احمد ضحية
الحوار المتمدن-العدد: 3721 - 2012 / 5 / 8 - 03:59
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
عرض لفصول ومشاهد كتاب ويكيليكس السودان:
الخندق: (أسرار دولة الفساد والإستبداد في السودان) للأستاذ فتحي الضو
أحمد ضحية/ ميريلاند
عن مكتبة جزيرة الورد, القاهرة. صدر في الأسابيع القليلة الماضية كتاب الخندق: أسرار دولة الفساد والإستبداد في السودان, للأستاذ فتحي الضو. جاء الكتاب في 365 صفحة من القطع الكبير.
يتكون الكتاب من توطئة وسبعة فصول, إلى جانب الملاحق. الفصل الأول يتكون من ثلاثة مشاهد: (مغاليق التاريخ-الطامة الكبرى- إستراتيجية البقاء والمطاردة).
ويتكون الفصل الثاني من مشهدين: (سنام الخطأ والخطايا – النوم مع الشيطان), ويجيء الفصل الثالث في ثلاثة مشاهد: (قوش: راسبوتين القصر- الدخول بالشباك- وتابعه شحم ألْبِلْ). والفصل الرابع من مشهد واحد هو (الجنائية وفجورها).
الفصل الخامس يتكون من مشهدين: (الذراع الطويلة-أبيي: كشمير السودان), ويتكون الفصل السادس أيضا من مشهدين: (عمليات خارج الحدود- سكر, سكر, سكر..) ويختم المؤلف فصول كتابه المروع بأسراره الموثقة, بالفصل السابع الذي جاء في في أربعة مشاهد: ( العلاقة مع إسرائيل- أطلبوا الوثائق ولو في الصين-وثائق متفرقة- ولله في خلقه فاسدون).
تكمن أهمية هذا الكتاب في كون مؤلفه أورد عدد كبير جدا من الوثائق المهمة, التي تحسم جدل الشائعات والهواجس والظنون بالبينات والحقائق الموثقة توثيقا لا يرقى إليه الشك, عن مدى الفساد المالي والإنحطاط الأخلاقي, والإستبداد والفساد الفكري والسياسي, الذي تعاني منه الحركة الإسلاموية في السودان. وهو نوع خاص من الفساد والإنحطاط والإستبداد, غير المسبوق عبر التاريخ البشري!..
وأهمية هذه الوثائق تأتي من كونها تم تسريبها من داخل "جهاز الأمن والمخابرات", وكثير منها هي عبارة عن مراسلات شخصية في غاية السرية بين عملاء صلاح قوش في العالم, وبينهم وبين حلقة الوصل التي تربطهم بصلاح قوش, ضابط الإتصال الملقب ب"شحم ألْبِلْ"؟!..
تناولت الوثاثق موضوعات مختلفة ومتفرقة, كالمحكمة الجنائية والطرق الممكنة لإنقاذ رأس المتهم بجرائم حرب, جرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية المدعو عمر البشير وأعوانه! إلى جانب الموضوعات الأخرى التي تناولتها الوثائق, كموضوع الحرب في دارفور وأبيي والعمليات التي خارج الحدود: كالوثائق المتعلقة بمحاولة إغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك, أو تسليم المتطرفين الإسلامويين العرب إلى بلدانهم, والعلاقة بالقاعدة وملابسات طرد بن لادن من السودان وصفقة بيع كارلوس والإتصالات بالأصدقاء الجدد"الإسرائيلين".., إلخ من عمليات ظلت أسرارها طي الكتمان والسرية التامة, لا يتعدى ما يخرج منها حدود الشائعات والظنون إلى أن جاء هذا الكتاب ليفضحها فضحا موثقا لا تستطيع أن تناله الشكوك.
وما هو جدير بالإنتباه والإهتمام حقا, أن الوثائق والملاحق التي هي عبارة عن مكاتبات سرية بين عملاء صلاح قوش في المنطقة وخططهم للقضاء أو الإستيلاء على جمعية الإعلاميين بالرياض, وإختراق الجاليات. كإمتداد لخطط الجهاز الأم بعقليته الأخطبوطية المريضة, التي إستلهمت كل تشوهات الإسلامويين وفساد أفكارهم عبر التاريخ, تتويجا في فساد أفكار العراب "الترابي", فتكشف الوثائق هنا عن طرق وحيل وأساليب منحطة, في التآمر على كل أوجه الحياة والأنشطة الإنسانية والسياسية والإجتماعية والثقافية في السودان, وصلت إلى ذروتها في إستهداف المواقع الإليكترونية والصحف.
