أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد الحمّار - النخب خارجة عن موضوع الثورة، والتجديد الديني ضرورة تاريخية














المزيد.....

النخب خارجة عن موضوع الثورة، والتجديد الديني ضرورة تاريخية


محمد الحمّار

الحوار المتمدن-العدد: 3675 - 2012 / 3 / 22 - 22:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لنتفق من الأول على أنّ التجديد الديني هو العودة إلى الإسلام المصدري في عظمته ووظيفته الحضارية لكن بأساليب ورؤى مستحدثة. ثم لو أسلمنا بأنّ من أخطر مواضيع الساعة "موضوع" ضبابية العلاقة بين الإنسان التونسي، والعربي المسلم، والإسلام وبأنّ "النص" بمعنى العلاج المألوف إنما هو اللجوء إلى الفكر الديني المشايخي، سندرك أنّ مجرد التسليم بأنّ المشكلة ذات طابع ديني (الموضوع) لا يعني أنّ الحل لا بد أن يكون بالضرورة دينيا إرشاديا دعويا (النص). من هذا المنظور تكون نخبنا خارجة عن "الموضوع" لأنها لا تستطيع أن تخرج عن "النص". فما الحل؟

بالاستلهامٍ من آخر الأدبيات التي قرأتها (مقال ممتاز للأستاذ فاروق بن عمار بالفرنسية: "حكومة 1956 خلقت سلفيي 2012") ومن تعقيبي عليه، يتضح لي أنّ تونس اليوم، نخبا وشعبا، ملزمة تاريخيا بتكميل الفكر البورقيبي في مجال تجديد الفكر الديني الإنساني (علما وأني لست بورقيبيا). في هذا السياق فقط من الممكن أن نفهم كيف أنّ انحسار التعليم الزيتوني في عهده وبسبب سياسته ليس جريمة بحد ذاتها كما يذهب إليه الكثيرون. بل بالعكس، قد نكون اليوم، وبفضل الحرية التي اكتسبناها تبعا للثورة (المتواصلة) مهيئين أكثر من أي وقت مضى وأكثر من أي مجتمع عربي إسلامي آخر لرؤية المسألة الدينية من منظور جديد ومتجدد. ومن أهم المقدمات الممهدة لرؤية من هذا الصنف أن لا نتألم من جراء اندثار التعليم الزيتوني وأن لا نتحسر عليه وأن لا نسعى جاهدين إلى الانسياق إلى محاولات مثل إعادة الاعتبار للتعليم الزيتوني. لقد كانت "الزيتونة" واحدة من مفاخر التعليم والمعرفة في الماضي لكن ليكن ما هو آت أرقى وأجدى.

أمّا في ما يتعلق بالرؤية بالذات فيحق التشديد على أنّ بورقيبة، لمّا بدّل العقليات باتجاه تحرير المرأة و إيلاء التعليم مكانة مرموقة وشحذ الهمم إزاء تبجيل العمل وتقديسه والحرص على التنظيم العائلي بفضل تحديد النسل، وغيرها من السياسات الثورية، لم يكن يهدف كما يظن بعضهم إلى تدجين العامل الديني ولا إلى علمنة الضمير التونسي. كانت أعمال بورقيبة ترمي إلى عقلنة ما هو قابل للعقلنة لكنه لم يكن من الممكن عقلنته من قبل جراء التخلف والانحطاط ثم الاستعمار. أمّا الدين فكان من المفترض أن يعنى به أخصائيون آخرون، غير بورقيبة. لكن هذا لم يكن ممكنا نظرا للسبق الهام للفكر البورقيبي على فكر سائر النخب آنذاك بما فيها النخبة الدينية. لقد كان بورقيبة سابقا لعصره ولعصر المجددين في الفكر الديني الإنساني (التدين/التجربة الدينية).

بكلام آخر ربما حان الوقت اليوم لقطف الثمار من التجربة التعليمية ومن تجارب المجتمع الأخرى في عهد بورقيبة ثم في عهد خليفته المخلوع. ومن بين هذه الثمار "الخروج على النص" لا بمعنى "الخروج عن الموضوع"، وما يستبطنه من المرور بجانب الحاجيات الحقيقية للشعب مثلما هو سائد الآن، وإنما بمعنى تناول الموضوع مباشرة وفي الصميم وبمقاربة جديدة أي ثورية جديرة بثورة 14 جانفي/يناير. وإذا بحثنا عن عينات دالة على أنّ الساحة الفكرية والإعلامية تتخبط خبط عشواء سنحكم مثلا على دعوة مشايخ الدين للكلام في الإذاعة و للظهور في التلفزة بنيّة تبجيلهم على غيرهم من النخب بدعوى أن طبيعة "الموضوع" دينية بأنه خروج عن الموضوع. كما أنّ دعوة المشايخ بعضها بعضا للتحاور حول مسائل مثل تحكيم الشريعة الإسلامية (اجتماع قصر الرياضة "القبة" في يوم ذكرى الاستقلال، 20 مارس 2012) تُعتبر قمة في الخروج عن الموضوع. وتخصيص خطب الجمعة ومواضيع الدروس الإرشادية لمسألة تحكيم الشريعة إنما هو خروج ليس مثله خروج عن الموضوع. ذلك أنّ المسلم المتوازن، وهو افتراضي وغير متوفر الآن في السلوك الاجتماعي العام، من يرفض التنصيص على أن الشريعة أصلا للتشريع بينما هو يعيش تاريخيا في دولة إسلامية. وإلا فكيف صار مسلما وعاش مسلما إلى اليوم إن لم تكن قوانين مجتمعه متصلة بالشريعة من بعيد أو من قريب؟

