|
علماء النفس والتعذيب
هاني مشتاق
الحوار المتمدن-العدد: 3699 - 2012 / 4 / 15 - 16:36
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بقلم :روبرت بوليتو ولورا مبلاندير بوليتو
التاريخ يعيد نفسه، تحذير ماركس الشهير، أولاً كمأساة وثانياً كمسرحية هزلية. وفي حالة علماء النفس المختصين بالتعذيب في الولايات المتحدة، حدثت "المأساة" منذ نصف قرن عندما وجد البحث النفسي الممول من قبل وكالة المخابرات الامريكية (CIA) طريقه الى كتيب الوكالة الخاص باستجواب الاستخبارات المضادة. كتيب كوبارك الصادر عام 1963 وطبعاته المتأخرة التي استخدمت من قبل استخبارات الولايات المتحدة ونشرت للحكومات الاخرى في امريكا اللاتينية وجنوب شرق اسيا.
أما "المسرحية الهزلية" فقد لعبت بعد 9/11، بعد ان اصبح علماء النفس متورطين مرة اخرى في معاونه المحققين مع الاستخبارات المضادة. وبالرغم من ان بعض مواد كتيب كوبارك بقيت قيد الاستخدام فان علماء النفس عززوا المواد الموجودة واضافوا لها اساليب فنية احدث، بعضها جرى تطويره من بروتوكولات مقاومة التعذيب المستعملة لتدريب كوادر جيش الولايات المتحدة للحفاظ على حياتهم اثناء الاعتقال والاستجواب. وهكذا وكما افادت كاثرين ايبان، الاكتشافات التي طبقت مبدئياً لمساعدة ضحايا التعذيب المحتملين استخدمت مؤخراً لانهاك ضحايا الاستجواب المحتجزين في رعاية الولايات المتحدة. وقد كان علماء النفس مشاركين في تصميم واستعمال الاساليب الفنية لانهاك واضعاف الضحايا بدل مساعدتهم، وفي فعلهم هذا فانهم قاموا بالاستهزاء والسخرية للالتزام الاخلاقي بألا "يتسببوا بالأذى والضرر". اذن، فقد زيف علماء النفس مرتين العلاقات مع الدولة التي تخلو فيها عن الاخلاقيات وفي المرتين قاموا بعملهم وهم يتمتعون بالحصانة والافلات من العقاب. سابقة الكوبارك
يورد كتيب كوبارك البرت بايدرمان وعلماء نفس باحثين آخرين كمصادر "للأكتشافات العلمية" التي تدعم استنتجاته. وقد عرف عن بايدرمان، الذي توفي عام 2003، دراساته المتعلقة برعايا الولايات المتحدة المقبوض عليهم من قبل الصينيين اثناء الحرب الباردة. وقام بتفحص الطرق التي انتزع من خلالها الجيش الصيني الاعترافات الكاذبة – غالباً غير مألوفة وهمجية وغير قابلة للتصديق – من السجناء الامريكيين. ومهما فكر الانسان في الوقت الحاضر حول صلاحية وقوة حجة ما كتب حول هذا الموضوع، فإن الحكومة استخدمته لكي تجيز التكتيكات والافتراضات التي تتجاوز الى حد بعيد الادعاءات التي وردت فيما كتب. ويأمر كوبارك الذين يقومون بالاستجواب بأن يستخدموا بروتوكولات اعطيت مسميات مثل "ايفان مغفل" و "أليس في ارض العجائب" و"مات – و – حيف" وبعض هذه التكتيكات تعيد الى الذاكرة جلسات مخفر الشرطة "الدرجة الثالثة" الموثقة من قبل تقرير ويكرشام 1931 حول سوء معاملة الشرطة. وبعضها الاخر يبدو مرتجلاً وكيفياً. والى حد ما، الاستشهادات البيليوغرافية لأدب علم النفس الاجتماعي توفر "زخرفة" للكيفية التي تتم فيها ممارسات الاستجواب القهرية. وقد ساعدت هذه في خلق حديث يبدو علمياً عن استجواب الاستخبارات المضادة. ولا يعطي الكيوبارك وصفاً مفصلاً للطرق