضل أبو رغيف يقول :
دعنا من الانثروبولوجيا ... أي لنترك علم الإنسان الذي يدرس الثقافات و الأجناس البشرية ... فكيف يمكننا أن نناقش القضية الإنسانية وعلى أي علم نستند ؟؟
نستند على الجدل الكلاسيكي الفلسفي المفتوح القواعد والأطر كما هو عهد القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ؟ هذا يا سيدي الكريم ما لا يمكنني الخوض فيه البتة , لأنه بات من التاريخ ولن يجدي اليوم نفعاً كونه يتحول من نقاش علمي معرفي إلى نقاش عقائدي صرف ..!!
تبقى مسالة إني لم اذكر مصادري العلمية في هذه السلسلة ، فهذا يعود لطبيعة الموضوع كما وضحت في المقدمة ، وهناك الكثير من الأبحاث التي نشرتها في الحوار المتمدن وغيرها من المواقع الالكترونية على مدى سنوات وهي مواضيع ذات بنى علمية صرفة يمكن الرجوع إليها بهذا الصدد ..
ختاماً أقول ، شكرا للأستاذ أبو رغيف على إثراء هذا الموضوع بالحوار و أتمنى أن ينحو أي جدلٍ في أروقة الحوار المتمدن منحى علمياً صرفاً في المستقبل بعيد عن التخمينات والتصورات المسبقة التي تمس توجهات شخصية ذاتية لا علاقة لها بروح العلم والمعرفة البتة.
فمن يتصدى للفكر ويسعى لتحرير العقل العربي و الإسلامي من ظلمات جهالته عليه أن يواكب تطور العقل الإنساني و أدواته الحديثة المعاصرة !
#وليد_مهدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مع الله في ملكوته (5)
-
مع الله في ملكوته (4)
-
مع الله في ملكوته (3)
-
مع الله في ملكوته (2)
-
مع الله في ملكوته (1)
-
رؤية في استراتيجية الهيمنة الاميركية و دراسة علاقتها بازمة 2
...
-
افول الامبراطورية الاميركية ، هل من بديل ؟
-
ملكوت الله القادم(3)
-
البدء كانت الكلمة ..على شفتيك
-
الماركسية الانثروبولوجية
-
ملكوت الله القادم(2)
-
ملكوت الله القادم (1)
-
إمرأةٌ .. أمام مرآة !
-
الطريق إلى بابل
-
السيناريو الروسي لحرب الشرق الاوسط
-
سوريا قاعدة للجهاد الاميركي الجديد !
-
بابل و واشنطن و حربٌ على ضفة التاريخ
-
البحث عن ملكوت الله (3)
-
الإلحاد المزيف و المعرفة
-
البحث عن ملكوت الله (2)
المزيد.....
-
الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
-
بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند
...
-
لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
-
قتلى وجرحى في استهداف مسيّرة إسرائيلية مجموعة صيادين في جنوب
...
-
3 أسماء جديدة تنضم لفريق دونالد ترامب
-
إيطاليا.. اتهام صحفي بالتجسس لصالح روسيا بعد كشفه حقيقة وأسب
...
-
مراسلتنا: غارات جديدة على الضاحية الجنوبية
-
كوب 29: تمديد المفاوضات بعد خلافات بشأن المساعدات المالية لل
...
-
تركيا: نتابع عمليات نقل جماعي للأكراد إلى كركوك
-
السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|