|
صراع الأسود والثعالب .. ومواقف القوى الثورية
القاسم موسى محمد
الحوار المتمدن-العدد: 3745 - 2012 / 6 / 1 - 17:01
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
** تمهيد : من بين علماء الاجتماع السياسى المحافظين من يعتقدون أن وجود نخبة تستأثر بالحكم أمرا ضروريا لا مفر منه ، من ناحية لأسباب تعود إلى كون سلوك الجماهير العريضة عاطفيا غير عقلانى وأحيانا غبيا بشكل يجعلها ( الجماهير ) عرضة للخداع المستمر والسيطرة من قبل أناس _ من الناحية الأخرى _ يتمتعون بمهارات خاصة تجعلهم مؤهلين للحكم دون غيرهم ، ذوو المهارات الخاصة أولائك ينقسمون طبقا ل " باريتو" أحد منظرى حكم النخبة ..إلى طائفتين أساسيتين : الأسود والثعالب .. الرجال الأكثر جرأة وقسوة من العسكريين ورجال الدولة هم الأسود ، ورجال السياسة المراوغون الانتهازيون دائما هم الثعالب .. فتش عن أى مجتمع وفقا لتلك النظرية لتجده محكوما من قبل إحدى الطائفتين أو كليهما تجد تلك النظرية السطحية والمعادية للديمقراطية الثورية تطبيقا عمليا فى الظرف الراهن الآن ..فالصراع الناعم الذى بدأ يدور بين العسكر والإخوان هو صراع ثعالب وأسود يسعى كل منهما لكسب مزيد من السلطة على حساب الطرف الآخر ، ليست قوى الثورة طرفا فيه وإن كانت بالطبع تتأثر به وربما تؤثر فيه أيضا، بدأ الصراع بتحالف متوتر وخفى نتج عن فراغ جزئى فى السلطة أو بالأدق فراغ فى " الشرعية " حيث نجح الضغط الثورى فى إجبار أحد أجنحة السلطة على إقصاء جناح آخر "وربما كان هذا الإقصاء رغبة مكنونة للعسكر "وقبول شعارات الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ومن ثم بدأ التفكير فى تأسيس شرعية جديدة وإيجاد سلطة بديلة .. لكن القوى المفجرة للثورة تكونت أساسا من مجموعات من الحركات الاجتماعية الجديدة التى لا تتسم بقدرة على التنظيم و تنبذ الحزبية التقليدية فضلا عن أن قوة القمع فيما قبل اندلاع الثورة حرمت هذه القوى حتى من أن تتبلور وتنتج أى رؤية واضحة أوتطرح شعارات محددة هذه الحركات الشبابية نجحت فى لحظة تاريخية معينة أن تجذب إلى شعاراتها الثورية العامة ملايين من الجماهير الشعبية التى عانت من الاستبداد والإفقار والتهميش ، لكن مع محاولة السلطة التعامل مع الثورة بأسلوب يمزج بين القمع المباشر والاحتواء وحين استخدمت السلطة أدوات الدعاية المضادة من خلال الإعلام وأجهزة الدولة الأيدلوجية برزت أزمة غياب التنظيم حين بدأت قطاعات كبيرة من الجماهير تنفض عن الحركة الثورية .. إما استجابة لتزييف الوعى أو نتيجة التعرض للضغوط الأمنية والمخاوف الاقتصادية( أو كلاهما معا) التى كانت أقوى سلاح فى يد النظام الذى تمتع طيلة عقود بسيطرة كاملة على الدولة والاقتصاد معا حتى فيما بعد النيوليبرالية عبر شبكة من عصابات رأس المال ذات النفوذ السياسى والسطوة الاحتكارية ، بدا المجلس العسكرى جادا فى إشراك أطراف جديدة فى السلطة(حيث لم يكن من بين خياراته المتاحة السيطرة المباشرة على السلطة فى ظل حالة ثورية قامت أساسا ضد السيطرة الدكتاتورية التى كانت الطبيعة العسكرية القمعية لها سببا أساسيا فى اندلاع الثورة) لكنّه منذ البداية تفهم الطبيعة العفوية والغير منظمة لقوى الثورة ولعب عليها من خلال خلق بدل الحركة والائتلاف ألف ائتلاف وألف ممثل سياسى إمعانا فى إشاعة الارتباك حول طبيعة الثورة ومطالبها وحتى مصدرها ( القوى الخارجية والطرف الثالث فيما بعد ) هذا الارتباك ساهم فى تكريس سلطة المجلس العسكرى كبديل وحيد وطرف محايد وهمى بين الثعالب الطامعة فى القفز على السلطة وحتى بين سيل الائتلافات والحركات المزعومة .