|
السنة ما لها وما عليها: الفصل الحادي عشر: (هل أنزل الله على رسوله وحيا غير القرآن؟)
نهرو عبد الصبور طنطاوي
الحوار المتمدن-العدد: 3670 - 2012 / 3 / 17 - 11:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا يستقيم فكرا وواقعا وعلما وموضوعا أن يرسل الله أي رسول إلى قومه بكتاب أو رسالة دون أن يكون مع ذلك الكتاب أو تلك الرسالة وحي آخر يوجه ذلك الرسول ويرشده إلى كيفية تطبيق ما في ذلك الكتاب أو الرسالة من أحكام وتشريعات وأوامر ونواهي، وكذلك دون أن يكون هناك وحي آخر يرشد ذلك الرسول ويوجهه إلى كيفية إدارة وتنظيم وقيادة الجماعة المؤمنة التي آمنت به واتبعته، وكذلك وحي الآيات (المعجزات) أو الخوارق، وبالتالي فنحن أمام أربعة أنواع للوحي: الأول: وحي الرسالة (الكتاب). الثاني: وحي إدارة وتنظيم وقيادة وسياسة الجماعة المؤمنة. الثالث: وحي هيئة وتعليم وتطبيق وممارسة أحكام الرسالة. الرابع: وحي الآيات (المعجزات) أو الخوارق.
وهذا ما يؤكده القرآن الكريم بوضوح تام لا لبس فيه ولا غموض حين يقرر أن الله أنزل الكتاب وأنزل معه وحيا آخر مع الكتاب، قال تعالى: (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ). (70_ غافر). فهذه الآية في قمة الوضوح والجلاء في تقريرها بأن المكذبين الذين كذبوا الرسل قد كذبوهم في أمرين: الأول: (الكتاب). الثاني: (ما أُرسل به الرسل). ولا يمكن فكرا وواقعا وعلما وموضوعا أن يكون (الكتاب) هو نفسه (ما أُرسل به الرسل) في هذه الآية. إذاً فنحن أمام شيئين في هذه الآية: (كتاب). وما (أرسل به الرسل). وما أرسل به الرسل مع الكتاب كما سبق وأن قلت: وحي هيئة تطبيق وممارسة أحكام الكتاب أو الرسالة. والثاني: وحي إدارة وتنظيم وقيادة وسياسة الجماعة المؤمنة. ووحي الآيات. وما يعنينا في هذا الفصل وحي هيئة تطبيق الأحكام. ووحي إدارة وتنظيم وسياسة الجماعة المؤمنة. ونتناولهما الآن بشيء من التفصيل في عنوانين رئيسيين في هذا الفصل، ولكن قبل هذا أود ابتداء أن أبين في عنوان فرعي هنا ما يثبت بالقطع من آيات الكتاب العظيم أن الرسول كان يأتيه وحي آخر مع وحي الكتاب.
## هل في القرآن ما يثبت أن الرسول كان يأتيه وحيا آخر مع الكتاب؟ :
بالتأكيد هناك من آيات الكتاب ما تبرهن بالقطع واليقين أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يأتيه وحى آخر غير وحي الكتاب، وها هي الآيات على النحو التالي: قال تعالى : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّـهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَـٰذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ). (3_ التحريم). من البين لكل ذي عينين أن ذلك النبأ الذي علم به رسول الله عن إفشاء بعض أزواجه لسره، لم يرد ذكره في القرآن الكريم، رغم أنه قال (نبأني العليم الخبير). ومن المؤكد كذلك أن تنبؤ الرسول بهذا النبأ من (العليم الخبير) لن يكون إلا عن طريق الوحي وليس عن طريق أي شيء آخر سوى الوحي. مما يؤكد أن الرسول كان يأتيه وحي آخر غير القرآن الكريم.
وقال تعالى : (وَمَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ). (143_ البقرة). القبلة التي كان يستقبلها رسول الله في صلاته قبل (المسجد الحرام)، كانت (بيت المقدس). والآية تنص على التالي: (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها). أي أن الله هو الذي (جعل) (بيت المقدس) قبلة لرسوله ليستقبلها في صلاته قبل تحويل القبلة إلى المسجد الحرام. ومن المعلوم للجميع أن رسول الله ما كان له أن يستقبل (بيت المقدس) في صلاته إلا بإذن وأمر من الله، لأن الصلاة عبادة واستقبال أي قبلة هو عبادة كذلك، وعليه فلابد أن يكون استقبال أي قبلة بإذن وأمر من الله وليس عن هوى أو خيار شخصي من الرسول، وبالتالي نجد الآية تقرر أن من جعل القبلة الأولى (بيت المقدس) هو الله وليس الرسول بدليل قوله تعالى: (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها). فالله هو من جعل القبلة الأولى التي كان عليها الرسول وليس عن خيار وهوى شخصي من الرسول نفسه. ومن المعلوم كذلك أن الإذن والأمر باستقبال (بيت المقدس) لابد وأن يكون بوحي، ولكن هذا الوحي الذي هو الأمر باستقبال بيت المقدس ليس موجودا في القرآن الكريم، مما يؤكد أن الرسول كان يأتيه وحي آخر غير القرآن الكريم.
وقال تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ). (187_ البقرة). هذه الآية تقرر في بدايتها أن الله أحل للمؤمنين الرفث إلى نسائهم ليلة الصيام. مما يؤكد أنه كان يحرمه عليهم قبل هذا، بدليل قوله: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ). إلا أن هذا التحريم لم يرد له أي ذكر في القرآن الكريم، وما كان لرسول الله أن يحرم أمرا كهذا على أتباعه إلا بإذن من الله، وهذا الإذن لابد أن يعلم به الرسول عن طريق الوحي، مما يؤكد أن الرسول كان يأتيه وحي آخر غير القرآن الكريم.
