سعاد خيري
الحوار المتمدن-العدد: 3630 - 2012 / 2 / 6 - 11:56
المحور:
سيرة ذاتية
الفصل الثالث
عشر سنوات السجن في سجن النساء المركزي في بغداد
استقبلنا في سجن النساء المركزي في بغداد من قبل الشرطة والسجانات بوجوم وتعجب من مرحنا رغم الاحكام الثقيلة التي حملنا بها . فلاول مرة بتاريخ العراق يحكم بالمؤبد على نساء لاسباب سياسية. فما هي جريتنا! كنا بين ام كهلة وعاملتين اميتين وطالبة متوسطة وطالبتي كلية وناشطة سياسية واحدة! ولا يتعدى وعي الجميع الشعور الوطني وحب الانسانية . ولايزيدنشاطهن على بث الوعي الوطني والانساني , بين النساء وقيادة النشاطات الجماهيرية من مظاهرات مطالبة بالجلاء والحريات الديموقراطية , والدفاع عن القضية الفلسطينية وعن السجناء السياسيين. و كان الجميع يتمتع بثقة عالية بالنفس وبالاستعداد لكل تضحية وتحمل مسؤلية اختياره لسبيل حياته.
ولحسن الحظ كان الدوام منتهيا ولم تستقبلنا ادارة سجن النساء. لايمكنني تقدير الوضع النفسي لاي من الاخريات . اذ لم يكن لاي منا حتى الام الت يتناهز السبعين, اي مظهر للالم او الحزن, وانما كانت بوادر التعب بادية على الجميع. وبعد محادثات مقتضبة مع الرفيقات المسجونات ومساعدتهم لنا ذهب الجنيع للنوم, بانتظار مواجهات الغد مع الادارة.
افرغت ادارة السجن لنا قاووشا خاصا لتبعد تأثيرنا على السجينات العاديات . وحضرت مديرة السجن مع كل السجانات الاربعة معها بعد ان حملت السجينات العاديات لنا ملابس سجنية قذرة وفراش سجني مليء عن الطعامبالحشرات. وامرت مديرة السجن , يجب ان تخضعوا لنظام السجن. وعليكم ان تلبسوا هذه الملابس وتناموا على هذه الافرشة وتسلموا كل ما عندكم لاهاليكم. ولا تأكلوا سوى طعام السجن, ولازيارات الا مرة في الشهر.
فتحدثت باسمنا المسؤلة المنتخبة قائلة , نحن سجينات سياسيات ولنا حقوق سياسية كفلها القانون, تتيح لنا التمتع بملابسنا وفراشنا, وبالزيارات مرتين في الاسبوع على الاقل, وبمخصصات غذاء لنتمتع بحرية اختيار الغذاء المناسب, فضلا عن السماح بالصحف اليومية والكتب . وسألت المديرة , هل هذا رأي الجميع ! اجبناها , نعم. رحلت والشرر يقدح من عينيها قائلة , سترون!!
عادت بعد بضعة دقائق ومعها عشر سجانين يحملون العصي , هجموا علينا بالضرب ونزعوا ملابسنا واخذوا فراشنا وكل حاجياتنا والعصي تصيب اجسادنا جميعا واستطاعت احدها ان تسلخ جزءا من جلد ذراعي.
اول اضراب عن الطعام
خرجنا بعد الهجمة من القاووش الى زاوية مبلطة بالاسمنت وافترشنا الارض معلنات الاضراب عن الطعام حتى الموت او ننال حقوقنا السياسية. وانضم الى الاضراب السجينات السياسيات السابقات. فاصبح عددنا اثنى عشر . فوجئت الادارة بقرارنا واتصلت بادارة السجن المركزي . فحضر المدير وهو يهدد سندفن كل من تموت هنا. وعند الظهيرة , صفوا طاسات السجن النحاسية المملوءة بطعام السجن. وكانت السجانات يراقبن سلوكنا وسط تعجب السجينات العاديات مما حدث لنا لاسيما وانهن لم يلمسن اي سلوك سيء منا بل وتوثقت بعض علاقات الصداقة معهن. ولكن بعد تهديد الادارة لهن وتحذيرهن من كل اتصال بنا تحت طائلة العقوبات الوخيمة بما فيها اصدار احكام ثقيلة والنقل الى سجن اخر, اخذن يراقبن الوضع عن بعد ويعربن عن تعاطفهن معنا بالاشارات.