ويتناول الكتاب الكيفية التي ظل يشكل بها إسلامويو السودان الرأي العام والأساليب والطرق التي أوقعوا بها المعارضين (سواء بوعي من المعارضين أو دون وعي) في أحابيلهم؟!..
إن الأسرار التي يفضحها هذا الكتاب, هي من صميم ملفات بالغة السرية, سيكون لها ما بعدها, بالقدر ذاته الذي أسهمت فيه تسريبات "ويكليكس" على المشهد العالمي دون إستثناء.
الكتاب وكما يقول عنه مؤلفه, تستند مادته على ساقي الفساد والإستبداد, بوثائق قام بتسريبها للمؤلف "باياد راعشة وقلوب واجفة" أشخاص أو "شخص", ممن تربوا في أحضان الحركة الإسلاموية وترقوا في مدارجها.
وأنا أقرأ صفحات الكتاب كنت أتساءل بإستمرار: من هي المجموعة أو "الفرد الإسلاموي الكبير" الذي يقف خلف هذا التسريب, وهل لصلاح قوش دور في هذا الأمر وفقا ل"غبينة" الإطاحة به بسبب نواياه في خلافة البشير؟!.. وما هي الأهداف الخفية المرجوة من هذه التسريبات, التي لا تقل عن تسريبات "ويكليكس" خطورة؟ كما يشير المؤلف نفسه.. عموما ستكشف الأيام ما كان خافيا للإجابة عن هذه الأسئلة..
ولا يغفل المؤلف في كتابه الغني بالمعلومات والوثائق, التعرض إلى وقوف جهاز الأمن والمخابرات خلف النزعات "العنصرية والشوفينية", التي إنتشرت في السودان, وأستشرت إستشراء النار في الهشيم, ومخطط فصل الجنوب, والحرب على الهامش, إلخ.. على خلفية هذه الوثائق التي خرجت إلى العلن من "عش الدبابير" ذات نفسه: جهاز الأمن والمخابرات, ما يدفع المؤلف للتأكيد على أن: "إصطراع العرق والآيديولوجيا, كان يمور في صدور الإسلامويين.
وجاءت أحداث بعينها لتثبت ما كان دائرا في الخفاء ردحا من الزمن. فقد تغلبت العصبية القبلية في أحايين كثيرة على الرابطة العقدية, في حين نجد أن غريزة المصالح الخاصة وأشياء أخر, كانت تفور في الصدور بما يصعب الإفصاح عنها, ولنضرب مثلا بقصة ميلودرامية تقطع نياط القلوب, حتى ولو كان الذي تجرع مرارتها من العصبة نفسها.
ففي خضم الصراع بين الإسلامويين, بعد إنقسامهم إلى مؤتمر وطني وشعبي, إختفى محمد الخاتم موسى يعقوب, ووالده كما هو معروف أحد العصبويين, الذين قضوا عمرا في رحاب التنظيم , ويعد من القيادات الإعلامية البارزة في الحركة, وكذا السيدة والدته. بغريزة الأمومة والأبوة معا, طفقا يبحثان عن إبنهما حتى خارت عزيمتيهما, وأستسلما لقدرهما دون أن يقويا على البحث أكثر مما فعلا.
ورحلة البحث تلك يضيق المجال عن سرد تفاصيلها الدقيقة, التي جاءت على لسان الوالدين في أكثر من موقع, وصفا فيها ما حدث وجهودهما في طرق باب أي مسئوول توسلا أو تسولا – سيان- حلا لمصيبتهما, والقصة بتفاصيلها لا تخلو من عجائب وغرائب ومفارقات, لن يجد لها المرء مثيلا إلا عند من إتخذ الدين وسيلة لتحقيق مآرب خاصة لا علاقة لها بالعقيدة وسماحتها.
