جميل حنا
الحوار المتمدن-العدد: 3696 - 2012 / 4 / 12 - 16:30
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
في هذه الأيام وتحديدا في هذه الساعات حيث دخل وقف اطلاق النار حيز التنفيذ في سوريا في تمام الساعة السادسة بالتوقيت المحلي في الثاني عشر من نيسان بحسب المهلة التي حددتها خطة الموفد الدولي والعربي كوفي انان لإنهاء أعمال العنف المستمرة منذ عام. وكان يفترض بأن يقوم النظام السوري بسحب آلياته العسكرية من المدن والمناطق السكنية يوم الثلاثاء في العاشر من نيسان ولكنه لم يفي بإلتزامه بالخطة التي وافق عليها بل صعد من عملياته العسكرية ضد المدنيين. في هذه المرحلة العصيبة يتحدد مسار مستقبل سوريا المنغرقة بدماء ابنائها والرازحة تحت وطأة هديرالدبابات والمدرعات والعبوات الناسفة التي حولت البيوت العامرة إلى ركام أنقاض تفوح منه رائحة الدم والموت. الحزن يعم كل المدن والبلدات وكل بيت في سوريا.أن صمت هدير المدرعات والدبابات وراجمات الصواريخ وأزيز الرصاص في الشوارع السورية يجب أن يكون بداية النهاية لعام من المآسي المليئة بالقتل والدمار.بداية من أجل بناء دولة المستقبل دولة الحرية والكرامة, دولة تنهي عقود من سلطة النظام الديكتاتوري الفاسد.سوريا تعيش مخاض ولادة عسيرة مرفق بآلام جمة وبدماء غزيرة وتضحيات هائلة ومعاناة قاسية,والمولود الجديد شكله مجهول قد يكون أروع ما أبدعه الخالق وإرادة الإنسان التواق إلى الحرية وقد يكون مسخ لا يتعرف عليه حتى من أنجبه بفعل إرادة الصمود والتضحيات الجسيمة.ولكن الغالبية الساحقة من أبناء سوريا وكافة القوى السياسية بمختلف تياراتها الدينية والقومية والسياسية ومؤسساتها المدنية قد قطعت عهدا وطنيا على نفسها بإن تكون سوريا لكافة أبنائها بدون تمييز بين الأديان والقوميات, للجميع حقوق متساوية يكفلها الدستور الديمقراطي العلماني في دولة مدنية.
اللحظة التاريخية تستدعي من كافة القوى الساعية لبناء دولة المؤسسات الديمقراطية اليقظة حيال مكائد النظام الخبيثة وحيال المخططين والداعمين له من قوى إقليمية وميليشيات دينية عنصرية وكذلك قوى إرهابية سواء كانت صنيعة النظام أو غيرها بجر البلد إلى حرب أهلية لا يكون فيها رابح إلا أعداء سوريا وشعبها.المرحلة في غاية الخطورة وتحتاج إلى أفكار بناءة وأفعال مثمرة تنقذ الوطن والشعب من الدمار الفظيع التي تتوعد بها هذه القوى المذكورة.