إنّ موضوع الساعة هو احتقان العلاقة بين التونسي والدين وبالتالي بينه وبين الشريعة، من بين جوانب دينية أخرى. ومن أسباب طرح مسألة تحكيم الشريعة تخبّطُ الإنسان التونسي، والعربي المسلم عموما، في مشكلة وجودية شائكة. فليس مطلب إدراج الشريعة كأصل للتشريع حلا لمشكلة بقدر ما هو مؤشر على وجود مشكلة. وهذه الأخيرة من الصنف الوجودي. وهي نتيجة لعدم تملك "المواطن" التونسي للمهارات المتعددة والمختلفة التي من المفترض أن تكون مكتسبة لديه لكي لا يحس بالغربة في عقر داره: الإسلام من جهة واللغة من جهة ثانية، على الأخص. والمهارات المفقودة هي من مشمولات المعارف والعلوم للإنسان المسلم، لا من مشمولات إسلام/أسلمة هذا الإنسان من عدمه.

إن التونسي مسلم، ولا يقل إسلامه ولا يزيد لا على إسلام الاندونيسي ولا الإيراني ولا الموريتاني ولا السنغالي ولا السعودي ولا غيرهم. لكن ما ينبغي أن يميز التونسي عن غيره من المسلمين هو ما يميزه في نفس الوقت عن غيره من غير المسلمين: كيف يستخدم المعارف والعلوم لكي يكون وفيا لنفسه وداريا بحاجياته وتطلعاته الحقيقية ومتملكا للحلول لمشكلاته وللوسائل الكفيلة بتحقيق أحلامه. وهذا لعمري يستوجب مشايخ العلم الدنيوي، وهي صفة تتوفر في كل خبير مؤمن يُعنى بمجال من مجالات الحياة المعرفية والعلمية باختلاف اختصاصاتها.

لقد عشنا قبل بورقيبة في البُعد "الأول" الذي لم يكن ليعترف بعلمٍ أرقى وأفضل من العلم المتمثل في التحصيل الزيتوني. ثم حدث ما حدث من تجاذبات إيديولوجية وسياسية أفضت، كنتيجة للصراع بين البورقيبية واليوسفية (نسبة للمناضل صالح بن يوسف) على الأخص، وامتدادا لفكر خير الدين باشا، إلى غلبة البُعد "الثاني"، البُعد الحداثي الذي كان بورقيبة رمزه الأساسي إن لم نقل الوحيد (بمعية نفر قليل على غرار الشيخ النسوي الطاهر الحداد). فهل حان الآن وقت التأليف بين البُعدين؟ من المتأكد أنّ ذلك رهنٌ ببروز مشايخ البُعد "الثالث".

محمد الحمّار



#محمد_الحمّار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل مثقفونا عربإسلاميون أم مستقطَبون؟
- شباب تونس نحو البديل السياسي للعالم الجديد
- نحن و اللامقول عن ثقافة الإسلام المحمول
- هل نسي الإسلاميون العرب أنهم عرب؟
- تونس بين آحادية الإسلام السياسي وثنائية الوحي والوعي
- حتى يكون الإعلام في خدمة الأقلام
- أية سياسة لمشروع الرقي العربي الإسلامي؟
- هل العرب قادرون على الفوز بمعركة البقاء دون إيديولوجيا؟
- تونس: كي يكون أداء حكومة -البارسا- عالميا
- العرب بين ديمقراطية الاستجداء وواجب الاعتلاء
- من لغة التشرذم إلى لغة التعميم بفضل إصلاح التعليم
- الإصلاح اللغوي مُضاد حيوي لفيروس التطرف
- هل تنفع أنصاف الأفكار في مجابهة الرجعية الدينية؟
- عقيدة الكلام للتحرر من الرجعية باسم الإسلام
- تصحيح المسار في باب اليمين واليسار
- تونس اليسار المؤمن: دعم ثورة الشعب بثورة الفكر
- العلمانية خادمٌ مُطيعٌ للإسلام، تُخصِب التربة لتأصيل الحداثة ...
- نحن نعيش خارج التاريخ بسبب الاحتباس التواصلي، والحلّ هو الاج ...
- لكي تكون قمّة الوُجود العربيّ
- لا إسلامي ولا علماني، المواطن العربيّ سلوكُه إنساني وقانونُه ...


المزيد.....




- لوباريزيان: سجن 3 طلاب أرادوا إنشاء دولة إسلامية بفرنسا
- “هالصيصان شو حلوين”.. اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 ...
- “شاور شاور”.. استقبل تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ال ...
- قصة الاختراق الكبير.. 30 جاسوسا معظمهم يهود لخدمة إيران
- بالفيديو: خطاب قائد الثورة الإسلامية وضع النقاط على الحروف
- السفير الديلمي: كل بلدان العالم الاسلامي مستهدفة
- مقتل وزير اللاجئين في حركة طالبان الأفغانية بانفجار في كابول ...
- المرشد الأعلى الإيراني: الولايات المتحدة والنظام الإسرائيلي ...
- المرشد الأعلى في إيران يعلق على ما حدث في سوريا
- بابا الفاتيكان يوجه رسالة للقيادة الجديدة في سوريا


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد الحمّار - النخب خارجة عن موضوع الثورة، والتجديد الديني ضرورة تاريخية