تلك القصة لم يعلم بها قادة العصبة فحسب, بل وصلت حتى (الرئيس) المشير عمر البشير مرورا بنائبه علي عثمان طه, وإنتهاء بثالثهما أحمد إبراهيم الطاهر (رئيس الجهاز التشريعي) وقلنا إنتهاء لأن هذا الأخير إستقرت القضية على طاولته برمتها, ذلك بإعتباره المسئول عما يسمى بلجنة المحاسبة في الحزب(..) هل يصدق أحدا في البشرية, حتى لو كان ساذجا, أن رئيس دولة يأمر بتشكيل لجنة للبحث في قضية فرد, حول موضوع معين أيا كانت طبيعته. تعود بخفي حنين؟! هل لعاقل أن يأتمن رئيس في حياة أمة, وقد عجز عن حل قضية فرد؟! هل تلك دولة غاب, أم دولة تحكمها قوانين وتشريعات؟!
كم مثل هذا أختفى في ظروف مماثلة أو مغايرة وأهله لا يعرفون طريقا لرئيس الجمهورية؟! بل هب أنهم يعرفون فهل كان بوسعه أن يفعل لهم أكثر مما فعله لأخيه في العقيدة والوطن, كما يقولون؟! بالطبع هذه أسئلة تعبث بذهن من كان مثلي, وهو يعلم أنها لن تجد إجابة شافية.. لأن من يعلم نام قرير العين هانئها!( ص: 19-20 من الكتاب)"
في السياق السابق يتعرض المؤلف إلى رحلة صعود وهبوط صلاح قوش, وأحلامه بخلافة المتهم بجرائم حرب, جرائم ضد الإنسانية و الإبادة الجماعية المدعو عمر البشير, على سدة رئاسة السودان. الأمر الذي دفع بمجموعة البشير إلى إحالته إلى إرشيف الذكريات, في نادي أرباب المعاشات الشهير.. في خاتمة المطاف.. منطبقا عليه المثل "جنت براقش على نفسها".
يغوص بنا المؤلف في رحلة شيقة, تتناول نظام تفكير جهاز الأمن والمخابرات, ومؤسساته وأجهزته الأخطبوطية, التي تتدخل في كل شئوون الحياة السودانية, وتلقي بظلالها حتى على دول الجوار.. وآليات وطرائق عمل هذا الجهاز بمرحعياته الإسلاموية, والجرائم التي أرتكبها أعضاؤه وقادته تاريخيا بدم بارد "قطبي المهدي,نافع,صلاح قوش, إلخ"..
بل وأنواع لجرائم أخرى لا تقتصر عند حد إجبار الرجال على تطليق زوجاتهم (كما فعل صلاح قوش مع والده) أو قتل الشركاء في المكره والمنشط (الطيب سيخة, إبراهيم شمس الدين, إلخ) أو التخطيط لإغتيال رؤساء الدول (على عثمان محمد طه) بل تتمدد أنشطة الجهاز لتتخلل حتى الأمور الصغيرة كتهكير المواقع الإليكترونية المناوئة وإغلاقها عبر نشاط "كتيبة نافع الإليكترونية الإستراتيجية" ووزارة الإتصالات.
وليس غريبا على جهاز تشبع بأفكار فاسدة كأفكار الترابي أن يفعل ذلك, هذه الأفكار التي دفعت نافع لصفع أستاذه وإعتقال وتعذيب زملائه وأساتذته. بل والإنقلاب وزمرته على العراب والأب الروحي الترابي نفسه, ولتفسير مثل هذه السلوكيات غير السوية, التي تكشف عن شخصيات مريضة مرضا مستفحلا يحيلنا المؤلف إلى تفاسير علم النفس, علنا نجد بواعث ما فعلوه بالبلاد والعباد في طفولاتهم وصباهم.
وكما يشير المؤلف إلى أن: "الهدف الأساسي من نشر هذه الأسرار, مدعمة بالوثائق المحكمة, هو رسالة لمن توهم أنه في بروج مشيدة وهو لا يعلم أن الحرص الحقيقي يتمثل في الشفافية. والحذر المطلوب تأتي به الديموقراطية, والأمان الحقيقي يكمن في العدل والإنصاف.
وليتهم يعلمون أن الفضح لن يتوقف في الحيز المنشور, فهذه مجرد بداية ونقطة في بحر, متى ما هاج وماج سيغرق كثيرون في لججه العميقة, فلا يظنن من تسور بالبراءة إننا أتينا على كل شيء, فثمة أطنان من التاريخ السري البغيض, تنتظر الإستجلاء.
