|
حرب التكفير وخطر ايقاظ الفتنة النائمة
تاج السر عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 3632 - 2012 / 2 / 8 - 21:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من جديد يطل سلاح التكفير برأسه في سودان مابعد انفصال الجنوب ، ليوقظ الفتنة النائمة التي تؤدي الي المزيد من تمزيق وحدة البلاد ونسيجها الاجتماعي وموروثها الروحي والثقافي، فقد كفّر المتشددون السلفيون من جماعة " الرابطة الشرعية لعلماء السودان" القوي السياسية من أحزاب: الشيوعي، الأمة ، الشعبي. وتم الاعتداء علي القباب التي تعبر عن الموروث الديني والثقافي والتاريخي للسودانيين مثل: قبة الشيخ ادريس ودالارباب، ودحسونة...الخ، وامتدت الفتنة الي ميدان المولد بامدرمان بصدام السلفيين مع الطرق الصوفية. يجري استخدام سلاح التكفير في هذه الظروف التي تتفاقم فيها أزمة النظام ويتصاعد فيها نضال الحركة الجماهيرية من اجل تحسين الاوضاع الاقتصادية والمعيشية، ووقف الحرب وانتزاع الحريات والحقوق الأساسية، بهدف شغل الجماهير عن نضالها وقضاياها الأساسية والمتوجهة شطر تكوين اوسع جبهة من اجل اسقاط النظام وقيام نظام ديمقراطي يفتح الطريق لدولة المواطنة التي تسع الجميع، وكفالة الحقوق والحريات الديمقراطية وقيام المؤتمر الاقتصادي الذي يساهم في وقف التدهور الاقتصادي وتحسين الأوضاع المعيشية ، والحل الشامل والعادل لقضايا: دارفور وجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان وابيي، وحل القضايا العالقة مع دولة الجنوب وقيام العلاقة معها علي حسن الجوار والمنفعة المتبادلة. لقد اكدت التجربة في السودان أن سلاح التكفير يهدد استقرار المجتمع بعد التجارب المريرة التي عاني منها شعب السودان جراء استغلال الدين في السياسة، منذ اجهاض الديمقراطية بعد ثورة اكتوبر 1964م بحل الحزب الشيوعي السوداني وطرد نوابه من البرلمان في اواخر عام 1965م، وتقويض الدستور وانتهاك استقلال القضاء وحكم القانون، وقيام محكمة الردة للاستاذ محمود محمد طه عام 1968م ومحاولة فرض الدولة الدينية باسم الاسلام مما زاد من حدة الصراع والفتنة والانقسام في المجتمع وزيادة حرب الجنوب اشتعالا مما أدي الي قيام انقلاب 25 مايو 1969م الذي كان وبالا علي البلاد. وعندما تصاعد النضال الجماهيري ضد ديكتاتورية مايو أعلن النظام قوانين سبتمبر 1983م لتقوم علي أساسها دولة دينية تستمد شرعيتها من قدسية السماء وبيعة الأمام، وبهدف المزيد من قمع الحركة الجماهيرية ومصادرة الحقوق والحريات الأساسية. وكانت تلك الفترة حالكة السواد في تاريخ البلاد تضاعف فيها القهر والفساد والجوع والأمراض والتفريط في السيادة الوطنية ،وضرب البلاد الجفاف والتصحر ، وبلغت ديون السودان الخارجية 9 مليار دولار، وفاق عدد الايدي المقطوعة في كل عهد الملك عبد العزيز في ربع قرن!!، وتم اعدام الاستاذ محمود محمد طه الذي عارض قوانين سبتمبر التي اذلت الشعب السوداني، وزادت نيران حرب الجنوب بعد نقض اتفاقية اديس ابابا وتكوين الحركة الشعبية في مايو 1983م، وتصاعدت المقاومة للنظام حتي اندلعت انتفاضة مارس- ابريل 1985م. وبعد انتفاضة مارس/ابريل 1985م استمر الصراع : هل تبقي الدولة مدنية ديمقراطية أم دولة دينية؟ ودافعت قوي الانتفاضة عن مدنية وعقلانية الحياة السياسية والدولة ضد اتجاه الجبهة القومية الاسلامية يومئذ لفرض قانون الترابي الذي يفضي للدولة الدينية ، وتمت هزيمة مشروع الترابي. وجاء انقلاب 30 يونيو 1989م الذي الغي الدولة المدنية والمجتمع المدني وحل الأحزاب والنقابات والاتحادات وشرد الالاف من المعارضين السياسيين والنقابيين من اعمالهم ، ومارس شتي صنوف التعذيب والتنكيل بالمعتقلين السياسيين واستشهد البعض منهم في السجون. صادر الانقلاب الحريات والحقوق الأساسية وأقام دولة دينية كانت وبالا ودمارا علي البلاد، حيث ازدادت وتوسعت حرب الجنوب التي اتخذت طابعا دينيا وبلغت خسائرها 2 مليون نسمة وشردت 4 ملايين الي خارج وداخل السودان، وامتدت الحرب لتشمل جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وشرق السودان ودارفور، حتي تم توقيع اتفاقية نيفاشا والتي كان من نتائجها انفصال الجنوب بسبب اصرار نظام المؤتمر الوطني علي فرض الدولة الدينية. وكان من نتائج الدولة الدينية أن تعمقت الفوارق الطبقية واصبح 95% من شعب السودان يعيش تحت خط الفقر، وتم تدمير عجلة الانتاج الصناعي والزراعي، وفرض سياسة التحرير الاقتصادي، وخصخصة مؤسسات قطاع الدولة: السكة الحديد، مشروع الجزيرة، النقل النهري، النقل الميكانيكي،...