كنا تنبع قواعد الاضراب عن الطعام التي وضعها الرفيق فهد منذ اول اضراب للسجناء السياسيين في سجن الكوت من اجل الحقوق السياسية ودام الاضراب عشرة ايام دون ان يحقق اهدافه بل جرى تحقيق معظم الحقوق السياسية لهم دون الاقرار بانهم سجناء سياسيون!
كنا نشرب قدحا من الشاي المحلى بالسكر صباحا واخر مساء فقط مع حرية شرب الماء. ولحساسية معدتي , امتنعت عن شرب الشاي ايضا. ولما تلمست الادارة اصرارنا, اخذت تعمل على تفرقة صفوفنا . فقال مدير السجن لصبيحة يوسف , انهم يخدعونكفعمومة وسعيدة محكومتات مؤبد ولا يهمهن ما سيحل بكن لاننا سنزيد احكام كل مضربة عن الطعام! فاجابته بشجاعة , اذا كنا نفضل الموت على معاملتنا كسجينات عاديات فماذا تهمنا الاحكام التي ستضيفونها!! وخرج المدير خائبا. وبعد ايام عاد ومعه حلاق السجن مهددا , من لم تنهي الاضراب سنحلق شعرها , فاضاف الى مزحنا اليومي مزحة جديدة . واخذنا امامه نبحث عن قطع قماش لنعصب بها رؤسنا بعد الحلاقة.
لم نعد نحس بالجوع لان الانسان لا يحس بالجوع الا في الايام الثلاثة الاولى من الاضراب وفي الاوقات التي تعود تناول الطعام فيها. وبعدها يصبح الامر عاديا بانتظار قدح الشاي الصباحي والمسائي. ولكن وبدون شعور يتخلل الاحاديث احاديث عن اطيب الاكلات.
وفي اليوم التاسع عشر من الاضراب ساءت صحتي فنقلوني الى مستشفى الكرخ وهناك حاولوا افطاري بكل الوسائل دون جدوى ز واذا باربعة مضمدين يمسكون بجسمي وراسي ويمررون انبوبا مطاطيا من انفي الى معدتي ويسكبون الحليب الممزوج بالبيض والسكر دون ان استطيع المقاومة. ها اننا استطعنا افطارك. قلت , وهل ستبقون تغذوني بهذه الطريقة طول حياتي ! قالوا, سنرى!
بعدها احضروا الى المستشفى ثلاث مضربات خريات وحاولوا العمل نفسه معهن .لم يتحملن ذلك وطلبن العودةالى السجن للتفاوض مع الاخريات. وهكذا تم الاتفاق على اعطائنا بعض الحقوق ومن اهمها قراءة الصحف والكتب واعطائنا قماش السجن ونحن نخيطه ومواد السجن الغذاشية ونحن نعد طعامنا وزيارات مرة في الاسبوع. وهكذا انتهى اول اضراب عن الطعام للسجناء السياسيين في العراق يمتد لتسعة عشر يوما دون ان يعترف لهم بالحقوق السياسية.
بقيت ذكرى هذا الاضراب حية في ذاكرتي حتى اليوم. وتجددت في الاعتصام الذي قام به شبيبة حزب اليسار السويدي في 19/4/2002 تضامنا مع الشعب الفلسطيني , مط-البين بانهاء الاحتلال الاسرائيلي واقامة الدولة الفلسطينية واشتركت به صدفة. وبينما كنت ارد على دهشتهم لمساهمتي معهم, وانا في هذه السن, اخبرتهم عن يربط ضفتي البحراول اضراب عن الطعام في حياتي قبل 53 سنة وكان ايضا على ار ض كونكريتية ولكن ليس على جسريربط ضفتي البحر بين قصر الملك والبرلمان السويدي وكيف كنا لا نتناول سوى قدح من الشاي المحاى بالسكرصباحا واخر في المساء . فعمت البهجة بين الشباب اذ لم يكونوا يعرفون كيقية تنفيذ الاضراب . وهكذا كان للتجربة وذكراها فائدتها.