ما يزال هناك الكثيرون الذين قتلوا غدرا وغيلة ولم يعلم بهم أحد. وهناك من أختفى من عيون أسرته كما تختفي النسمة الباردة في عز الهجير. ومن هؤلاء الشاعر الرقيق "أبا ذر الغفاري".. كان يمشي بين الناس بشرا سويا, وفجأة أختفى وصار لغزا عصيا!(..) ستعلم العصبة أن أسرار عقدين من الزمان, أصبحت في الهواء الطلق. ونقول نحن: من حق الذين حيكت بإسمهم, ومن حق الذين كانوا ضحاياها في الخفاء, أن يطلعوا على سيناريوهاتها المخزية.
ومع ذلك, فإننا من باب الإنحياز لقيمنا وأخلاقنا ومثلنا, سنحجم عن نشر أشياء نعلم أننا لو امطنا اللثام عنها, لهدمت صوامع وبيع وبيوت, وهذا ليس حجبا مطلقا. فكل شيء بمقدار. ولكل حادثة حديث كما يقولون في المأثورات!ص: 27 من الكتاب
جرائم الفساد التي إشتمل الكتاب على توثيقها, لهي أسوأ من أشد الكوابيس التي يمكن أن تنتاب المرء عبر التاريخ الإستبدادي, لكافة طغاة العالم, بما يحيلنا مؤكدين على قول شهيد الفكر الأستاذ محمود محمد طه في توصيفه لهم بأنهم- أي الإشلامويين- أسوأ من سوء الظن العريض!..
يعلق في هذا السياق عرضا مؤلف الكتاب,على ظاهرة "التأدين" على عهد النظام الإسلاموي الحاكم قائلا: " قد يجد المرء كثير من المفارقات في الواقع السوداني, والتي ترقى إلى مستوى التساؤلات الفلسفية الفكرية, أكثر من كونها قضايا سياسية مجردة, منها على سبيل المثال: لماذا تبدو بعض النخب السودانية ضعيفة أمام السلطة, حتى وإن أدى ذلك إلى تغيير قناعاتها السياسية والفكرية؟
علام أصبح التنكر للعهود و خيانة المواثيق سمة من سماتها؟ كيف عن لها أن تهدر عمرا في دراسة العلوم الطبيعية مثل الطب بفروعه المختلفة أوالهندسة ولا تمارسها, فتلجأ للسياسة كأقصر الطرق لتحقيق طموحاتها؟ ما سر ولع السودانيون بالسياسة نفسها؟ لماذا يداهم "إنفصام الشخصية" النخب التي أفنت العمر في "فسطاط الكفر" بغية التحصيل "العلماني" إن جاز التعبير, فتجنح للتطرف العقائدي حال عودتها "لفسطاط الإسلام"؟ ما الذي حدا بهؤلاء على مداهنة الحكام العسكريين لدرجة مبايعتهم على "المنشط والمكره" وهم يعلمون عدم تأهيلهم (الترابي نموذجا)؟
كيف يصبح تعايشا إجتماعيا فريدا, كالذي نشأ بين المسيرية ودينكا الأنقوك, عبر العقود. شرا مستطيرا ينذر بحرب أهلية شاملة بين غمضة عين وإنتباهتها؟ لماذا فشلت النخبة السياسية في إدارة التنوع الثقافي الذي حبا الله به بلادها؟ كيف تتسق العاطفة التي تطغى على سلوكيات الشخصية السودانية مع حروب أهلية طاحنة؟ وصفت واحدة منها (الجنوب) بأنها الأطول في القارة الأفريقية, أما الثانية (دارفور) فقد ألحق بها أقسى الإتهامات(الإبادة الجماعية,جرائم الحرب,والجرائم ضد الإنسانية؟ ) ما الذي يدفع الشخصية السودانية لأن تضجر بالأنظمة الديموقراطية لدرجة الإهمال (عقد واحد) في حين تصبر على الأنظمة الديكتاتورية حد الإمهال (أربعة عقود ونصف)؟ ما تفسير الحنين إلى الماضي "النوستالجيا" سياسيا, والذي ظل يحاصر الشخصية السودانية, إذ كلما طاف عليها نظام بكى البعض النظام الذي سبقه بغض النظر عن شموليته أو ديموقراطيته؟ ص37-38 من الكتاب.