ومن المملّ هنا أن نعيد سرد مواقف الإخوان الذين بدوا مستعدين لأن يكونوا السلطة البديلة عبر تحالف رأسمالى يكون الإخوان نواته الأساسية باعتبارهم التنظيم الأكثر جاهزية وبالتالى الأكثر قدرة على طرح نفسه كبديل ومن ثم إنهاء الحالة الثورية فى أسرع وقت ومقاومة الشعارات الجذرية للثورة عبر خلق معارك جانبية سياسية ثقافية - وعبر استغلال الدين فى إقناع الناس بخطورة الشعارات الجذرية التى ليست خطرا فى الواقع سوى على أصحاب المصالح من الرأسمالية الطفيلية مدنية وعسكرية على السواء واللتان التقت مصالحهما فى تلك اللحظة ممثلتين فى الإخوان والمجلس العسكرى كلاعبين أساسيين فضلا عن بعض القوى السياسية التى شارك كل منها بقدر وزنه النسبى وقدرته على لعب دور فى سيناريو الاستفتاء والانتخابات فيما بعد ..... - إن فهم الطبيعة الاجتماعية والسياسية للأطراف المتصارعة يمثل المدخل الصحيح لتحديد الموقف الثورى الذى يحقق أفضل النتائج الممكنة لقوى الثورة والجماهير الشعبية ، وبتبسيط مخلّ فإن المجلس العسكرى يمثل رأسمالية الدولة المتوحشة الإرث المرّ للدولة الناصرية المنهارة التى عبر تطورها التاريخى كدولة استبدادية قمعية أزاحت عن كاهلها أى التزام اجتماعى أو وطنى وسط تأثير محدود للمجتمع المدنى ككل (أحزابا ونقابات وجماعات لم يكن لها فعليا تأثير أو مساحة للحركة والنمو) وتأثير أكبر للقوى الدولية التى حولتها إلى نموذج مشوّه وتابع فأصبح القادة العسكريون فضلا عن رجال الدولة وأجهزتها ككل صنفا من المرتزقة ومحترفى النهب المنظم وعبودية العمل باسم الخدمة الوطنية لأبناء الشعب ، أما الإخوان فهم يمثلون القطاع المحافظ من الرأسمالية المصرية الجديدة التى هى أيضا بطبيعتها البنيوية تابعة وغير مسؤولة حيث أنها نمت فى ظروف من الفساد العميق شكلت العلاقة بين القطاع الخاص والمجتمع المدنى كله وبين الدولة المستبدة ، يتميز الإخوان أنهم بسبب مشروعهم الأيدلوجى تعرضوا لضربات كثيرة من الدولة أعاقت تمكنهم من لعب أى دور فى تغيير حقيقى أو فى الامتزاج بالدولة مثلما حدث مع رجال الأعمال الجدد فى السنوات الأخيرة من حكم مبارك ، وظلوا طيلة سنوات فى شد وجذب ومساومات مع الدولة أثرت فى تطوير أفكارهم وخطابهم السياسى والذى سنتطرق إليه فيما بعد ، إذن رغم الاختلاف الحاد بين الاتجاهين إلا أن لهما جذورا طبقية متقاربة ولهذا فإن فرص التحالف ممكنة بقدر ما هى فرص الصدام خاصة فى ظل ظرف ثورى يخلق حالة من عدم استقرار الحكم وعدوا مشتركا هو الطموحات الكبيرة لجماهير الثورة ولجيل جديد من الشباب الذى تشكل وعيه بعيدا عن الفضاءات الضيقة للدولة والأيدلوجيا ..