أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد جاسم الساعدي - ((آخر الملائكة)) لفاضل العزاوي















المزيد.....

((آخر الملائكة)) لفاضل العزاوي


عبد جاسم الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 3661 - 2012 / 3 / 8 - 11:09
المحور: الادب والفن
    


اضطراب السرد الروائي
يفصل بين القلعة الخامسة للروائي فاضل العزاوي وروايته "آخر الملائكة" تاريخ طويل، يمتد نحو ثلاثين عاما، حافل بالمعرفة والتنقيب في قاع المجتمع، وولوج عوالم جديدة تشكل البداية الفنية للقبض على مكونات العمل الروائي، دون الاستغراق في طفوها السياسي الماثل للعيان، الذي يحاكي الواقع المباشر من دون ردها فنيا إلى أصولها الاجتماعية والتاريخية الغارقة في تناقضاتها، والبيئات المتنوعة التي تتحكم في مسار شخصياتها. تقوم رواية "آخر الملائكة" على فضاء مطلق، مفتوح، لا تأسره خانات مغلقة ولا بوابات ولا واجهات زجاجية، او هرطقات ثقافية. إنها ذات عالم روائي جديد فيه إضافات وامتدادات إنسانية، تخرج عن النمط التقليدي المألوف في رسم البطولة وأعداد صفاتها وسحناتها على "الورق" قبل نقلها إلى الزمن الروائي.
قارئ الرواية يتأمل مجموعة دلائل تنهض عليها، ولعل أولها هذا الإعداد الوفير لمكونات "المكان" الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تخرج شخوص الرواية من وسطها، كما يخرج المؤلف الراوي العارف بخفايا المكان وتفاصيله الدقيقة من ركامه. غير إن السؤال الذي يطالع قارئ رواية "آخر الملائكة" هو، هل ان الرواية ذات نص واحد، ام مجموعة نصوص؟ وما اثر ذلك على بنية السرد الفني فيها؟ يبدو ان السرد الروائي في آخر الملائكة يتقاطع في نصين اثنين ولعل النص الأول فيه، الذي يشكل الشطر الأكبر منه. يتوفر على قدر ممتع من فنية السرد لما فيه من التقاطع والتداعي وتحريك عناصر الحياة، الذي يؤكد فهم أسرار "اللعبة" في النص الروائي.
وكان يمكن، أن يبقى هذا النص حيا بشموليته وانسياباته ليشتغل عليه السرد الروائي، لولا انه "أقحم" بنص آخر. اخلّ بشكل ما، بالعمل الروائي نفسه، الذي سنأتي عليه في نهاية هذه القراءة.
يؤسس "النص" الفني الأول مقوماته، من خلال هذه الإحاطة المعرفية والذاكرة المتوهجة، التي هي ذاكرة "الروائي – المؤلف" لمدينة "كركوك" هذه المدينة التي تعج بعلاقات ثقافية واجتماعية وسياسية ولغوية بفعل الاختلاط القومي والديني فيها، وحدة الصراع والتنافس على الاستحواذ عليها، إضافة إلى الوجود الاستعماري المبكر، الممثل بشركات النفط الانكليزية الذي كان جاثما على شرايين الحياة فيها وعلى العراق بوجه عام. لهذا استهلت الرواية فصلها الأول بقصة طرد "حميد" سائق سيارة المهندس الانكليزي وزوجته من الشركة، فتنتصر عندئذ محلة "جقور" بمجملها وعلى اختلاف انتماء أبنائها لقضية "حميد" مطالبة بإعادته إلى العمل وفق معطيات اجتماعية وسياسية تلخص الموقف "الجماعي" الذي يخضع لضرورات "الصراع" مع قوى أجنبية دخيلة على المجتمع.
يكتنز هذا النص بسرد "احتفالي" تتقاطع فيه مجموعة عناصر تتنامى الحركة على مدى فصوله الأربعة الأولى، لتأخذ بعدا إضافيا آخر يعزز فنية السرد في فصول لاحقة، فيتوزع السرد بين الحقيقة والمتخيل والوهم الغريب، لكنها في كل الأحوال، تعبر عن نفسها في التأسيس لمقومات حركة نقابية تنبثق من الصراع مع دولة شركات النفط الأجنبية في العراق، فيتولى "الراوي - المؤلف" التعامل مع شخوصه من موقفها الاجتماعي، بل يدعها تتحرك بحرية لتعبر عن نفسها، وتكشف الغامض من سلوكها، وتلك سمة من سمات الرواية، التي تبحث في قاع المجتمع، دون إضفاء هالات معينة من البطولات الفردية الخارقة، فيختلط الانتماء الاجتماعي بالسياسي الذي يجعل القارئ عندئذ يدرك أبعاد الاضطراب السياسي في الحياة وأسباب تلك الانكسارات التي هزت مفاصل المجتمع. من هنا يحمل "الإبداع" سياقه الفني، خارج النصوص "الأيديولوجية" المحكومة بمواصفات سياسية بحتة.
فتقاطع السرد في "النص" ينمي فيه "المعرفة" ويشحنه بطاقات متجددة، تتناسل من خلال العودة إلى الماضي والتطلع إلى موقف سياسي جديد، سواء لتأكيد حالات "التردد" او "الازدواجية" عند شخوص الرواية أو الإقدام على عمل جماعي، كما هو حال إضراب عمال شركة النفط الشهير في "كاورباغي" في كركوك.
ويأخذ السرد الروائي انعطافات جديدة – لا وفق دائرة "الحوار" بين شخوص الرواية – فيستقطب شرائح اجتماعية مختلفة من خلال قرار البلدية، في شق طريق عبر المقبرة القريبة من "المصلحة" وتلك نقطة تحول مثيرة في الرواية، لأنها تكشف مدى رؤية الناس في محلة "جقور" للحياة والصراع مع شركات النفط الانكليزية، التي قررت فرض الأمر الواقع على البلدية لشق الطريق من خلال المقبرة. وتكمن الميزة الاحتفالية في النص، من خلال التفاعل الاجتماعي الذي يحرك بواعث الناس الداخلية للمشاركة في أعمال جماعية، يكون للنساء فيها قدر كبير بالإضافة إلى التداعي المأخوذ بالنكتة والحكاية الشعبية الساخرة الذي يضفي على النص "الأريحية" ويبعد القارئ عن الملل. "اظهر حميد نايلون الذي كان ملثما بغطاء الرأس، مثل كل العمال الآخرين على الرغم من قصره، شجاعته فوجئ بها هو نفسه، فقد اخرج من تحت قميصه خنجرا كان يحمله، مخالفا بذلك تعليمات النقابة، وراح يطعن به بطون الخيول من الخلف، فكانت تصاب بالهياج من الألم فتقذف براكبها على الأرض، أو يهويان معا. وامسك درويش كردي من اربيل، كان قد جاء ليقدم عرضا لخروقاته في تكية قريبة، بشرطي سقط على الأرض، وجره إلى وراء الأشجار، ثم ذبحه بعد أن قرأ عليه سورة الفاتحة. أما النص الآخر في الرواية الذي فتح "ثغرة" في السرد، وانعطف بالعمل الروائي خارج نموه الطبيعي، هو اعتبار "حميد نايلون" قائدا للثورة المسلحة، يضع اللبنات الأولى لها، لتكون ثورة الفلاحين على غرار الثورة الصينية، وضم العقيد أنور مصطفى إليها.
فالسرد الروائي في هذا النص، كما يبدو من سياقه، ومحاولة إدغامه قسرا بالنص الأول لا يحمل في طياته سوى رأي "المؤلف" بحركات مسلحة معارضة خرجت على النظام العراقي في وقت ما فاقحمت "الأيديولوجية" التي شوشت النص وأغرقته في قضايا سياسية مباشرة لا تغيب مقاصدها عن القارئ العراقي بوجه خاص. فليس مصادفة ولا بفعل مخيلة الراوي، يقع اسم "العقيد أنور مصطفى" في مجموعة حميد نايلون المسلحة. كما يظهر مدى الاختلال الذي جرى في محاولة الربط بين عناصر الرواية من خلال النهايات التي انتهت بها حياة "حميد نايلون" قائد الثورة المسلحة" الذي طردته شركة النفط، حينما يتم اسر عدد من الأجانب تكون هيلين وزوجها من بينهم "لكم كنت بلهاء يا حميد عندما طردتك!".. قل لي انك قمت بثورتك من اجلي ". وتفقد الرواية جذوتها الفنية في هذا "الاستطراد" الذي يخلق من "الحوار" والتقاطع الفني الذي جرت عليه الرواية في فصولها الأولى التي قامت على أساس طرد حميد من الشركة وإضراب عمال النفط الذي تبعه ثم محاولة شق الطريق عبر المقبرة. وتهيمن سلطة "الراوي- المؤلف" في أحداث تماثل "الثورة المسلحة" بانتقاله إلى الصراعات التي اكتنفت ثورة 14 تموز (يوليو) 1958 بأسلوب صحافي مباشر يخل بالعمل الروائي برمته ويفقده عناصره الفنية التي اتسم بها نصها الأول.