وقال تعالى : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً(37) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً). (38_ الأحزاب). كذلك هذه الآية تقرر أن رسول الله كان يخفي في نفسه ما أبداه الله له من أمره له بالزواج من (زينب بنت جحش) بعد أن يطلقها (زيد بن حارثة)، و(زيد) كان قد تبناه رسول الله قبل أن ينزل تحريم التبني، وكان يدعى (زيد بن محمد)، فأمر الله رسوله بالزواج من زوجة (دَعِيِّه) (ابنه) بالتبني، ليزيل الله الحرج عن بقية المؤمنين في إباحة الزواج من نساء أدعيائهم بالتبني إذا طلقوهن، وما كان لشخص أن يجرؤ على أن يقوم بهذه المهمة الحرجة سوى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فكان زواجا بقصد تقرير تشريع إباحة الزواج من نساء الأدعياء بعد طلاقهن من أزواجهن. بل ذكرت الآية أن سبب إخفاء الرسول لهذا الأمر هو حرجه الشديد وخشيته من مقالات الناس، بدليل قوله تعالى: (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ). وقوله: (لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً). وقوله: (مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ). والسؤال الآن: كيف علم رسول الله بأمر الله له بالزواج من (زينب) بعد طلاق (زيد) لها دون أن يرد هذا الأمر في القرآن الكريم؟. بكل تأكيد علمه عن طريق الوحي، مما يؤكد أن الرسول كان يأتيه وحي آخر غير القرآن الكريم.
وقال تعالى : (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ). (7_ الحشر). قام رسول الله بتوزيع أنصبة الفيء بشكل لم يعجب بعض صحابته، وقد كان رسول الله له رؤية مغايرة في مقادير هذه الأنصبة، وبكل تأكيد هذه الأنصبة والمقادير لم يرد لها ذكر في القرآن على الإطلاق، وبكل تأكيد هذه الأنصبة والمقادير التي آتاها الرسول والتي نهى عن أخذها كانت بوحي من الله وليس عن اجتهاد شخصي منه. وما يؤكد ذلك أن القرآن نزل يؤيد الرسول ويأمر أصحابه بأخذ ما آتاهم والانتهاء عما نهاهم، فالرسول كان يوزع أنصبة الفيء على من هم أشد فقرا وحاجة وعوزا ولم يعط من لديهم المال واليسر ومن ليسوا بفقراء. مما يؤكد أن الرسول كان يأتيه وحي آخر غير القرآن الكريم.
وقال تعالى : (عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً(26) إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ) (27_ الجن). هذه الآية تقرر أن الله أظهر رسوله على الغيب، وبكل تأكيد إظهار الله لرسوله على الغيب لم يكن عبثا، وإنما كان ذلك الغيب الذي ظهر عليه رسول الله رسالة إلهية لا تقل أهمية عن رسالة الكتاب. _وسأفرد فيما بعد بحثا مستقلا حول هذه الآية إن شاء الله_. ذلك الغيب الذي أظهر الله عليه رسوله ليس له أي وجود أو ذكر في القرآن الكريم، وبما أن ذلك الوحي ليس له وجودا في القرآن الكريم، فلابد أن يكون الله قد أظهر رسوله على الغيب عن طريق الوحي، مما يؤكد أن رسول الله كان يأتيه وحي آخر غير القرآن الكريم.
## وحي: (إدارة وتنظيم وقيادة وسياسة الجماعة المؤمنة) :
قال تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). (63_ النور).
(الأمر) في هذه الآية ليس هو القرآن الكريم، ولو كان القرآن الكريم لما نسبه الله إلى رسوله في قوله: (يخالفون عن أمره). كذلك (الأمر) لا يستقيم أن يكون هو رأي الرسول واجتهاده الشخصي، وإلا لكان الله يأمر الناس أن يخضعوا لأمر بشر مثلهم من دون الله، إذاً فماذا يكون (أمر) رسول الله الذي حذر الله من يخالفه بأن تصيبه فتنة أو يصبه عذاب أليم؟، الجواب: (أمر) رسول الله هو الأمر (الإداري والتنظيمي والقيادي والسياسي). ولو علمنا مدلول ومفهوم الفعل (أمر) في لسان قوم الرسول الذي نزل به القرآن الكريم لوجدنا أن الفعل (أمر) في عموم مشتقاته لا يدل إلا على الإلزام والالتزام، فالفعل (أمر) مشتق من (الأمارة) والأمارة هي العلامة على الالتزام بالعهد والموعد، وكانت العرب تقول: (اجْعَلْ بيني وبينك أمَارة وأمَاراً). أي علامة على الالتزام بالعهد والوعد الذي بيننا. ويقال: جعلتُ بيني وبينه أمَاراً ووَقْتا ومَوْعِداً وأَجَلاً، وكانوا يقولون: (إلى أمَارِ مُدَّتي). أي: إلى علامة التزامي بمدتي. ومنه كذلك (الإِمارة)، بكسر الهمزة أي ولاية أمر الناس، ومنه (الأمير) وهو من يقوم على أمر الناس. كذلك كانوا يقولون: (أمارات الطريق) أي: معالم الطريق التي كان العرب يلتزمون بها ليهتدوا بها في أسفارهم، وكانوا يحرصون على مراعاتها ومراقبتها حتى لا يضلوا أو يتيهوا. ولو تتبعنا كل آيات القرآن الكريم التي تحدثت عن علاقة النبي عليه الصلاة والسلام بأصحابه وورد فيها كلمة (الأمر) سنجد أن هذه الكلمة لا تعني إلا التنظيم والإدارة والقيادة والسياسة، وها هي الآيات التي تبرهن وتقطع بهذا على النحو التالي:
قال تعالى: (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). (62_ النور). وقال : (لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). (63_ النور).
كذلك هذه الآية التالية جمعت الأمر السياسي للأمة والأمر بطاعة الرسول كقائد لهذه الأمة: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل لاَّ تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَّعْروفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(53) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ البَلاغُ المُبِينُ(54_ النور).
وكذلك الآية التالية تتحدث عن التنازع في الأمر السياسي وليس الديني: قال تعالى: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم). (152_ آل عمران).
كذلك الآية التالية تتحدث عن أمر الله لرسول بأن يشاور أصحابه في الأمر السياسي والعسكري والتنظيمي. قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظاًّ غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ). (159_ آل عمران).
وكذلك الآية التالية تتحدث عن الطاعة في الشئون السياسية والإدارية والتنظيمية لأنه أضاف إلى الإلزام بطاعة الله ورسوله طاعة أولي الأمر. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً). (59_ النساء).
وكذلك الآية التالية تتحدث عن رد الأمر السياسي والأمني إلى الرسول وأولي الأمر. قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً). (83_ النساء).
وكذلك الآية التالية تتحدث عن الفشل والتنازع في الأمر السياسي والعسكري. قال تعالى: (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ). (43_ الأنفال).
