اسراء الجزائري
الحوار المتمدن-العدد: 3738 - 2012 / 5 / 25 - 06:07
المحور:
المجتمع المدني
اسراء الجزائري
الاصولية المتمدنة.............
الاصل في حقائق الامور ان تكون اما عابرة او ثابتة,فهي تختلف طبقآ لمحل التطبيق ووفقا لمصدر الانبثاق,ولكن نادرآ ما نجد من يبحث عن الحقيقة المنطقية,لان المنطق مستند للعقل وبغياب العقل او دخوله في سبات نجد ان الامور تدريجيا تبدأ بمجافاة المنطق,وهو امر وارد خصوصا بوجود وتدعيم الدغمائية,التي تشير لجمود العقائدي الذي يشكل بواقعنا الحالي ابرز المشاكل العصر,وعلى جميع الاصعدة,حيث جُسد التاريخ الحديث والماضي القريب,والذي بدأ بتحديد حسب اعتقادي الشخصي منذ وفاة الرسول الاعظم(عليه افضل الصلاة والسلام)ظهور مذاهب عدة لكل منها اتجاهاتها وانتماءها,فكان السبب الرئيس بظهور الاصولية الاسلامية,كما تسمى التي هي مرادفة للاصالة والراديكالية واستخدام الدين والشريعة وسيلة لاثبات الذات او الوصول لغايات من منظور خاص,حيث بدأ الاسلام حينها يدخل حيز التقنيين والنسخ,وهذا امر بديهي وطبيعي كون الطبيعة البشرية تمتلك خيارات متباينة تسعى جميعها للوصول للمنطق حسب منظوها ,وهذا مقرون بالنظرية النسبية لكل شخص,فليس من المعقول تفنيد جميع الاراء والغاء الاخر وتزمت بفرض الرأي لمجرد التمسك بحقائق مدعومة بالاحكام الشرعية,وبحجة التمسك بأتون النص الذي لا يمكن الخروج عن مساره.
فوجود الاحكام الشرعية البينة في اي من مفاصل الحياة لايحول من وجود الشورى والاجتهاد والتدارك والاستدارك بالمقابل,وهذا امر شرعي كذلك فالتفكير والتفكر,سمة وقيمة انسانية عليا تسمو عن التقليد الاعمى,وهذا لايخلو من وجود نظرة مستقبلية قابلة لتجديد فالاسلام دين عصري يناسب جميع الاجناس البشرية بسائر الاماكن والعصور,الا ان النظرة العامة والشاخصة للاسف تعطي انطباع مخالف ومناقض لحقيقة المنطقية التي تشير اليها المنظومة الاسلامية الشمولية,حيث اعتمد تناقل الافكار الدينية باحكامه الشرعية بطريقة مزاجية تخلو من اي مرجع ثقافي اودعائم اساسية او المام كافي بتعاليمه واساسياته,فنجد بعض رجال الدين من المسلمين غالبا ما يتميزون بقلة الثقافة كقرينة ملازمة لهم والتعصب بالراي واصدار فتاوى بطريقة اهوائية مزاجية وتهريجية,حتى اصبح تاريخهم الحديث مخزي بعد اقتران هذه الصفات بهم مما شكل حالة نفور عامة لمصطلح الدين ورجاله والفضل يعود بتأكيد لما اشاعوه من صور مبهمة,عنيفة والغير موزونة للمجتمع الاسلامي,فالبعض من المتحدثين بشان الدين يمضون في طريق التشدد في اقصى درجاته متصورين ان هذا التشدد وسيلة لتقرب لله تعالى,جاعلين انفسهم قيمين واوصياء على سائر مفاصل المجتمع ناصحين تارة ورادعين تارة اخرى,فهم اشبه بتركيبة متذبذبة يسعون لتمسك بزي الاصولين القابعين تحت راية العصر الديني الاول الخالي من الخطايا وتجد في دواخلهم انه مجرد غطاء وهم في حقيقتهم يبحثون عن ملذات الحياة ومباهجها اكثر ممن يعادونهم,,حتى بدأت تطفو على السطح يوما تلو الاخر مواقف سلبية ترتصف واحدة تلو الاخرى مجُسدة لهيكلية دينية مشوهة دحرت التعاليم السوية للمنهجية الدينية الاصلية واستبدلتها بمنهجية مصالح الشخصية ورغبات شاذة لافكار متداولة باسم الدين وبحقيقتها لاتمت له بصلة!!!!