الفصل الثالث
عشر سنوات السجن في سجن النساء المركزي في بغداد
استقبلنا في سجن النساء المركزي في بغداد من قبل الشرطة والسجانات بوجوم وتعجب من مرحنا رغم الاحكام الثقيلة التي حملنا بها . فلاول مرة بتاريخ العراق يحكم بالمؤبد على نساء لاسباب سياسية. فما هي جريتنا! كنا بين ام كهلة وعاملتين اميتين وطالبة متوسطة وطالبتي كلية وناشطة سياسية واحدة! ولا يتعدى وعي الجميع الشعور الوطني وحب الانسانية . ولايزيدنشاطهن على بث الوعي الوطني والانساني , بين النساء وقيادة النشاطات الجماهيرية من مظاهرات مطالبة بالجلاء والحريات الديموقراطية , والدفاع عن القضية الفلسطينية وعن السجناء السياسيين. و كان الجميع يتمتع بثقة عالية بالنفس وبالاستعداد لكل تضحية وتحمل مسؤلية اختياره لسبيل حياته.
ولحسن الحظ كان الدوام منتهيا ولم تستقبلنا ادارة سجن النساء. لايمكنني تقدير الوضع النفسي لاي من الاخريات . اذ لم يكن لاي منا حتى الام التيتناهز السبعين, اي مظهر للالم او الحزن, وانما كانت بوادر التعب بادية على الجميع. وبعد محادثات مقتضبة مع الرفيقات المسجونات ومساعدتهم لنا ذهب الجنيع للنوم, بانتظار مواجهات الغد مع الادارة.
افرغت ادارة السجن لنا قاووشا خاصا لتبعد تأثيرنا على السجينات العاديات . وحضرت مديرة السجن مع كل السجانات الاربعة معها بعد ان حملت السجينات العاديات لنا ملابس سجنية قذرة وفراش سجني مليء عن الطعامبالحشرات. وامرت مديرة السجن , يجب ان تخضعوا لنظام السجن. وعليكم ان تلبسوا هذه الملابس وتناموا على هذه الافرشة وتسلموا كل ما عندكم لاهاليكم. ولا تأكلوا سوى طعام السجن, ولازيارات الا مرة في الشهر.
فتحدثت باسمنا المسؤلة المنتخبة قائلة , نحن سجينات سياسيات ولنا حقوق سياسية كفلها القانون, تتيح لنا التمتع بملابسنا وفراشنا, وبالزيارات مرتين في الاسبوع على الاقل, وبمخصصات غذاء لنتمتع بحرية اختيار الغذاء المناسب, فضلا عن السماح بالصحف اليومية والكتب . وسألت المديرة , هل هذا رأي الجميع ! اجبناها , نعم. رحلت والشرر يقدح من عينيها قائلة , سترون!!
عادت بعد بضعة دقائق ومعها عشر سجانين يحملون العصي , هجموا علينا بالضرب ونزعوا ملابسنا واخذوا فراشنا وكل حاجياتنا والعصي تصيب اجسادنا جميعا واستطاعت احدها ان تسلخ جزءا من جلد ذراعي.
اول اضراب عن الطعام
خرجنا بعد الهجمة من القاووش الى زاوية مبلطة بالاسمنت وافترشنا الارض معلنات الاضراب عن الطعام حتى الموت او ننال حقوقنا السياسية. وانضم الى الاضراب السجينات السياسيات السابقات. فاصبح عددنا اثنى عشر . فوجئت الادارة بقرارنا واتصلت بادارة السجن المركزي . فحضر المدير وهو يهدد سندفن كل من تموت هنا. وعند الظهيرة , صفوا طاسات السجن النحاسية المملوءة بطعام السجن. وكانت السجانات يراقبن سلوكنا وسط تعجب السجينات العاديات مما حدث لنا لاسيما وانهن لم يلمسن اي سلوك سيء منا بل وتوثقت بعض علاقات الصداقة معهن. ولكن بعد تهديد الادارة لهن وتحذيرهن من كل اتصال بنا تحت طائلة العقوبات الوخيمة بما فيها اصدار احكام ثقيلة والنقل الى سجن اخر, اخذن يراقبن الوضع عن بعد ويعربن عن تعاطفهن معنا بالاشارات.