كذلك الآية التالية تتحدث عن أمر المناسك ومواقيتها وأماكنها ومعالمها والأمر بعدم منازعة الرسول فيها. قال تعالى : (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي الأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ). (67_ الحج).
وكذلك هذه الآية تتحدث عن التنازع والمقاطعة السياسية بين أفراد الأمة الواحدة. قال تعالى : (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ(52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ). (53_ المؤمنون).
وكذلك الآية التالية تتحدث عن عدم طاعة المسرفين والمفسدين في الأمر السياسي وعصيانهم. قال تعالى : (وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ المُسْرِفِينَ(151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ). (152_ الشعراء).
وكذلك الآية التالية تتحدث عن طاعة الله ورسوله في الأمر السياسي والتنظيمي وليس الأمر الديني. قال تعالى : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً). (36_ الأحزاب).
وكذلك الآية التالية تتحدث عن الأمر السياسي الذي علمه الله لرسوله وأمره بالاستقامة عليه. قال تعالى : (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ المَصِيرُ). (15_ الشورى).
وكذلك الآية التالية تتحدث عن الشورى في الأمر السياسي والتنظيمي والإداري للأمة. قال تعالى : (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ). (38_ الشورى).
وكذلك الآيات التالية تتحدث عن الأمر السياسي والتنظيمي والإداري لبني إسرائيل، وأن الله كما آت بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة آتاهم كذلك بينات من الأمر السياسي والتنظيمي والإداري، وأنهم ما اختلفوا إلا بعد خروجهم عن هذا الأمر ببغيهم وتنازعهم، وذكر الله هذا لرسوله ليعظه به وأنه قد جعله على شريعة من الأمر السياسي والتنظيمي والإداري ليتبعها ولا يتبع أهواء الذين لا يعلمون. قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى العَالَمِينَ(16) وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ(17) ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ). (18_ الجاثية).
وكذلك الآية التالية تتحدث عن الأمر السياسي والتنظيمي والإداري. قال تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ). (7_ الحجرات).
وكذلك الأمر السياسي والتنظيمي والإداري ليس قاصرا فحسب على رسول عليه الصلاة والسلام، بل هو عام لجميع الأنبياء والرسل قبله، فكما آتاهم الله الكتاب والحكم والنبوة كذلك آتاهم شريعة من الأمر السياسي والتنظيمي والإداري، والآيات التالية تفصل ذلك وتبين أن المقصود بـ (الأمر) هو الشأن السياسي والتنظيمي والإداري. قال تعالى : (وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي(90) قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى(91) قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا(92) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي). (93_ طه).
وكذلك قال عن جميع الأنبياء والمرسلين. قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ). (24_ السجدة). وقال تعالى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ). (73_ الأنبياء).
وكذلك قوله تعالى عن ملكة سبأ وأن (الأمر) لا يعني سوى الشأن السياسي والتنظيمي والإداري: قال تعالى: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ(32) قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُوْلُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ). (33_ النمل).
كل هذه الآيات تؤكد أن (الأمر) ليس مقصودا به سوى الشأن السياسي والتنظيمي والإداري للجماعة المؤمنة، وهذا الأمر بهذا المدلول ليس عن هوى الرسول وليس عن اجتهاده وآرائه الشخصية وإنما كان بوحي تشريعي ملزم من الله له ولبقية أفراد الأمة، وقد دون رسول الله عليه الصلاة والسلام هذا الأمر في (صحيفة المدينة) التي كتبها عليه الصلاة والسلام بيده بينه وبين جميع قبائل أهل المدينة من أهل الكتاب وغيرهم، وقد قمت بعرض هذه الصحيفة الدستورية مشروحة ومفصلة في الجزء الثاني من كتابي: (النظام المديني وزوال الديمقراطية) والتي احتوت على (47) مادة دستورية تصلح للعمل بها في كل زمان ومكان إلى يوم القيامة. وهذا هو عينه (الأمر) الذي حذر الله منه صحابة الرسول من مخالفته والتنازع فيه والخروج عنه وإلا أصابتهم فتنة وأصابهم عذاب أليم، ولكن قد حدث بالفعل ما حذر الله منه، فقد خالف صحابة رسول الله أمره في ترك العمل بصحيفة المدينة واستبدلوها بنظام الخلافة، فأصابتهم فتنة عظيمة اقتتل فيها الصحابة واختلفوا وأصاب الناس العذاب الأليم بسبب مخالفتهم أمره عليه الصلاة والسلام، ولمن يريد مزيد تفصيل لهذا الأمر يجده على الرابط التالي: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=263781
وما يؤكد كل ما سبق أن الله علم الرسول بوحيه في غير القرآن كيفية وهيئة الحكم بين الناس بما أراه، ومن غير المستقيم علما وفكرا وموضوعا أن يكون هذا التعليم موجودا في القرآن الكريم، بل هو وحي خاص من خارج القرآن الكريم. قال تعالى : (إِنَّا أنزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيماً). (105_ النساء). وكذلك نفى الله الإيمان عن المؤمنين حتى يتحاكموا إلى شخص الرسول فيما شجر بينهم ولا يجدوا في أنفسهم حرجا من قضائه ويسلموا بحكمه تسليما؟. ولو كان المؤمنون بوسعهم أن يتحاكموا هم بأنفسهم وبما يرون إلى الكتاب لما كان هناك من داع إلى نفي الإيمان عنهم في عدم تحاكمهم إلى شخص رسول الله عليه الصلاة والسلام. قال تعالى : (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً). (65_ النساء).