الشعب السوري الذي فجر ثورته السلمية بتظاهرات شعبية لإسقاط النظام سلميا أو لإجراء إصلاحات حقيقية على أرض الواقع وليس وعود كاذبة يطلقها النظام. تعرض هؤلاء إلى القمع وعلى مدى أشهر طويلة واجه المتظاهرون العنف والقتل وإنتهاك الأعراض بصدور عارية حتى أن بدأت إنقسامات من الجيش النظامي إحتجاجا عن إنحراف هذا الجيش عن مهامه الوطنية وزج في معركة إنقاذ النظام ضد الشعب, وأنحاز المنشقون للدفاع عن أهلهم في وجه آلة القمع .ومع زيادة أمتداد الثورة لتشمل قطاعات واسعة من الشعب السوري على الإمتداد الجغرافي للوطن بدأت وتيرة العنف الحربي والدمار والقتل يزداد يوما بعد يوم وتحول الوطن إلى ساحة معركة حقيقية ليس بين إسرائيل وسوريا وإنما بين النظام والشعب السوري المطالب بالحرية والكرامة.وكانت المهل التي تعطى للنظام الأسدي من قبل جامعة الدول العربية والمهلة الأخيرة من قبل الممثل الدولي والعربي والتخاذل العالمي حيال الوضع في سوريا فرصة وتشجيعا لهذا النظام لتصعيد وتيرة العنف الحربي ضد المدنيين إلى أن أصبحت هذه الأعمال ترتقي إلى مستوى مجازر إبادة حقيقية ترتكب على يد الجيش السوري النظامي والأجهزة القمعية المخابراتية والشبيحة والقوى الوافدة من ميليشيات دينية مذهبية عنصرية لنصرة النظام ومن تجندهم من عصابات إجرامية لذبح الشعب وتدمير المدن والبلدات وقتل الناس العزل بدم بارد أمام مرىء الأهل والجيران بدون رادع يذكر لهذه الأعمال البربرية .لا تحركات عملية من الرأي العام العالمي والمنظمات والهيئات الإنسانية التي تخفف من معاناة الشعب السوري الذي أصبح مئات الآلاف منه مشردا داخل الوطن وعشرات الآلاف في الدول المجاورة, سوى بعض تصاريح إدانة لا تغير شيء في الواقع المأساوي الذي يعاني منه الشعب السوري وخلال فترة وجيزة من مهلة عنان سقط أكثر من آلف قتيل وأرتكبت مجازرفي محافظة حمص وأدلب وحلب.
ومع مرور الزمن وبعد عام من الثورة وبعد كل القتل الذي مارسه في كافة المحافظات السورية قدم النظام صورة واضحة أكثر جلاء عن وجهه الحقيقي وأكد على الطبيعة الإجرامية في قدرته على إرتكاب المزيد من العنف الهمجي وإن منابع القتل والفظائع لم تجف لدى النظام بل تزداد وحشية وهي تحاول السباق مع الزمن ومع المهل ومع الخوف من تبدل في المواقف الدولية فلذا كثف النظام في الآونة الأخيرة من عملياته العسكرية ضد المحتجين على سلطته.والعنف بأشكاله المختلفة كان آداة النظام خلال أكثر من أربعة عقود من الزمن ليمارس سلطته القمعية وبكل الوسائل المتاحة.
إن المنظومة الأخلاقية للحكم الاستبدادي الذي مارسه النظام على مدى العقود الطويلة يكمن في تقسيمه الوطن والشعب إلى فرق عديدة من خلال آليات متنوعة تحقق جملة مصالح فردية وفئوية على المستوى الجغرافي والإجتماعي ليحكم سيطرته المطلقة على الجميع.هذا التوجه التربوي المدرسي والإعلامي والقومي والسياسي والعقائدي والعنصري لعب ويلعب دوره السلبي التخريبي في كيان شخصية المواطن السوري وبأشكال مختلفة تنعكس صورتها اليوم في هذه الظروف الكارثية بتوجهات دينية ومذهبية وقومية وسياسية متنوعة والتي هي نتيجة ممارسات سلطوية قمعية بذلت الجهود البشرية والمادية لفرض نمط واحد من التفكير والسلوكية التي تخدم النظام ومن لم يلتزم بهذا المسلك اصبح في عداد سجناء الرأي الحراواصبح في بلدان المهجر.هذه المحاولات التي بذلها النظام على مدى العقود الطويلة من أجل تحطيم الوحدة الوطنية بين مختلف مكونات المجتمع بإنتماءاتهم الدينية والمذهبية والقومية والسياسية المختلفة فشلت حتى هذه اللحظة وذلك من خلال المشاركة المتنوعة بدرجات متفاوتة من أبناء الشعب السوري بكل مكوناتهم من المسلمين بكل مذاهبهم من السنة والعلويين والدروز والإسماعيليين والمسيحيين والعرب والآشوريين السريان والكرد واليزيديين في هذه الثورة التي تطالب بإسقاط النظام والكف عن قتل الأبرياء من الناس.وكانت هذه المشاركة بين كافة أبناء الطيف الإجتماعي السوري صدمة للنظام وهو يصب جم غضبه ونارآلته العسكرية التي يحترق بها الجميع بدون إستثناء بإتجاه محدد من أجل تكريس الطائفية ودفع البلد نحو الحرب الأهلية.