وإذا نظرنا بإمعان للموقف الراهن فإن صراعا مشابها دار فى الخفاء بين رأسمالية جمال مبارك وعصابته وبين العسكر فى ظل النظام السابق لم يصل للاحتدام بسبب طبيعة الظرف المستقر وإمكانية التوافق وتقاسم المغانم وتوزيع التركة فى جو من الرضا والطمأنينة ، إلا أن موقف العسكر الواضح من أحمد عز وجمال مبارك أثناء الثورة يبرز العداء المكنون لمشروعهم الذى كانت نهايته الحتمية ستؤدى إلى تفكيك كثير من رأس المال المتركز فى يد القوات المسلحة لمصلحة رجال الأعمال الجدد وحلفاءهم من الرأسمالية العالمية ووفقا لبرامج صندوق النقد الدولى والبنك الدولى التى بدأت دخول مصر منذ الثمانينات ولاقت مقاومة ليس من قوى المجتمع أو الحركة العمالية أو اليسار التى كان من السهل السيطرة عليها من قبل دولة تعمقت خبراتها فى القمع وإسكات القوى الاجتماعية وتصفية التنظيمات السياسية والنقابية بل من العسكر أنفسهميختلف الإخوان عن رأسمالية جمال مبارك ليس فى التوجهات الاقتصادية النيوليبرالية التى تكاد تكون متطابقة عندهما بل فى المشروع الأيدلوجى للإخوان الذى يشكل العنصر الذى يميزهم عن باقى الفئات الرأسمالية التى تفضل لعب دور هامشى ولا تطمع سوى فى حكم مستقر تقدم أوراق ولاءها له يمثل تلك الفئات الأخرى أحزابا مثل الوفد وصحفا وقنوات فضائية تنطق بكل الأيدلوجيات وتراهن على الفائز أيا كان وتلعب على مشاعر الجماهير وتستخدم حتى الثورة والشهداء فى تحقيق الربح الرأسمالى ولهذا فضلت تلك الفئات إمساك العصا من المنتصف واتخاذ مواقف مائعة وهلامية ولم تفكر حتى مجرد تفكير فى الدفع بمرشح رئاسى يمثل أى خط سياسى بديل "ليبرالى مثلا "، إنها رأسمالية جبانة اختارت أن تدعم مرشحى النظام القديم فى العلن أو الخفاء وتساهم فى تمويل حملاتهم أو تكتفى بالمشاهدة بالنسبة للقطاعات التى تفضل البعد عن السياسة كفكرة ثقافية قديمة ووجيهة على اعتبار أن لعبة السياسة فى مصر خطرة وتجلب الخسائر فى أحيان كثيرة ** المشروع الأيدلوجى للإخوان : إصلاحية أم فاشية ؟ كانت التحليلات المختلفة لطبيعة جماعة الإخوان تدور بين تصنيفين من يرى فى الإخوان تيارا إصلاحيا سيؤدى فى حال تمكنه من السلطة السياسية على الأقل من خلق مناخ سياسى واجتماعى أفضل ، ومن يرى فى الإخوان تنظيما فاشيا يسعى للسيطرة على الدولة وتسخيرها لخدمة مشروعه الأيدلوجى ومن ثم قمع الخصوم وخنق الحريات وإقامة دولة دينية قريبة من النموذج الإيرانى تقطع الطريق على أى تغيير ديمقراطى ثورى حقيقى ، وسنترك وراء ظهورنا النقد الغير موضوعى الذى طالما وجهه منظرو الدولة ومطبلوها للإخوان والذى ينفصل فى تحليله عن أى بعد اجتماعى حقيقى حيث كان الهدف من ذلك النقد تقديم خدمة للنظام على اعتبار ان الاخوان يشكلون خطرا على الدولة بشكل أو بآخر..ولكن حتى فى صفوف المحللين الثوريين من داخل مصر وخارجها وجدت الرؤيتان وإن كانت الرؤية الثانية أكثر شيوعا نظرا لاستخدامها المستمر من قبل الدولة فى محاولة بائسة وفاشلة لتسييدها دون أن يدركوا أن تواجد الكادر الإخوانى فى وسط الجماهير باستمرار حال دون تصديق الجماهير أى نقد ولو كان موضوعيا خصوصا مع فشل اليسار المصرى صاحب الخبرة السياسية والمشروع الاجتماعى القادرعلى مواجهة الإخوان كقوة رجعية بعد ضربه بواسطة السلطة من خلال قمع أحزابه أوتفكيكها عبر اختراقها أمنيا ثم وجود ظرف دولى لم يمكن بقاياه من إعادة بناء وتطوير رؤيته وتنظيماته وتلك قصة أخرى ..