## وحي هيئة وتعليم وتطبيق وممارسة أحكام الرسالة :
من المسائل التي لاقت فراغا كبيرا في البحث والدراسة من جانب جميع التيارات والمذاهب الإسلامية المختلفة في الحكم على ما نسب إلى النبي محمد عليه الصلاة والسلام من أقوال وأفعال خارج نصوص القرآن الكريم، كانت مسألة الوحي، ليس الوحي كمفهوم أو تعريف أو ماهية، وإنما الوحي كموضوع وعلم ومادة دينية تشريعية، بمعنى هل الله سبحانه لم يوح إلى النبي محمد عليه الصلاة والسلام إلا بالقرآن الكريم فقط؟، وهل ورد في القرآن الكريم ما يؤكد بالقطع واليقين أن هناك وحيا تشريعيا ملزما في غير القرآن الكريم؟، وهل الحكمة غير القرآن؟ وما هي الحكمة؟. كل هذه الأسئلة نجيب عليها تفصيلا في الآتي:
كان تركيز آيات القرآن الكريم على الإيمان بالكتاب وبما أنزل من الله واتباعه لم يكن لأجل الإيمان بالكتاب وحده أو بالقرآن وحده، كلا، وليس لأن الله لم يرسل رسوله سوى بالكتاب وحده، أو بالقرآن وحده، وإنما أصل الإيمان لابد وأن يكون بالكتاب ثم إذا ما تحقق الإيمان بالكتاب والقرآن ابتداءً يتم بعده اتباع علم الكتاب واتباع علم الحكمة والتزكية الذين لا وجود لهم في الكتاب (القرآن الكريم)، وإنما يقوم الرسول عليه الصلاة والسلام بتعليمنا الكتاب وتعليمنا الحكمة والتزكية. ونستطيع أن نتبين هذا من الآيات الثلاث التالية: قال تعالى : (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ). (151_ البقرة). وقال : (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ). (164_ آل عمران) وقال : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ). (2_ الجمعة).
بعد تلاوة هذه الآيات الثلاث يتكشف لنا عدة أمور هامة وحاسمة وفاصلة في مهام الرسول عليه الصلاة والسلام هذه المهام هي: 1* تلاوة الآيات. 2* التزكية. 3* تعليم الكتاب والحكمة. 4* تعليمنا ما لم نكن نعلم. ونلحظ من هذه المهام الأربع أن الله أسندها إلى شخص الرسول نفسه، وليس إلى الكتاب، بمعنى أن الرسول هو من يقوم بهذه المهام بشخصه وممارساته، وأن هذه المهام ليست موجودة في الآيات ولا الكتاب، وإنما تعلمها الرسول من خارج الكتاب عن طريق الوحي ومن ثم يقوم بممارستها معكم وأمامكم، ونفصل هذا على النحو التالي:
1* تلاوة الآيات. التلاوة هي تتابع كلمات القرآن وآياته بصوته عليه الصلاة والسلام على مسامع الناس. ويختص فعل التلاوة بأن يكون بتتابع الأشياء المتلوة فيتلو بعضها بعضا دون أن يدخل فيها ما ليس منها، أي: لا تسمى تلاوة القرآن تلاوة إلا إذا تتابع ترديد كلاماته وآياته باسترسال ودون توقف ودون إدخال أي كلام آخر في التلاوة من غير القرآن الكريم. هذا هو مدلول التلاوة ومفهومها. ومنه قوله تعالى: (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ). (27_ الكهف). وقال: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الكِتَابِ). (45_ العنكبوت).
2* التزكية. قال تعالى: (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ) الفعل (زكا) يدل على: (النقاء والطهر والصفاء). وكل ما كان نقيا طاهرا صافيا فهو زكي. يقال: زكا الرجل إذا صلح ونقى وطهر. ويقال: زكا الزرع إذا طاب واستوى ونقى وصلح للأكل. والزكاة: (صفوة كل شيء وتنقيته وطهره). قال تعالى: (خُذْ مِن أَمْوالِهم صَدَقَةً تُطَهِّرُهم وتُزَكِّيهم بها). وماذا يحدث فعل الزكاة في دفع الصدقة؟، الجواب: لأن دفع الصدقة ينقي ويطهر قلب المتصدق من الكبر والشح والبخل ويملأه بالعطاء والإيثار والإخاء. وكذلك المتصدق عليه يقوم دفع الصدقة إليه بتنقية وتطهير وتصفية قلبه من الحقد والبغض والكره لأصحاب الغنى والمال. وقال تعالى: (فليُنْظَر أَيُّها أَزْكَى طَعاماً). أي: أطيبه وأصلحه وأنقاه وأصفاه. وقال تعالى: (قد أَفْلَح مَنْ زَكَّاها). أي: طهر نفسه ونقاها وصفاها. إذاً فقوله تعالى: (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ). أي: أن رسول الله هو بشخصه مكلف بتزكية المؤمنين، ولو كان أي مؤمن يملك أو يستطيع تزكية نفسه بالقرآن وبمفرده لما أسند الله مهمة التزكية إلى شخص رسوله عليه الصلاة والسلام. وفعل التزكية من قبل الرسول للمؤمنين بكل تأكيد لن يكون عن هوى أو رأي أو اجتهاد الرسول الشخصي، وإنما يكون بوحي من الله ليريه كيف يزكيهم.
3* تعليم الكتاب والحكمة. قال تعالى: (وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ). هذه العبارة تضع أمامنا ثلاثة أشياء مختلفة هي: (علم) و(كتاب) و(حكمة), ولا يمكن أن يكون الثلاثة بمعنى واحد أو مدلول ومفهوم واحد، فإذا قلنا الكتاب هو (القرآن)، فماذا يكون (علم الكتاب) و(علم الحكمة)؟. هذا هو السؤال. والجواب: من البديهي والعلمي والموضوعي أن يكون علم الكتاب ليس هو ذات الكتاب، وكذلك الحكمة لا يمكن أن تكون هي ذات الكتاب، مما يدل على أن ذات (الكتاب) شيء، و(علم) الكتاب شيء ثان، و(الحكمة) شيء ثالث. وإذا ثبت هذا فمن غير الممكن أن يكون (علم الكتاب) و(الحكمة) من رأي الرسول واجتهاده، وإنما بوحي من الله في غير الكتاب. ونفصل هذا على النحو التالي:
الفعل (علم) يدل على أثر بالشيء به تعرف حقيقته، وكذلك إدراك الشيء بحقيقته؛ وهو نوعان: أحدهما: إدراك ذات الشيء. والثاني: الحكم على الشيء بوجود شيء هو موجود له حقيقة ويقينا، أو نفي شيء هو منفي عنه حقيقة ويقينا. واشتق الفعل (علم) من وسم الشيء بسمة ما، كي يعرف به أنه هو عين ذاته وليس شيئا آخر غيره، يقال: أَعْلَمَ الفَرَسَ إِعْلامًا: عَلَّقَ عَلَيْهِ صُوفًا مُلَوَّنًا أحْمَرَ وأَبْيَضَ في الحَرْبِ حتى يعرفه به ولا يتيه منه. وأَعْلَمَ نَفْسَهُ، إذَا وَسَمَهَا بِسِيمَا الحَرْبِ إذَا عُلِمَ مَكانُهُ فِيها. والعَلامَةُ أعلم بها الثوب إذا جَعَل فيه عَلامَةً بها يعرفه حقيقة ويقينا. ومَعْلَمُ الطَّرِيق: إشاراته ودَلالَتُه. هذه حقيقة مفهوم ومدلول العلم وليس شيئا آخر. لكن ما يدعو للحزن والأسى أن فقهاء الدين على مر العصور في الأمة الإسلامية منذ وفاة النبي عليه الصلاة والسلام وحتى يومنا هذا قد رسخوا في نفوس ووعي أكثر المسلمين أن كلمة "العلم" لا دلالة لها سوى حفظ القرآن الكريم أو حفظ أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام أو معرفة الاختلافات الفقهية بين فقهاء الشريعة أو محو أمية الكتابة والقراءة، وكذلك في أيامنا هذه فقد انتشر بين الناس أن العلم هو الحصول على الشهادات والمؤهلات والإجازات الدراسية والجامعية.