الزخم المعلوماتي والتتبع الروائي لوقائع التاريخ الدامي منذ 1989 والشخصيات العديدة التي صالت وجالت, وسادت وبادت, وصعدت وأنحدرت وهبطت, من كل حزب وجنس ولون, كل هذه التفاصيل من الصعوبة بمكان أن يشتمل عليها عرضنا, الذي يستهدف إعطاء فكرة عامة عن هذا الكتاب الهام جدا, والذي لا يمكن أن يلقى ذات المصير من "التشكيكك" الذي لقيه "الكتاب الأسود" لإعتماد مادته على وثائق تسربت من داخل "عش الدبابير" أو جهاز الأمن والمخابرات كما ذكرنا سابقا..
ثم أن الكتاب معني بصورة أساسية, بتتبع الرحلة المضنية و المكلفة والمرعبة لشعب السودان مع الحركة الإسلاموية منذ 1989 حتى الآن.. هذه الرحلة التي يتقاطع فيها الإستبداد والفساد ليشكلان قاعدة للإنحطاط المادي والروحي.. وتزيين الباطل والكذب بإسم الدين, وقتل الأبرياء دون أن يطرف للقاتل جفن, والإنقلاب على أخوة (المنشط والمكره والأصدقاء والزملاء القدامى والجدد) وجلد النساء والرجال, بل وتعذيبهم وأغتصابهم على حد سواء, والتشريد والتهجير, والفصل التعسفي والتغريب المنظم لأبناء الشعب. ليعقد القران بعد ذلك للشهداء الذين أتضح (حسب الترابي) أنهم "فطايس" على الحور العين في خدور السماوات العلي!
حقا هي رحلة منهكة كلفت شعب السودان ملايين الضحايا!.. رحلة يبدو انها لن تقف عند حدود إنفصال الجنوب ولا بالتمزيق الشامل للجغرافيا في ظل حزب وثقافة ودولة وأجهزة "الدغمسة", التي توجت "دغمساتها" بأن جعلت من رئيسها (مطلوبا للعدالة الدولية) تطارده (مذكرة أوكامبو )التي علقت على عنقه دماء مئات الآلاف من الضحايا.. ل"يتخندق" بإصرار خلف متاريس "دغمساته" مستميتا في درء أمر القبض المعلق على رقبته بمزيد من التصريحات "الدراب"! حيث لن تحميه "الدغمسات" التي تقف خلف الحروب المفتوحة في الهامش أو الإنفصالات, مهما سعى لربط مصير نجاته وزمرته, بمصير بقاء الوطن أو دماره الشامل!
تغوص بنا الأسرار التي بعثرها الكتاب على قارعة الطريق لتتناول كل شيء: أسرار العلاقة بالقاعدة والإرهاب الدولي, وما ترتب على ذلك من مجازر في المساجد السودانية, العلاقات السرية مع إسرائيل, التآمر على دول المحيط الأفريقي والعربي, وتصدير الحركات الإسلاموية الراديكالية إلى كل مكان, تحقيقا لأحلام العراب(الترابي) الأممية, الحروب في أطراف السودان المختلفة, الإنهيار الأخلاقي والتمزق الإجتماعي والتفكك الأسري العام, العطالة, الفساد المالي, تبديد وإهدار ثروات ومقدرات الشعب, بالرشاوي وفقه المصالح المرسلة وغير المرسلة, إنتشار المخدرات والدعارة والعلاقات خارج مؤسسة الزوجية بين المسنين والفتيات الصغيرات المغلوبات على أمرهن, في ظل التردي العام الذي قامت برعايته مؤسسات الدغمسة!..
هذا أغرب مشروع حضاري يمر على التاريخ البشري, فغاية المشاريع الحضارية هي تحقيق وتكريس قيم الخير والحق والجمال.. إحقاق الأمن والعدل والحرية والإستقرار والسلام والرفاهية, هذا هو منطق المشاريع الحضارية, وهو منطق نقيض للمنطق الذي أفرزته تجربة الحركة الإسلاموية خلال عقدين من الزمان!
ولا ينسى المؤلف أن يشير إشارات متباعدة, لأولئك الضيوف الجدد من بقايا ما كنا نسميه قوى سياسية, أولئك الذين تم تأليف قلوبهم بالفتات من الأموال المنهوبة من شعب السودان المحتار والمغلوب على أمره, فجاءوا لمائدة معاوية بعد أن رموا عليا بآلاف اللعنات وزهدوا في الصلاة خلفه!