التي تتم من خلالها اساليب الاستجواب النفسي ( "التعذيب النظيف" كما يسميه داريوس ريجالي )، ويعترف كوبارك فقط بأن الطرق والاساليب "الكيميائية والكهربائية" متاحة (بالرغم من انها قد تكون اكثر دقة في الاجزاء المنقحة). ولكي نرى كيف ما تحدثه المعاملة القائمة على الحرمان الحسي والصدمة الكهربائية بالفعل في نفس وعقل الخاضع للتحقيق، ويجب علينا ان نبحث خارج كوبارك نفسه،على نتائج الابحاث التي يجريها العلماء وعلى روايات الضحايا انفسهم. وقد أجرت نعومي كلاين مقابلة مع ضحية اصبحت وبشكل غير متعمد موضوع بحث للدكتور ايوين كاميرون من جامعة ماكجيل (طبيب نفساني) بينما كان كاميرون يعالجها كمريضة نفسية مقيمة. وادار كاميرون علاجها القائم على المخدر والصدمة الكهربائية والذي ترك اصابة دائمة ومدمرة فيها. وبعض مرور عدة سنوات اكتشف سبب اصابتها عندما علمت عن تسويات قانونية من قبل المخابرات الامريكية (CIA) دفعت تعويضات الى الاشخاص الذين خضعوا الى تجارب دون علمهم وعانوا من الاضرار التي اصابتهم. في تلك اللحظة كانت هذه الضحية قد اصبحت عاجزة تماماً نتيجة لهذه المعاملة. ومع ذلك، تسير العلاقة باتجاهين. ففي الوقت الذي استخدم فيه مصمموا كوبارك بالتأكيد نتائج البحث لتعزيز اهداف الاستجواب ولاعطاء التعليمات وارشاد المحققين في البلدان الاخرى، فإن الباحثين انفسهم استمدوا بالتأكيد فوائد من العلاقة. وها هو الفرد ماكوي يلاحظ أن موظفي وكالة المخابرات الامريكية الذين حضروا مؤتمرات من اجل تطوير العلاقات مع علماء النفس العاملين في البحث، اغروهم بالوعود بتمويل البحث. وما لا يصدق، ان بعض نتائج البحث من السنوات الغابرة والمتعلقة بدراسات التحكم بالعقل عادت الى السطح بعد احداث 11/9 في تدريب البروتوكولات لمحققي غوانتانامو. وفي عام 2008، افادت صحيفة نيويورك تايمز ان "لائحة الاكراه" التي وضعها بايدر مان عام 1957 والتي تشير الى طرق واساليب الاكراه التي استخدمها المحققون الشيوعيون للحصول على اعترافات زائفة، وقدمت حرفياً للمتدربين عام 2002. وفي السنوات التي امتدت منذ وضع اللائحة، جرى استخدامها لنصح ضحايا العنف المحلي واعضاء المجموعات الدينية لمساعدتهم على التغلب على مشكلة "التحكم بالعقل" التي يعانون منها. وفي غوانتانامو، مع ذلك، كان التطبيق أقل من حيث كونه علاجياً . المشاركة المهنية
العلاقة التي تربط ما بين العالم النفسي والتعذيب ليست مجرد ممارسين افراد ولكنهم يورطون ايضاً تنظيمهم المهني. الجمعية النفسية الامريكية (APA). هذه الجمعية لها تاريخ طويل من التورط مع وكالة المخابرات الامريكية – ومن خلال تلك العلاقة، مع التعذيب. لقد جمعت هذه الجمعية تاريخها الخاص بتلك العلاقة بدءاً من بيانها المشترك مع الجمعية الامريكية للطب النفسي الذي يؤيد اعلان وميثاق الأمم المتحدة ضد التعذيب والصادر عام 1985. مع ذلك في شهر آب 2006 فقط قامت الجمعية النفسية الامريكية (باعادة توكيد) موقفها المناهض للتعذيب. طبعاً، في السنوات التي تخللت الفترة التي اعقبت هجمات 11/9 والأمة مشغولة في نقاش ساخن حول استجواب الارهابيين المشتبه بهم. وفي آب 2007، قدمت الجمعية