لكن العلم لا دلالة له على الإطلاق في حفظ الكتب ولا حفظ الأقوال أيا كانت الكتب وأيا كانت الأقوال، ولا يعني محو أمية القراءة والكتابة، ولا يعني الحصول على الشهادات والمؤهلات والإجازات الدراسية والجامعية، إنما العلم هو: "اليقين والتحقق من أثر بالشيء به يعرف. وبشيء من التوضيح أضرب مثلا: (وجود الأب في الحياة قبل ابنه). هذا علم وحقيقة علمية يقينية لا يختلف اثنان من البشر في كوكب الأرض على صحتها وصوابها وانتشار أثرها في الحياة، إذن مقولة (وجود الأب في الحياة قبل ابنه) واستحالة حدوث العكس هي حقيقة علمية لا لبس فيها ولا غموض ولا مواربة ولا اختلاف. إذاً فهو أثر بَيِّن واضح لا لبس فيه ولا خفاء ولا غموض ولا خلاف عليه بين أحد من الناس. مثل آخر: "الإنسان مهما طال عمره ومهما امتد بقاؤه في الحياة لابد له أن يموت في نهاية المطاف". هذه حقيقة علمية وهذا هو العلم. كذلك حين أخبر النبي عليه الصلاة والسلام قومه من مشركي مكة من خلال آيات القرآن العظيم أن ما تعبدون من أصنام هذه الأصنام لا تملك لكم نفعا ولا ضرا، كانت هذه المقولة من الرسول لقومه هي حقيقة علمية يقينية لا لبس فيها ولا غموض، لأنه بالفعل هذه التماثيل المصنوعة من الحجر هي أحجار صماء بكماء لا تخلق ولا ترزق ولا تحيي ولا تميت.
وعليه فإن العلم في حقيقته ومدلوله لا علاقة له بحفظ الكتب ولا بحفظ الأقوال، ولا علاقة له بمحو أمية القراءة والكتابة، ولا علاقة له بالحصول على الشهادات والمؤهلات الدراسية والجامعية، العلم هو الوقوف على حقائق ويقينية الأشياء كما هي في ذاتها وتكوينها وكما يعلمها من علمها وكما يعلمها من سيعلمها فيما بعد، من دون أي خلاف بين من يعلمها على حقيقتها ويقينيتها. والعلم بهذا المفهوم به يهتدي الناس إلى حقائق ومفاهيم الأشياء بشكل صحيح وصواب، والعلم له وجهان: نظري وعملي، النظري يكون بإدراك حقيقة ويقينية الأشياء بالفكر كعلم الرياضيات 1+1=2، أما العملي فيكون بإدراك حقيقة ويقينية الأشياء بالوقوف على ذات الأشياء وفحصها عمليا وفعليا وواقعيا كالعلوم الطبية والفيزيائية وعلم الآثار وغيرها من العلوم الطبيعية أو ما يطلق عليها العلوم "التجريبية".
وبالتالي فحين يقول الحق سبحانه: (وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ). أي أن هذا الكتاب يحتاج إلى علم وتعليم وتعلم، مما يعني أن في الكتاب أشياء لابد لها من علم وتعليم وتعلم، وعلم وتعليم وتعلم هذا الكتاب لا يمكن أن يكون عن رأي الرسول واجتهاده وهواه، إنما بوحي أوحاه الله إليه، فكما أوحى إليه بالكتاب كذلك أوحى إليه بعلم الكتاب. والسؤال الآن: ما هو علم الكتاب؟. الجواب: أذكر مثلاً واحداً ونكتفي به حتى لا يطول بنا المقام: يقول الحق سبحانه: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل). هذا هو الكتاب أو نص الكتاب، أما علم هذا النص من شخص الرسول فيكون بتبيين كل أشكال وألوان أكل الأموال بالباطل التي لم تذكر في الكتاب، كتحريم الغش قال رسول الله (من غشنا فليس منا). وقال: (لا يبيع أحدكم على بيع أخيه). وقال: (لعن الله الراشي والمرتشي). وغيرها كثير وكثير من أشكال وألوان البيوع الباطلة والفاسدة كبيع (المزابنة) و(بيع الجهالة) و(بيع الغرر) و(بيع العينة) و(مطل الغني) وووو...إلخ. كل هذه الصور والأشكال المحرمة لأكل أموال الناس بالباطل لم يرد لها ذكر في القرآن الكريم، ولكن بينها النبي عليه الصلاة والسلام بأقواله وأفعاله عن طريق ما أوحى الله إليه من علم الكتاب، وليس عن طريق رأيه الشخصي أو اجتهاده وهواه، إنما هي بوحي من الله أوحاه إليه بعلم الكتاب. وهناك عشرات وعشرات الأمثلة على علم الكتاب في نصوص أخرى كثيرة لا يتسع المجال هنا لذكرها وحصرها.