الخ، وتم نهب ممتلكات القطاع العام وبيعها بأثمان بخسة لمحاسيب النظام، ونشأت فئة رأسمالية اسلاموية طفيلية من نهب قطاع الدولة وممتلكات الشعب والتي اثرت ثراءا فاحشا، وانتشر الفساد بشكل غير مسبوق في البلاد. وانفجرت الحرب مجددا في جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان ، ويتوقع انفجارها ايضا مع دولة الجنوب والتي اذا قامت ستكون حرب بين دولتين بسبب التوتر الحالي بعد انهيار مباحثات النفط واغلاق حكومة الجنوب "صنبور" النفط . وكان من نتائج نظام الانقاذ أن تكاثرت وتناسلت الحركات الدينية الارهابية والسلفية المتطرفة التي تهدف الي تمزيق ماتبقي من نسيج السودان السياسي والاجتماعي والثقافي، وهذه التيارات الدينية المتشددة تحظي بدعم من النظام بهدف لعب دورها في شغل الحركة السياسية وقوي المعارضة عن مواصلة المقاومة للنظام وتشتيت جهودها في معارك جانبية. وبالتالي من المهم تفويت الفرصة عليها، وخلق اوسع جبهة من القوي السياسية وكل العناصر المستنيرة من المثقفين ورجال الدين والطرق الصوفية بهدف اطفاء نيران شر الفتنة الدينية المستطير، والوقوف سدا منيعا أمام دعاة الفتنة الدينية والارهاب باسم الدين، ومواحهة التطرف والهوس الديني استنادا الي الخلاصات التي راكمها شعب السودان وجني ثمارها المرة جراء اقحام الدين في السياسة، وكما يقول المثل: " لاخير في تجربة لاثورث حكمة". التكفير يتعارض مع الديمقراطية واحترام الرأي والرأي الآخر ومع روح العصر الذي يرتكز علي العقلانية وحرية الفكر والبحث العلمي، كما يتعارض مع طبيعة المجتمع السوداني القائم علي التسامح والتنوع التاريخي والثقافي والديني واللغوي. ولابديل لدولة المواطنة – الدولة المدنية الديمقراطية – التي تسع الجميع وتحقق المساواة بين الناس غض النظر عن الدين أو الثقافة أو اللغة أو العرق أو الجنس أو النوع. وتفتح الباب لتماسك المجتمع وتوحيده من خلال تنوعه، واعادة توحيد الوطن من جديد علي أسس طوعية وديمقراطية، وتحقيق الديمقراطية السياسية والتنمية الاقتصادية المتوازنة والتي تحقق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة وتوفير احتياجات الناس الأساسية في التعليم والصحة والحق في العمل والسكن..الخ، وقفل الطريق أمام القوي الظلامية التي تتخذ من الدين دثارا ودرعا ايديولوجيا لتحقيق مصالحها الاقتصادية والدنيوية الضيّقة.
#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأزمة العامة للرأسمالية ومراحل تطورها.
-
تجربة الصراع بين الحزب الشيوعي وانقلاب مايو 1969م
-
تفاقم أزمة النظام الرأسمالي
-
الأزمة الوطنية العامة: جذورها والبديل
-
كيف ارتبطت الماركسية بالواقع السوداني؟
-
الذكري ال 56 للاستقلال ومآل السودان.
-
ثم ماذا بعد مقتل د. خليل ابراهيم
-
وداعا الزميل النبيل جلال كردمان
-
الاستراتيجية والتاكتيك وخط الحزب في الفترة الراهنة.
-
ملف الحوار المتمدن بمناسبة ذكراها العاشرة
-
أجمل من رائحة النضال لم يشمّ رائحة.. وداعا المناضل التيجاني
...
-
تجربة الاسلام السياسي في تعميق الخطاب العنصري.
-
هل نحن مقبلون علي نظرية جديدة تتجاوز اينشتين؟
-
اتساع لهيب الحرب والصعود الي الهاوية
-
انتخابات تونس ومستقبل الديمقراطية
-
خذوا العبرة من تجربة نظام القذافي...
-
كان اكتوبر في أمتنا منذ الأزل: كتاب ثورة شعب.
-
هل يصلح العطار ماأفسده الدهر؟!!
-
اما زوال النظام أو تمزيق ماتبقي من الوطن.
-
لامخرج من الأزمة الا باسقاط النظام.
المزيد.....
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج
...
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
-
“فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|