د. عبد جاسم ألساعدي
ناقد من العراق يقيم في لندن
آخر الملائكة – دار الرياض الريس – لندن 1992



#عبد_جاسم_الساعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تشكيل الصورة في قصص -خريف البلدة-*
- كواغد عراقية
- الطريق إلى الباوية!
- الانتماء للشوارع والبيوت الواطئة !
- حرائق
- ملتقى الخميس يحتفي بالمبدع الدكتور عبد جاسم الساعدي
- ملتقى الخميس الابداعي يحتفي بالمبدع الدكتور عبد جاسم الساعدي
- التعليم في العراق : التحديات والآفاق*
- قاعة فؤاد التكرلي الثقافية في عامها الخامس
- منظمات المجتمع المدني : الواقع والآفاق
- البلدان العربية بحاجة الى آليات عمل جديدة خارج اطر الجمود وا ...
- اضراب عمال الزيوت النباتية في ذكراه الثالثة والاربعين
- رسالة مفتوحة الى رئيس الوزراء نوري المالكي
- -جمعية الثقافة للجميع- النشأة والتطور
- طاولة مستديرة في حق النساء والفتيات في التعليم
- مناقشة مشروع قانون محو الامية
- -دعم مطالب المتظاهرين ضرورة ثقافية وتنظيمية-
- مهرجان المربد الشعري الثامن في البصرة
- قراءة في مشروع قانون التربية
- لا للفساد وانتهاكات حقوق الانسان


المزيد.....




- مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات ...
- الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و ...
- -أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة ...
- الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
- “من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج ...
- المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ ...
- بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف ...
- عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
- إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع ...
- تكريم الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد جاسم الساعدي - ((آخر الملائكة)) لفاضل العزاوي