** أما علم (الحكمة) في قوله تعالى: (وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ):
كثير من الناس يظنون خطئا أن الحكمة هي: (سداد الرأي وصوابه، أو الأقوال المأثورة أو الأمثال والحكم والعبر والعظات، أو التفكير السليم والصواب). كل هذا لا علاقة له بمدلول ومفهوم ومضمون (الحكمة)، وإنما (الحكمة) هي شيء آخر وراء هذا تماما. (الحكمة) مشتقة من الفعل (حكم) المشتق من (حَكَمَة الحصان) بفتح الحاء والكاف، أي: (اللجام) الذي يوضع في رقبة الفرس أو الحصان أو الدابة للتحكم في توجيهها وإيقافها وتسريعها وتبطيئها وتقييدها وغير هذا، ومنه سميت (اللجام): حَكَمَة الدابة، فقيل: حكمته وحكمت الدابة: منعتها بالحَكَمَة، وأحْكَمْتُها: جعلت لها حَكَمَة، ومنها اشتق (الحكم) الذي يعني (السلطة)، وكذلك منها اشتقت (الأحكام) التي هي (القوانين والتشريعات) التي تحكم سلوك الناس ومعاملاتهم وبيعهم وشرائهم وعباداتهم ونسكهم وما إلى ذلك. إذاً الفعل (حكم) اشتق من (حَكَمَة الحصان أو الدابة) للتحكم في مسارها وتوجهها وأفعالها، ومنه اشتقت الأحكام التي تنظم شئون الناس ومعاملاتهم وعباداتهم، ومن كل هذا اشتقت كلمة (الحِكْمَة) بكسر الحاء. ولمعرفة مدلول ومضمون هذه الكلمة لابد لنا معها من وقفة لتبيين وتفصيل مدلولها الحق كما ورد في لسان قوم الرسول الذي نزل به القرآن الكريم على النحو التالي:
الاسم أو المصدر (حِكْمَة) بكسر الحاء على وزن (فِعْلَة)، مثالٌ: (جلسَ جِلسةَ المتأدبّين) بكسر الجيم في (جِلْسة). ومثال: (مشي مِشية المتكبرين) بكسر الميم في (مِشية). ومثال: (مات مِيْتَةً سوية) بكسر الميم في (مِيْتَةً). وبالتالي فالاسم أو المصدر الذي يأتي على وزن (فِعْلَة) هو اسمٌ يدلُّ على هيئةِ الفعلِ حين وقوعه ويدل كذلك على نوعِه، ويسمى (اسم الهيئة) وهو مَصدر يُصَاغُ مِن الفِعل لِلدَّلالة على (الهَيْئَةِ أو الصُّورَة التي وَقََعَ بِها الحَدَث). مثل: (جلس جِلسة، مشى مِشية، أكل إكلة، وقف وِقفة، ضحك ضِحكة، مات مِيتة، زار زِيرة، قعد قِعده، قتل قِتله، حكم حكمة). وببعض التوضيح أقول: كلنا يعلم ماهية (الجلوس)، ولكن الجلوس له صور وهيئات وأشكال كثيرة، فهناك من يجلس (متكئاً) أو (مضطجعاً) أو (مستلقياً) أو (يضع ساق على ساق) أو يجلس (بغير أدب) أو (يجلس بأدب)، كل هذه الأشكال والصور والهيئات للجلوس تبين لنا كيف كانت (جِلْسَة) الجالس وكيف كان شكلها وصورتها.
هكذا هي كلمة (الحكمة)، فالحكمة اسم لهيئة أو صورة أو شكل الأحكام، فجميعنا بعلم ماهية (الأحكام) التي هي (القوانين والتشريعات) سواء كانت أحكام تشريعية للعبادات والنسك، أو أحكام تشريعية للمعاملات، فمعرفتنا النظرية بالأحكام التشريعية لا تكفي في الامتثال والالتزام بها، إلا إذا علمنا هيئة وكيفية وصور وأشكال ذلك الامتثال والالتزام بهذه الأحكام. وأضرب مثلا: بـ (الصلاة): الصلاة هي حكم تشريعي عبادي، لكن لم يرد لها في القرآن الكريم أي تفصيل عملي يدل على صورتها أو هيئتها أو شكلها أو كيفيتها، وبالتالي ألزم الله رسوله عليه الصلاة والسلام بوحيه إليه بـ (علم الكتاب) و(علم الحكمة)، ليبين للناس بطريقة عملية واقعية فعلية موحى بها إليه (هيئة وكيفية وصور وأشكال) الامتثال والالتزام بالأحكام. وبالتالي فامتثال الرسول والتزامه وتطبيقه الفعلي العملي بالأحكام وتعليمه للناس (الكتاب والحكمة) ليس عن هواه ورأيه واجتهاده، وإنما هو بوحي من الله أوحاه إليه، كذلك (علم الكتاب وعلم الحكمة) ليس لهما وجود في القرآن الكريم على الإطلاق، وإنما هو وحي خاص إلى الرسول ليعلم الناس بطريقة عملية فعلية واقعية كيفية الالتزام بهذه الأحكام.
4* تعليمنا ما لم نكن نعلم: هذه المهمة أيضا تتعلق بعلم الغيب الذي أظهر الله رسوله عليه في قوله: (عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً(26) إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ) (27_ الجن). وهذا العلم هو علم موحى به لرسول الله ليعلم أمته بما هو غيب عنهم في الماضي، وما هو غيب عنهم سيأتي في المستقبل، كالنبوءات الكثيرة التي تنبأ بها رسول الله عليه الصلاة والسلام في عشرات الأحاديث، ونذكر منها على سبيل المثال قوله عليه الصلاة والسلام: (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعي الأكلة على قصعتها، قيل: أمن قلة يومئذ يا رسول الله؟ قال بل كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ينزع من قلوب أعداكم المهابة منكم، ويوضع في قلوبكم الوهن. قال رجل وما الوهن يا رسول الله؟. قال: حب الحياة وكراهية الموت) رواه أحمد في مسنده.
وعليه نعود مرة أخرى لقراءة النصوص الثلاثة في هذا الشأن على النحو التالي: قال تعالى : (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ). (151_ البقرة). وقال : (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ). (164_ آل عمران) وقال : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ). (2_ الجمعة).
وبناء على ما تقدم نرى أن الله تعالى ذكر تلاوة الكتاب أولاً، وتعليمه ثانياً، ثم عطف عليه الحكمة التي هي التطبيق العملي، فوجب أن يكون المراد من الحكمة شيئاً خارجاً عن الكتاب، وليس شيئا موجودا في الكتاب، وليس ذلك إلا تعليم وتطبيق رسول الله لأحكام الكتاب، فنسب التعليم إلى النبيّ عليه الصلاة والسلام أي: يعلمهم الكتاب الذي أنزله عليك، وكيفية التزام وامتثال وتفصيل أحكامه التي علمه إياها، فجاء ترتيب (التعليم) بعد (التلاوة)، لأن التعليم أول شيء فيه (التلاوة) والتكلم بالقرآن، أي: الكلام الذي يقرع الأذن في أول درجة من درجات التعليم، وفي الدرجة الثانية يأتي تعلم مضمون ومدلول هذا الكلام، ثم بعد ذلك تأتي (الحكمة) التي هي الممارسة العملية الفعلية، فالتلاوة أولاً، والتعليم ثانيا، والحكمة (التطبيق) ثالثا.