ولنعد لتحليل المنهج والتنظيم الإخوانى .. بداية يعد اللعب بالمفاهيم من أكثر أسباب الفشل فى الوصول لفهم عميق لأى حالة سياسية ..فمثلا كون الإخوان يطرحون أنفسهم ك"إصلاحيين " لايعنى أبدا كونهم كذلك بالمعنى السياسى الدقيق للكلمة والذى يستتبع عند البعض خطا معينا فى التحالفات وفقا للعقيدة الأيدلوجية كما نرى عند تحليلات منظمة الاشتراكيين الثوريين التى تبنت تلك الرؤية دون إنتاج أى نوع من القراءة العلمية العميقة للإخوان كتنظيم ومنهج كما أن التصنيف السياسى ليس دائما بالدقة التى يظهر بها حيث أن كل حالة وظرف سياسى يخلق تغيرات من الممكن أن تؤدى لتداخل وامتزاج مفاهيم متناقضة وخلق تركيبة جديدة تماما معقدة بحيث يجب تحليلها بالتفصيل فى ضوء ممارساتها كما فى ضوء خطابها ..فالإخوان جماعة محافظة سياسيا وإصلاحية من حيث كونها معارضة غير ثورية أو كما يصفون أنفسهم : ضد الأفكار الانقلابية من حيث أن من كانوا فى الحركة الإسلامية على يسارهم (بين قوسين) أنتجو تجارب بنيت على العنف الفردى وتكتيك الاغتيالات رغبة فى السيطرة الفورية على جهاز الدولة كوسيلة لتطبيق الشريعة .. ولنأخذ تلك الملاحظات الدالّة عبر التطور التاريخى للإخوان: منذ تأسيس الإخوان وحتى سنوات السبعينات فتش فى كتاباتهم عن أى ذكر لكلمة الديمقراطية ولن تجدها مذكورة إلا بكل السوء !ولنأخذ موقفهم قبيل أزمة مارس 54 وأثناءها كدليل عملى على كونهم وقتها معادين للديمقراطية كنموذج سياسى وضد التعددية الحزبية كفكرة اجتماعية سياسية حتى ذلك الوقت ، رغم أنهم الآن فى معرض نقدهم للحقبة الناصرية قد ينتقدون"دكتاتورية" عبدالناصر وكأنهم وقتها كانوا أنصارا مخلصين للديمقراطية وسلطة الشعب وكأنهم لم يكونوا ضد الإصلاح الزراعى وضد الديمقراطية على السواء ! فهم يمارسون من موقعهم ومواقفهم الآنية نقدا بأثر رجعى لتجربة تاريخية كان موقفهم فيها أسوأ بلا شك من موقف بقية الأطراف مجتمعة بما فيها عبدالناصر نفسه الذى استنسخ فيما بعد التجربة السوفيتية الشمولية فى الحكم طمعا فى السيطرة على السلطة ولكنه فى نفس الوقت قام بثورة اجتماعية حقيقية قضت على الإقطاع كان الإخوان أنفسهم ضدها ومساندين للرجعية على طول الخط وخصوما ألداء للديمقراطية وأنصارها والناصريون أنفسهم فى الوقت الراهن ومنذ زمن مؤمنون بالديمقراطية والتعددية الحزبية من حيث هى طريق لابديل عنه لتحقيق الإصلاح السياسى فرضه واقع جديد بمتغيرات جديدة وقبل به اللاعبون السياسيون بما فيهم الإخوانوالواقع أن الإخوان لم يقرّوا بشكل واضح بإيمانهم بقضية الديمقراطية إلا فى عام ....فى وثيقة مكتوبة صدرت لأول مرة عام 1994 ونصت على بعض المبادىء العامة مثل : الأمة مصدر السلطات .. إلخ.... ولاشك أن التحول الفكرى كان نتيجة تفاعلات سياسية كثيرة منذ أن سمح لهم السادات بمساحة من الحركة والعمل السياسى والنقابى ثم استخدمهم مبارك كنقيض معتدل للحركات الاسلامية العنيفة وفى وجود فرص أكبر للمشاركة السياسية كان الطابع البراجماتى للاخوان سببا فى اتخاذهم موقف معلن واضح من الديمقراطية وتطورت من هنا شعاراتهم السياسية عبر مشاركتهم فى الحياة البرلمانية والنقابية ودخولهم فى تحالفات قائمة على مصالح مشتركة مع قوى