المعارضات السورية سواء في الداخل أو الخارج التي تؤمن ببناء دولة مدنية ديمقراطية ترتكز على مؤسسات فعلية تملك صلاحيات حقيقية حسب تخصصها ومهامها المنصوص عليها في دستور مدني علماني يفصل الدين عن الدولة وكذلك سلطات إدارة شؤون الدولة والمجتمع, ويؤمن بالحرية والكرامة والمساواة والحقوق المتساوية للجميع في وطن موحد بدون أي تقسيمات عنصرية في بلد فيه تنوع ديني وقومي,هذه المعارضات تقف أمام تحديات جسيمة عليها بذل أقصى درجات الحكمة لتجاوز التركة الثقيلة لنظام الإستبداد الذي كرسها في النفوس ألا وهو بناء الركن الأساسي في الدولة هو بناء الإنسان الذي يؤمن بالقيم الإنسانية بالمبادىءالمذكورة أعلاه يؤمن بالعدالة وينبذ العنف والقتل بكل أشكاله.وأن لايكون هناك أي مبرر ديني أو سياسي أو حسب العادات والتقاليد إرتكاب أي جريمة, وأن يحاكم مرتكب الجريمة أمام محاكم عادلة ليست خاضعة وليس فيها محسوبيات دينية وقومية وعشائرية وسياسية الجميع متساون أمام القانون من الفرد العادي في المجتمع إلى أعلى المناصب في الدولة.العمل على تكريس روح التسامح الفعلي ونبذ التمييز العنصري بكل أشكاله, لآ إمتيازات لأحد الفئات وحرمان فئة أخرى منها.
من أجل كل هذه القيم والمبادىء أنطلقت ثورة الشعب السوري لتتحرر من ظلم الديكتاتورية التي حاولت تجريد الكثيرين من الناس من قيمهم الإنسانية.وكما أكدنا في كتاباتنا السابقة علينا التمييز بين العمل الثوري والمطالب الشعبية المحقة , وبين جرائم من يدخلون على خط الثورة وتشويه قدسيتها وتحريفها عن مسارها الصحيح.وكما ذكر سابقا أيضا الطريق طويل وشاق ومليىء بالتضحيات الجسيمة وثمن الحرية غال تسفك دماء وأرواح كثيرة من أجلها,معاناة مكونات إجتماعية واضطهاد عقود طويلة.لذا على هذا الشعب بتنوعه الديني والمذهبي والقومي أن يحصل على ثمار الثورة لآ فئات متطرفة إرهابية وعنصرية تخطفها أوفئات تريد تقسيم الوطن أو فئات تريد إسقاط النظام الديكتاتوري ومن ثم يمارسون هم ديكتاتوريتهم حسب أمتلاك القوى والمال وميليشيات الإرهاب والتخويف والقتل كما هو الحال في العراق.إننا نتطلع جميعا لبناء وطن مزدهر يسوده الأخوة والمساواة الحقيقية بين كافة مكونات المجتمع السوري من المسلمين والمسيحيين من الآشوريين السريان والعرب واليزيدين والكرد. وكافة مكونات المجتمع السوري مدعون اليوم وفي هذه الظروف الكارثية التوحيد وبذل أقصى درجات التضامن الأخوي والوطني من أجل إنهاء سلطة النظام الديكتاتوري
#جميل_حنا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