وما يؤكد كل ما سبق وأن (الحكمة) ليست هي (سداد الرأي وصوابه، أو الأقوال المأثورة أو الأمثال والحكم والعبر والعظات، أو التفكير السليم والصواب)، فكل هذا لا علاقة له بمدلول ومفهوم ومضمون (الحكمة)، التي هي هيئة وشكل وصورة امتثال الأحكام ولا تعني شيئا آخر سوى هذا. أن الحكمة ليست خاصة برسول الله فحسب، بل إن الله آت الحكمة لجميع الأنبياء والمرسلين من قبله عليه الصلاة والسلام، وما يؤكد هذا أن الحكمة ليست كما يظنها ويفهما الناس، وإنما هي وحي أنزله الله سبحانه وتعالى على جميع أنبيائه ورسله، قوله تعالى في الآيات التالية: قال تعالى : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِنَ الكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ). (231_ البقرة). فالحكمة منزلة من الله بنص هذه الآية. كذلك قال عن (داوود) عليه السلام أنه آتاه (الحكمة) : قال تعالى : (فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ المُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ). (251_ البقرة). وقال عن داوود كذلك : (وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الحِكْمَةَ وَفَصْلَ الخِطَابِ). (20_ ص). وقال تعالى: (يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً). (269_ البقرة). وقال عن (المسيح بن مريم) : (وَيُعَلِّمُهُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ). (48_ آل عمران). وقال عن المسيح كذلك : (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ). (110_ المائدة). وقال عن المسيح كذلك : (وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ). (63_ الزخرف). وقال عن جميع الأنبياء: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ). (81_ آل عمران). وقال عن إبراهيم وآله : (فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ). (54_ النساء). وقال عن محمد عليه الصلاة والسلام : (وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ). (113_ النساء). وقال عن لقمان : (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ). (12_ لقمان). وقال عن نساء النبي : (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ). (34_ الأحزاب).
وقال سبحانه: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). (125_ النحل). وفي هذه الآية إشارة جليلة وعظيمة، ألا وهي: أن الدعوة إلى الله سبحانه لابد وأن يكون ترتيب مراحلها كالتالي: بـ (الحكمة) أولاً، و(الموعظة الحسنة) ثانياً، و(المجادلة بالتي هي أحسن) أخيراً، فبدأ بالحكمة لأنها هي التطبيق العملي والسلوكي والفعلي من الداعية إلى الله ابتداءً لما يدعو إليه في سلوكه وأفعاله وأعماله، وهذا الالتزام العملي والسلوكي والفعلي يكون أكثر إقناعاً وقبولا لما يدعو إليه الناس، ثم بعد الالتزام الفعلي والسلوكي والعملي الحقيقي تأتي الموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، وبالتالي فأي دعوة لا يمتثلها صاحبها في واقع عملي فعلي سلوكي حقيقي لن يقبلها الناس منه ولن تؤتي أكلها على الإطلاق.
وهنا ربما يسأل سائل عن قوله تعالى في سورة الإسراء: (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الحِكْمَةِ). (39_ الإسراء). ويقول هذه الآية جاءت عقب كم كبير من التوجيهات والأوامر والنواهي كتحريم الشرك والأمر بطاعة الوالدين وتحريم الزنا والقتل والبخل وتحريم أكل مال اليتيم والوفاء بالكيل والميزان والوفاء بالعهد، وكل هذه الأمور، ثم ختم جملة هذه الأوامر والنواهي بقوله: (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الحِكْمَةِ). ألا يدل هذا على أن (الحكمة) ليس مقصودا بها التطبيق العملي والفعلي كما ذكرت ومقصودا بها مجموعة الأوامر والنواهي التي سبقت هذه الآية؟. وهذه هي النصوص على النحو التالي: (وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً(31) وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً(32) وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي القَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً(33) وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً(34) وَأَوْفُوا الكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ المُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً(35) وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً(36) وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الجِبَالَ طُولاً(37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً(38) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً). (39_ الإسراء).
الجواب: ليس كذلك، فهذه الآية: (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الحِكْمَةِ) ليس مقصودا بها على الإطلاق حرفية نصوص الأوامر والنواهي التي سبقتها كأوامر ونواهي، وإنما مقصودا بها الممارسة الفعلية والعملية التي أوحى الله بها إلى رسوله عليه الصلاة والسلام في هيئة وصور اجتناب هذه النواهي وفعل هذه المأمورات، بدليل أن اسم الإشارة جاء به للبعيد فقال: (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الحِكْمَةِ). ولم يقل: (هذاَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الحِكْمَةِ). فمجيء اسم الإشارة (ذلك) الذي يشير للبعيد عقب هذه الأوامر والنواهي فهو يدل على هيئة وكيفية تطبيق هذه الأوامر، والهيئة أو الكيفية أو الشكل هو بالفعل ليس موجودا في نصوص الآيات التي سبقتها، وإنما هو وحي آخر غير موجود في القرآن الكريم أوحى الله به إلى رسوله عليه الصلاة والسلام كي يعلمه لأمته، لهذا جاء باسم الإشارة الذي يشير إلى البعيد: فقال: (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى). وتؤكد هذه الآية أيضا أن التطبيق العملي والممارسة الفعلية هي وحي أوحاه الله إلى رسوله كما أوحى له القرآن الكريم، وليس عن رأي واجتهاد شخصي منه، فقال: (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الحِكْمَةِ).