فالاصولية التي ظهرت على مر العصور التاريخية ظهرت نتيجة قمع الاديان بدأت تلعب الان ومع الوقت دور مناقض لما ظهرت له فهي حركة ظهرت لحماية جوهرالاديان الا انها مع الوقت بدأت تنخر به بقصد او اهمال او الاثنيين معا,,,,
بعيدا عن الاسباب التي قد تكون واضحة للعيان وقد نحصرها بفكرة المصالح الشخصية وقلة الوعي والادارك او انعدامه بالاصح,ولكن اوج وصول الفكر الديني المشوه لسلطة بامتلاكه نفوذ كافي لخلق افكار وفتاوى واحكام لاتمت لجوهر الدين وبمرور هذه الحقبة الطويلة من دون ادنى مجابهه اومعارضة او وقفة جادة من العامة يجعلنا بانتظار ان يدق ناقوس الخطر فهي اشيه بالحقبة الزمنية التي مرت بها اوروبا في القرنين السادس والسابع عشر بين الاصولية الدينية والاصولية العلمانية,والتي كان الدافع الرئيس لهذا الصراع هو حكر رجال الدين لسلطة والمناصب العليا وتسلط الكنيسة واستغلالها البشع والمفرط لحاجات العامة حتى وصفها (نيكوس كازانتراكس) بقوله--الكنيسة في الحالة التي اوصلها رجال الدين اصبحت كحظيرة بها الاف الاغنام المذعورة....
ديننا في وقت الحالي ليس بحال افضل مما وصلت اليه المسيحية بقرن السابع عشر وما اصابها من تصدعات وتشوهات في جميع المفاصل مما جعلها ارضية خصبة وسببية مباشرة وغير مباشرة لظهور حركات مناهضة اومعادية لدين ,فالفوضى الذي صنعها رجال الدين والعمل المستمر على تحريف وتشويهه تعاليمه وتعقيدها جعل من تركها امر ابسط واسهل وافضل من الخضوع له بأتباعه او اتباع تعليماته المركبة,,,,,,اذآ الهوة التي خلقها رجال الدين بين الناس والدين كانت اشبه بحاجز يصعب على الجميع تخطيه رغم مرونة ويسر التعاليم السماوية بشكل عام والدينية بشكل خاص ,فيسر الاحكام الدينية وبساطة تداولها سمة مقترنة بتعاليمه,حيث ذكر الشيخ محمد عبده ان لكل مسلم ان يفهم عن الله من كتاب الله وعن الرسول من كلام الرسول بدون التوسط من احد من السلف ولا من الخلف...(المصدر الاعمال الكاملة لشيخ محمد عبده)..وهذا الكلام قد لايروق لبعض ولكن الحقيقة التي يسير بها مجتمعنا الاسلامي هي اشبه بطريق نحو الهاوية,نظرا لما حملته الحقبة الزمنية الاخيرة وما حملته من تشوهات الفكر الديني والتي لعبت دور سلبي يستحق منا الوقوف عنده والبحث باسبابه,خصوصآ بوجود مواقف لاانسانية بدت تعكس صورة مغايرة عن الدين ومعتنقيه,مثل حادثة جلد الصحفية في السودان بسبب ارتداءها ملابس لم تقنع الهيئات والسلطات الدينية هناك واصبحت بنظرهم مجرد خطيئة,فاعلنوا ضرورة جلدها امام مرأى من الناس وبطريقة وحشية والسبب اتفه من ان يذكر اصلآ,وكذلك فالحكم الاديني بالسعودية يتربع على العرش بمواقفه الاانسانية والوحشية والتي بكل اسف تنسب لتعاليم الدينية والدين منها بريء وابرزها حادثة 2002التي مازالت للان قابعة بذاكرتي والتي حدثت بمدرسة للفتيات اثناء الحريق اصاب المدرسة,حيث قام رجال الهيئة (هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر))بمنع رجال الاطفاء,الدفاع المدني والاسعاف واولياء الامور من الدخول المبنى واغلاق باب المدرسة وهي تحترق بحجة ان الفتيات لايردين حجابا ولايجب ان ينكشفوا امام الغرباء,مما ادى لزيادة عدد ضحايا حرقآ,متناسين هؤلاء ان لدين قاعدة تنص على ان الضرورات تبيح المحظورات!!!!!والمفارقة اللطيفة الجديرة بالذكر ان السعودية هي احدى دول الاطراف باتفافية الامم المتحدة لحقوق الطفل,واتفاقية الامم المتحدة للقضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة,ومايثير الدهشة والاستغراب اكثر ان هناك مصادر سربت عبر وثيقة من الويكيليكس بوجود حفلات وسهرات راقصة بخمور ومخدرات ونساء وباماكن عامة ومن دون اي تدخل من رجال الهيئة او منعها بل الصمت التام ازاءها؟؟؟؟؟؟
هذا كله يستحضر بذاكرتي المواقف المشينة لرجال الدين الكاثوليك قبل الثورة الفرنسية عام 1789بعد تحولوا لطواغيت ووحوش كاسرة من محترفين سياسين ومستبدين تحت شعار الرهبنة والعشاء الرباني وبيع صكوك الغفران,ووقوفهم ضد العلم وهميمنتهم على الفكر والتقدم,وتشكيلهم لمحاكم تفتيش,واتهامهم العلماء بالهرطقة,كما كانوا يعاملون بوحشية كل ما لاتروقهم افكاره مثل ما اقدمو على تعذيب صانع التلكسكوب(جرادانو)وهو في سبعين من عمره حتى لقى حتفه من شدة التعذيب,اما صاحب مدرسة النقد التاريخي(سبينوزا)الذي كان مصيره الموت مسلولآ,نتيجة احتجازه ومنع الطعام عنه ايام عدة,بسبب افكاره التي لاتوافق افكارهم,حتى اصبحت الثورة الفرنسية حصيلة هذا العنف والصراع,لتكون اول حكومة لادينية بعد هذا الوحشية التي افرزتها الحكومات الدينية وهي بالاصح لادينية,حيث بدأت الثورة ضد مظالم رجال الدين وانتهت ضد الدين نفسه,,حتى امسى اي لفظة حكم ديني تحمل بطياتها ماضي عنيف ومرير ورجعي !!!!!!