أخرى من حزب الوفد الجديد فى 87 وحتى انقضاض النظام عليهم منذ نهاية التسعينات بعد التصفية الكاملة للجماعات الإسلامية العنيفة حيث دخل الإخوان فى تحالفات أوسع مثل اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة وحتى الجمعية الوطنية للتغيير قبيل سقوط مبارك هذه قراءة مختزلة فى مواقف الإخوان السياسية التى تعكس إيمانا غير عميق بقضية الديمقراطية خاصة إذا انتقلنا إلى إنتاجهم الفكرى الذى لا يؤسس رؤية سياسية معلنة واضحة الملامح وخطابهم الذى يرتكز على التعميم ويطرح شعارات شعبوية مثل الإسلام هو الحل ، أما عن تنظيم الإخوان فهو تنظيم فاشى بكل المقاييس مركزى ومساحة الديمقراطية فيه غير حقيقية حتى لو كان مجلس الشورى ومكتب الإرشاد منتخبين بشكل ما، فهذا الهيكل يشبه الهيكل القيادى للأحزاب الشيوعية القديمة التى تكون السلطة فيها للجنة مركزية منتخبة من المؤتمر العام ومكتب سياسى أضيق يوازى مكتب الارشاد عند الإخوان ، لكن الفارق الجوهرى أن الإخوان طيلة تاريخهم لم يعقدوا مؤتمرا عاما ولم يقر الأعضاء لائحة النظام الداخلى ولا البرنامج والرؤية السياسية التى فرضتها دائما النخبة القائدة التى تحكم بالسمع والطاعة وتنطلق رؤية الإخوان (الإصلاحية) من الفرد كوسيلة لإصلاح المجتمع بحيث يمر المنتسب بمراحل من التربية الروحية والأخلاقية والفكرية قبل انضمامه رسميا للجماعة ونقاوة الكادر سبب أساسى فى تماسك تنظيم الإخوان برغم الخلافات والمواقف الانتهازية الكثيرة التى يتخذونها فهذا الكادر ليس فقط مضمون ولائه للجماعة بل هو ينتقى بعناية بحيث يصبح مرتبطا بالجماعة ارتباطا شبه عائلى تستفيد منه ويستفيد منها ووفقا لتلك الرؤية فإن هذا الفرد الذى تربى بطريقة خاصة هو القادر على قيادة المجتمع للإصلاح وفى ممارسة السياسة يكون المنهج الإصلاحى معناه أن القيادة تكون للأصلح وبعبارة أخرى فإن أزمة الفساد فى الدولة والمجتمع هى أزمة فساد أخلاقى وروحى بالأساس أكثر من كونها مرتبطة بظروف اقتصادية واجتماعية وأسلوب إنتاج وعلاقات طبقية ما(وهى رؤية ليست بعيدة عن تنظيرات الكتاب المحافظين والمنتمين لليمين المتطرف فى الولايات المتحدة أو بريطانيا) ولهذا فإن استبدال الصالح بالفاسد هو المنطلق للتغيير للأفضل ومن ثم ليس هناك من هو أصلح من هذا الكادر (الربانى) المخلص فهو الذى سيتسلم أجهزة الدولة تدريجيا حتى يتحقق الإصلاح المنشود ..حدث هذا فى السودان عقب سيطرة الإخوان على الحكم صحيح أن المجتمع المدنى فى مصر رغم هشاشته أقوى بكثير من نظيره فى السودان إلا أن احتمالية وقوع ذلك تظل واردة والاحتمالية الأخرى الواردة أكثر فى التوصل لتحالف استراتيجى بين الإخوان والعسكر رغم أن نوايا العسكر الواضحة تعكس رغبتهم العارمة فى التخلص من الإخوان وحرقهم سياسيا وهو ما لم يفطن إليه الإخوان حين اندفعوا فى التحالف مع المجلس العسكرى منذ استفتاء 19 مارس **لماذا نجح شفيق ومرسى؟ يرتبط تحليل سلوك المواطنين من المشاركة السياسية بعوامل ومتغيرات متعددة هذه العوامل نفسها مرتبطة ببعضها وبالظروف الموضوعية وأولا بنوع المشاركة نفسها فالمشاركة فى التصويت تختلف عن المشاركة فى الاحتجاج الثورى من حيث كون الأولى عملا بسيطا لا يتطلب مجهودا وكونه مدعوما ومحفزا من قبل قوى الثورة المضادة قبل قوى الثورة فى حالتنا ،ورغم أن هذا المقال يركز على عامل الانتماء الطبقى كمحدد أساسى للسلوك السياسى للجماعات المختلفة إلا أن عوامل أخرى لا تقل أهميتها عموما كما فى حالة الانتخابات الرئاسية الراهنة مثل : النوع والعرق والطائفة ،والخلاصة ارتباط كل تلك العوامل بتحديد الثقافة السياسية ومن ثم اختيارات الناخب ، ودراسة كل عامل من تلك يحتاج لدراسة منفصلة وعلى سبيل المثال فإن عدم وجود حركة نسائية فاعلة فى مصر أمر يستحق الوقوف أمامه خصوصا فى الحالة الثورية التى فتحت الباب لتعبير كثير من الفئات الاجتماعية المهمشة والمضطهدة عن مطالبها مثل الأقباط والتنويعات المختلفة للطبقة العاملة وحتى النوبيين مثلا ، ولنعد للانتخابات فإن تصدر شفيق ومرسى يعكس دلالات عدة بخلاف نسبة الأمية والفقر وبالتالى استخدام الخطاب الإعلامى الذى يزيف الوعى وأيضا المال السياسى فى توجيه صوت الناخب ، هناك أيضا دلالات مهمة : فهذان الطرفان هما بلاشك الأكثر قدرة على خوض معركة انتخابية كبيرة ومكلفة من حيث توافر الموارد اللازمة للدعاية والتنظيم المؤهل للتخطيط لكسب عدد معين من الأصوات فى ضوء بيانات محددة وخطط عمل مدروسة فشفيق كان وراءه جهاز الدولة القديم الحالى بشبكة من رجال الأمن والمخابرات والسياسيين المتنفذين فى الأقاليم المختلفة من أصحاب المصالح رجال الحزب الوطنى فضلا عن لجنة الانتخابات المتواطئة والتى شكلها المجلس العسكرى بطريقة معينة لهدف فى نفس يعقوب، أما مرسى كان وراءه تنظيم جماعة الإخوان بقدراته المالية والتنظيمية وخطابه الدينى السائد الذى حصد مع السلفيين أكثر من 70 بالمائة فى انتخابات البرلمان حين تم حشد الناس على أساس دينى فى مواجهة الكتلة المصرية التى صنفها الإسلاميين كأحزاب (مسيحية) ،وإذا كانت القوى الثورية التى شاركت فى الانتخابات قد خاضتها مع علمها وتنبيهها الكامل على تلك العوامل وقبلها إمكانية تزوير الانتخابات تزويرا مباشرا والتى تظل مرجحة وواقعة فى المرحلة الأولى ومتوقعة فى الإعادة أيضا ، فإن عليها الآن أن تحدد موقفا واضحا من الإعادة بشكلها الحالى وأن تتجاوب مع تساؤلات جمهورها بطريقة موضوعية وبالشكل الذى يعكس أفضل تكتيك ممكن فى معركة نعرف جميعا أنها لن تكون أم المعارك ولا آخرها ولا أكثرها حسما مع كون شرعية هذه الانتخابات قابلة للسقوط بسهولة ربما إذا نجحت القوى الثورية فى أخذ الموقف الصحيح والأهم فى صياغة استراتيجية للعمل فى المرحلة القادمة تمكنها من طرح البديل الواضح حال انفجرت الأزمة الثورية فى أى وقت مفاجىء ** أى المواقف أفضل للقوى الثورية ؟ المشكلة فى تواتر طرح غير عميق وعاطفى وملىء بالإحباط لهذا التساؤل الهام ، ونظرا للظروف الذاتية للقوى الثورية من حيث ضعف قدرتها على التنظيم والحشد والتواصل مع الجماهير تمكن الإحباط من كثيرين طرحوا السؤال على طريقة السىء والأسوأ وتوصلوا لاستنتاجات مختلفة فمنا من قال نختار السىء على الأسوأ ومنا من قال نقاطع الانتخابات وفى حاجة كل قوة إلى تبرير موقفها ظهرت بيانات وتصريحات غير موضوعية ومشوبة بفهم ظاهرى للأمور ، أزمة كل هذه المواقف أنها وضعت الشخصين فى مواجهة بعضهما وكأن نجاح أحدهما