كذلك ما يؤيد ويؤكد ما سبق في الفقرة السابقة أن الله ختم مجموعة هذه الأوامر والنواهي التي وردت في سورة الإسراء بقوله: (كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً). (38_ الإسراء). فلماذا جاء باسم الإشارة (ذلك) الذي يشير للبعيد؟، وكان من المفترض أن يأتي باسم الإشارة (هذا) الذي يشير للقريب لو كان يقصد النصوص ذاتها فيقول: (كُلُّ هذا كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً). فلماذا قال: (كل ذلك)، ولم يقل: (كل هذا)؟. الجواب: لسببين: الأول: أن الإشارة باسم الإشارة (ذلك) الذي يفيد البعيد هو إشارة إلى سوء عاقبة من قاموا بمثل هذه الأفعال في الماضي، ويؤكد هذا ورود (كان) التي تفيد الماضي، أي كأنه يقول: (كل سيء ذلك كان عند ربك مكروها). أي: كل من قام بهذه الأفعال في الماضي كانت عواقبه السيئة لهذه الأفعال عند ربك مكروهة. الثاني: لأن العواقب السيئة لارتكاب هذه النواهي والعواقب السيئة للامتناع عن امتثال هذه الأوامر ليس موجودا بالآيات، بمعنى أنه يريد أن يقول بقوله: (كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً). أي: العواقب السيئة المكروهة لعدم الالتزام بهذه الأوامر والعواقب السيئة المكروهة لارتكاب هذه المنهيات سيكون في أعقاب الممارسة الفعلية العملية في الواقع، فمن ترك هذه الأوامر وارتكب هذه النواهي ستلحقه سيئات هذه الأفعال هناك بعيدا عقب ارتكابه لهذه الأفعال إما بالعقوبات الدنيوية أو بالعقوبات الأخروية وهناك سيكون عواقب هذه الجرائم سيئا ومكروها، لذلك عندما يرتكب الإنسان جرما ما، لا يشعر بسوء ذلك الجرم وعاقبته الوخيمة إلا بعد ارتكابه للجرم بالفعل، وليس قبل ارتكابه، فلهذا كان لابد أن يأتي باسم الإشارة (ذلك) الذي يشير للبعيد لأن العواقب السيئة المكروهة لهذه الجرائم ليست موجودة ضمن النصوص القرآنية التي أمرت بهذا ونهت عن هذا، وإنما هي موجودة هناك بعيدا في أعقاب ارتكاب الجرم إما في الدنيا أو في الآخرة، وسواء في الماضي أو في الحاضر أو المستقبل.
وقد يسأل سائل ويقول: إذا كانت أفعال وأقوال الرسول وممارساته هي بالفعل وحي وعلم من الله كما ذكرت، فلماذا لم يتعهد الله بحفظ ذلك الوحي كما تعهد بحفظ القرآن الكريم؟. ولماذا هناك أحاديث كثيرة متناقضة مع القرآن الكريم ومختلفة ومتناقضة مع غيرها من الأحاديث؟. وكيف نتعامل مع وضع كهذا؟. الجواب سيكون في الفصل القادم بمشيئة الله.
(للحديث بقية في الفصل الثاني عشر)
الفصل الأول: (عرض تمهيدي لقضية السنة) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=293175 الفصل الثاني: (الصحابة والسلف بين التقديس والشيطنة) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=293537 الفصل الثالث: (تاريخ نقد وإصلاح التراث الإسلامي وتنقيحه) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=294154 الفصل الرابع: (تاريخ إنكار السنة ونشأة القرآنيين) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=294768 الفصل الخامس: (القرآنيون ومأزق حفظ وجمع القرآن) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=295266 الفصل السادس: (القرآنيون والتفريق بين النبي والرسول) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=295917 الفصل السابع: تابع (القرآنيون والتفريق بين النبي والرسول) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=296491 الفصل الثامن: (هل القرآن كافٍ وحده؟). http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=296924 الفصل التاسع: (البلاغ، الأسوة، ما ينطق عن الهوى). http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=297432 الفصل العاشر: (طاعة الرسول). http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=298124
نهرو طنطاوي كاتب وباحث في الفكر الإسلامي _ مدرس بالأزهر مصر _ أسيوط موبايل : 01064355385 _ 002 إيميل: [email protected] فيس بوك: http://www.facebook.com/profile.php?id=100001228094880&ref=tn_tnmn
#نهرو_عبد_الصبور_طنطاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السنة ما لها وما عليها: الفصل العاشر: (طاعة الرسول)
-
السنة ما لها وما عليها: الفصل التاسع: (البلاغ، الأسوة، ما ين
...
-
السنة ما لها وما عليها: الفصل الثامن: (هل القرآن كافٍ وحده؟)
-
السنة ما لها وما عليها: الفصل السابع: تابع (القرآنيون والتفر
...
-
السنة ما لها وما عليها: الفصل السادس: (القرآنيون والتفريق بي
...
-
السنة ما لها وما عليها: الفصل الخامس: (القرآنيون ومأزق حفظ و
...
-
السنة ما لها وما عليها: الفصل الرابع: (تاريخ إنكار السنة ونش
...
-
السنة ما لها وما عليها: الفصل الثالث: (تاريخ نقد وإصلاح التر
...
-
السنة ما لها وما عليها: الفصل الثاني: (الصحابة والسلف بين ال
...
-
السنة ما لها وما عليها: الفصل الأول: (عرض تمهيدي لقضية السنة
...
-
إطلالات قصيرة على واقع المشهد المصري الحالي
-
لماذا بصق المصريون في وجوه نخبهم وإعلامييهم؟
-
شيفونية المصريين
-
(توفيق عكاشة) نموذج معبر عن حقيقة الشخصية المصرية
-
من ينقذ المصريين من أنفسهم؟
-
من حق (فاطمة خير الدين) أن تكون عاهرة وتفتخر
-
أما أنا فأقول لكم
-
ما لا يقال ولن يقال حول الصراع الإسلامي المسيحي في مصر
-
(ما كان لنبي أن يكون له أسرى) رد على: علال البسيط
-
تعليقات على مقال أم قداس في كنيسة؟
المزيد.....
-
لوباريزيان: سجن 3 طلاب أرادوا إنشاء دولة إسلامية بفرنسا
-
“هالصيصان شو حلوين”.. اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024
...
-
“شاور شاور”.. استقبل تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ال
...
-
قصة الاختراق الكبير.. 30 جاسوسا معظمهم يهود لخدمة إيران
-
بالفيديو: خطاب قائد الثورة الإسلامية وضع النقاط على الحروف
-
السفير الديلمي: كل بلدان العالم الاسلامي مستهدفة
-
مقتل وزير اللاجئين في حركة طالبان الأفغانية بانفجار في كابول
...
-
المرشد الأعلى الإيراني: الولايات المتحدة والنظام الإسرائيلي
...
-
المرشد الأعلى في إيران يعلق على ما حدث في سوريا
-
بابا الفاتيكان يوجه رسالة للقيادة الجديدة في سوريا
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|