كنا تنبع قواعد الاضراب عن الطعام التي وضعها الرفيق فهد منذ اول اضراب للسجناء السياسيين في سجن الكوت من اجل الحقوق السياسية ودام الاضراب عشرة ايام دون ان يحقق اهدافه بل جرى تحقيق معظم الحقوق السياسية لهم دون الاقرار بانهم سجناء سياسيون!
كنا نشرب قدحا من الشاي المحلى بالسكر صباحا واخر مساء فقط مع حرية شرب الماء. ولحساسية معدتي , امتنعت عن شرب الشاي ايضا. ولما تلمست الادارة اصرارنا, اخذت تعمل على تفرقة صفوفنا . فقال مدير السجن لصبيحة يوسف , انهم يخدعونكفعمومة وسعيدة محكومتات مؤبد ولا يهمهن ما سيحل بكن لاننا سنزيد احكام كل مضربة عن الطعام! فاجابته بشجاعة , اذا كنا نفضل الموت على معاملتنا كسجينات عاديات فماذا تهمنا الاحكام التي ستضيفونها!! وخرج المدير خائبا. وبعد ايام عاد ومعه حلاق السجن مهددا , من لم تنهي الاضراب سنحلق شعرها , فاضاف الى مزحنا اليومي مزحة جديدة . واخذنا امامه نبحث عن قطع قماش لنعصب بها رؤسنا بعد الحلاقة.
لم نعد نحس بالجوع لان الانسان لا يحس بالجوع الا في الايام الثلاثة الاولى من الاضراب وفي الاوقات التي تعود تناول الطعام فيها. وبعدها يصبح الامر عاديا بانتظار قدح الشاي الصباحي والمسائي. ولكن وبدون شعور يتخلل الاحاديث احاديث عن اطيب الاكلات.
وفي اليوم التاسع عشر من الاضراب ساءت صحتي فنقلوني الى مستشفى الكرخ وهناك حاولوا افطاري بكل الوسائل دون جدوى ز واذا باربعة مضمدين يمسكون بجسمي وراسي ويمررون انبوبا مطاطيا من انفي الى معدتي ويسكبون الحليب الممزوج بالبيض والسكر دون ان استطيع المقاومة. ها اننا استطعنا افطارك. قلت , وهل ستبقون تغذوني بهذه الطريقة طول حياتي ! قالوا, سنرى!
بعدها احضروا الى المستشفى ثلاث مضربات خريات وحاولوا العمل نفسه معهن .لم يتحملن ذلك وطلبن العودةالى السجن للتفاوض مع الاخريات. وهكذا تم الاتفاق على اعطائنا بعض الحقوق ومن اهمها قراءة الصحف والكتب واعطائنا قماش السجن ونحن نخيطه ومواد السجن الغذاشية ونحن نعد طعامنا وزيارات مرة في الاسبوع. وهكذا انتهى اول اضراب عن الطعام للسجناء السياسيين في العراق يمتد لتسعة عشر يوما دون ان يعترف لهم بالحقوق السياسية.
بقيت ذكرى هذا الاضراب حية في ذاكرتي حتى اليوم. وتجددت في الاعتصام الذي قام به شبيبة حزب اليسار السويدي في 19/4/2002 تضامنا مع الشعب الفلسطيني , مط-البين بانهاء الاحتلال الاسرائيلي واقامة الدولة الفلسطينية واشتركت به صدفة. وبينما كنت ارد على دهشتهم لمساهمتي معهم, وانا في هذه السن, اخبرتهم عن يربط ضفتي البحراول اضراب عن الطعام في حياتي قبل 53 سنة وكان ايضا على ار ض كونكريتية ولكن ليس على جسريربط ضفتي البحر بين قصر الملك والبرلمان السويدي وكيف كنا لا نتناول سوى قدح من الشاي المحاى بالسكرصباحا واخر في المساء . فعمت البهجة بين الشباب اذ لم يكونوا يعرفون كيقية تنفيذ الاضراب . وهكذا كان للتجربة وذكراها فائدتها.