وتغوص بنا مسارات الكتاب في دهاليز وملابسات "نيفاشا", وتتوغل في الأقبية السرية لمشكلة دارفور, فضلا عن الدسائس والمؤامرات التي حيكت ضد القوى السياسية, فيذكر المؤلف عرضا الإخراج الأمني لمسرحية خروج الأستاذ الراحل محمد إبراهيم نقد من مخبئه "منيع السرية"؟!..
ونورد هنا مجتزأ من ص: 67 حيث يقول المؤلف: "زبدة القول, يطيب لنا أن نختم هذه التوطئة, بما سبق وذكرناه في السؤال الباحث عن إجابة مقنعة: ثم ماذا بعد؟! يعتقد كثير من المراقبين أن نظام العصبة الحاكم في السودان له من الأخطاء والخطايا, ما تتضاءل أمامه الأنظمة العربية, التي ذهبت إلى ذمة التاريخ , سواء في تونس التي بدأت ربيع الثورات العربية, في مصر بديكتاتوريتها العتيدة أو ليبيا بصلف وجهل قائدها الأممي, أو اليمن بنظامها العشائري, أو سوريا بحزبها العقائدي.
ومع ذلك ظل المراقبون السودانيون أو الأجانب يتساءلون عن أسباب تأخر قطار التغيير في السودان؟ والمعلوم أن الذين يطرحون السؤال يجول في خاطرهم أن الشعب السوداني كان سباقا في هذا المضمار بثورتين مشهودتين في إكتوبر 1964 وأبريل 1985 وإن لم تؤتيا أكلهما كما ينبغي. وتبعا لذلك إستبعد كثير من المراقبين أن يكون في صمت الشعب كلاما, بل جهر البعض بتفسير سالب لهذا الصمت, وقال أنه محض خوف وجبن وخنوع!
واقع الأمر تلك نظرة ضيزى, لم تضع الظروف المحيطة بالعلاقة بين الطرفين –النظام والشعب- في الحسبان فالثورات التي تروم التغيير الراديكالي بصورة عامة لا تأتي بغتة. لذلك جاءت الثورات التي هدفت لذات التغيير كنتيجة لإكتمال شروطها الموضوعية, لكن مهما كان التبرير فلو أننا شئنا تفسير ما يسميه البعض تلكؤا فيمكن حينئذ توجيه أصابع الإتهام مباشرة للنخبة التي لم تكتف بتقاعسها عن دورها المرتجى وواجبها التاريخي, وإنما يمكن القول أنها كانت صاحبة القدح المعلى في صناعة الأزمة نفسها.
وقد عهدنا أصحاب الياقات البيضاء دائما ما يتدافعون بالمناكب, للمشاركة في تثبيت أركان دعائم الأنظمة الديموقراطية والشمولية بذات المناكب التي هرعوا بها نحو ملاذات الأنظمة الديموقراطية من قبل! بالرغم من أنهم لم يؤدوا فرائضها ولم يحسنوا إتباع سننها!ص:67-68 من الكتاب".
ويورد مؤلف الكتاب لدى تناوله حيثيات وملابسات محاولة إغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك وقائع(وثائق) المقابلات التي أجريت مع المتهمين الثلاثة (الذين ظلوا على قيد الحياة) وأبيبا سراج الأثيوبية زوجة المتهم فيصل, وهي عبارة عن المحاضر السرية للتحقيقات التي أجريت معهم من قبل أجهزة الأمن الأثيوبية..
وتكشف إعترافات المتهمين عن مدى بؤس وضلال وفساد العقلية التي تحكم السودان. وفي السياق نفسه يكشف المؤلف عن معلومات جديدة حول مدى دور (العراب) حسن الترابي والتغييب المتعمد الذي ظل علي عثمان طه يمارسه عليه, ما ترتب عليه بالتراكم المفاصلة الشهيرة .
كما يشير المؤلف إلى التصفيات الجسدية من قبل جهاز الأمن والمخابرات, التي تمت للناجين الذين تمكنوا من الهرب من إثيوبيا أو كانوا على صلة بالمخطط وهم داخل السودان. بدم بارد دون أن ترعش لفريق التصفيات أجفان أو تقشعر لهم أبدان!.. لمحو كل آثار هذه العملية البغيضة.