ارشادات محددة تحرم اساليب استجواب معينة. وبالاضافة للسؤال الواقعي والجوهري عن أية وسائل اعتبرت مدانة، مع ذلك، كان هناك موضوع الاخلاقيات. ففي شباط عام 2010، عدلت الجمعية النفسية الامريكية مجموعة مبادئها او قواعدها الاخلاقية لتصبح "لمعالجة التعارضات المحتملة بين الاخلاقيات المهنية والمطالب القانونية والتنظيمية. وفي حزيران عام 2010، بعث رئيس الجمعية رسالة الى مجلس ترخيص تكساس يشجب ويدين فيها التورط المزعوم لأحد علماء النفس في استجواب قهري ويطالب بالحاح بالغاء رخصته اذا ثبت صحة الادعاءات ضده. هذا الاجراء الاخير كان والى حد ما الاقوى الذي اتخذته الجمعية النفسية الامريكية. وحتى ذلك الحين، فإن تاريخ الجمعية المتعلق بانعكاسات الفعل الرسمي، على الاقل، متناقض ومزدوج المعايير في ما يتعلق بأفعال ومواقف بعض اعضائها حيال ادانة التعذيب. طبعاً، الجمعية النفسية الامريكية لا تستطيع وعلى اساس مبادرتها الخاصة ان تعاقب الممارسين الافراد. وهذا يقع في دائرة اختصاص مجالس الترخيص في الولايات، والتي كانت معارضة لتوجيه الانتهاكات المزعومة لمعايير الجمعية النفسية الامريكية الاخلاقية من قبل علماء نفسيين تورطوا في التعذيب وغيره من المعاملة اللاانسانية للمعتقلين. وهناك ثلاثة علماء نفسيين بشكل خاص ركزت وسائل الاعلام الاهتمام عليهم في السنوات الاخيرة : الدكتور ليسو والدكتور جيسين والدكتور ميتشيل. وقد زعم ان ثلاثتهم تورطوا الى حد ما في الاستجواب القهري (سواء الابحاث او التدريب او الاستشارة وحتى المشاركة). وثلاثتهم مرخصون كعلماء نفسيين في ولايات مختلفة. وبالرغم من أن علماء نفسيين مرخصين وجماعات حقوق الانسان رفعوا دعاوى ضدهم، لم يتم حتى تاريخه سحب رخصهم.كما انهم لم يتلقوا اي نوع من التأنيب الرسمي على تورطهم المزعوم في التعذيب. العزل من الدرجة الثالثة
الترابط ما بين التعذيب وعلم النفس في الحكاية الطويلة لنصف القرن الاخير جدير بالملاحظة وغير عادي، ويخلق كتالوجاً حقيقياً وصحيحاً لـ (أين هو والدو؟ "نسبة الى بيير والدو الذي تزعم فرقة دينية في جنوب فرنسا عام 1170" لمظاهر شخصياته المركزية. وكما لوحظ اعلاه، فإن اسم البيرت بايدمان عاد الى السطح في غوانتانامو بعد خمسين عاماً على لائحته المسماه بـ "لائحة القهر والاكراه" عندما طبعت اولاً في مقال صحفي. وعندما اعلنت ادارة اوباما مؤخراً انها ستقاضي موظف المخابرات المركزية بسبب تسريبه لحقائق واسماء مرتبطة بعمليات المخابرات المركزية، وأحد هذه الاسماء التي ظهرت على السطح في ذلك التحقيق ديوس مارتينيز، محقق وكالة المخابرات المركزية. وقد ترك مارتينيز اخيراً الحكومة وذهب للعمل مع شركة ميتشيل وجيسين، وهي شركة استشارية تدار من قبل نفس عالمي النفس المذكورين اعلاه اللذين نصحا وكالة المخابرات المركزية حول علم نفس الاستجواب. حقاً، انه لعالم صغير. ان اوهام واختراعات الحرب الباردة حول ضرب الشيوعيين في لعبة "توجيه العقل" التي أدت الى نتائج مدمرة على الاشخاص والسجناء الذين خضعوا للاختبار. لكن هذه الاساليب فشلت في انتاج مكاسب واقعية في جمع – الاستخبارات. ولقد انعشت هجمات 11/9 تلك الاوهام ودعت علماء البحث النفسي لجولة اخرى من المشاركة في عمل الاستجواب القهري. بعض هؤلاء العلماء كان مستعداً للدعوى، ويبدو على الاقل في الوقت الحاضر انهم سيفلتون من المحاكم ومجالس الترخيص. ان الموقف الرسمي للجمعية النفسية الامريكية واضح:
أية مشاركة مباشرة او غير مباشرة في أي عمل تعذيب او أي شكل آخر من اشكال المعاملة او العقوبة القاسية والمؤذية والمهينة وغير الانسانية من قبل علماء النفس محرمة تماماً. وليس هناك أي استثناء. الانتهاكات الصريحة والواضحة لسياسة الجمعية الخاصة بلا تعذيب / لا اساءة تتضمن افعالاً مثل :الالواح المائية والاذلال الجنسي الاوضاع الضاغطة والمجهدة واستغلال الرهاب او الفوبيا. هذا المعيار لا معنى له، مع ذلك، اذا لم يكن هناك عواقب لانتهاكه. ويجب ان تقوم مجالس الترخيص بعملها. ان موقع مجلس ولاية تكساس للفاحصين يضع قائمة بالافعال التأديبية التي ياتخذت ضد علماء نفس مرخصين. فقد خسر علماء النفس في تكساس رخصهم بسبب الاساءة الجنسية والعلاقات المثلية والقصور في المعرفة المهنية والمهارة والخداع في الرعاية الصحية. هذه الحالات تظهر ان الانتهاكات الاخلاقية قد عوقبت. وبالتأكيد فإن التورط في التعذيب لا يقل اهمية. وعلى مجالس الترخيص ان تكون يقظة تماماً حيال معاقبة علماء النفس الذين ساعدوا في التعذيب كما هم حيال المعايير الاخلاقية الاخرى. ان تورط علماء النفس في التعذيب احدث ضرراً بسمعة المهنة، وان عدم استعداد المجالس للعمل يقوض استقامة وامانة القواعد الاخلاقية. وانه لأمر غير معقول وسخيف ان عالم النفس قد يفقد رخصته بسبب خداع في المساعدة الطبية، ولكن ليس بسبب التورط في التعذيب. ملاحظة : روبرت بوليتو : بروفيسور مشارك في العلوم السياسية في جامعة سيتون هال ومحامي، سابق في محكمة البداية، وهو مؤلف كتاب "التعذيب وعنف الدولة" في الولايات المتحدة (2011) . لورا مالنديز- بوليتو : مدير عالم المركز لابحاث وارتباط المجتمع في جامعة سيتون هال، ومارست عملها كعالمة نفس سريري مرخصة. تعريب :هاني مشتاق
#هاني_مشتاق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طبيعة الأزمة الرأسمالية الحالية - برابهات باتنيك
-
متى ستكون امريكا ناضجة للاشتراكية؟؟
-
ثلاثة أسئلة للاشتراكيين
-
بليخانوف وماركس وإنجلز حول الحرية والضرورة
-
مسألة التحول: التطور والاشتراكية وسياسة لينين الاقتصادية الج
...
المزيد.....
-
لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن
...
-
مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد
...
-
لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟
...
-
إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا
...
-
مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان
...
-
لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال
...
-
ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
-
كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟
...
-
الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
-
مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|