سيترتب عليه حتما هيمنة أى من الطرفين الذى يمثله الفائز وهذا غير حقيقى حيث يهيمن العسكر على كل السلطة ومن المستبعد حال نجاح مرسى ان يتنازلوا حتى عن السلطة السياسية فعليا ، وبالتالى يجب تناول الموقف فى ضوء النتيجة والمسارات المحتملة التى سيستتبعها نجاح هذا أو ذاك ومن هنا يمكن أن يبنى موقف ثورى صحيح ، وإذا كانت المقاطعة والحياد السلبى مرفوضة لأنها لا تقدم ولا تؤخر ، فإن المقاطعة الإيجابية تعد أفضل الخيارات ولعل ما طرحه حمدين صباحى الذى كان نجاحه أكبر مكسب للقوى الثورية من حيث صارت شعارات برنامجه التى هى من شعارات الثورة فعليا وليس ظاهريا أقول صارت معتبرة وذات ثقل سياسى فى ميزان الشرعية الزائفة التى تبحث عنها القوى الانتهازية وفى مقدمتها الإخوان ، أقول إن ماطرحه حمدين من ضرورة وجود بديل قوى يوحد كل الثوريين حول استراتيجية ورؤية واضحة ومن ثم مسار يدفع بنا إلى تجاوز أزمة التنظيم التى تعيقنا وتجعلنا نتلقى الضربات دون وعى ونكرر أخطاءنا باستمرار .. هذا هو الخيار الأول المقاطعة مع توضيح موقفنا للجماهير قدر الإمكان والأهم مع الوقوف والتفكير فى تلك الاستراتيجية الثورية للمرحلة القادمة ، أما الخيار الثانى الذى لا أرى غضاضة فيه هو الدعم المشروط لمرسى ليس على أساس كونه إصلاحيا كما يزعم بيان الاشتراكيين الثوريين وليس على أساس مثالى كما يطرح نفس البيان بمنطقه الذى يجعلنا ننوه للرفاق الاشتراكيين الثوريين أن الثورية والموقف الثورى لا علاقة له بالماسوشية وأن إنكار الذات كصفة ذاتية لأى ثورى حقيقى لا تنسحب على أخذ مواقف سياسية تابعة لقوى تعد على أقل تقدير من القوى المعيقة لاستمرار الثورة وتحقيق أهدافها ، إن دعم مرسى المشروط هو تكتيك جيد فى إطار أن فاشية الإخوان لن تجد لها طريقا فى ضوء الظروف الموضوعية على الأقل فى المدى القريب والمتوسط ، فالمعركة طويلة ودولة العسكر لن تسمح لأى مشروع أيدلوجى باختراق الدولة ولو تدريجيا،هذان الموقفان باختصار مطروحان لكن الأهم منهما هو البحث عن البديل المنظم الذى سيواصل المعركة الطويلة القادمة وحتى لو وصل الأمر للتطور العنيف الشامل أو الانقضاض على الثورة من قبل العسكر ممثلين فى شفيق أو من قبل غيرهم .. _ملاحظات هامة : 1-هذه المقالة محاولة من كاتبها الذى هو قارىء عادى للكتابة بروح علمية تغيب عن أكثر الكتابات السياسية وخاصة الصحفية فى مصر ، وإذ لا يدعى الكاتب دقة الاستنتاجات واستخدام المفاهيم العلمية فإنه يحاول تطويرها قدر الإمكان 2-كثير من التصنيفات الطبقية الواردة هنا غير دقيقة ومعممةمن حيث عدم توافر بيانات علمية دقيقة وعلى سبيل المثال فإن محمد فريد خميس أحد رموز الرأسمالية الكبيرة وهو رجل أعمال مدنى يستعين فى إدارات شركاته برجال الجيش المتقاعدين ومعروف أن المواقع التى يشغلها رجال الجيش المتقاعدين لا توزع عشوائيا فهم يحكمون الدولة ( الحكم المحلى والهيئات المختلفة) كما يخترقون القطاع الخاص نفسه 3-هذه المسودة الأولى فى طريقها إلى التعديل فى أقرب وقت
#القاسم_موسى_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليسار المصرى - الخروج من النفق المظلم
المزيد.....
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|