الفصل الثالث
عشر سنوات السجن في سجن النساء المركزي في بغداد
استقبلنا في سجن النساء المركزي في بغداد من قبل الشرطة والسجانات بوجوم وتعجب من مرحنا رغم الاحكام الثقيلة التي حملنا بها . فلاول مرة بتاريخ العراق يحكم بالمؤبد على نساء لاسباب سياسية. فما هي جريتنا! كنا بين ام كهلة وعاملتين اميتين وطالبة متوسطة وطالبتي كلية وناشطة سياسية واحدة! ولا يتعدى وعي الجميع الشعور الوطني وحب الانسانية . ولايزيدنشاطهن على بث الوعي الوطني والانساني , بين النساء وقيادة النشاطات الجماهيرية من مظاهرات مطالبة بالجلاء والحريات الديموقراطية , والدفاع عن القضية الفلسطينية وعن السجناء السياسيين. و كان الجميع يتمتع بثقة عالية بالنفس وبالاستعداد لكل تضحية وتحمل مسؤلية اختياره لسبيل حياته.
ولحسن الحظ كان الدوام منتهيا ولم تستقبلنا ادارة سجن النساء. لايمكنني تقدير الوضع النفسي لاي من الاخريات . اذ لم يكن لاي منا حتى الام التيتناهز السبعين, اي مظهر للالم او الحزن, وانما كانت بوادر التعب بادية على الجميع. وبعد محادثات مقتضبة مع الرفيقات المسجونات ومساعدتهم لنا ذهب الجنيع للنوم, بانتظار مواجهات الغد مع الادارة.
افرغت ادارة السجن لنا قاووشا خاصا لتبعد تأثيرنا على السجينات العاديات . وحضرت مديرة السجن مع كل السجانات الاربعة معها بعد ان حملت السجينات العاديات لنا ملابس سجنية قذرة وفراش سجني مليء عن الطعامبالحشرات. وامرت مديرة السجن , يجب ان تخضعوا لنظام السجن. وعليكم ان تلبسوا هذه الملابس وتناموا على هذه الافرشة وتسلموا كل ما عندكم لاهاليكم. ولا تأكلوا سوى طعام السجن, ولازيارات الا مرة في الشهر.
فتحدثت باسمنا المسؤلة المنتخبة قائلة , نحن سجينات سياسيات ولنا حقوق سياسية كفلها القانون, تتيح لنا التمتع بملابسنا وفراشنا, وبالزيارات مرتين في الاسبوع على الاقل, وبمخصصات غذاء لنتمتع بحرية اختيار الغذاء المناسب, فضلا عن السماح بالصحف اليومية والكتب . وسألت المديرة , هل هذا رأي الجميع ! اجبناها , نعم. رحلت والشرر يقدح من عينيها قائلة , سترون!!
عادت بعد بضعة دقائق ومعها عشر سجانين يحملون العصي , هجموا علينا بالضرب ونزعوا ملابسنا واخذوا فراشنا وكل حاجياتنا والعصي تصيب اجسادنا جميعا واستطاعت احدها ان تسلخ جزءا من جلد ذراعي.
اول اضراب عن الطعام
خرجنا بعد الهجمة من القاووش الى زاوية مبلطة بالاسمنت وافترشنا الارض معلنات الاضراب عن الطعام حتى الموت او ننال حقوقنا السياسية. وانضم الى الاضراب السجينات السياسيات السابقات. فاصبح عددنا اثنى عشر . فوجئت الادارة بقرارنا واتصلت بادارة السجن المركزي . فحضر المدير وهو يهدد سندفن كل من تموت هنا. وعند الظهيرة , صفوا طاسات السجن النحاسية المملوءة بطعام السجن. وكانت السجانات يراقبن سلوكنا وسط تعجب السجينات العاديات مما حدث لنا لاسيما وانهن لم يلمسن اي سلوك سيء منا بل وتوثقت بعض علاقات الصداقة معهن. ولكن بعد تهديد الادارة لهن وتحذيرهن من كل اتصال بنا تحت طائلة العقوبات الوخيمة بما فيها اصدار احكام ثقيلة والنقل الى سجن اخر, اخذن يراقبن الوضع عن بعد ويعربن عن تعاطفهن معنا بالاشارات.