وفي السياق نفسه يتناول المؤلف سيرة ومسيرة جهاز الأمن والمخابرات, منذ كان يحمل إسم "جهاز المعلومات الخاص" داخل الحركة الإسلاموية. والأدوار الإجرامية التي لعبتها الشخصيات التي تعاقبت على إدارة هذا الجهاز, أو كانت من قياداته أو لها صلة به.
ويقودنا المؤلف في السياق نفسه في رحلة تقشعر لها الأوصال بين دروب ومتعرجات ومنحنيات وأزقة وحواري الأجهزة السرية, داخل الحركة الإسلاموية, سواء التي كانت تتبع للترابي شخصيا أو لأعوانه أمثال علي عثمان طه(المبرة, مداخل,قمم, إلخ) في إطار صراع إنقلاب السحر على الساحر, وإشراع أبناء الهرة لنيوبهم في الهر (العراب).والتصفيات الجسدية والمعنوية التي تمت في هذا الصراع! والخطط السرية لقوش بعد ذلك للإنقلاب على البشيروتولي زمام إدارة السودان بنفسه, بدعم من سي آي إيه وفقا لتطلعاته وأحلامه!
وفي سياق متصل يورد المؤلف أن قوش مضى لمقابلة المتهم بجرائم حرب المدعو عمر البشير.. فيقول: "من عجب أنه – عمر البشير- كان يورد آراء قطعية في مسائل جدلية, ويعتبر أن رأيه هو الصائب كقوله مثلا: (ليس هناك فاسد واحد في المؤتمر الوطني) علما بأن هناك رواية باطنية تسربت إلى العلن تقول أنه – صلاح قوش- حمل ملفا ضخما يحصر فساد (أخوة الرئيس) لكي يكون الأخير على علم بما يجهله, وقيل أن الأنكى وأمر أن الأخير هذا قذف بالملف على الطاولة وقال قولته التي جرت على معظم ألسنة المتابعين:(يعني بقت على أخواني براهم)أي وحدهم! ذلك بحسب الرواية المتداولة في فضاءات الشفاهة السودانية.
ونعلم أنه لا يجوز إيرادها في كتاب توثيقي من غير دليل أو برهان, لكن ما عسانا أن نفعل فكلنا يعلم أن الذي تمتد إليه يد التوثيق بالأدلة والبرهان قليل, ويمثل نسبة ضئيلة جدا, ولهذا نحن نثبتها على أمل أن تثبت الأيام وقائعها, أو تجد من يلقمها وثيقة, فلابد من يوم تنزاح فيه حجب وتتكشف أهوال وترى فيه أثقال وأنفال تنوء بحملها الصدور وتضج بأوزارها السطور! وعموما فلنقل أن هذه مجرد ملاحظات قد تعين في فهم طلاسم تلك الشخصية المثيرة للجدل وأشياء أخر! ص: 134 من الكتاب".
وفي الواقع يورد المؤلف الكثير من التفاصيل والوقائع التي تتناول الفساد والإستبداد والسادية والتلذذ بتعذيب الآخرين إلى جانب العلاقات الوطيدة بين صلاح قوش وأكثر من 57 من الأجهزة الإستخبارية الدولية في مقدمتها سي آي إيه وكذلك ما يطلق عليه مجموعات الضغط في الغرب عبر عملاء يتلقون الرشاوى مثل الباكستاني منصور إعجاز, لرفع العقوبات عن السودان ورفع إسمه من لائحة الإرهاب.
ولا يفوتنا هنا الإشارة للأموال التي أهدرت في سبيل ذلك والعروض التي تقدم بها صلاح قوش لسي آي إيه والإف بي آي(تسليم قوائم الإرهابيين) لهذا الغرض. كما ويتعرض المؤلف أيضا في إطار سرده للوقائع والأحداث لشخصية مغمورة في المشهد العام ولكنها خطيرة جدا ونافذة داخل جهاز الأمن والمخابرات تتمثل في شخصية المقدم محمد حسان بابكر الملقب ب "شحم ألبل"والدور الذي لعبه هذا الرجل خصوصا في موضوع "التخندق" ضد المحكمة الجنائية وعملية (الذراع الطويلة) التي إستهدف بها الشهيد د.خليل إبراهيم مركز السلطة في الخرطوم.