نحن الان لسنا بمنأى عما حدث بفرنسا قبل الثورة فنجد من يدعون بانهم يقيمون التعاليم الالهية على الارض هم اكثر الاشخاص بحقيقتهم يبثون الفساد والعنف والرجعية دون اي رادع او مانع,فالمنعطف المماثل الذي تعيشه المجتمعات الاسلامية لاتحتاج برأي لابعاد الدين او نفيه كحل امثل على غرار الثورة الفرنسية,لكن الحل الامثل يتجسد بفكرة الاصلاح الديني والعودة لتعاليه السوية عن طريق نظرية الاصلاح(ل مارتن لوثر كيينغ)الذي عمل على اصلاح الفكر الديني الذي ربطه بتحطيم حواجزه الثلاث,وهي كسر عصمة رجال الدين من الخطأ والهالة التي يصنعوها حول انفسهم والتي تفوق هالة الانبياء والمرسلين,والثانية مساواة السلطة الدينية بسلطة العلمانية اي اعطاء فرصة لافكار اخرى وهي طريقة لتقبل الاخر المختلف,واهم حاجز يتوجب كسره ومحوه هو حاجز السلطة الدينية التي تمتلك الحق وحدها دون غيرها بفهم الدين وتطبيقه,فكل انسان له الحق في فهم التعاليم الدينية وتطبيقها حسب استيعابه وادراكه,وعدم حصرها برجال الدين دون غيرهم,,,,لو تم تطبيق فكرة ثورة الاصلاح الديني ببنودها الثلاث,وخصوصا بعصرنا الحالي عصر الفتاوى التهريجية,والعبث الديني لكانت السلطة الدينية حققت انجازات تفوق التصور نظرا لما تحمله المنظومة الدينية الشمولية من منهاج اقتصادي اجتماعي سياسي متكامل,بعيدا عن النظرة الضيقة والسلبية التي اشاعوها رجال الدين واصبحت سمة سلبية متلازمة معه,حتى بدأ الجميع بوعي ومن دونه بالمناداة بالعلمانية كحل الامثل لاشكالات التطبيق المفاهيم الدينية,متناسين ان العلمانية هي فكر جاهز اقتحم المجتمعات الاسلامية والشرقية بتحديد كحل طأرئ لظروف عرضية,(لذا مصيرها سيكون مصير الماركسية بخمسينيات وستينيات القرن الماضي,برهان غليون)وستعود برد فعل عكسي,رغم ان فرصة اللجوء للاصلاح الديني مازالت واردة,ومن خلالها سيكون هناك اكثر من خيار متاح,واكثر منطقية من فكرة العزل الديني وقد تكون بعض السلطات الاسلامية خير شاهد على ذلك مثل الحكم الاسلامي في ماليزبا وانجازاته الضخمة,او الحزب الاسلامي التركي الذي يعرف بكونه محافظ رغم عدم رغبته باستخدام شعارات دينية بخطاباته واتجاهاته السياسية حتى وصفه البعض بانه يمثل التيار الاسلامي المعتدل,وهو مازال يواصل مسيرته رغم ان المحكمة الدستورية العليا في تركيا عام (2008)فرضت عليه عقوبات مالية كبيرة لتقلصه او تعمل على تراجعه الا ان رئيس حزبه فاجأ الجميع عندما صرح بأنه سيمضي حزبه الحاكم يواصل السير على طريق حماية جميع قيم المجتمع ومن بينها العلمانية...................
#اسراء_الجزائري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