كنا تنبع قواعد الاضراب عن الطعام التي وضعها الرفيق فهد منذ اول اضراب للسجناء السياسيين في سجن الكوت من اجل الحقوق السياسية ودام الاضراب عشرة ايام دون ان يحقق اهدافه بل جرى تحقيق معظم الحقوق السياسية لهم دون الاقرار بانهم سجناء سياسيون!
كنا نشرب قدحا من الشاي المحلى بالسكر صباحا واخر مساء فقط مع حرية شرب الماء. ولحساسية معدتي , امتنعت عن شرب الشاي ايضا. ولما تلمست الادارة اصرارنا, اخذت تعمل على تفرقة صفوفنا . فقال مدير السجن لصبيحة يوسف , انهم يخدعونكفعمومة وسعيدة محكومتات مؤبد ولا يهمهن ما سيحل بكن لاننا سنزيد احكام كل مضربة عن الطعام! فاجابته بشجاعة , اذا كنا نفضل الموت على معاملتنا كسجينات عاديات فماذا تهمنا الاحكام التي ستضيفونها!! وخرج المدير خائبا. وبعد ايام عاد ومعه حلاق السجن مهددا , من لم تنهي الاضراب سنحلق شعرها , فاضاف الى مزحنا اليومي مزحة جديدة . واخذنا امامه نبحث عن قطع قماش لنعصب بها رؤسنا بعد الحلاقة.
لم نعد نحس بالجوع لان الانسان لا يحس بالجوع الا في الايام الثلاثة الاولى من الاضراب وفي الاوقات التي تعود تناول الطعام فيها. وبعدها يصبح الامر عاديا بانتظار قدح الشاي الصباحي والمسائي. ولكن وبدون شعور يتخلل الاحاديث احاديث عن اطيب الاكلات.
وفي اليوم التاسع عشر من الاضراب ساءت صحتي فنقلوني الى مستشفى الكرخ وهناك حاولوا افطاري بكل الوسائل دون جدوى ز واذا باربعة مضمدين يمسكون بجسمي وراسي ويمررون انبوبا مطاطيا من انفي الى معدتي ويسكبون الحليب الممزوج بالبيض والسكر دون ان استطيع المقاومة. ها اننا استطعنا افطارك. قلت , وهل ستبقون تغذوني بهذه الطريقة طول حياتي ! قالوا, سنرى!
بعدها احضروا الى المستشفى ثلاث مضربات خريات وحاولوا العمل نفسه معهن .لم يتحملن ذلك وطلبن العودةالى السجن للتفاوض مع الاخريات. وهكذا تم الاتفاق على اعطائنا بعض الحقوق ومن اهمها قراءة الصحف والكتب واعطائنا قماش السجن ونحن نخيطه ومواد السجن الغذاشية ونحن نعد طعامنا وزيارات مرة في الاسبوع. وهكذا انتهى اول اضراب عن الطعام للسجناء السياسيين في العراق يمتد لتسعة عشر يوما دون ان يعترف لهم بالحقوق السياسية.
بقيت ذكرى هذا الاضراب حية في ذاكرتي حتى اليوم. وتجددت في الاعتصام الذي قام به شبيبة حزب اليسار السويدي في 19/4/2002 تضامنا مع الشعب الفلسطيني , مط-البين بانهاء الاحتلال الاسرائيلي واقامة الدولة الفلسطينية واشتركت به صدفة. وبينما كنت ارد على دهشتهم لمساهمتي معهم, وانا في هذه السن, اخبرتهم عن يربط ضفتي البحراول اضراب عن الطعام في حياتي قبل 53 سنة وكان ايضا على ار ض كونكريتية ولكن ليس على جسريربط ضفتي البحر بين قصر الملك والبرلمان السويدي وكيف كنا لا نتناول سوى قدح من الشاي المحاى بالسكرصباحا واخر في المساء . فعمت البهجة بين الشباب اذ لم يكونوا يعرفون كيقية تنفيذ الاضراب . وهكذا كان للتجربة وذكراها فائدتها.
#سعاد_خيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