في السياق سالف الذكر, يورد المؤلف تحت عنوان "سري للغاية وشخصي" مكاتبات بين صلاح قوش وبين تابعه "شحم ألبل" بشأن مذكرات توقيف البشير وآخرون, ثم الإنتقال لمكاتبات عملية الخندق والتي قصد بإسمها "الخندق": الإجراءات التي من شأنها إجهاض أنشطة المحكمة الجنائية ضد النظام, وخصوصا مذكرات التوقيف ضد أعضاءه المعلنين وغير المعلنين والذين تجاوز عددهم 51. وقد أرفقت بهذه المكاتبات وثائق أخرى هي عبارة عن مراسلات بين "شحم ألبل" وأطراف أخرى. بعضها عملاء غربيون. مثل البريطاني والروماني, كما وردت في الوثائق, إلخ....
وتبحث كل هذه الوثائق في في آليات محاصرة المحكمة الجنائية وحماية رأس النظام ومعاونيه, وبطبيعة الحال أن كل الأموال التي أهدرت كرشاوي لمنع صدور الإدانة أو مذكرات التوقيف باء إهدارها بالفشل, ففي خاتمة المطاف أصدرت المحكمة الجنائية إدانتها للبشير وأصدرت بحقه وعدد من أعوانه مذكرات توقيف, بأوامر القبض المعروفة في حقه وحق هارون وكشيب ومؤخرا عبد الرحيم محمد حسين, ولا يزال في جراب حواة المحكمة الجنائية المزيد من أوامر القبض.
الأمر الذي إضطر النظام ورئيسه إلى رهن بقائهما ببقاء وحدة السودان وإستمراريته كدولة؟!.. وبعد أن يفرغ المؤلف من موضوع الجنائية وملابساتها ينتقل محللا عملية الذراع الطويلة وملابساتها مسنودا بوثائق لا يرقى إليها الشك, إلى جانب تحليل مواقف السيدين(المهدي) و(الميرغني) المتخاذلة؟!
وفيما أورده هذا الكتاب الهام جدا الوقائع الخاصة بالخدمات والرشاوي المتبادلة بين قوش وماكفرلين (موظف سابق بالخارجية الأمريكية) وروبرت كابيلي(أيضا موظف سابق في الخارجية الأمريكية) والقس جون دانفورث (عراب نيفاشا), كما تكشف المكاتبات المتبادلة بين ألكس دي وال (الذي لطالما ظننا أنه نصير المهمشين) عن مدى التلاعب بمصائر وأقدار شعوب السودان في ظل سياسات "الدغمسة" والإستهتار بقضايا ومصائر الشعوب. كذلك المكاتبات المتبادلة بين الطفل المعجزة (مصطفى عثمان شحادين) وبكري حسن صالح, عن مدى الإستهانة بهذا الشعب المغلوب على أمره.
وتمضي الوثائق لتبحر في أسرار متعلقة بشئوون مختلفة مع مخابرات أخرى, خلافا للوثائق التي خصصت لفساد السماني الوسيلة؟! ولا يبحر مؤلف الخندق: (أسرار الفساد والإستبداد في السودان) الأستاذ فتحي الضو عند هذا الحد, إذ يمضي لسبر أغوار وثائق الفساد المتعلقة بالعلاقة مع المنظمات الإسلاربوية والإرهابية الأجنبية, التي نالت من أموال شعب السودان نصيبا وافرا .
ومما يجعل حاجبي المرء يرتفعان دهشة الوثائق الخطيرة عن الخطة التي وضعت لتمرير قانون الأمن الوطني والنخب الإعلامية والثقافية والفكرية والسياسية التي شكلت حجر الزاوية في تمريرها!
ومن ثم ينتقل المؤلف إلى مشكلة أبيي والوثائق التي تتعلق بالتحكيم فيها في محكمة العدل الدولية بلاهاي. وختاما لهذا العرض الموجز لهذا الكتاب الغني بالمعلومات والتحليلات والوقائع والأحداث المأساوية, حفل الكتاب بكم هائل من الوثائق التي تم تسريبها من داخل حصن جهاز الأمن والمخابرات فكشفت بما لا يدع مجالا للشك عن أي نوع هي السلطة التي تتحكم في مقدرات وأقدار السودانيين, وعن أي نوع من النخب العاجزة والفاسدة هي النخبة السودانية, التي نال بعض أفرادها المعروفون حظه من الوثائق والفواتير والبوليصات وعقود البيع والشراء العقارية؟!
إنتهى العرض
أحمد ضحية- ميريلاند
#احمد_ضحية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